الأنكحة المحرمة في الإسلام

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2020-11-16 - 1442/04/01 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ضبط الشريعة لعقد النكاح 2/نكاح الشغار وحكمه 3/نكاح التحليل وحكمه 4/نكاح المتعة وحكمه.

اقتباس

هُنَاكَ أَنْكِحَةٌ مُحَرَّمَةٌ لَا يَجُوزُ قُرْبَانُهَا؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ مُخَالَفَاتٍ شَرْعِيَّةٍ، وَمَفَاسِدَ اجْتِمَاعِيَّةٍ، وَمِنْ هَذِهِ الْأَنْكِحَةِ الْمَحْظُورَةِ: نِكَاحُ الشِّغَارِ، وَنِكَاحُ التَّحْلِيلِ، وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: حِفْظُ النَّسْلِ ضَرُورَةٌ مِنَ الضَّرُورِيَّاتِ الْخَمْسِ: (الدِّينُ وَالنَّفْسُ وَالْعَقْلُ وَالنَّسْلُ وَالْمَالُ)، الَّتِي اتَّفَقَتِ الشَّرِيعَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ بَلْ سَائِرُ الْمِلَلِ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا.

 

وَلَقَدْ شَرَعَ اللَّهُ -تَعَالَى- لِلْبَشَرِيَّةِ طَرِيقًا نَقِيًّا لِاسْتِمْرَارِ نَسْلِهِمْ، وَبَقَاءِ عُنْصِرِهِمْ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ إِلَى الْأَجَلِ الْمَعْلُومِ، فَكَانَ ذَلِكَ الطَّرِيقُ النَّظِيفُ هُوَ النِّكَاحَ الَّذِي أَوْلَتْهُ الشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ عِنَايَةً كَبِيرَةً فِي رَسْمِ حُدُودِهِ، وَبَيَانِ قَوَانِينِهِ؛ فَمِنْ تِلْكَ الْقَوَانِينِ الشَّرْعِيَّةِ:

أَنَّ هُنَاكَ أَنْكِحَةً مُحَرَّمَةً لَا يَجُوزُ قُرْبَانُهَا؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ مُخَالَفَاتٍ شَرْعِيَّةٍ، وَمَفَاسِدَ اجْتِمَاعِيَّةٍ، وَمِنْ هَذِهِ الْأَنْكِحَةِ الْمَحْظُورَةِ: نِكَاحُ الشِّغَارِ، وَنِكَاحُ التَّحْلِيلِ، وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: نِكَاحُ الشِّغَارِ هُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَنْكِحَةِ الَّتِي نَهَى الشَّرْعُ عَنْهَا، وَمَعْنَاهُ: أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ أَوْ غَيْرَهُمَا مِمَّنْ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهَا، عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ كَذَلِكَ.

 

وَهَذَا مِنَ الْأَوْلِيَاءِ خِيَانَةٌ لِلْأَمَانَةِ، وَتَعَدٍّ عَلَى حُقُوقِ النِّسَاءِ الَّتِي جَاءَ الْإِسْلَامُ لِحِمَايَتِهَا؛ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ النِّكَاحِ تَصِيرُ كَالسِّلْعَةِ تُبَادَلُ بِسِلْعَةٍ أُخْرَى مِنْ أَجْلِ مَصَالِحِ الرِّجَالِ وَشَهَوَاتِهِمْ.

 

وَهَذَا مِنَ الظُّلْمِ الَّذِي لَا يَرْضَاهُ اللَّهُ -تَعَالَى- وَلَا عِبَادُهُ الْعُقَلَاءُ. قَالَ -تَعَالَى-: (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)[الْكَهْفِ: 49].

 

فَأَنْتُمْ -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ- تَعْرِفُونَ أَنَّ دِينَنَا الْحَنِيفَ جَاءَ لِإِقَامَةِ الْعَدْلِ، وَتَكْرِيمِ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعِيشُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ حَيَاةَ الْهَوَانِ، حَتَّى إِنَّهَا صَارَتْ فِي تِلْكَ الْحِقْبَةِ الْمُظْلِمَةِ كَالْمَالِ تُورَثُ وَلَا تَرِثُ!

 

لِهَذَا وَرَدَ عَنْ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَحْرِيمُ هَذَا النَّوْعِ مِنَ النِّكَاحِ:

فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الشِّغَارِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَلَوْ نَظَرْتُمْ -أَيُّهَا الْفُضَلَاءُ- نَظْرَةً أُخْرَى إِلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ النِّكَاحِ سَتَجِدُونَ أَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِلنِّزَاعِ وَتَفَكُّكِ الْأُسَرِ، وَتَفَاقُمِ الْمُشْكِلَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ الَّتِي لَا تَقِفُ عِنْدَ أُسْرَةٍ وَاحِدَةٍ، بَلْ تَتَعَدَّى إِلَى الْأُسْرَةِ الْأُخْرَى؛ فَإِذَا طُلِّقَتْ إِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ رُبَّمَا يُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى طَلَاقِ الْأُخْرَى، وَقَطْعِ رَابِطَةِ الصِّهْرِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ.

 

وَهَذِهِ عُقُوبَةٌ مُعَجَّلَةٌ لِمُخَالَفَةِ الشَّرْعِ الْحَكِيمِ الَّذِي مَنَعَ مِنْ هَذَا النِّكَاحِ، قَالَ -تَعَالَى-: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[النُّورِ: 63].

 

وَبِنَاءً عَلَى النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ وَمَقَاصِدِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الْغَرَّاءِ حَكَمَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بِبُطْلَانِ هَذَا النِّكَاحِ، فَإِنْ وَقَعَ فُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنَ الْأَنْكِحَةِ الْمُحَرَّمَةِ: نِكَاحُ التَّحْلِيلِ؛ وَهُوَ: الزَّوَاجُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ تَحْلِيلُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِزَوْجِهَا الَّذِي طَلَّقَهَا، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ إِذَا صَرَّحَ بِقَصْدِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَاشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ مَتَى أَحَلَّهَا لِزَوْجِهَا طَلَّقَهَا، أَوْ لَمْ يَشْتَرِطُوا ذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَوَاهُ فِي نَفْسِهِ فَقَطْ.

 

فَقَدْ يُطَلِّقُ بَعْضُ الْأَزْوَاجِ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا فَتَصِيرُ بِذَلِكَ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ رُجُوعُهَا إِلَيْهِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ تَتَزَوَّجَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَيُطَلِّقُهَا الْآخَرُ فَتَعْتَدُّ مِنْهُ ثُمَّ يَحِلُّ زَوَاجُهَا بِالْأَوَّلِ، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 230].

 

فَمِنَ الْأَزْوَاجِ مِنْ يَنْدَمُ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَتِهِ ثَلَاثًا وَيُرِيدُ الرُّجُوعَ إِلَيْهَا وَهِيَ كَذَلِكَ؛ بِسَبَبِ الْأَوْلَادِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ فَلَيْجَأُ بَعْضُهُمْ لِاسْتِعَارَةِ رَجُلٍ لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَتَهُ بِقَصْدِ تَحْلِيلِهَا لَهُ!!

 

هَكَذَا يَحْتَالُ -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ- بَعْضُ النَّاسِ الَّذِينَ قَلَّ خَوْفُهُمْ مِنَ اللَّهِ، وَضَعُفَتْ لَدَيْهِمُ الْغَيْرَةُ عَلَى حُرُمَاتِهِمْ، وَهِيَ حِيلَةٌ مُحَرَّمَةٌ نَهَتْ عَنْهَا الشَّرِيعَةُ الْقَوِيمَةُ، وَتَأْبَهَا الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ، كَمَا أَنَّهُ عَمَلٌ مُوجِبٌ لِلَعْنَةِ اللَّهِ، فَعَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ).

 

وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ"؟، قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "هُوَ الْمُحَلِّلُ، لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ"(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ).

 

وَلِهَذَا -أَيُّهَا الْغَيَارَى- فَإِنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ النِّكَاحِ بَاطِلٌ وَهُوَ زِنًا، وَلَا تَحِلُّ الزَّوْجَةُ بِهِ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ. فَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ -وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ-: "وَاللَّهِ لَا أَوُتَى بِمُحِلٍّ وَمُحَلَّلٍ لَهُ إِلَّا رَجَمْتُهُمَا".

 

حَتَّى وَلَوْ كَانَ التَّحْلِيلُ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَهُوَ الْمُحَلِّلُ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ أَيْضًا؛ فَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عُمَرَ: "امْرَأَةٌ تَزَوَّجْتُهَا أُحِلُّهَا لِزَوْجِهَا، لَمْ يَأْمُرْنِي وَلَمْ يَعْلَمْ، قَالَ: لَا، إِلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ، إِنْ أَعْجَبَتْكَ أَمْسِكْهَا، وَإِنْ كَرِهْتَهَا فَارِقْهَا. قَالَ: وَإِنْ كُنَّا نَعُدُّهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِفَاحًا. وَقَالَ: لَا يَزَالَانِ زَانِيَيْنِ، وَإِنْ مَكَثَا عِشْرِينَ سَنَةً".

 

نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ يُحِلُّ حَلَالَهُ، وَيُحَرِّمُ حَرَامَهُ، وَيَقِفُ عِنْدَ حُدُودِهِ.

 

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنَ الْأَنْكِحَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا: نِكَاحُ الْمُتْعَةِ، وَهُوَ: قَوْلُ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ: أُعْطِيكِ كَذَا عَلَى أَنْ أَتَمَتَّعَ بِكِ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، سَوَاءٌ قُدِّرَتِ الْمُتْعَةُ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي الْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ، أَوْ قُدِّرَتْ بِمُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ؛ كَقَوْلِهِ: أُعْطِيكِ كَذَا عَلَى أَنْ أَتَمَتَّعَ بِكِ مَا أَقَمْتُ فِي الْبَلَدِ، فَإِذَا انْقَضَى الْأَجَلُ الْمُحَدَّدُ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ.

 

وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ مِنْ أَنْكِحَةِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ مُبَاحًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ حُرِّمَ، وَمِنْ أَدِلَّةِ تَحْرِيمِهِ:

قَوْلُهُ -تَعَالَى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ)[الْمَعَارِجِ: 29-30].

 

فَالْمَرْأَةُ فِي الْمُتْعَةِ لَيْسَتْ زَوْجَةً وَلَا مِلْكَ يَمِينٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُتْعَةِ لَوْمٌ.

 

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَعَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَاسْمَعُوا -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ- إِلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ:

جَاءَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ إِلَى الْمَأْمُونِ فَقَالَ الْمَأْمُونُ: "مَا لِي أَرَاكَ مُتَغَيِّرًا؟ فَقَالَ يَحْيَى: هُوَ غَمٌّ لِمَا حَدَثَ فِي الْإِسْلَامِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: وَمَا حَدَثُ فِيهِ؟ قَالَ: النِّدَاءُ بِتَحْلِيلِ الزِّنَا، قَالَ: الزِّنَا؟! قَالَ: نَعَمْ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، الْمُتْعَةُ زِنًا. قَالَ: وَمِنْ أَيْنَ قُلْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ كِتَابِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)[الْمُؤْمِنُونَ: 1]، إِلَى قَوْلِهِ: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)[الْمُؤْمِنُونَ: 5-7]. يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، زَوْجَةُ الْمُتْعَةِ مِلْكُ الْيَمِينِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهِيَ الزَّوْجَةُ الَّتِي عِنْدَ اللَّهِ تَرِثُ وَتُورَثُ، وَتُلْحِقُ الْوَلَدَ وَلَهَا شَرَائِطُهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَقَدْ صَارَ مُتَجَاوِزُ هَذَيْنِ مِنَ الْعَادِينَ. وَهَذَا الزُّهْرِيُّ -يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ- رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أُنَادِيَ بِالنَّهْيِ عَنِ الْمُتْعَةِ وَتَحْرِيمِهَا بَعْدَ أَنْ كَانَ أَمَرَ بِهَا، فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا الْمَأْمُونُ فَقَالَ: أَمَحْفُوظٌ هَذَا مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؛ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْإِمَامُ مَالِكٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فَقَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، نَادُوا بِتَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ، فَنَادَوْا بِهَا".

 

أَرَأَيْتُمْ كَيْفَ الْوُقُوفُ عِنْدَ حُدُودِ اللَّهِ إِذَا ظَهَرَ الدَّلِيلُ، وَبَطَلَ التَّأْوِيلُ.

 

فَيَا عِبَادَ اللَّهِ: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَرَاقِبُوهُ فِيمَا تَفْعَلُونَ وَتَذَرُونَ، وَاحْذَرُوا قُرْبَانَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ مِنَ الْأَنْكِحَةِ الْمُحَرَّمَةِ، فَإِنَّ نِكَاحَ الشِّغَارِ مُخَالَفَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَظُلْمٌ مِنَ الْوَلِيِّ لِوَلِيَّتِهِ، وَنِكَاحُ التَّحْلِيلِ كَبِيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ الَّتِي لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَاحِبَهَا، كَمَا أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِ الْغَيْرَةِ، وَقِلَّةِ الْحَمِيَّةِ.

 

وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ الزِّنَا، وَلَنْ يَرْضَى الْإِنْسَانُ الْعَاقِلُ الْغَيُورُ لِابْنَتِهِ أَوْ أُخْتِهِ بِهَذَا النِّكَاحِ الْمَقِيتِ مَهْمَا كَانَ الثَّمَنُ غَالِيًا.

 

نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يَصُونَ الْعِرْضَ الْمُسْلِمَ مِنْ هَذِهِ الْأَنْكِحَةِ الْمَحْظُورَةِ، وَمِنْ آثَارِهَا السَّيِّئَةِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

المرفقات

الأنكحة المحرمة في الإسلام.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات