الأمن الشامل مسؤوليتنا جميعاً

سليمان بن حمد العودة

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: بناء المجتمع
عناصر الخطبة
1/ الحاجة للأمن 2/ دور الإسلام والمسلمين في بسط الأمن 3/ السلبية في عدم المساهمة مع رجال الأمن 4/ ارتباط الأمن بالسلوك الإيماني 5/ المفهوم الشامل للأمن 6/ المسؤولية الجماعية والتضافر لبسط الأمن

اقتباس

الأمنُ مَطلبٌ لنا جميعاً، والأمنُ مسؤليتُنَا جميعاً، والحياةُ لا طعمَ لها إذا فُقد الأمنُ، والأحياءُ تسودُ حياتَهُم الفوضى، وتنقلبُ السعادةُ إلى شقاءٍ إذا فُقدَ الأمنُ وعمّتِ الفوضى، والله تعالى يُذكِّرنا بنعمةِ الأمن في أكثر من موطنٍ في كتابه، ويربطُ ذلك بعبوديته، ويُحذّرِ من مَغبَّةِ فقده، والكفرِ بنعمهِ، يقول تعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) ..

 

 

 

 

الحمدُ لله مَنَّ على عبادِه بنعمٍ لا تُعدُّ ولا تُحصى، فمنهم من يشهدُها -أو بعضَها- فيزدادُ لربّه شكراً، ومنهم من يجهلُها أو يتجاهلُها، فلا تزيدُه النِّعمُ إلا بَطَراً وأَشَراً. 

وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، أحاطَ بكلِّ شيءٍ علماً، وشملت رحمتُه الثَّقلينِ إنساً وجنًّا، وهي أقربُ للمحسنين، وأظهرُ عند المسلمين، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه حَذّر وأنذرَ أذيّةَ المسلمينَ، فـ "كلُّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ، دمُه ومالُه وعِرضُه"، اللهمّ صلِّ وسلم عليه وعلى سائرِ الأنبياء والمرسلين، وارضَ اللهمّ عن الصحابةِ أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة:35]،
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119].

عبادَ الله: الأمنُ مَطلبٌ لنا جميعاً، والأمنُ مسؤليتُنَا جميعاً، والحياةُ لا طعمَ لها إذا فُقد الأمنُ، والأحياءُ تسودُ حياتَهُم الفوضى، وتنقلبُ السعادةُ إلى شقاءٍ إذا فُقدَ الأمنُ وعمّتِ الفوضى، والله تعالى يُذكِّرنا بنعمةِ الأمن في أكثر من موطنٍ في كتابه، ويربطُ ذلك بعبوديته، ويُحذّرِ من مَغبَّةِ فقده، والكفرِ بنعمهِ، يقول تعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [قريش:3-4].

ويقول -جلَّ ذكرهُ-: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل:112].

وهكذا يتضحُ أن حاجةَ الناسِ للأمنِ لا تقلُّ عن حاجتِهم للطعامِ، ولذا قيل: الأمنُ أهنأُ عيشٍ، والعدلُ أقوى جيشٍ.

وإذا تنافستِ الدولُ مسلمُها وكافرُها، قديمُها وحديثُها في رعايةِ الأمنِ وتوفيرِها لرعاياها، كان للإسلامِ –بحقّ- قَصَبُ السبقِ في توفيرِ الأمن، عبرَ ضوابطَ وحدود، وأخلاقٍ وآدابٍ، وحقوقٍ وواجباتٍ على الفردِ والمجتمع، لا يتوفرُ مثلُها أو قريبٌ منها في غيرِه.

وكانَ للمسلمينَ –كذلك- ميزةٌ على غيرهم في توفيرِ الأمنِ بطواعيةٍ واختيار، إذ كلُّهم بوازعِ الدينِ والرقابةِ الداخلية والقيام بشعيرةِ الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر، يُشكِّلون أنفسَهُم حُماةً للأمنِ يردعون الجُناة، ويكشفون أوكارَ الفسادِ، وينشرونَ المعروف، ويساهمونَ جميعاً في حراسةِ الفضيلةِ، وتلك أيضاً لا تتوفرُ لغيرِهِم من الشُّعوبِ من أبناءِ المللِ الأخرى.

أيُّها المسلمون: وما فتئتِ الدولُ المتقدمةُ تُطالبُ بحقوقِ الإنسان، وهي نفسُها التي تُهلكُ الإنسانَ وتُؤذِي كرامتَه! وما فتئت هذه الدولُ تبحثُ عن ضماناتٍ تحفظُ الأخلاقَ، وتُصانُ بها الحقوقُ،. وهي -بواقِعِها ووسائِلِها- تُدمّرُ الأخلاقَ، وتسحقُ الحقوق!.

أما نحنُ، معاشِرَ المسلمينَ، فحقوقُنا محفوظةٌ، وآدميتُنا مكرّمةٌ، وأخلاقُنا الإسلامية سياجٌ للكرامةِ والفضيلة، وحدودُنا الإسلاميةُ مكفراتٌ ومطهراتٌ للجُناة؛ بل وفي قِصاصِنا حياةٌ، كما أخبر العليمُ القدير، حتى وإن اتهَمَنا الآخرونَ وشنُّوا حملاتِهم الظالمةَ على تنفيذِ أحكامِ اللهِ وحدودِه، وهم حينَ عجزوا عن الوصولِ إلى تطبيق هذه الأحكامِ، وأفلتَ المجرمون من أيديهم، وتوسّعَ الخَرْقُ على الراقع، أرادوا أن يحسدُونا ويشوّهوا صورتَنا لنرتكسَ في حَمَأَةِ الرذيلة التي ارتكسوا فيها، ولتعودَ حياتُنا بهيميّةً كحياتِهم، ويأبى اللهُ ذلك والمؤمنون.

إن البعضَ قد ينخدعُ بهذه الصيحاتِ الفاجرةِ، فيستصعبُ قتلَ القاتلِ أو رجمَ الزاني، أو قطعَ يدِ السارق أو نحوها من الحدودِ، وينسى رحمةَ اللهِ بعبادهِ عموماً في تقريرِ هذه الأحكام وما لها من آثارٍ في تقليلِ الجرائمِ والحدِّ من عنفوانِ المجرمين، وحماية المجتمع كلِّه من الفسادِ والمفسدين.

يقولُ ابن تيميةَ رحمَهُ اللهُ: العقوباتُ الشرعيةُ كلُّها أدويةٌ نافعةٌ، يُصلحُ اللهُ بها مرضَ القلوبِ، وهي من رحمةِ اللهِ بعبادِهِ، ورأفتِه بهم الداخلةِ في قولِه تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107]، فمن تركَ هذه الرحمةَ النافعةَ لرأفةٍ يجدُها بالمريض، فهو الذي أعانَ على عذابِه وهلاكِه، وإن كان لا يريدُ إلا الخيرَ، إذْ هو في ذلك جاهلٌ أحمقُ، كما يفعل بعضُ النساءِ والرجالِ بمرضاهم أو بمن يربُّونَهُم من أولادِهم وغلمانِهم في تركِ تأديبهم وعقوبَتِهم على ما يأتونَه من الشرّ ويتركونه من الخيرِ رأفةً بهم، فيكونُ سبَبَ فسادِهم وعدوانِهم وهلاكهم. اهـ.

إخوةَ الإسلام: والعقوباتُ في الإسلامِ لا يُرادُ منها التسلّطُ على الأفراد، وليس فيها ظلمٌ لهم، وليست أكبرَ من جرائمِهم، أجل؛ لقد أحكمَ الله سبحانه وجوهَ الزجرِ الرادعةِ عن هذه الجناياتِ غايةَ الإحكام، وشرَعها على أكملِ الوجوهِ المتضمنةِ لمصلحةِ الردعِ والزجرِ، مع عدم المجاوزةِ على الجاني، فلم يشرعْ في الكذِبِ قطعَ اللسانِ، ولا في الزّنى الخِصاءَ، ولا في السرقةِ إعدامَ النفس، وإنما شرعَ لهم ما تزولُ به النوائبُ، وتنقطعُ الأطماعُ، وما تكون سبيلاً إلى أن يقنَع كلُّ فردٍ بما قسمَ الله له.

إن أحكامَ اللهِ وحدودَه تؤمّنُ للناس الانتظامَ في عيشِهم، وتدفعُ عنهم الأضرارَ من غيرهم، يقول ابنُ القيم -رحمَه اللهُ-: ولولا عقوبةُ الجُناةِ والمفسدينَ لأهلكَ الناسُ بعضُهم بعضاً، وفسدَ نظامُ العالَم، وصارتْ حالُ الدوابِّ والأنعامِ والوحوشِ أحسنَ من حالِ بني آدم. اهـ.

أيها المسلمون: وإذا كانت مسؤوليةُ الأمنِ تحظى باهتمامِ الدولةِ -وفقها الله- بكافةِ أجهزتِها وقطاعاتِها ويشهدُ المواطنونَ والمقيمونَ آثارَها، فينبغي أن نكونَ جميعاً عوناً لها في تحقيقِ هذا المطلبِ الظروريِّ للحياةِ والأحياء، فلا نتسترُ على مجرم، ولا نعينُ ظالماً على ظلمِه، ولا نسمحُ لمن يريدُ أن يُخِلّ بالأمن، أو يهددَ الكرامة، أو يستهينَ بالخُلقِ الكريمِ، بل يجدرُ بنا أن نكونَ جميعاً أوفياءَ للفضيلةِ، وعيوناً ساهرةً لمحاصرةِ الجريمةِ، وكشفِ أوكارِ المفسدين.

وإن من السلبية أن نرى أو نعلمَ ما يُخلُّ بالأمنِ ثم نتخلّى عن المسؤوليةِ بحجةِ أن هذه ليست من وظيفتِنا، علماً بأن الفسادَ إذا وقعَ فلن نسلمَ من آثارِها جميعاً، والمجرمون إذا تجاوزونا إلى غيرنا حيناً فقد يتجاوزون غيرَنا ويصلونَ إلينا حيناً أخرى، والله تعالى أمرَنا بالتعاونِ على البِرِّ والتقوى، ونهانا عن التعاونِ على الإثم والعُدوان، ورسولُنا -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا أننا إذا رأينا الظالمَ ثم لم نأخذْ على يديه أوشَكَ اللهُ أن يعُمّنا بعقابٍ من عندِه!.

وعلينا جميعاً أن نتفطّنَ ولا ننخَدِعَ بمن يُظهرونَ الخيرَ والنزاهةَ ويبطنونَ الشرَّ ويتلبّسونَ سِرًّا بالجرائم، وإذا وُجد مثلُ هؤلاءِ المخادعينَ في عصورِ الراشدين، فما الظنِّ بغيرِهم؟ ودونكم هذه الحادثةَ فتأمَّلُوها.

أخرجَ الإمامُ مالك في (الموطأ) أن رجلاً من أهلِ اليمنِ أقطعَ اليدِ والرِّجل قدمَ المدينةَ فَنزلَ على أبي بكرٍ الصديق -رضي الله عنه-، فشكى إليه أن عاملَ اليمن قد ظلمَه، فكانَ يُصلّي من الليل، فيقول أبو بكر: وأبيكَ! ما ليلُكَ بليلِ سارقٍ.

ثم إنهم فقدوا عِقداً لأسماءَ بنتِ عميس امرأةِ أبي بكرٍ الصديقِ، فجعلَ الرجلُ يطوفُ معهم ويقولُ: اللهمَّ عليكَ بمن بيّتَ أهلَ هذا البيتِ الصالحِ، فوجدوا الحُلِيَّ عند صائغٍ زعمَ أن الأقطعَ جاءَ به، فاعترفَ به الأقطعُ أو شُهِدَ عليه بهِ، فأمرَ به أبو بكرٍ فقُطعتْ يدُه اليُسرى، وقال أبو بكر: واللهِ لَدعاؤُه على نفسِه أشدّ عندي عليه من سرقتِه.

أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82].

 

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله أكرمَنا بالإسلامِ، وشرَّفَنا بالقرآن، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، مَنِ استمسكَ بشرعهِ فاز في الدنيا وأفلحَ في الأخرى، ومن أعرضَ عن سبيله فإن له معيشةً ضَنْكاً، ويُحشرُ يومَ القيامةِ أعمى.

وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه جاءَ ليتمّمَ مكارمَ الأخلاقِ، وكانت بعثتُه هدىً وتكريماً للإنسان: أفلحَ وأنجحَ من اتبعَ هُداهُ، وظلّ وارتكسَ من حاربَه أو عاداهُ أو خالفَ هُداهُ. اللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى سائرِ الأنبياءِ والمرسلين.

أيّها المسلمون: وكما يتحقّقُ الأمنُ بوازِع السلطانِ، والخوفِ من عقوبةِ الدنيا يتحقَّقُ الأمنُ كذلكَ بوازعِ الإيمانِ، والخوفِ من عقوبةِ اللهِ في الآخرةِ، وإذا علمتم أثرَ الإيمانِ في تحقيقِ الأمنِ في قوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82].

فتأملوا أثرَ الكفر بأنعُمِ اللهِ بإلباسِ الناسِ لبوسَ الجوعِ والخوفِ بعدَ الأمنِ ورَغدِ العَيْش: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل:112].

إنه الإيمانُ والتُّقى بهما تُفتَحُ بركاتُ السماءِ والأرضِ، وبهما يتحققُ الأمنُ والرخاءُ، ذلك وعدٌ غيرُ مكذوب: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف:96].

ومن هنا فعلينا أن نفهمَ الأمنَ بمفهومِه الشامل: الأمنُ الفكريُّ العَقَديُّ، والأمن الخُلُقي والقِيَمَي، والأمنُ الجنائي، والأمنُ الصحيُّ والغذائي، حين يُخلِصُ الأطباءُ وتتوفرُ الأجهزةُ والأدويةُ، حين لا يغشُّ المزارعونَ، ولا يحتكر البائعون.

أجل؛ إننا حين نغفلُ عن انتشارِ الأفكارِ الرديئةِ، ثم تتسللُ إلى عقولِ أبنائِنا وبناتِنا تحدثُ فيها جنوحاً نحوَ الجريمةِ، وتُسَهّلُ عليهم اقترافَها، وكم تفعلُ القصةُ الهابطة، أو الروايةُ ذاتُ الفصولِ السيئة، أو الكِتابُ المنحرفُ، أو المقالةُ الداعيةُ للفجورِ، كم تفعلُ هذه وتلك من فعلٍ في العقولِ، وكم تُنشئُ من سلوكياتٍ محذورةٍ شاذةٍ، بها يهتزّ الأمنُ وتكونُ الجريمةُ!.

وحينَ نتسامحُ في زمالةِ الأديان، ونرضى أن يزاحم دينَ الإسلامِ الحقَّ أديانٌ محرّفةٌ ونِحَلٌ فاسدةٌ، فلا شكّ بأثرِ ذلك على الأمنِ العقديِّ، إذ يُحدثُ هؤلاءِ من الجرائمِ ما هو مسموحٌ لهم في أديانهم، وليسَ كذلك في دينِنَا، بل ربما فَتنوا العامةَ بشعائرهِم وطقوسِهِم، فخلّفَ أثرَه على الأمن، ولا شكّ أن العقائدَ المنحرفةَ، والتصوراتِ الفاسدةَ تقودُ إلى سلوكياتٍ منحرفة، تُخِلُّ بالأمن.

أما الأمنُ الخُلُقي والقِيَمي فيكونُ برعايةِ الأخلاقِ الفاضلةِ، وحمايةِ القيمِ الإسلاميةِ من التلوثِ والانحدار، ويومَ لا يكونُ قيمةٌ للخُلُقِ ولا رعايةٌ للقيم، يومَها تتحولُ الحياةُ إلى مسرحٍ للفوضى يأكلُ القويُّ الضعيفَ، وحينها ينفرطُ عقدُ الأمنِ، وتشيعُ الفاحشةُ، ويكثرُ المجرمون، وتتوارى الفضيلةُ والفضلاءُ.

أما الأمنُ الجنائيُّ فيتحققُ يومَ لا يُسمحُ للسارقِ بأخذِ حقِّ غيرِه، ولا لصاحبِ المُسْكرِ أو المُخدّرِ أن يُحدِثَ الضررِ بنفسِه أو بمن حوله، ولا للأحمق والأهوج أن يقتلَ أو يضربَ من اختلفَ أو تنازعَ معه، ولا لأصحاب الشهواتِ أن يقضوا وَطَرَهُم فيما حرّم اللهُ عليهم، أو يُمكَّنُ الأحداثُ من قيادةِ السياراتِ دون استشعارٍ للمسؤوليةِ فيُهلِكوا أَنْفسهم وغيرَهم، أو نحو ذلك من ممارساتٍ أو اغتصابٍ تُحدثُ فجوةً في الأمنِ لا تُحمدُ عُقباه.

عباد الله: إن مسؤوليّتَنا الشرعية والخُلقيةَ والوطنيةَ توجبُ علينا المساهمةَ في الحفاظِ على الأمن، وردعِ وفضحِ من تُسوِّلُ لهم أنفسُهُم العبثَ بأمنِ البلادِ والعبادِ، وينبغي ألا تَجُرَّنَا العواطفُ للتسامحِ والتساهل، أو الوساطةِ للمجرمين، أو الشفاعةِ في الحدود.

لقد عدَّتِ الشريعةُ الإسلامية الشفاعةَ في إسقاطِ الحدِّ، أو العدولَ عنه، جَوْراً مُهلِكاً، وقال -صلى الله عليه وسلم- مُنكِراً على أسامةَ بن زيدٍ -رضيَ الله عنهما- شفاعَتَه في إسقاطِ حدِّ السرقةِ عن المخزوميةِ التي سرقتْ، وأَهَمَّ قريشاً أمرُها: "أتشفعُ في حَدٍّ من حدودِ الله؟!" ثم قامَ خطيباً في المسلمين يعلِّمُهم -ومَن وراءَهم من المسلمين- كيف يكون العدلُ: "أيها الناسُ، إنما ضلَّ من كان قبلَكُم أنهم كانوا إذا سرقَ الشريفُ تَركُوه، وإذا سرقَ الضعيفُ فيهم أقاموا عليه الحَدَّ، وأيمُ اللهِ! لو أنّ فاطمةَ بنتَ محمدٍ سرقتْ لقطعَ محمدٌ يدها" متفق عليه.

إخوةَ الإسلام: إن الحديثَ عن الأمنِ والمساهمةِ في توفيرهِ ينبغي أن تشاركَ فيه المؤسساتُ التربويةُ والعلميةُ، والأجهزةُ الإعلاميةُ، فضلاً عن الأجهزةِ المعنيةِ بالأمنِ، ينبغي أن يكونَ همّاً يُحِسُّ به الأولياءُ ويتحسّبُ لآثاره الأبناءُ، وإذا تميزَ أبناءُ المجتمعات الإسلامية، بشعيرةِ الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكرِ عن المجتمعاتِ الأخرى، فينبغي أن تُستثمرَ هذه الشعيرةُ العظيمةُ في تحقيقِ الأمنِ وكفِّ المجرمين.

إننا –بحمد الله- نعيشُ في هذه البلادِ حالةً أمنيةً لا نظيرَ لها في عالم اليوم، وإن وُجِدتْ أحداثٌ وقضايا تُخلّ بالأمن أحياناً -فتلكَ- مع عدمِ خُلوّ مجتمع منها أو قريبٍ منها هي كذلك تخفُّ إذا تضافرتِ الجهودُ على مراقبةِ أصحابِهَا من قِبَلِ عمومِ المجتمعِ، وتخفُّ كذلك كلّما نشِطتِ الجهاتُ المعنيةُ بالأمنِ على الإخلاصِ في عملِها وتحديثِ أساليبها، وتطويرِ الأداءِ لدى الأفرادِ العاملين فيها.

أما تطبيقُ الحدودِ، وإحالةُ المجرمينَ للقضاءِ، فلا شكّ أنها ضمانٌ بإذن اللهِ لنشرِ العدلِ وتحقيقِ الأمنِ.
أما التوعيةُ بقيمةِ الأمنِ والتحذيرِ من ارتكابِ المحظوراتِ والجرائمِ بوسائلَ مختلفةٍ، فتلكَ وسيلةٌ وقائيةٌ غايةٌ في الأهميةِ؛ لأننا لا نفرحُ بوجودِ المجرمِ لنعاقبَهُ، بل نُسرُّ لانخفاضِ معدلِ الجرائم واستصلاحِ المجرمين.

وفتحُ باب الأملِ والتأكيدُ على قيمةِ التوبةِ، يُسهمُ كذلك في استصلاحِ مَنْ به فسادٌ، وعنده استعدادٌ للصلاحِ ونسيانِ الماضي، وفي الحديثِ الحسن: "التائبُ من الذَّنبِ كَمَنْ لا ذنبَ له" رواه ابن ماجة وحسنه السخاوي والألباني.

 

 

 

 

المرفقات

الشامل مسؤوليتنا جميعاً

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات