الأُخوة

صالح بن مبارك بن أحمد دعكيك

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: بناء المجتمع
عناصر الخطبة
1/ الإنسان دومًا في حاجة أخيه 2/ الناس صنفان 3/ مفاتيح الخير مغاليق الشر 4/ مفاتيح الشر مغاليق الخير

اقتباس

إن من سنن الله في هذا الكون أنَّ الإنسان في حاجة أخيه، ولا ينفك عن معونته وحاجته، والإنسان لا يستطيع أن يعيش وحده، بحيث لا يكون في حاجة الغير، فهو -كما يقال- مدني الطبع ولو كان غنيًا أو صاحب جاهٍ وسلطان، فحاجة الناس بعضهم إلى بعض جزء من مكونات حياتهم، لهذا جاء الإسلام ليجعل من هذا التعاون والحاجة عبادة وحسن عمل، بحيث يبذل الإنسان وسعه في إعانة أخيه ولو...

 

 

 

 

الخطبة الأولى: 

أيها الناس: إن من سنن الله في هذا الكون أنَّ الإنسان في حاجة أخيه، ولا ينفك عن معونته وحاجته، والإنسان لا يستطيع أن يعيش وحده، بحيث لا يكون في حاجة الغير، فهو -كما يقال- مدني الطبع ولو كان غنيًا أو صاحب جاهٍ وسلطان، فحاجة الناس بعضهم إلى بعض جزء من مكونات حياتهم، لهذا جاء الإسلام ليجعل من هذا التعاون والحاجة عبادة وحسن عمل، بحيث يبذل الإنسان وسعه في إعانة أخيه ولو لم يطلب منه ذلك، فهو دليل على إيمانه القوي ونفس سامية وحب للآخرين؛ قال تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، فأمر بالتعاون على فعل الخير وما ينفع الناس وما يرضي الرب سبحانه، ونهى عن التعاون على الشرِّ والإثم والفساد.

وقد أخرج ابن ماجه عن سمرة بن سعد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الخير خزائن، وتلك الخزائن مفاتيح، فطوبى لعبدٍ جعله الله مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر، وويلٌ لعبدٍ جعله الله مفتاحًا للشر مغلاقًا للخير".

فهذان صنفان من الناس:

صنف مفاتيح للخير: أولئك هم أهل المروءات، أهل المعروف في الدنيا، عُرفت عنهم السماحة وسعة الصدر، يقصدهم الناس في مصالحهم، فيبذلون لهم من وقتهم وجاههم ومالهم وسعيهم، بما يحقق لهم الخير أو ويدفع عنهم الضرر، وفقهم الله لهذا العمل العظيم، فهو يسوقهم إلى الخير كما يسوق الماء إلى الأرض الميتة التي لا نبات فيها، وإذا بالنبات والعشب والحياة تدبُّ فيها.

إن هذا الصنف من الناس الذين يبذلون كل ما يستطيعون لنفع إخوانهم، هم في الحقيقة أنوار هذه الأرض، وهم منارات الخير فيها، وهم في الحقيقة السلاطين الحقيقيين الذين أحبتهم قلوب الناس ومالت إليهم أفئدتهم، ويودُّ الناس أنهم لا يمشون على الأرض بل يحملون على الأكتاف، فطوبى لمن جعله الله مفتاحًا للخير، يبذل جاهه ووقته وماله وخيرته لنفع إخوانه، حتى يدركوا ما يرجون من خير، وهؤلاء كما يبذلون ما يستطيعون لحاجة إخوانهم يتولى الله تعالى بنفسه حاجتهم وإعانتهم ودفع الكرب عنهم؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته"، وقال أيضًا: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".

فما ظنك بعبدٍ يتولى الله تعالى بنفسه قضاء حاجته وتيسير أمره ودفع المكروه عنه.

إنها فضائل ومكرمات عظيمة يجعلها الله تعالى لأهل المروءات الذين يستقبلون حاجات الناس التي توجه إليهم، وعلى هذا فإنها منازل عليا أكرمهم الله بها بأن اختارهم لها من دون الناس.

أيها الإخوة: أن كل إنسان منَّا ينبغي أن يكون مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر، بالمال لمن آتاه الله مالاً، وبالرأي لمن آتاه الله في الرأي السداد، وبالجاه لمن آتاه الله جاهًا، وبالقلم لمن آتاه الله قلمًا وأعطاه القدرة على التغيير، والزوجة تفعله في بيت زوجها، والأب مع ابنه، والابن مع أبيه، والصاحب مع صاحبه، والجار مع جاره.

فمن استطاع بماله أن يدفع حاجة محتاج فهو مفتاح للخير مغلاق للشر، ومن استطاع بجاهه ونفوذه أن يحقق الخير لإنسان أو يوصله إلى حق فهو مفتاح للخير مغلاق للشر، وإذا رزقك الله لسانًا وقلمًا تدافع به عن الحق وتدعو إلى الخير والفضيلة، وتدفع به في صدور أهل الغواية والباطل، وترفع قضايا المظلومين، فأنت مفتاح للخير مغلاق للشر، وكذلك الزوجة إذا استطاعت أن ترقق قلب زوجها على أهله وأرحامه وجيرانه حتى يصلهم ببره وإحسانه فهي مفتاح للخير مغلاق للشر، وكذلك مَنْ يسعى أو تسعى لهداية الناس وإرشادهم والتحذير من طرق الغواية والشر هم مفاتيح للخير مغاليق للشر.

وهكذا نجد ميادين الحياة كلها فرصًا لعمل الخير ودفع الشر، حتى قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله"، وفي الحديث: "أحب الأعمال إلى الله -عز وجل- سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تطرد عنه جوعًا، أو تقضي عنه دينًا".

فطوبى للمؤمن الصالح الذي يفرج عن أخيه كربة أو يدفع عنه ما يضره، ويجلب له الخير ويقدم له النصح ويقف إلى جانب صاحبه وإخوانه في عسرتهم، ويفتح قلبه وصدره لأصحاب الحاجات ويكون دائمًا ساعيًا في الخير معاونًا على البر والهدى، وقد روى ابن حبان عن ابن عمر: "من أعان عبدًا في حاجته ثبّت الله له مقامه يوم تزول الأقدام".

اللهم اجعلنا من أهل المعروف، واكتبنا فيمن سقته لرضوانك وحبك يا رب العالمين.

أقول ما تسمعون...

 

 

الخطبة الثانية:

إن المؤمن الصالح من طهَّر قلبه بالإيمان، وزكَّى نفسه بالطاعة، ونزع الله حظَّ الشيطان من صدره، وتأدب بأدب السنة والقرآن، وهيّأ الله أن يكون مفتاحًا من مفاتيح الخير.

هناك طائفة من الناس كتبت عليهم الشقاوة، وطُمِسَ الإيمان من قلوبهم، فغدت أجسامهم وصورهم بشرية ولكن صارت قلوبهم قلوبًا شيطانية مليئة بالحقد والبغضاء والوقيعة والجفاء والحسد والعداوة، إذا عهدوا غدروا، وإذا خاصموا فجروا، وإذا أساء إليه أحدهم حدهم أمرة أساء إليه مئات المرات، وجعله عدوًا وشانئًا، يركب أحدهم الشيطان ويسرقه الهوى وتقوده نفسه الأمَّارة بالسوء إلى الظلم والفساد والبغي والعناد، وقول الإفك واعتقاد الباطل وفعل كل منكر، يحلف على كل شيء، يكذب في كل شيء، معاملته مليئة بالغش والتدليس واليمين الغموس، أولئك أبغض الناس إلى الله -جل جلاله-.

وأسوأ ما في هذه الطائفة من الأخلاق أن يرى المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، وأخطر من ذلك أن يفتح الله طريقًا للناس للخير فيسعى في إغلاقه، ويغلق الله طريقًا للشر فيسعى إلى فتحه، نفسه مظلمة، لا يسعد إلا إذا أحزن الآخرين، ولا يطيب إلا إذا كدّر عيش الآخرين، يعشق معاناة الآخرين ويسعى في إيجادها، يعجبه تردد المرء عليه مع إمكانية قضاء حاجته، بل هو مكلف بها، بل ويستلم أجرًا على ذلك، يعجبه تأخير معاملات الناس، وتعقيد حلها، وهو يعلم لها سبلاً للحل وطريقًا للخلاص، يسوؤه اجتماع الناس ومودتهم وصفاء نفوسهم.

قومٌ دأبهم الغش والمكر والخداع، وديدنهم الكذب والغيبة والنميمة وإغراء العداوة بين المسلمين، بخلاء أذلاء سفهاء، ظواهرهم جميلة بسمن أبدانهم ونظافة ثيابهم، وبواطنهم قبيحة بالكبر والشر والرياء وحب الأذى للناس وسائر الأمراض النفسية؛ قال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ)، قومٌ يتنكبون الصراط، ويعرضون عن الحق ويؤذون المؤمنين، وهم -كما قال الله-: (وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً)، أولئك شرار الخلق عند الله، تلك الطائفة بغيضة عند الله، حيث سقطوا من عين الله سبحانه ومقتهم، حيث كانوا مفاتيح للشر مغاليق للخير.

إن المسلم الذي يرجو مغفرة الله ورحمته يسلك مسلك الصالحين، ويعرض عن طريق الخاطئين المفسدين.

فطوبى لعبدٍ وقف للخير وسلك طريق الرشد وأعان عليه، وويلٌ لمن ظهر له الحق واستبان له السبيل فأعرض عنه وعارضه بهواه، وصار من حزب الشيطان الرجيم.

أسأل الله الحي القيوم أن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر، وأن يجعلنا ممن وفقه الله وأعانه إلى طريق الخير وهداه.

وصلوا وسلموا...
 

 

 

 

المرفقات
إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات