الأنفاس الزكية

عبد الله الواكد

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ إباحة الإسلام للطيبات وتحريمه للخبائث 2/ داء التدخين وتفشيه في المجتمع 3/ أرقام وإحصائيات حول تفشي داء التدخين وآثاره 4/ تحذيرات ونصائح للمبتلين بداء التدخين 5/ واجب المجتمع تجاه داء التدخين

اقتباس

أيها النَّاس: مما هو معلوم ضرره، ومجمع على تصنيفه في زمرة الخبائث، تفشى في مجتمعات المسلمين، حتى استمرأ الناس مرارته، واستعرف الخلق نكارته، فلا تجد بيتا إلا ما ندر ممن رحم رب البشر يخلو من رائحته الكريهة، ولا تجد بقالة ولا تموينات إلا وهو يتصدر رفوفها، ولا تمر في طريق إلا وترى أعقابه يمنة ويسره؛ إنه الدخان، إنه العادة المدمرة، والآفة المشمرة، إنه الآفة التي...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ الذي استخلصَ الحمدَ لنفسِهِ، واستوجبَ الثناء على جميعِ خلقِهِ، ناصيةُ كلِّ شيءٍ بيديهِ، ومصيرُ كلِّ شيءٍ إليهِ، وتُكلانُ كلُّ أمرٍ عليهِ.

وأشهد أنه لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله، وصفوتُهُ من خلقِهِ، وأمينُهُ على وحيهِ، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

 

أما بعد:

 

أيُّها المُسلِمون: فإِنَّهُ ما مِن شيءٍ يَنفعُكُم إلاَّ أبَاحَهُ اللهُ لَكُم فضلاً مِنْهُ وإحْسَاناً، وما مِن شيءٍ يضرُّكم إلاَّ حرَّمَهُ عليكُم رَحمةً منه وامتِنَاناً، قال تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ) [الأعراف: 157] فكَما أنَّ للهِ النِّعمةُ عليكُم بِمَا أبَاحَهُ لَكُم مِن الطَّيبَاتِ، فلَهُ النِّعمَةَ أيضَاً بِمَا حَرَّمهُ عليكُم من الخَبَائِثِ والمُضِراتِ، فعَليكُم -أيها المُؤمِنونَ- أن تَشكُروا نِعمَةَ اللهِ في الحَالَتين.

 

أيها النَّاس: مما هو معلوم ضرره، ومجمع على تصنيفه في زمرة الخبائث، تفشى في مجتمعات المسلمين، حتى استمرأ الناس مرارته، واستعرف الخلق نكارته، فلا تجد بيتا إلا ما ندر ممن رحم رب البشر يخلو من رائحته الكريهة، ولا تجد بقالة ولا تموينات إلا وهو يتصدر رفوفها، ولا تمر في طريق إلا وترى أعقابه يمنة ويسره.

 

إنه الدخان -يا عباد الله-، إنه العادة المدمرة، والآفة المشمرة، إنه الآفة التي بدأ العالم جميعا بمحاربته، أظهرت دراسة سعودية لأمين عام جمعيات مكافحة التدخين بالمملكة وجود 6 ملايين مدخن في المملكة، بمعدل 35% من البالغين، وأكثر من 40% من المراهقين.

 

بينما تراوحت مع الأسف الشديد نسبة المدخنات بين 6 و10% من النساء في المملكة.

 

وأشارت الدراسة إلى أن 34% من الطلاب و11% من الطالبات في المرحلتين المتوسطة والثانوية هم من المدخنين، بينما لا يُعرف عدد المدخنين في المرحلة الجامعية.

 

وقدم أمين عام الجمعية عرضاً عن أضرار التدخين بيّن فيه أن التدخين سبب في: 78 % من حالات إصابة جلطة القلب 70% من حالات إصابة الذبحة الصدرية 68% من حالات إصابة سرطان الرئة 60% من حالات إصابة سرطان الفم.

 

وأن آخر إحصائية للمدخنين على مستوى العالم تجاوزت ملياراً و200 مليون مدخن، 84 % منهم في الدول النامية.

 

مضيفاً أن الدخان يقتل سنوياً 5 ملايين شخصا، بمعدل شخص واحد كل 9 ثوانٍ.

 

شيء مذهل، ومنذر جلل، وكارثة عظيمة، فكم تَعَالَتِ الأصوَاتُ في إِنكَارِ شُربِ الدُّخَانِ؟ وكم صَدَرَتْ التَّحذِيراتُ الطِّبِيةُ عن إضرارِه وأضرَارِهِ؟ وكم صَدَرَ من الفَتاوى الشَّرعِيَّةِ بِتَحرِيمِهِ؟ وكمْ أُلِّفَ من الكُتُبِ والرَّسَائِلِ بِبيانِ مَفَاسِدِهِ؟ ومع هَذا كُلِّهِ فشَارِبُوهُ لا يُجِيبُونَ داعِياً، ولا يُصغُونَ لِناصِحٍ.

 

فأسألُك بربِّكَ يا منِ ابُتليتَ بهذا الداءِ الوبيلِ، والشرِّ المستطيرِ: هل سألتَ نفسْكَ الأنًانَةَ تحتَ وطأةِ هذا الخبيث؟ هل قُلتَ لها يوماً ماَ: إلى متى وأنا أدخنُ؟ إلى متى وأنا أُجَاذِبُ الأذى، وأمتصُّ الدَّاءَ، وأَسُفُّ الوبَاءَ؟ نعمْ، إلى متى وأنتَ تُدخنُ؟ إنْ كانَ لا يهُّمُكَ المالُ فلتُهِمُّكَ الصحةُ، وإن كانتْ لا تَهُمُّكَ الصحةُ فليُهمُّكَ الدينُ، وإنَ كانَ لا يَهُمُّك شيءٌ من ذلكَ، فليْهِمُّكَ مَنْ حولُكَ مِنَ المسلمينَ، فإِنَّكَ تُسيءُ إلى كُلِّ من يُجَالِسُك، حيثُ أنَّكَ تَنْفَخُ في وجُوهِ النَّاسِ، وتُؤذي بِه الأبرِياءَ، فتَخنُقَ أنفَاسَهُم، وتُضَايُقَهُم بِرائِحَتِهِ الكرِيهةِ، بل تُضايقُ به حتى الملائكةَ؛ لأن الملائكةَ تتأذى مما يتأذى منه بنوا آدمَ، ففي صحيح مسلم من حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "من أكلَ من هذه البقلةِ الثومِ"، وقال مرةً: "من أكل َالبصلَ، والثومَ والكراثَ فلا يقربنَّ مسجدَنا، فإن الملائكةَ تتأذى مما يتأذى منهُ بنو آدمَ".

 

لقد امتَدَّ أذى التدخينِ فصَارَ يُلاَحِقُ النَّاسَ في المكَاتِبِ والمتَاجِرِ والمراكبِ، وقد قالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: "مَن آذى مُسلٍماً فَقَد آذَاني، وَمَن آذَاني فَقَد آذى اللهَ" [رواهُ الطبرانيُّ بإسنادٍ حسنٍ].

 

فما عادَ الدُّخاَنُ كما كانَ في الماضي يباعُ خِفْيَةً، ويُشْرَبُ خِلْسَةً، إنما جِهَارًا نَهاراً، وقد قالَ النبيُ -صلى الله عليه وسلم-: "كلُّ أمتي معافى إلا المجاهرينَ".

 

أيها الآباء والإخوة العقلاء: إنَّ هُناكَ أُناساً يتأسونَ بكم، وشباباً يَقتدونَ بتصرفاتكم، فاتقوا الله فيهم حتى الأطفالَ الصغارُ يتلقفونَ أعقابَ ما يرمى من السَجائرِ ظنا منهم أنها رمز للرجولة، ومؤشر للنضج، يفعلون كما أنت تفعل، ثمَّ يَألَفَونَ شُربَها، وَيقَعَونَ في فَخِّهَا، وبعد ذلك ينْضَمَّونَ إلى صُفُوفِ المُدَخِنِينَ، فتنهَدِمُ أجِسامُهُم، وتفَسُدُ أخَلاقُهم، ولربما سلكوا سبلا معوجة ليحصلوا على هذا الأذى، ولربما كان هذا الأذى وهذا الدخان هو البوابة الأولى لعالم المخدرات.

 

فاتقوا الله، واستتروا حتى يعصمَكم الله.

 

وأنتَ أيُّها المغتربُ، يا منِ اغتربتَ عن أهلِكَ وعيالِكَ تبحثُ عن لقمةِ العيشِ، وتعافرُ الترابَ، وترامِضُ الشمسَ، وتكابدُ العنتَ والمشقَّةَ: لماذا تمدُ هذه الأيادي المنهكةُ، وتستلُّ مِنْ بينِ مقاطرِ عرقِ جبينِكَ مبلغاً مِنَ المالِ، حَرَمَتَ مِنْهُ أمَّكَ وأباكَ، وولدَكُ وبنتَكَ وزوجتَكَ وأقرباءَك، تدفعه ثمناً لهذا الخبيثِ؟ إسألْ نفسَكَ قل لها: إلى متى وأنا أدخنُ؟

 

واللهِ إنَّ المسلمَ الحصيفَ ليتألَّمُ أشدَّ الألمِ من حالِ المسلمينَ.

 

إني لأعلَمُ أنَّ المسلمَ المبتلى بالتدخينِ غيرُ راضٍ عِنْ نفسِهِ، ومتأففٌ غايةَ التأفُفِ من وضعِهِ، فهو في حرجٍ مِنْ ربِّهِ، وفي حرجٍ من نفسِهِ، وفي حرجٍ من الناسِ، لكنَّ هذهِ العادةَ السيئةَ صارتْ كالنَّفَسِ الذي يسلُكُ رئتَيْه، وكالنظرِ الذي يمخرُ حاجبيْه.

 

فيا أخي المسلمُ: ليس عيباً أنْ يكونَ الإنسانُ مدخناً، فالكثيرُ الكثيرُ من الناس دخَّنَ زمناً طويلاً ثمَّ أقلعَ عنهُ، بل الكثيرُ الكثير مَنْ ارتكبَ أشدَّ من التدخينِ، ثم قفلَ إلى ربِّ العالمينَ، ف "كلُّ بني آدمَ خطاءٌ وخيرُ الخطائينَ التوابونَ".

 

وما اتصفَ اللهُ بصفاتِ التوابِ الغفورِ الرحيمِ إلا لوجودِ الذنوبِ والمذنبينَ، والعصاةِ والعاصينَ، يقولُ سبحانه وتعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) [طـه: 82].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقهِ وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحدهُ لا شريكَ لهُ، تعظيماً لشأنه.

وأشهد أنَّ نبينا محمّداً عبده ورسولُه الدّاعي إلى رضوانه، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه، وسلّم تسليماً مزيداً.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70 - 71].

 

وأما أنت -أيها المسلم المصون الذي حفظك الله من شره ومصيبته-: اجعل شكرك لله في نصحك للآخرين بالحكمة والموعظة الحسنة، وأول ما نسأل الله به في هذا اليوم المبارك أن يهدي المسئولين في البلدية وغير البلدية من المراقبين الميدانيين على تركهم له يباع في البقالات والتموينات في كل حي، وفي متناول أبنائنا وأطفالنا، وبإمكانهم أن يعملوا على منع هذه المحلات من بيعه، وأن يراجعوا تراخيص هذه المحلات؛ لأن هذه المحلات رخصت لبيع المواد الغذائية فقط، فهل الدخان من المواد الغذائية؟

 

الدخان ليس من المواد الغذائية، فما الذي جاء به إلى هذه البقالات والتموينات، فهم مسؤولون أمام الله -سبحانه-، ومن كلفهم بهذه الأمانة على تتبع الأوامر وتطبيقها.

 

ونسأل الله أن يهدي أصحابَ المحلاتِ التي تتعاملُ به وتبيعُهُ أن تتركَ بيعَهُ لوجه الله؛ لأن صاحب المحل سيسأل أمام الله عن كل ما سببه للمسلمين من مفاسد.

 

وعلى المجتمع أن يتظافر في الوقوف في وجه من يبيعه على أبناءنا؛ لأنني سمعت أن من العمالة التي تعمل في هذه البقالات والتموينات من يبيع على الصغار بالسجارة، وهذا الأمر خطير جدا.

 

وأسأل الله أن يأخذَ بيدِ ولاةِ الأمرِ إلى محارَبتِهِ ونبذِهْ ومنع بيعه.

 

أيها الأحبةُ في الله، يا من بليتم بهذه الآفة: اليومُ يوُمُ الجمعةِ وفي آخرِ اليومِ ساعةٌ من أوقاتِ استجابةِ الدعوةِ فاصْدُقِ العزيمةَ من هذا المكانِ، واسألَ اللهَ في هذه الساعةِ أن يعْصِمَكَ من التدخينِ، العادةُ السيئةُ أبدلْهاَ بعادةٍ حسنةٍ، أذكرُ أنَّ شحصًا تركَ الدخانَ بالصلاةِ، يقولُ كلما خطَرَ لي الدخان قمتُ وتوضأتُ وصليتُ حتى تذهبَ عني رغبَتُه، يقولُ حتى تركتُهُ.

 

ولا تصاحبْ مدخنينَ؛ لأنهُمْ لا يساعدونكَ على تركِهِ، ويُوقِعونَكَ به ثانيةً، واستترْ ثم استتر ثم استتر يستُرُكَ اللهُ، ويعينُكَ على تركِهِ.

 

ألا وصلّوا وسلّموا على من أمرتم بالصلاة والسلامِ عليه...

 

 

المرفقات

الزكية

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات