الإبل في الإسلام- دروس وأحكام – (4) ذكر الله

محمد بن إبراهيم النعيم

2021-01-01 - 1442/05/17 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/أعمال يعدل ثوابها التصدق بالإبل 2/فضائل ذكر الله تعالى 3/أفضل الذكر بعد تلاوة القرآن 4/من أفضل وسائل استغلال الوقت.

اقتباس

إن البعض تراه يسير في سيارته مسافات طويلة، أو ينتظر طبيبًا، أو يقف في طابور لمدة طويلة، فلا تراه يستفيد من وقته، فلا يحرّك لسانه بذِكْر الله، فيحرم نفسه ملايين الحسنات، كان بالإمكان أن يكسبها في ذلك المجلس. والبعض يدَّعي أنه يعرف هذه الفضائل، ولكنه يستحي أن يسبح أمام الناس. أمر غريب أن لا يستحي المدخن ...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا مباركًا فيه؛ يفعل ما يشاء، ويخلق ما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.

 

 وبعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 71-72].

 

عباد الله: الإبل من الحيوانات التي سخَّرها الله -تعالى- وذلَّلها للإنسان، فكانت عوناً له في حلّه وترحاله، وحربه وسِلْمه، يقطع على ظهورها الفيافي والقفار، ويتقوّت بألبانها ولحومها، ويتّخذ من أوبارها بيوته وغطاءه، ومن جلودها نعاله وأدواته.

 

ولذلك جاء الإسلام يرغّب في التقرب إلى الله بالصدقة بالإبل، كونها أعزّ ما يملكه الإنسان من مال في ذلك الوقت، وقد ذكرت لكم في خطب سابقة عن فضل التصدق بالإبل، ومن شفقة النبي -صلى الله عليه وسلم- بنا أن أخبرنا عن أعمال يعدل ثوابها التصدق بالإبل، وعرضت لكم ستة من فضائل الأعمال التي يعدل ثوابها كمن تصدق بعدد من الإبل، واليوم أعرض لكم العمل السابع منها، وهو من أسهل الأعمال وأكثرها أجراً، ألا وهو كثرة ذكر الله -تعالى-، خصوصاً التكبير.

 

ففي يوم من الأيام مر النبي -صلى الله عليه وسلم- على أم هانئ أخت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فدعونا نسمع ما جرى بينهما من حوار؛ فعن أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنها قَالَتْ: مَرَّ بِي ذَاتَ يَوْمٍ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ، فَمُرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ وَأَنَا جَالِسَةٌ، قَالَ: "سَبِّحِي اللَّهَ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فَإِنَّهَا تَعْدِلُ لَكِ مِائَةَ رَقَبَةٍ تُعْتِقِينَهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاحْمَدِي اللَّهَ مِائَةَ تحميده، تَعْدِلُ لَكِ مِائَةَ فَرَسٍ مُسْرَجَةٍ مُلْجَمَةٍ تَحْمِلِينَ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكَبِّرِي اللَّهَ مِائَةَ تَكْبِيرَةٍ، فَإِنَّهَا تَعْدِلُ لَكِ مِائَةَ بَدَنَةٍ مُقَلَّدَةٍ مُتَقَبَّلَةٍ، وَهَلِّلِي اللَّهَ مِائَةَ تَهْلِيلَةٍ، تَمْلأ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَلا يُرْفَعُ يَوْمَئِذٍ لأَحَدٍ عَمَلٌ أفضل مما يُرفع لكِ، إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ مَا أَتَيْتِ بِهِ"(رواه أحمد).

 

فتكبيرك لله مائة مرة في أيّ وقت، يعدل ثواب مائة بدنة مقلّدة متقبّلة، ولا شك أن ثواب ذلك عظيم عند الله -تعالى-، فقد تقرّب النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجّة الوداع بنحر مائة بدنة؛ طلباً للأجر العظيم؛ حيث روى سُفْيَانُ قَالَ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثَلاثَ حَجَّاتٍ: حَجَّتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ، وَحَجَّةً بَعْدَ مَا هَاجَرَ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَقَرَنَ مَعَ حَجَّتِهِ عُمْرَةً، وَاجْتَمَعَ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَمَا جَاءَ بِهِ عَلِيٌّ مِائَةَ بَدَنَةٍ، مِنْهَا جَمَلٌ لأَبِي جَهْلٍ فِي أَنْفِهِ بُرَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، فَنَحَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِيَدِهِ ثَلاثًا وَسِتِّينَ، وَنَحَرَ عَلِيٌّ مَا غَبَرَ"(رواه ابن ماجه).

فبتكبيرك لله مائة مرة في أي وقت، يعدل ثواب مائة بدنة مقلدة متقبلة.

 

تأملوا في حرص تلك الصحابية، أم هانئ  -رضي الله عنها-، تريد أن تجمع حسنات وهي جالسة؛ نظراً لكبر سنّها وعجزها عن القيام ببعض الأعمال التي تحتاج إلى جهد ومشقة، فأرشدها إلى قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر مائة مرة، فبالذكر: تنال بكل يسر أعظم الأجر.

 

فهل تريد أخي المسلم أن تنالَ ثوابَ من أهدى لله -تعالى- مائة بدنة تنحر ويفرق لحمها على المساكين، دون أن تخسر ريالاً واحداً؟؛ أن تكبّر الله مائة تكبيرة فستنال ثواب من أهدى لله مائة بدنة مقلدة متقبلة.

 

أتعرفون ما ثمن مائة بدنة اليوم؟ فلو كان ثمن البدنة الواحدة خمسة آلاف ريال، فإن ثمن مائة بدنة سيصل إلى نصف مليون ريال، فبتكبيرك مائة تكبيرة تنالُ ثواب من أهدى لله مائة بدنة، وهي تعادل ما يزيد على نصف مليون ريال.

 

أرأيت أخي المسلم كم نفرّط في حسنات كثيرة لا تحتاج منا إلى كثير عمل؟ إنها دعوة لكبار السن والذين لا يحسنون قراءة القرآن أن يكثروا من هذه التسبيحات الأربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، خصوصاً إذا كانوا في المسجد ينتظرون الصلاة، فترى بعضهم يضيع وقته في القيل والقال حتى وهو في بيت الله، ويشغل مَنْ بجواره عن قراءة القرآن، فرطّب لسانك يا عبد الله بمثل هذه التسبيحات تنل أعظم الأجور بأيسر الأمور. 

 

لقد أُمرنا بالإكثار من ذكر الله -تعالى- في معظم أحوالنا، لئلا نكون من الغافلين أو المتحسرين يوم القيامة، قال محمد القرظي -رحمه الله تعالى-: "لو رُخص لأحد في ترك الذِّكر لرُخِّص لزكريا -عليه السلام-، قال الله -تعالى-: (آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا)[آل عمران:41]، ولو رُخِّص لأحدٍ في ترك الذكر لرُخِّص للذين يقاتلون في سبيل الله،  قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا)[الأنفال:45]".

 

ألا تعلموا أن أفضل الذكر بعد القرآن أربع كلمات؟ قال: -صلى الله عليه وسلم-: "أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرك بأيهن بدأت"(رواه مسلم).  وهي نفس الكلمات التي أمر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- أم هانئ أن تقولها مائة مرة.

 

لقد أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإكثار من هذه الكلمات الأربع لوجود عدة مزايا لها: منها أنها وسيلة لإكثار أشجارنا في الجنة؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن في الجنة قيعاناً فأكثروا من غرسها"، قالوا: يا رسول الله وما غرسها؟ قال: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر".

 

 وقال في حديث آخر قال -صلى الله عليه وسلم-: "لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلامَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ، عَذْبَةُ الْمَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا؛ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ"(رواه الترمذي). 

 

ومن فوائد هذه الأذكار الأربع أنه يترتب عليها من العطاء والثواب والفضل ما لا يترتب على غيرها من الأعمال، مع أنها أيسر العبادات، فمن فوائدها: أن ثوابها يعدل بعض الأعمال الشاقة على النفوس كالجهاد والعتق والصدقة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ -أي الأغنياء- بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ فَقَالَ: "وَمَا ذَاكَ"؟ قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلا نُعْتِقُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَفَلا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلاَّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ"؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ مَرَّةً"(متفق عليه).

 

وقال -صلى الله عليه وسلم- في حديث آخر: "فمن ضَنَّ بالمال أن يُنفقه، وخاف العدو أن يجاهده، وهاب الليل أن يكابده، فليكثر من قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر".

 

ومن مزايا هذه الكلمات الأربع أنها تحت الخطايا من صحيفتك؛ حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، تَنْفُضُ الْخَطَايَا كَمَا تَنْفُضُ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا"(رواه الترمذي).

 

ومن مزايا هذه التسبيحات الأربع أنها تُثقّل ميزانك؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "بخٍ بخٍ لخمس ما أثقلهن في الميزان: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، والولد الصالح يُتوفى للمرء المسلم فيحتسبه"(رواه ابن حبان).

 

ومن فوائدها أيضاً أنها تعزلك عن النار أثناء مرورك على الصراط؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "خُذوا جُنّتكم من النار، قولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة مقدِّمات، ومعقِّبات، ومُجنِّبات، وهن الباقيات الصالحات"(رواه الحاكم).

 

أيها الإخوة في الله: ومن الأذكار الأخرى التي ينبغي الإكثار منها قول: "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم"، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ"(متفق عليه).

 

 فكثير من الناس يعرفون فضل هاتين الكلمتين، ولكن القليل منهم الذي يرددها ويستغلها؛ ليثقل بها ميزانه ويكثر حسناته، وإنما تراه لا يذكرها إلا إذا سُئِلَ عنها في مسابقة ثقافية أو غيرها.

 

إن البعض تراه يسير في سيارته مسافات طويلة، أو ينتظر طبيبًا، أو يقف في طابور لمدة طويلة، فلا تراه يستفيد من وقته، فلا يحرّك لسانه بذِكْر الله، فيحرم نفسه ملايين الحسنات، كان بالإمكان أن يكسبها في ذلك المجلس. 

 

والبعض يدَّعي أنه يعرف هذه الفضائل، ولكنه يستحي أن يسبح أمام الناس. أمر غريب أن لا يستحي المدخن وهو يشعل سيجارته أمام الناس فيؤذي نفسه وملائكته ومن حوله من الناس، بينما يستحي أحدنا أن يحرك شفتيه في ذِكْر الله -تعالى- ليكسب آلاف الحسنات.

 

 ولِمَ تستحي؟! وأنت في مجتمع مسلم وبين مسلمين كلهم يعرفون أنك تذكر الله وتسبح رب العالمين، وقد تسبح فيراك من يقتدي بك فتكسب أجره. 

 

فتذكر يا عبد الله أن بتكبيرك الله مائة مرة يعدل ثواب مائة ناقة مقلدة متقبلة، فهل ستحرك لسانك بذكر الله وتكبيره؟

 

هذه بعض فضائل الذكر، وقد تركت الكثير لضيق الوقت. فاحذر من مجالس الغفلة التي لا يُذكر فيها الله -عز وجل-. وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "ليس أحد أفضل عند الله -عز وجل- من مؤمن يَعمرُ في الإسلام؛ لتكبيره، وتحميده، وتسبيحه، وتهليله"(صحيح الجامع).

 

أسأل الله -تعالى- أن يعيننا على ذِكْره وشكره وحُسْن عبادته، أقول قولي هذا، راجياً الفائدة لكم ورضى الرحمن، فلنعمل بما سمعنا، فمن يعمل فلنفسه ومن يهمل؛ فقد تعرض للخسران.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي أمر بذكره، ورتب على ذلك عظيم أجره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أعظم الناس ذكرًا لربه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على دربه.

 

 أما بعد: فاتقوا الله -تعالى-، واعلموا أن من أفضل الوسائل لاستغلال الوقت وتكثير الحسنات: هو بترطيب اللسان بذكر الله -تعالى- خصوصاً بالتسبيحات التي حدَّدها النبي -صلى الله عليه وسلم-.

 

لقد أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نسأل الله -تعالى- دُبُر كل صلاة أن يعيننا على ذِكْره وشُكره وحُسْن عبادته، فذكر الله عبادة سهلة يسيرة ليس فيها دفع مال، ولا تتطلب مخاطرة ولا إقداماً، ولا تستلزم فراغاً ولا تستهلك جهداً، عبادة شأنها عظيم، وأثرها كبير في رفع الدرجات ومحو الخطيئات، عبادة يطيقها الصغير والكبير من الرجال والنساء، عبادة تُؤدَّى في كلِّ وقت ومكان، إنها قد قاربت في فضلها فضل الجهاد في سبيل الله، الذي فيه الحرب والضرب وتطاير الرقاب وتقطع الأشلاء، عن هذه العبادة الجليلة؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: "أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ"؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "ذِكْرُ اللَّهِ -تعالى-"(رواه أحمد والترمذي). 

 

وحين جاء رجل يشكو إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثرة شرائع الإسلام عليه، وطلب منه إرشاده إلى ما يتمسك به، ليصل به إلى الجنة، فبماذا أجابه النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ، قَالَ: "لا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ"(رواه الترمذي). 

 

يكفي أيها الإخوة أن مَن أكثَر مِن ذِكْر الله -تعالى- نفَى عن نفسه النفاق؛ لأن المنافقين لا يذكرون الله -تعالى- إلا قليلاً، قال -تعالى-: (الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا)[النساء: 142].

 

ويكفي ذاكر الله كثيراً أن تُستجاب دعوته لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا يرد دعاؤهم: الذاكر الله كثيراً، ودعوة المظلوم، والإمام المقسط"، كما أن المكثرين من ذِكْر الله هم السابقون يوم القيامة لما رواه أبو هُرَيْرَةَ  قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ، فَقَالَ: "سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ، سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ"، قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ"(رواه مسلم). 

 

فلنرطّب ألسنتنا بسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فقد عرضت لكم بعض ثوابها عند الله -عز وجل-. وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "لأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ"(رواه مسلم).

 

اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.

 

اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات، اللهم أصلح لنا ديننا اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا.

 

المرفقات

الإبل في الإسلام- دروس وأحكام – (4) ذكر الله.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات