الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 2

د. منصور الصقعوب

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ الأمر بالمعروف وظيفة الجميع 2/ دور المحتسِب في الترغيب في الطاعة 3/ صفات الآمر بالمعروف 4/ فقه وضوابط الأمر بالمعروف 5/ تعدد وسائل الأمر بالمعروف 6/ هيئة الأمر بالمعروف وإنجازاتها 7/ هجوم أعداء الدين على الهيئة

اقتباس

وليست مهمة المحتسب الإنكار المجرد, بل مهمته التغيير, ففي الحديث: "مَن رأى منكراً فليغيِّرْه"، ولم يقل فلينكره, وفرق بين الكلمتين, وهو في سبيل التغيير قد يلين في القول, وقد يتغاضى عن قصورٍ لو لم يغضّ الطرف عنه لم يزل المنكر الأكبر, وربما احتاج الكلام لبلسم من الابتسامة، والثناء على المنكر عليه بما هو فيه من خصال خير؛ ليكون أدعى لقبوله الوعظ ..

 

 

 

 

(الحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَق السَّمَاواتِ والأرضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ والنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [الأنعام:1]، وصلَّى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد الأمين، الذي أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.

معشر الكرام: إن الأمة حين يقلّ ناصحوها، ويكثر مسرفوها, فإنها حينئذٍ تكون على شفا هلكة؛ لأن الشر يشيع، والمنكرَ ينتشر ويذيع, وما تزال المنكرات تتوسع على مرأى من الناس وسُكوتهم, حتى يصير المنكر مألوفاً, والمنكِر ملوماً.

وحين يتحمل الجميع الهمّ, ويتعود عليه الكافّة, ويُكسر حاجز الخوف والحياء, فالأمة إلى خير؛ وإذا كان الله يمكِّن في الأرض لأمم, فإن من آكَد الصفات لمن أرادوا أن يعلِي الله شأنهم في العالمين، ويرفع ذكرهم بين الأمم أجمعين، هذه المهمة الشريفة، والرتبة المنيفة: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَن الــْمُنْكَرِ) [الحج:41].

وتتمة لحديث الجمعة الماضية عن الأمر بالمعروف والاحتساب؛ فإن من مهمات القول أن مما ينبغي أن يستقر في الضمائر لدى الصغار والأكابر, والرجال والحرائر، أن كل امرئٍ في الأمة موظف بمهنةِ آمرٍ بالمعروف وناهٍ عن المنكر, أياً كان مكانه وتعلمه وديانته, وحينها فكلنا نحتاج إلى التذكير بمعالم على هذا الطريق، ووصايا وتذكير, وبين يديَّ اثنتان من الوصايا هي من الأهمية بمكان, أذكِّر بها ولا أظنها تخفى على أولي العرفان.

أولها: أن الآمر بالمعروف هو داعية إلى الله, فقوله أحسن قول، (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلَاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ) [فصلت:33]؛ وهنا، فمن القصور أن نظن أن الدور ينتهي عند النهي عن المنكر, بل لا يقلّ عنه أهمية الأمر بالمعروف, والترغيب في طاعة الله.

وحين ترى العاصي فليكن رائدك الرغبة في أن يطاع الله, والشفقة على من عصى الله, فلا ينبغي أن يعصف بالقلب الثأر والتشفي من الواقع في المنكر, وانظر إليه بنَظَرَيْن – كما قال ابن القيم-: الرحمة به على وقوعه في المعصية, وهذا يدعوك للوقوف معه؛ والبغض له بقدر معصيته. وإياك أن تشمت بعاصٍ! فربما بليت, وربما كنت قبل ذلك مثله أو أسوأ, فاحمد المولى أن هداك, وكن منقذاً غيرك من بلواه.

ثانياً: والأمر بالمعروف يحتاج منا جميعاً إلى التحلي بصفات الحكمة والرفق, والأناة والصبر, وسالك الطريق لابد له من تحمل وتحلم, فربما لمزه البعض, وربما أغلظ له القول, وربما تُعدِّي عليه بالفعل, ويكفيه محفزاً ومسلياً أن له في ذلك سلف بالأنبياء إذ أمروا الناس بالمعروف فما سلمت حتى أبدانهم, وفي قول الله: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [لقمان:17]، تأكيد على تلازم الصبر مع الأمر.

ثالثاً: ومما يحتاجه كل قائم بالأمر بالمعروف أن يبدأ بأولى المنكرات بالإنكار, وليس من الحكمة أن ينكر أمراً وثمة غيره مما هو أشد منه وأشنع, وتأمل في حال الرسول الكريم, فقد جاء بالنبوة والناس واقعون في الزنا، والِغون في الخمر، يئدون البنات، ويأكلون الميتات, فانصب جهدُه على النهي عن الشرك إذ هو أشنع الأمور, وعرج على غيره من الأمور.

وأنت راءٍ من الناس اليوم من يقع ربما في بعض الشركيات, وحين ينصبُّ جهد الدعاة على الحث على السلوك والأخلاق ونحوها، ويَدَعون الأصل وهو التوحيد، فذاك علامة خلل في الأمر بالمعروف. فابدأ -أيها المرء- بأكبر المنكرات، وأولى المعاصي بالإنكار, ولك سلف وقدوة برسولنا -عليه السلام-؛ ومن مراعاة الأولويات في الإنكار أن يبدأ المرء بالمنكرات الظاهرة ويسعى لإنكارها, قبل أن ينظر في المنكرات الخفية والمستترة.

رابعاً: وأهل العلم يقررون أن المنكر قد يكون من الحكمة ترك إنكاره إذا ترتب على الإنكار منكر أكبر منه, وفي القرآن يقول الله: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) [الأنعام:108]، وفي تريث النبي -صلى الله عليه وسلم- عن هدم الكعبة وبنائها على قواعد إبراهيم -وتلك مصلحة لا تخفى- خشيةَ حدوثِ منكر أكبر، ومفسدة أعظم، عبرةٌ وفائدة تجعل المرء يعطي هذا الأمر عنايته، ويقدر الأمر قدره.

خامساً: وللأمر بالمعروف مراتب، متى ما قدر على الأعلى أتى به ولم ينتقل لما هو دونه, فالإنكار باليد أول الأمر, ومع هذا فلا يُصار إليه إلا حين تتحقق المصلحة فيه، وتوجد القدرة عليه.

فإن تعذر فاللسان وسيلة للتغيير في مقدور الجميع, وليس الإنكار باللسان بإطلاق الكلمة مَعذرةً إلى ربكم, وإنما يتحرى المرء فيها انتفاع الواقعِ في المنكر, وهذا يجعله ينتقي من الكلام أوقعه على نفس العاصي, فالتعريف باللين واللطف, إما بالإشارة أو التعريض, أمر يجدي ويردع, وفي هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في الإنكار أنه إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول؟ ولكن يقول: "ما بال أقوام يقولون كذا وكذا".

والنهي بالوعظ والنصح والتخويف من الله تعالى إنكار باللسان, ربما أجدى مع من عنده العلم بالنهي, فإن لم يُجْدِ ذلك فربما كان في إغلاظ القول رادع للبعض.

وإن تعذر أو كان في ذلك مفسدة أبلغ فلن يعجز المؤمن عن الإنكار بقلبه، فينطوي قلبه على بغض المنكر, وذاك أضعف الإيمان كما في مقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

سادساً: وليست مهمة المحتسب الإنكار المجرد, بل مهمته التغيير, ففي الحديث: "مَن رأى منكراً فليغيِّرْه"، ولم يقل فلينكره, وفرق بين الكلمتين, وهو في سبيل التغيير قد يلين في القول, وقد يتغاضى عن قصورٍ لو لم يغض الطرف عنه لم يزل المنكر الأكبر, وربما احتاج الكلام لبلسم من الابتسامة، والثناء على المنكر عليه بما هو فيه من خصال خير؛ ليكون أدعى لقبوله الوعظ.

سابعاً: ووسائل التغيير والاحتساب لا يمكن أن تحدّ بوسائل معينة, بل كل وسيلة تؤدي المقصود, وتغير المنكر فهي مطلوبة, ولكل زمن وسائله وأدواته.

ثامناً: ومن أكد المنكرات التي تستدعي من الجميع التواصي عليها المنكرات التي تلحق المجتمع أو أغلبه, حين تمس تعليم الناس أو أعمالهم أو صحتهم أو إعلامهم, وإذا كان صاحب المنكر له جلَدٌ وهمة, فإن وقوف المجتمع بأطيافه منكراً بعض الخطوات التي تراد به أمرٌ في غاية الأهمية, وكم من منكراتٍ كانت ستحلّ, ولولا الله، ثم جهد محتسب، أو كتابة كاتب، أو زيارة ناصح، أو دعوة صالح، حالت دون ذلك.

ونحن نرى أن في مجتمعنا خطواتٍ يسعى لها أهل التغريب لا ترضي الله أولاً، ولا ترضي ولاة أمرنا, وهي بحاجة منا إلى أن يكون لنا فيها كلمة مهما تعددت الوسائل, فمن منا أنكر وبلّغ صوته حين رأى منكراً من القول أو الفعل, وذاك واجب علينا, فهو من النصح للأمة, ولا خير فينا إن لم نقل كلمة الحق, ولا خير في المسؤول إن لم يقبلها.

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

 

الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. من مفاخر هذه البلاد بين الدول أن حوت جهازاً مهمته تغيير المنكرات والأمر بالمعروف, أدى فرض الكفاية عن الكثير من الناس, ووضع يديه مع أجهزة الأمن الأخرى للمحافظة على أمن الناس, وكم سهر أفراده للحفاظ على حرماتٍ أقوام ربما قضوا ليلهم يقدحون فيهم وفي جهازهم! كم ستروا من عورة, وأوقفوا من منكر, وحفظوا عرض فتاة, وأنقذوا شاباً!.

في التقرير السنوي للهيئة لعام 1429هـ ضبطت الهيئة في مراكزها أكثر من 250 ألف واقعة, إما في العقيدة أو في العبادة أو الأخلاقيات أو المخدرات أو غيرها من المنكرات, وكل هذه الوقائع -وأضعافها- كانت ستقع في المجتمع لولا لطف الله ثم جهود الهيئة, قبضت على عدد من السحرة والساحرات, وأوقعت عددا من المروجين, وشبكاتٍ من الدعارة وغيرها, ولم تألُ جهداً مع رجال الأمن حتى أزيلت منكرات كثيرة.

وبعد هذا فماذا يريد المحتسبون ضد الهيئة في الصحف الإعلام؟ ماذا يريد الناقمون على الهيئة حين يسمونها بمثل مغول العصر, ورجال النكبة, والميلشيات الإرهابية, وحقول طالبان؟ ماذا ينقمون منها حين تُفرد صفحات للحديث عن خطأ وقع؟ وماذا تفعل الهيئة حين ينادي كتاب التغريب بإلغائها وتخليص المجتمع منها, ويتفنون في نسج الأكاذيب عنها؟.

ولست تدري أي كرامة يريدون حين يرون الهيئات وقفت في وجه حرياتهم، ويقول قائلهم: ما دامت الهيئة موجودة فليس للإنسان كرامة! وكل ذلك في صحف وقنوات تغزو بيوتنا, حتى رأيت الجرأة على الآمرين بالمعروف بدأت تظهر في الأسواق، حتى من بعض النساء.

ومع كل هذه الهجمات تجاه رجال الهيئات, وتكبير أخطائهم, وتجاهل نجاحاتهم, والتعدي والتطاول عليهم حتى في أبدانهم، فإننا على يقين أن جلّ المجتمع يعي أهمية الاحتساب, ولكنّ علينا دوراً في نصرة الآمرين بالمعروف، والذب عن أعراضهم, وذكر محاسنهم, والمحافظة على جهازٍ حفِظَ الأعراض والعبادة, وأسقط عنّا فرض الكفاية.

وجماع القول -أيها الأحباب- أن الجميع مطالب بالاحتساب, فماذا قدمنا في سبيل ذلك؟ وكم يجمل بنا أن نربي على ذلك أنفسنا وأولادنا, ونشيع روح الأمر بالمعروف في بيوتنا ودوائرنا! وعلى المعلم والمربي والأب والمثقف دور في إحياء تلك الروح في المجتمع؛ لنُسْهِم في وصول سفينته لمأمنها.

اللهم صَلِّ وسلم على محمد.

 

 

 

 

 

المرفقات

بالمعروف والنهي عن المنكر 2

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات