الألعاب الالكترونية

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/ ظاهرة تضييع الأوقات عند الألعاب الالكترونية 2/ إدمان الأطفال عليها 3/ مخاطرها العقائدية 4/ مخاطرها الأخلاقية 5/ مخاطرها الصحية 6/ تشويهها لصورة المسلمين

اقتباس

ومن مخاطر هذه الألعاب الالكترونية أنها سبب في إصابة كثير من الأولاد بمرض التوحد، والتشنج، واشتداد الأعصاب، وارتفاع الضغط، حينما يكون الطفل طاوياً في إحدى زوايا البيت، وعيناه مشدودتان نحو الشاشة الصغيرة، تمضي للبريق المتنوع من الألوان المتحركة، ويداه تمسكان بإحكام على الجهاز، وأصابعه ترتجف مع كل رجفة من رجفات اللعبة، وتتحرك بعصبية ..

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي أمرنا باغتنام الأوقات، وحذَّرنا من التشاغُل بالدُّنيا عن الطاعات، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ بيَّن لنا سُبلَ السلامة والهدى، وحذرنا من مهاوي الضلالة والرَّدَى، وأشهد أنَّ سيدنا وحبيبَ قلوبنا محمدًا عبده ورسوله، أول السابقين لفِعْل الخيرات، ودليلُنا ومرشدنا لكلِّ العبادات.

 

اللهم صلِّ عليه وعلى آله وصحابته، واجْزِه عنَّا خيرَ ما جزَيتَ نبيًّا عن أُمَّته، وأكرِمنا اللهم بورودِ حوضه ونَيْل شفاعته.

 

عباد الله: حديثنا اليوم عن بلوى من البلايا التي راجت وانتشرت في عصرنا، وابتلي بها كثير من أبنائنا وبناتنا، وأفرطوا فيها إلى حد التجاوز والإدمان، إنها الألعاب الالكترونية.

 

لقد توسع كثير من أولادنا في الانشغال بهذه الألعاب، وصرفوا فيها جل أوقاتهم، وأصبحوا من اللاهثين خلفها، المتتبعين دائماً لجديدها، والباحثين عن النسخ الأخيرة من إصداراتها.

 

والغريب أن تجد بعض الشباب الكبار منشغلين بمثل هذه الألعاب مبتلين بها، مع أنهم في هذه السن ينبغي لهم أن يكونوا قد ارتقوا وسمت عقولهم وأفكارهم عن مثل هذا اللهو والعبث.

 

إنك لتستغرب حينما ترى كثيراً من الشباب قد أضاعت عليهم هذه الألعاب جل أوقاتهم، وأهدروا عليها كثيراً من أموالهم، فتقول أين هم من عبادة ربهم وطاعة مولاهم؟! ألم يعلموا أن الله -تبارك وتعالى- قد خلقهم لعبادته، وأوجب عليهم طاعته، وأمرهم بحفظ الأوقات واغتنام الساعات؟!.

 

ألم يسمعوا قول الله -جل وعلا-: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) [المؤمنون:115-116]؟!.

 

ألم يسمعوا حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي يقول: "لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ" [الترمذي:2416]؟!.

 

عباد الله: وأخطر من تضييع الأوقات وهدر الأموال في هذه الألعاب الالكترونية هو خطرها على عقيدة المسلم، وتشكيكها في أصول الدين ومعالمه، وقدرة الإله وقوته، خاصة -وأنتم تعلمون- أن أكثر هذه الألعاب الالكترونية هي من صنع شركات غربية إلحادية تقوم على التنكر للدين، وعدم الاعتراف بالإله الحق -جل جلاله وعظم شأنه-.

 

بعض هذه الألعاب تحكي شرك اليونان القديم الوثني، وتربي الأولاد على أن للكون آلهة متعددة وليس إله واحد، وأن هناك صراع بين الآلهة، وهناك عظيم الآلهة وبطلها، وتشكيك في بعض قضايا الربوبية؛ كإحياء الموتى مثلاً.

 

إضافة إلى أجواء سحر وخرافة وظهور للصليب بشكل متكرر، وفي بعض الألعاب يقال بصوت واضح ومسموع: الآلهة أولمبوس أرسلتني. (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) [الأنعام:19]. ويقول -سبحانه-: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [العنكبوت:46].

 

إن كثيراً من الآباء وأولياء الأمور يجلب هذه الألعاب الالكترونية إلى بيته بنية طيبة وتفكير بسيط، ويحسب أن الأمر مجرد تسلية للأطفال ووله لهم، ويغفل عن الأخطار الماحقة التي تؤثر على عقلية الطفل، وتغير من تفكيره، وتسمم فطرته وتحرفها.

 

ومن أخطار هذه الألعاب الالكترونية إنها تربي أطفالنا وبناتنا على ثقافة العري والانحطاط، وقتل الحياء، واغتيال الحشمة، ونحر العفاف؛ لأن أكثر رموزها يظهرون للمشاهد أو للاعب وهم في صور خليعة وألبسة متعرية، إن لم يكونوا عراة بلا لباس يسترهم ويستر عوراتهم ويغطي سوءاتهم.

 

وهذا ما يريده الشيطان وما يصبوا إليه، ويطمح في تحقيقه، ويسعى إلى إيجاده، حتى تحصل الفتنة، ويقع الخبث، وينتشر الفساد الأخلاقي، ومظاهر الانحراف الاجتماعي. يقول الله - تبارك وتعالى- محذراً لنا من هذه الثقافة السيئة ثقافة الجنس والتعري: (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف:27].

 

فالشيطان يسعى إلى نشر العري، ونزع اللباس، وتدمير الأخلاق، والدعوة إلى الرذيلة حتى يفتنكم، فاحذروه لكي لا يحقق مراده، ويصل إلى مطلوبه، فيفتنكم كما فتن أبويكم من قبل حتى بدت لهما سواءتهما، (فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ) [الأعراف:22].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب. فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، نحمده حمداً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشكره شكراً يليق بنعمته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، وحجة على الناس أجمعين، -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته، وعمل بسنته، ونصح لأمته إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

أيها الناس: ومن مخاطر هذه الألعاب الالكترونية أنها سبب في إصابة كثير من الأولاد بمرض التوحد، والتشنج، واشتداد الأعصاب، وارتفاع الضغط، حينما يكون الطفل طاوياً في إحدى زوايا البيت، وعيناه مشدودتان نحو الشاشة الصغيرة، تمضي للبريق المتنوع من الألوان المتحركة، ويداه تمسكان بإحكام على الجهاز، وأصابعه ترتجف مع كل رجفة من رجفات اللعبة، وتتحرك بعصبية على هذه الأزرار، وأذنه صاغية لتلك الأصوات والصرخات والطلقات الإلكترونية، والصخب الذي يسمعه ويبصره أثناء اللعب بهذه الألعاب.

 

بل إن أكثر هذه الألعاب هي ألعاب إجرامية تحرض على العنف، وتغرس روح العدوانية، وتدعو إلى بث الرعب والإرهاب المذموم، وتعليم الانتحار، والإسراف في القتل، مما يؤثر سلباً على نفسيات هؤلاء الناشئة في منامهم وأحلامهم، قبل يقظتهم وواقعهم.

 

لقد أثبتت عدد من الدراسات الطبية الحديثة أن الأطفال الذين يقضون وقتاً طويلاً عند هذه الألعاب يصابون بالإدمان، مما حمل بعض الأطباء وعلماء التربية بل وبعض المسؤولين والسياسيين في الغرب إلى رفع صيحة تحذير من أخطارها.

 

وقدم أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي اقتراحًا بمنع تداول هذه الأفلام أي أفلام الفيديو والألعاب الإلكترونية السيئة؛ نظراً لتأثيرها السلبي على الأولاد، حتى إن الولايات المتحدة يوجد فيها قانون يسمى قانون غرامة سليفر، يعاقب بموجبه من يسمح للأحداث والقاصرين بممارسة هذه الألعاب.

 

وأعربت السلطات الصينية مؤخرًا عن قلقها المتزايد من الأعداد الكبيرة من المراهقين الذين يقضون ساعات طويلة، وربما أيام كاملة في اللعب بمقاهي الإنترنت، وقد قامت ثماني إدارات حكومية بإصدار قواعد جديدة تجبر شركات الألعاب وشركات تقديم الخدمات على تحميل برامج مضادة للإدمان، ووجدوا أن واحداً وثلاثين مليون صيني يدمنون اللعب على الإنترنت بهذه الألعاب.

 

ومن قبائح هذه الألعاب ومخاطرها أنها تصور المسلمين بصورة الأعداء، وتصور مناطقهم وبلدانهم على أنها مناطق إرهابية، وأن أهلها إرهابيون قساة، وتظهر للطفل أن هناك مجموعة من الإرهابيين المسلمين قادمون، وأنه يجب القضاء عليهم لأنهم مجتمعات همجية متخلفة!!.

 

وعلى هذا النهج نجد هناك لعبة باسم -محطة اللعب- تعتمد على تكليف اثنين من المارينز بمهمات في البلاد الإسلامية، ويظهر في اللعبة بوضوح أن هدفها الأساسي قتل أكبر عدد ممكن من المسلمين!!.

 

وأما الإساءة للرسول -صلى الله عليه وسلم- وإظهاره بمظهر غير لائق بمقامه الشريف بأبي هو وأمي -صلى الله عليه وسلم- فحدث عن ذلك ولا حرج.

 

فالحذر الحذر -عباد الله- من هذه الألعاب، فلنحذرها ولنحذر أبناءنا ومن ولانا الله مسؤولية عليهم منها، فإن خطرها عليهم عظيم ونار شررها مستطير، ومن سلم منها دينياً وعقائدياً فلن يسلم منها أخلاقياً، ومن سلم منها أخلاقياً فلن يسلم منها صحياً، فخذوا حذركم. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6]. وحذر النبي - صلى الله عليه وسلم- من إهمال الأولاد وتضييعهم، فقال فيما يروى عنه: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُول" [النسائي:9176].

 

هذا وصلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فقال -عز من قائل كريم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

 

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

 

اللهم ارزقنا التربية الصالحة لأبنائنا ومن تحت أيدينا، واحفظنا وأولادنا من كل سوء، وارزقنا برهم وصلاحهم يا رب العالمين.

 

 

 

المرفقات

الالكترونية

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات