عناصر الخطبة
1/الإجازة من نعم الله علينا 2/من المظاهر الإيجابية في المنتزهات 3/ثلاث وصايا للمتنزهيناقتباس
لئن كانت قلةٌ قليلةٌ يَرمونَ أوعيةَ الأكلِ الورقيةِ والبلاستيكيةِ، فإن الكثرةَ الكاثرةَ -بحمدِ اللهِ- عندهم وعيٌ شرعيٌ وحضاريٌ؛ فتجدُهم لا يُحرقونَ هذهِ المخلفاتِ ولا يدفنونَها، بل يحملونَها بكيسٍ معهم، فلا يُلْقُونَها إلا في الحاوياتِ؛ ليَسلمَ مِن أذاها مَن أتاها...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ للهِ الذي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له؛ (إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا)[فاطر: 44]، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه (كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا)[سبأ: 28] فصلى اللهُ وسلمَ عليهِ ما طلعتِ الشمسُ إسراجًا وتنويرًا.
أما بعدُ: فاتقُوا اللهَ حقَ تقواهُ.
عبادَ اللهِ: إننا في هذهِ الأيامِ نتقلبُ في نعمٍ من اللهِ غامرةٍ، وأمنٍ وديارٍ عامرةٍ، ممطرةٌ سماؤُنا، مخضرةٌ أرضُنا، لطيفٌة أجواؤُنا، وسيَكثرُ في جوفِ الأرضِ ماؤُنا؛ (وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا)[الإسراء: 20].
فاللهم لك الحمدُ لا نُحصي ثناءً عليك، فمنكَ ماؤُنا، ومنكَ طعامُنا؛ (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ)[السجدة: 27].
ونعمةٌ أخرى تحبونَها، فها قد بدأت إجازةُ أولادِنا ومعلمِيهم، وكُلُّ النَّاسِ في الإجازةِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا، ومِن حقِ الناسِ أن يتنزهُوا ويتمتعُوا دونَ أَشَرٍ أو بَطَرٍ، ومَن الذي يقولُ: إن الاستقامةَ على دينِ اللهِ مانعةٌ من الأُنسِ والمرحِ، والتنزهِ والفرحِ؟!.
أيُها المسلمونَ: هناك مظاهرُ إيجابيةٌ في حياةِ المتنزهينَ والمرتحِلينَ، حَرِيَّةٌ بأن تُذكرَ فتُشكرَ، ومظاهرُ سلبيةٌ حَرِيةٌ بأن تُذكَرَ فتُحذَرَ.
ومن تلكَ المظاهرِ الإيجابيةِ عندَ التنزهاتِ خمسٌ جميلاتٌ جليلاتٌ:
الأُولَى: النداءُ للصلاةِ بالأذانِ، والأذانُ في الفلاةِ أجرُه عظيمٌ، قالَ نبيُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ؛ فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيءٌ؛ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(رواهُ البخاريُ).
وليُبشرِ المتنزهونَ -أيضًا- إن لصلاتِهم خارجَ العمرانِ أجراً خاصًا عظيماً، فقد قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الصَّلَاةُ فِي جَمَاعَةٍ تَعْدِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً، فَإِذَا صَلَّاهَا فِي فَلَاةٍ فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا بَلَغَتْ خَمْسِينَ صَلَاةً"(رواهُ أبو داودَ وصححهُ ابنُ حبانَ والحاكمُ والذهبيُ وابنُ حجرٍ والمُناويُ والسفَّارينيُ، وحسنهُ ابنُ مفلحٍ وابنُ بازٍ"؛ قالَ العلماءُ: "سببُ المضاعفةِ أنَّ الْفَلَاةَ فِي الْغَالِبِ مِنْ مَوَاطِنِ الْخَوْفِ، فَالْإِقْبَالُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الصَّلَاةِ أَمْرٌ لَا يَنَالُهُ إلَّا مَنْ بَلَغَ فِي التَّقْوَى.. وَأَيْضًا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ يَنْقَطِعُ الرِّيَاءُ".
الثانيةُ: من المظاهرِ الإيجابيةِ للرحلاتِ وارتيادِ الاستراحاتِ: تقارُبُ الأقاربِ في جوٍ من الاستمتاعِ والتحابُبِ، واسثمارُها لتوجيهٍ هادفٍ أو قصةٍ تربويةٍ، أو إكسابِ مهارةِ الطبخِ، ومناسَبةٌ مناسِبةٌ لتدريبِ النشءِ على تحملِ المسؤوليةِ.
الثالثةُ: لئن كانت قلةٌ قليلةٌ يَرمونَ أوعيةَ الأكلِ الورقيةِ والبلاستيكيةِ، فإن الكثرةَ الكاثرةَ -بحمدِ اللهِ- عندهم وعيٌ شرعيٌ وحضاريٌ؛ فتجدُهم لا يُحرقونَ هذهِ المخلفاتِ ولا يدفنونَها، بل يحملونَها بكيسٍ معهم، فلا يُلْقُونَها إلا في الحاوياتِ؛ ليَسلمَ مِن أذاها مَن أتاها.
الرابعةُ: ثمتَ مظهرٌ إيجابيٌ لا تخطؤهُ العينُ، حينَ يتعطلُ أحدُ المتنزهينَ، فإنك تجدُ أهلَ الشهامةِ والنخوةِ يتسابقونَ للإنقاذِ والمساعدةِ، ولجمعيةِ إنجادٍ وفزعةٍ وأخواتِها قصبُ سبقٍ؛ "وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ".
الخامسةُ: التفكرُ الذي يتبعُه تذكرٌ وتذكيرٌ، فيا أيُها المتنزهُ: ذكِّرهم بعظمةِ اللهِ فيما خلقَ وأنت ترَى عجائبَ من الدوابِ والزواحفِ والحشراتِ؛ (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[هود: 6]، ثم وأنت تجوبُ أرضَ اللهِ الواسعةِ تفكرْ في ألوانِ الجبالِ والرمالِ؛ (وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ)[فاطر: 27].
وذكِّرهم بسنةِ التكبيرِ حين تَرْقَونَ مرتفعًا، وبالتسبيحِ حين تَنْحَدِرُونَ منخَفَضًا.
الحمدُ للهِ وكفَى، وصلاةً وسلامًا على النبيِ المصطفَى.
أما بعدُ: فإليكم -أيُها المتنزهونَ- ثلاثَ وصايا للتنزهاتِ، وكلُها داخلةٌ في قولِ ربِنا: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[المائدة: 2].
الأولى: الحذرُ من الإسرافِ في المشترياتِ المطبوخةِ والمأكولةِ، ثم إهانتُها بإلقائِها في الأرضِ؛ بحجةِ أن البهائمَ والطيورَ تأكلُها!.
ثانياً: التحذيرُ من المبيتِ في الأوديةِ والشعابِ، أو قطعِها بالسيارةِ أثناءَ جريانِها؛ لما فيهِ من تعريضِ النفسِ والمالِ للهلاكِ، وقد أحسنتِ الجهاتُ الأمنيةُ، بفرضِ غرامةٍ على المتهورينَ.
ثالثاً: أهميةُ المحافظةِ على الغطاءِ النباتيِ بإطاراتِ السياراتِ، ومراعاةِ التعليماتِ عند إشعالِ النارِ، وإطفائِها قبلَ مغادرةِ المكانِ.
وبعدُ: فلنبعثِ التفاؤلَ والتفاعلَ، ولنُبرزِ الإيجابياتِ، ولا نُركزْ على السلبياتِ وكأنه لا يوجدُ إلا هيَ؛ ففي الناسِ خيرٌ وخوفٌ من اللهِ.
فاللهم لكَ الحمدُ على الأمنِ والإيمانِ، وعلى إمدادِ الأعمالِ والأعمارِ، والإغداقِ بالأرزاقِ وبالغيثِ الدفاقِ.
اللهم احفظ علينا دينَنا وجنودَنا وحدودَنا وثمراتِنا وثرواتِنا، واحفظْ أرضَنا وسماءَنا، وادحرْ أعداءَنا، وانصر إخوانَنا بأكنافِ بيتِ المقدسِ، واهزم إخوانَ القردةِ والخنازيرِ، اللهم أصلحْ الشبابَ والفتياتِ، للمحافظةِ على دينِهم وصلاتِهم وأوقاتِهم، وقيمِهم وعاداتِ بلدِهم ومكتسباتِ وطنِهم، اللهم إنا نعوذُ بك مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ، اللهم احفظْ بلادَنا وبلادَ المسلمينَ، اللهم أيدْ بالحقِ إمامَنا ووليَ عهدِه، اللهم ارزقهمْ بطانةَ الصلاحِ والرشادِ، اللهم لكَ الحمدُ يا مَن هو للحمدِ أهلٌ. لكَ الحمدُ على ما أنزلتَ من خيراتِ السحابِ، وأجريتَ من الوديانِ والشِعابِ، اللهم تابع علينا الخيراتِ، وأحضِرْ معها البركاتْ، اللهم يا ذا النعمِ التي لا تحصَى عددًا نسألكَ أن تصليَ وتسلمَ على محمدٍ أبدًا.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم