الأمن الفكري والثقافي

سعود بن ابراهيم الشريم

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ أهمية الأمن الفكري والثقافي 2/ مفهوم الأمن بمعناه الواسع 3/ أول طرق معاجلة المعضلات 4/ ثوابت ينبغي للأمة إدراكها

اقتباس

فالأمن له مفهومٌ أعمّ من ذلكم وأجلّ بأن أول وأعظم مفهوم للأمن هو أن ينطلق المجتمع المسلم على تقرير أن عقيدة المجتمع هي تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله بالبعد عن الشرك بالله في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، وبالبعد عن الشرك به في حكمه والبعد عن الكفر بملة الإسلام والإلحاد فيها أو تنحية شرعة الباري -جل شأنه-..

 

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده وستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: " ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) [آل عمران:102] ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) [النساء:1] ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) [الأحزاب:70-71].

أما بعد.. فياأيها الناس إن من يسبر التاريخ الغابر والحاضر ببداهة فهمٍ واتزان نظر، ويتعرف على واقع الأمم السالفة والمجتمعات الحاضرة فلن يتطرق إليه شك البتة في وجود حقيقةٍ ثابتة ومبتغى ينشده كل مجتمع، وأس لا يتغير ولا يتبدل مهما توالت عليه العصور وعصفت به رياح الأيام التي يداولها الله بين الناس.. ألا وهو مطلب الأمن والأمان؛ الأمن الذي يهنأ فيه الطعام ويسوغ فيه الشراب ويكون فيه النهار معاشا والنوم سباتا والليل لباسا.

عباد الله.. إنه متى اختل إيجاد الضمانات الواقعية والاعتداءات الشمولية ضد ما يعكر الصفو في أجواء الحياة اليومية للمجتمعات المسلمة.. إنه متى اختل ذلكم يومًا ما فاحكموا على أمان الناس واستقرارهم بالغيبة والتيه المفرزين للممارسات اللامسئولة والإخلال المرفوض بداهةً بكل ما له مساس بالأمن والذي يحدد سفينة المجتمع المسلم الماخرة.. في حين أنه لا قبول له بأي صفةٍ كانت مهما وضعت له المبررات والحيثيات التي يرفضها كل ذي عقل حيٍّ وفؤادٍ ليس هواء وإن استعمل في نفاذ مثل تلكم الممارسات بعض بني أمتنا وممن يتكلمون بلغتنا ليجعلوا نتيجة الممارسات النشاز في المجتمع المسلم عرضةً لحتفهم قبل حتف من سواهم..

ومتى دب في الأمة داء التسلل أو الافتئات الأمني من قبل بعض أفرادها فإنما هم بذلك يهينون التراث على مفهوم الاستقرار ويقطعون شرايين الحياة عن الأجيال الحاضرة والآمال المرتقبة.. هذا إن لم تكن تلك المممارسات تكأة يتكئ عليها أعداء الإسلام من الكفرة الحاقدين ومبررًا سائغًا لهم في تنفيذ ما من شأنه إيجاد المسوغات المشروعة بمفهومهم في التضييق المتتالي على حياض المسلمين؛ فتأتيهم مثل هذه الإخلالات على طبق من ذهب ليجتاحوا بلاد المسلمين بأدنى الحيل.

أيها المسلمون.. إنه ينبغي لنا في هذا المقام أن ندرك مفهوم الأمن بمعناه الشمولي والواقعي، وألا يكون محملًا لضيق العطن أو الفهم المقلوب لأبعاده وصوره أو لهما معا.. وذلكم من خلال قصر مفهوم الأمن على نطاق ضيقٍ متمثلٍ في حماية المجتمع من السرقة أو النهب أو القتل وأمثال ذلك فحسب.. كلا.. فالأمن له مفهومٌ أعمّ من ذلكم وأجلّ بأن أول وأعظم مفهوم للأمن هو أن ينطلق المجتمع المسلم على تقرير أن عقيدة المجتمع هي تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله بالبعد عن الشرك بالله في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، وبالبعد عن الشرك به في حكمه والبعد عن الكفر بملة الإسلام والإلحاد فيها أو تنحية شرعة الباري -جل شأنه- عن واقع الحياة أو مزاحمة أي شرعة غير شرعة الله مع شرعته -جل وعلا-: ( صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ ) [البقرة:138] ( أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) [آل عمران:83].

كما أن مفهوم الأمن -عباد الله- ينبغي أن لا ينحى عن مراكز القوى في المجتمعات المسلمة أو يدب التجاهل فيه دبيبًا لينسينا أمر هذه المراكز الملموسة لأمن المجتمعات سلبا أو إيجابا؛ فهناك ما يسمى مفهوم الأمن الغذائي والأمن الصحي والوقائي، وهناك ما يتعلق بالضوابط الأمنية في مجال التكافل الاجتماعي، وتهيأت فرص العمل والإنتاج والقضاء على البطالة والعناية بالنشء في كل ما يفيد ولا يضر، وحسم مادة البطالة الفكرية والفراغ الروحي أيا كان نوع ذلكم لكونه مثمرًا الخلل والفوضى في الشبه والشهوات.. إضافة إلى فهم النواحي الأمنية المنبثقة من دراسة الظواهر الأسرية وما يعتريها من ثقوب واهتزاز في بنيتها التحتية..

كما أنه يجب أن لا نغفل عما يعد هاجسا أمنيا لكل مجتمع وصِماماً للفتح أو الإغلاق لمادة الإخلال بالأمن.. ألا وهو الأمن الفكري الذي يحمي عقول المجتمعات ويحفظها من الوقوع في الشبهات بالسذاجة أو العب من الشهوات بنهم، ومثل هذا النوع من الأمن لا يتسنى له التمام إلا من خلال مراعاة محورين أساسيين:

أولهما: محور الفكر التعليمي التربوي.

وثانيهما محور الأمن الإعلامي الثقافي..

إذ يجب على الأمة ألا تقع في مزالق الانحدار والتغريب أو التبعية والإخلال عبر هذين المحورين؛ حيث إن الأمن على العقول لا يكون هاجسًا عن أمن الأرواح والأموال.. فقد نرى للعقول لصوصًا ومختلسين كما نرى للبيوت لصوصا ومختلسين؛ فينبغي أن يحمى التعليم بين المسلمين عن أن يستلل لواذًا عن هويته، بل ويحمى من خلال إيجاد الآلية الفاعلة التي توفر سبل العلم النافع الداعي إلى العمل الصالح والبعد عن التبعية المقيتة أو التقليل من شأن العلوم الدينية النافعة أو استثقالها على النفوس أو الاعتراف بها على الاستحياء والتخوف المفرزين الفتون -الذي يتردد بين الحين والآخر- عن مدى جدوى الأخذ بها على مضضٍ مقلقٍ بحجة أن مثل ذلك ليس من أوليات سوق العمل؛ فالفكر التعليمي ينبغي أن يغذي سوق العمل بخاصة وحاجات المجتمع التربوية بوجه عام، ولاغنى للمجتمع المسلم عن الاثنين جميعًا.

وأما محور الفكر الإعلامي فهو مقبض رحى المجتمعات المعاصرة وأقنوم تأثيرها الأساس؛ إذ به يبصر الناس ويرشدون وبه يخدع الناس ويرغبون به.. تخدم قضايا المسلمين وتنصر وبه تطمس الحقائق وتهدر.. بالفكر الإعلامي تُعرف المجتمعات الجادة من المجتمعات المستهترة.. فما يكون فيها من اعتدال وكمال يكون كمالًا في بنية الأمن الإعلامي واعتدالا، فمن الخطأ الفادح أن يترجم الفكر الإعلامي على أنه جملة من الأفلام الهابطة أو الأغاني الماجنة التي لا تعترف بالقيم والمبادئ ولا ترى للحياة صورةً ولا جسدا.. كلا فهذا غشٌّ في التصور، ومن غشنا فليس منا.

كما أنه يجب على كل صاحب لسانٍ فصيحٍ مسموعٍ أو قلمٍ سيّالٍ مقروءٍ أن يتحدثوا عن شغل المسلمين بكل مصداقيةٍ وواقعيةٍ وعدلٍ وإنصاف.. وأن لا تستهجنهم الحوادث وردود الأفعال ويستهويهم الشيطان فينطلقوا من خلال الحديث المتشنج والسباب المسترسل والخصام الحاجب للقضية الأم، الذي قد يفقأ العين ولا يقتل العدو: (... فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ ) [الرعد:17].

إن عزو الأمور إلى المسببات الحقيقية ووضع النقاط على الحروف ينبغي أن يكون هو أول طرق معاجلة المعضلات والقضايا المزعجات، وإن تجاهل الأسباب والبواعث أو عزوها إلى غير مصادرها لا يزيد الأمور إلا تعقيدًا والشرور إلا اتساعا.. وإن العقول السليمة لتستخف بالطبيب يعزو سبب السرطان إلى شرب الماء أو استنشاق الهواء لأن نتيجة التشخيص أيًّا كانت فعاقبتها ستطال نفسي ونفسك -أيها المسلم- أو ولدي وولدك وبنتي وبنتك وأسرتي وأسرتك.. كما أنه ينبغي أن تكون هذه المعاجلة من قِبل ذوي الاختصاص من العلماء الأفذاذ والحكماء الموثوقين في دينهم وأمانتهم دون تشويشٍ وتهويش أو قيل وقال وظن وخرص؛ فالله -جل وعلا- يقول: ( قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُون َ) [الذاريات:10-11] يقول قتادة -رحمه الله-: " الخراصون هم أهل الغرة والظنون ".

إن إطلاق اللسان وسيلان الأقلام خائضةً في المدلهمات ولاتتةً في النوازل دون زمامٍ ولا خطام لمن شأنه أن يحدث البلبلة ويوغر الصدور ويخرج المجتمع المسلم من تشخيص النازلة الواقعة إلى التراشق والاختلاف وتصفية الحسابات الكامنة في النفوس، ولا تسألوا بعد ذلك عن محاولة الفكر لرموز اللامز والغمز والهمز بنميم من قبل المشككين في تدين المجتمع المسلم وسلامة المنهل الإسلامي العذب فيه من كل تهمةٍ تصيبه أو تحل قريبًا من داره؛ فيكثر اللغط ويقل استحضار العلم فتضمحل العافية والسلامة من الخطر، فضلًا عن عدم القدرة في تقديم حلٍّ عاجلٍ سوى الخلط والجهل والتضليل؛ ومن ثم تُزال المشكلة بأشكل منها.. وعلى سبيل المثال: لو سرق إنسانٌ في المسجد لعلت صيحات بعض اللاهازم أو المبغضين مناديةً بإغلاق المساجد أو هدمها قطعًا لدابر السرقة، ولو أن امرأةً محجبةً غشّت وخدعت لسمع رجع الصدى للمناداة بنزع الحجاب حسمًا لمادة الغش والخداع.. زعموا.. فلا هم في الحقيقة نادوا بقطع يد السارق ولا طالبوا بتعزير تلك التي غشت وخدعت، وإنما دعوا إلى هدم المسجد ونزع الحجاب، وهذا هو سر العجب وهو ما يثير الدهشة وينشئ الغلو وردود الأفعال؛ فيتسارع الإفراط والتفريط على حساب الاعتدال المنشود في المجتمعات المسلمة.

والإسلام -عباد الله- يكره الثرثرة الفارغة التي قد تخلو من ضررٍ ملحوظٍ في الباطن فكيف بالضرر المتحقق في الظاهر والتناوش المفرق: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) [المجادلة:9].. إن الإسلام شديدُ الوضوح في تحديد موقفه من حرية النقد والحوار؛ فهو لا يرى أن ذلك كلأً مباحًا لكل إنسان ولا أنه يكتب ويقول ما شاء بما شاء كيف شاء غير مقيدٍ بضوابط الشرع وحدوده.. وإن من المؤسف أن يكون مفهوم حرية التعبير وحرية الحوار قد شاع مقلوبًا في أذهان الأغرار من حملة الأقلام وعليمي اللسان فظنوه لا يعدو إرسال الكلام على عواهنه وتسويد الصفحات بضروب من الهرف يضر ولا ينفع.

إن الأمن الإعلامي في المجتمعات لهو أحوج ما يكون إلى دراساتٍ موسعةٍ تقتنص الهدف الواعي من خلال دراسة أوساط المجتمعات المسلمة والربط بينهما وبين الخلفيات الشرعية والاجتماعية للطبقة الممارسة لمثل هذه الأنشطة الإعلامية الفاعلة..

كما ينبغي تحليل الأفعال وردود الأفعال بين معطيات المتطلبات الشرعية والمتطلبات الاجتماعية وبين متطلبات الرغبات الشخصية المحفوفة بالشبهات أو الشهوات وأثر تلك المشاركات في إذكاء الحس الأمني الإعلامي والكفاية الإنتاجية باستقرار المجتمع العائد للأسر والأفراد من النفع العام والهدوء اللامحدود في الدارين..

فالواجب علينا جميعا -أيها المسلمون- أن ننظر إلى الحقيقة الأمنية من أوسع أبوابها وأقرب الطرق الموصلة إليها، وأن ننزل الأمور منازلها في كل المستجدات، وأن لا نقحم أنفسنا في القضايا الكبار التي لا يصلح لها إلا الكبار كلٌّ بما أوكل الله إليه من مصالح المسلمين ورعايتهم وإقامة الحق والقسط فيمن استرعاهم الله؛ فالله الله أن نزاحم فضول الكلام والقيل والقال: ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) [الإسراء:36].

بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والحكمة.. قد قلت ما قلت إن صوابًا فمن الله وإن خطأ فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه كان غفارا.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد..

فاتقوا الله -أيها المسلمون- واعلموا أن ثمة مسلّمات وثوابت ينبغي أن تدركها المجتمعات المسلمة بعامة؛ أعني بذلك المجتمعات التي جعلت شرعة الله غايتها وبغيتها، وهذا التأكيد ينبغي أن يكرر كلما سنحت فرصةٌ وادلهمت خطوب..

فمن تلك الثوابت -عباد الله- أن عقيدة المسلمين أساسها التوحيد لله والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك، وهيهات هيهات أن يفلح أي تجسيد عقدي سواه: ( حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ) [الحـج:31]..

وثابتٌ آخر يؤكد أن الشريعة الإسلامية شريعةٌ ثابتةٌ مستقرةٌ تصلح لكل زمانٍ ومكان، ويخضع لها كل شيء ولا تخضع هي لكل شيء منذ بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا، وقد كان المسلمون عبر هذه القرون يعيشون بين انتصارات يتواضعون عندها وبين هزائم وخسائر يسترجعون فيها ويحوقلون وهم صابرون على ذلك حتى يأتي الله بالفتح أو أمرٍ من عنده وشريعتهم باقية لا تتبدل ولا تتغير.

ومن الثوابت أيضًا أن الأمة الإسلامية مهما بلغت من أوجه التسلح العسكري والثورة الصناعية والعولمة الحضارية فإنها لا غنى لها عن العلماء الربانيين والدعاة الصادقين الذين تجتمع عليهم القلوب وتتألف حولهم النفوس.. ينطلقون من فهمٍ صحيحٍ ثابتٍ لكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فهم النجوم الثواقب والبدور المضيئة، ولولاهم بعد الله لمادت الأرض بأهلها، ولكن هم فيها أوتاد ورواسي؛ فهم عدة الأمة في مكافحة الفكر الإلحادي المنحرف والدعوات المضللة المسعورة، وهم عدتها في كبح جماح الغلو وتنشيط المفرطين والعلماء والدعاة.. لن يتمكنوا من القيام بهذه المهمة في ظل غياب الثقة أو الاعتزاز بهم وفق مجتمعاتهم؛ إذ لا شرف للمجتمع إلا بانتسابه للإسلام والالتفاف حول علمائه أولي النهي والصدق والأمانة.

هذا، وصلوا -رحمكم الله- على خير البرية وأزكى البشرية محمد بن عبد الله صاحب الحوض والشفاعة؛ فقد أمركم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكته المسبحة بقدسه، وأيه بكم أيها المؤمنون فقال -جل وعلا-: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: " من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ".. اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك محمدٍ صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهمّ عن خلفائه الأربعة -أبي بكر وعمر وعثمان وعلي- وعن سائر صحابة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وعن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك ياأرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين واخذل الشرك والمشركين.. اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.

اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئتمنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين.. اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال ياحي ياقيوم، اللهم أصلح له بطانته ياذا الجلال والإكرام.. اللهم ما سألناك من خير فأعطنا، وما لم نسألك فابتدرنا، وما قصرت عنه آمالنا من الخيرات فبلغنا.

ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار.. سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
 

 

 

 

 

المرفقات

الفكري والثقافي

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات