الأوقاف العائلية واتفاق الورثة

ماجد بلال

2021-12-17 - 1443/05/13 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/أهمية الوقف الخيري في الحياة 2/تشريع الوقف في الإسلام 3/صيغة مقترحة لوقف خيري.

اقتباس

ومن أعظم فوائد الوقف، أنك ضامن -بإذن الله- ألا يفتقر أحد من ذريتك بعد موتك، خاصة البنات، إذا حصل منهن أرامل أو مطلقات. ويوجد في هذا الزمن كثير من أرباب الأموال وغيرهم ممن أوقفوا بعض أموالهم في حياتهم.

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

أما بعد: فإن أصدقَ الحديث كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

 

 عبادَ الله: قد يجتهد الإنسان في جمع الأموال والتجارة وإدارة الأملاك، ويغدق على أولاده ويعيشون معه في أحسن حال من الدلال والترف، فلا يكادون يعرفون الحاجة أو الجوع ولله الحمد والمنة، ثم يموت قبل أن يُوصي أو يُوقِف، وينقطع عمله الصالح، وليس لديه أوقاف جارية، ويتقاسم الأولاد التركة، وقد لا يُحسِن استخدامها البعض، أو قد تطلَّقُ إحدى بناته فتحتاج بعد الغِنَى والسَّعة، وقد تكون من المستحقين للصدقة، لا قدر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

ولأجل ذلك أمر الله بالإحسان إلى النفس حتى بعد الموت، حتى لا ينقطع العمل الصالح، بالمسابقة إلى الخيرات، والإحسان إلى ذوي القربى وأولاهم الوالدان والأولاد قال الله -تعالى-: (فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الروم:38]، وقال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].

 

مات -صلى الله عليه وسلم- وترك الإسلام للأمة، وترك العلم النافع، فعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، وأورثوا العلم، فمن أخذه؛ أخذ بحظ وافر"(رواه أبو داود وصححه الألباني). وترك حجرات لزوجاته، لكل زوجة حجرة خاصة بها، تُغنيها عن الناس.

 

وأقرَّ النبيُ -صلى الله عليه وسلم- الوقف، فعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: جَاءَنَا رَسولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يَعُودُنِي مِن وجَعٍ اشْتَدَّ بي، زَمَنَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَقُلتُ: بَلَغَ بي ما تَرَى، وأَنَا ذُو مَالٍ، ولَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ لِي، أفَأَتَصَدَّقُ بثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: "لا"، قُلتُ: بالشَّطْرِ؟ قَالَ: "لا"، قُلتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: "الثُّلُثُ كَثِيرٌ، أنْ تَدَعَ ورَثَتَكَ أغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِن أنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، ولَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بهَا وجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حتَّى ما تَجْعَلُ في فِي امْرَأَتِك"(رواه البخاري).

 

وعن عبدالله بن عمر -رضي الله عنه- أصابَ عمرُ بنُ الخطَّابِ أرضًا بخيبرَ، فأتى النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فاستأمرَه؛ فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ! إنِّي أصبتُ مالاً بخيبرَ لم أصِبْ مالاً قطُّ هوَ أنفَسُ عندي منهُ، فما تأمرني بِه فقالَ: "إن شئتَ حبَستَ أصلَها، وتصدَّقتَ بِها". قالَ: فعمِلَ بِها عمرُ علَى أن لا يُباعَ أصلُها ولا يُوهَبَ ولا يُورثَ، تصدَّقَ بِها للفقراءِ وفي القُربى وفي الرِّقابِ وفي سبيلِ اللَّهِ وابنِ السَّبيلِ والضَّيفِ، لا جناحَ علَى من وليَها أن يأكُلَها بالمعروفِ أو يُطعِمَ صديقًا غيرَ متموِّلٍ"(رواه البخاري ومسلم).

 

من هنا جاءت فكرة الأوقاف في نفس عمر -رضي الله عنه- وأنشأ عمر أعظم وقفٍ في تاريخ المسلمين فقد وَقَفَ عمرُ -رضي الله عنه- أراضي الفتوحات الإسلامية في العراق والشام ومصر، وكانت مُلكاً وفتحاً عظيماً وثروة هائلة للمسلمين ودخلت كنوز كسرى وقيصر في ملك المسلمين، فلم يقسمها بين المسلمين، بل عوَّض الجند بالديوان -وهي المرتبات-، وجعل الأراضي المفتوحة في أملاك الدولة، وفرض الخراج عليها، وجعلها وقفاً لمصالح المسلمين.

 

أخرج سعيد بن منصور في سننه عن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ السَّوَادَ قَالُوا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: اقْسِمْهُ بَيْنَنَا، فَأَبَى، فَقَالُوا: إِنَّا افْتَتَحْنَاهَا عَنْوَةً، قَالَ: "فَمَا لِمَنْ جَاءَ بَعْدَكُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟، فَأَخَافُ أَنْ تَفَاسَدُوا بَيْنَكُمْ فِي الْمِيَاهِ، وَأَخَافُ أَنْ تَقْتَتِلُوا". فَأَقَرَّ أَهْلَ السَّوَادِ فِي أَرَضِيهِمْ، وَضَرَبَ عَلَى رُءُوسِهِمُ الضَّرَائِبَ -يَعْنِي الْجِزْيَةَ- وَعَلَى أَرْضِهِمُ الطَّسْقَ يَعْنِي الْخَرَاجَ، وَلَمْ يَقْسِمْهَا بَيْنَهُمْ".

 

وروى البخاري في صحيحه عَنْ أسلم مولى عمر -رضي الله عنه-، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ: "أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبَّانًا لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ، مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- خَيْبَرَ، وَلَكِنِّي أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا".

 

وروى البخاري في صحيحه عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِأَيَّامٍ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: "... لَئِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ، لَأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ العِرَاقِ لاَ يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِي أَبَدًا".

 

وعمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين وفعله سنة يُهتدَى بها، فعن العرباض بنِ ساريةَ، -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "... عليكم بسنتي وسنةِ الخلفاءِ المهديّين الراشدين تمسّكوا بها، وعَضّوا عليها بالنواجذِ"(رواه أبو داود).

 

وهذا الوقف الذي تنفذه في حياتك صدقة جارية لك؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له"(رواه مسلم).

 

ومن أعظم فوائد الوقف، أنك ضامن -بإذن الله- ألا يفتقر أحد من ذريتك بعد موتك، خاصة البنات، إذا حصل منهن أرامل أو مطلقات. ويوجد في هذا الزمن كثير من أرباب الأموال وغيرهم ممن أوقفوا بعض أموالهم في حياتهم.

 

باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكُم بما فيه منِ الآياتِ والذكرِ الحكيمِ، أقول ما تسمعون، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أيها المؤمنون: قد يتخاصم الورثة على بعض الأملاك، مما يؤدي إلى تعطلها وبوارها، حتى لا تصلح لا للتأجير ولا للبيع، لا هم الذين استفادوا منها، ولا هم الذين باعوها، وقد تتدخل المحكمة وتُولي هيئة الولاية إدارة شؤون الأسرة اقتصادياً ومالياً وعقارياً والبرامج المساندة كالغذاء، والملبس والمسكن، فلا يتركون للورثة أي نوع من التصرف.

 

وكان الواجب عليهم التصرف بحكمة، والتنازل فيما بينهم، فالتنازل أحياناً ينقذ الموقف وينقذ بقية الأموال التي قد تذهب في حال التشدد وعدم التنازل، وعلى أفراد الأسرة أن يرضوا ويثقوا ببعضهم البعض، حفاظاً على كينونة أسرتهم وتماسكها، كما قال الله -تعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)[آل عمران:103]، حتى تدير أموالها وعقاراتها بمن تختار منهم، ولا تحال إلى المحكمة فتنزع إدارتها من أيديهم.

 

كما أن وزارة العدل -وفَّقها الله- خصَّصت نظاماً إلكترونياً لتوثيق الوقف ولا يحتاج منك أن تذهب إلى المحكمة ولا إلى كتابة العدل، بل تستطيع أن تنجز الوقف وأنت في بيتك، ولا مانع من استشارة بعض المكاتب المتخصصة في إدارة الأوقاف في ذلك.

 

ومن النصوص المقترحة في الأوقاف:

بسم الله الرحمن الرحيم.

هذا وقف فلان بن فلان:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

 وبعدُ: أُقر أنا/ فلان بن فلان، وأحمل البطاقة برقم وتاريخ، وأنهي بقولي: إن من الجاري في ملكي وتحت تصرفي: العقارات التالية: العمارة أو المزرعة أو الاستراحة الفلانية أوقفتها بكاملها وأنا بكامل قواي العقلية المعتبرة شرعاً لله -تعالى- طلباً لمرضاته ورغبةً فيما عنده لتكون صدقة جارية يعظم بها أجري، ويبقى بها عملي وينفع الله بها الإسلام والمسلمين، على أنّ ما ينتج من إيراد هذه الأوقاف يصرف كالآتي:

 

1- يتم الصرف من الإيراد على مصاريف إصلاح الأوقاف وتجديدها إن احتاجت لذلك، بالإضافة إلى مصاريف التشغيل والمصاريف الإدارية والعمومية، وبعد حسم المصاريف المتعلقة بالصيانة والإدارة والتشغيل.

 

2- بعد حسم المصاريف المذكورة بعاليه يكون للناظر مكافأة لا يتجاوز إجماليها (2.5%) اثنين ونصف في المائة من صافي غلة الأوقاف.

 

3- تنمية ربع المتبقي من صافي ربح الأوقاف ونسبته (25%) خمسة وعشرون في المائة، ومخصص الإهلاك في الاستثمارات التي يراها الناظر بما لا يخالف أحكام الشرع وفيما يعود لمصلحة الأوقاف، ويعاد في رقبة الأوقاف.

 

4- تكون الثلاثة الأرباع المتبقية من صافي ربح الأوقاف (75%) خمساً وسبعين بالمائة كالآتي:

4/1- تكون غلة الوقف للمحتاج من أولادي من نسلي يُقدّم الأضعف والأقرب حتى يسد حاجته، ويقدر الناظر مقدار الحاجة، وله إحالتها للمجلس للتصويت.

4/2- إذا لم يوجد محتاج من نسلي (من صلبي)؛ فيصرف 10% عشرة في المائة، في وجوه البر، حسب ما يراه الناظر.

 

4/3- إذا فضل شيء مما سبق، فيضحى بأضحيتين كل عام، واحدة عني وعن زوجتي، والثانية عن والديّ -رحمهما الله- ومن لم يضحِّ من أولادي، وذبيحتين في عيد الفطر، يجتمع عليها أولادي ويأكلون منها.

4/4- إذا فضل شيء مما سبق، فيوزع الباقي على زوجتي وأولادي حسب الميراث، والزوجة والبنات من ماتت سقط حقها، وأما الأبناء فمن مات حلَّ أولاده محله ذكوراً وإناثاً، وهكذا.

 

أكون أنا ناظر الوقف في حياتي أصرفه كيف أشاء، وبعد وفاتي يكون ناظر الوقف فلان، ثم مَن يقيمه في حياته أو بعد وفاته، ثم من يصوت له (مجلس العائلة) بالأغلبية، ثم من يعينه القاضي في حالة عدم الاتفاق، وللناظر أن يعين نائباً له يحل محله في حالة وفاته أو غيابه أو عجزه، ويجوز بموافقة مجلس العائلة، عقد الاجتماعات إلكترونياً بالوسائل الحديثة لجميع أو لبعض الأعضاء الذين يتعذر حضورهم لمقر الاجتماع.

 

وإني أشركت بالأجر بهذه الأوقاف للوالد والوالدة وزوجتي، ولكل من ساهم برأي أو مشورة أو عمل بهذا الوقف، وأوصي أسرتي بتقوى الله -تعالى- ومراقبته في السر والعلانية والحرص على الطاعات والحذر من المعاصي والتراحم فيما بينهم وعدم التقاطع.

 

 وهذا الوقف منجز دائم إلى يوم القيامة، ولا يجوز لأحد تبديلها (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[البقرة:181].

 

وعلى الناظر ثم مجلس العائلة، تقوى الله ومراقبته في جميع ما يخص الأوقاف، وما يقع منهم بعد ذلك من خطأ أو سهو فهم في حلّ منه، وأسأل الله أن يسددهم، وأذنت لمن يشهد والله المستعان وعليه التكلان، وحررت في تاريخ، وبالله التوفيق وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

 

صلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه.

 

المرفقات

الأوقاف العائلية واتفاق الورثة.doc

الأوقاف العائلية واتفاق الورثة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات