الأصول الثلاثة بأسلوب وعظي

أحمد بن محمد العتيق

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/أهمية الإخلاص والمتابعة 2/أقسام الناس تجاه الإخلاص والمتابعة 3/أسباب الإخلاص

اقتباس

عباد الله: إن العبد لا يكون محققاً للعبادة: إلا بأصلين عظيمين: أحدهما: الإخلاص لله -عز وجل-. والثاني: متابعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-. فهذان ميزانان لا بدّ من توفرهما في كل عبادة يفعلها المرء. ميزانٌ باطن، وهو الإخلاص، وميزانٌ ظاهر، وهو...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].

 

أما بعد:

 

فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

 

عباد الله: إن العبد لا يكون محققاً للعبادة: إلا بأصلين عظيمين:

 

أحدهما: الإخلاص لله -عز وجل-.

 

والثاني: متابعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

 

فهذان ميزانان لا بدّ من توفرهما في كل عبادة يفعلها المرء.

 

ميزانٌ باطن، وهو الإخلاص: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء) [البينة: 5].

 

وميزانٌ ظاهر، وهو الاتباع: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".

 

والناس -يا عباد الله-: منقسمون بحسب هذين الأصلين إلى أربعة أقسام:

 

القسم الأول: من لا إخلاص لهم ولا متابعة، مثل المبتدع المرائي، فهؤلاء عملهم ليس خالصاً لوجه الله، وليس موافقاً لهدي الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ وهذه حال المتزينين للناس؛ المرائين لهم بما لم يَشَرعهُ الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.

 

فهؤلاء شرار الخلق، وأبغضهم إلى الله -عز وجل-، ولهم أوفر النصيب من قول الله -تعالى-: (لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [آل عمران: 188].

 

يفرحون بما أتوا من البدعة والضلالة والشرك، ويُحبون أن يُحمدوا بالسنة والإخلاص.

 

القسم الثاني: قومٌ أخلصوا أعمالهم لله -تعالى-، لكنها على غير هدْيِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ وهذه هي حال الذين يحرصون على إصلاح النيات، ولا يحرصون على إصلاح العمل، فهم يعملون لله من صلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ وحجٍ، وقد يكونون ممن يَدْعون إلى الله لكنهم في معزلٍ عن القيام بهذه العبادات على وفق هدْيِ الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

 

فإذا نُصِحوا وذكّروا، قالوا: إن العبرة بالنية، وإن الأعمال بالنيات.

 

وهذا كلّه بسبب جهلهم بشرطي قبول العمل، لقد جاء نفرُ من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فسألوا أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عمله في السرّ، فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما بال أقوامٍ قالوا كذا وكذا؟ لكنّي أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس منّي".

 

فانظروا إلى هؤلاء النفر من الصحابة والذين لا نَشُكُّ في صلاح نياتهم، وأنهم أرادوا بعبادتهم وجه الله، إلا أن تلك العبادات التي قاموا بها لم تكن على هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولذلك قام رسول الله -صلى الله عليهم وسلم- فأنكر عليهم، ولم يعذرهم بسبب صلاح نياتهم.

 

وروى البخاري ومسلم عن البراء بن عازب -رضي الله عنه-: أن أبا بُردة بن نَيِار ضحّى قبل الصلاة -أي: قبل صلاة العيد- فقال له رسول الله -صلى الله عليهم وسلم-: "شاتُكَ شاةُ لحم" فقال: يا رسول الله إنّ عندي داجِناً جذعةَ من المعزن قال: "اذبحها ولن تصلح لغيرك" ثم قال: "من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نُسُكُهُ وأصاب سنَّةَ المسلمين".

 

وفي رواية عن أنسِ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من ذبح قبل الصلاة فَلْيُـعِد".

 

فنأخذ من هذا الحديث: أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يعذر أبا بُردةَ، مع العلم أن نيته صالحه لكنه ذبح الأضحية قبل صلاةِ العيد، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يذبح غيرها؛ لأنه خالف السنة.

 

القسم الثالث: قومٌ وافقوا هدْي النبي -صلى الله عليه وسلم- في أعمالهم، لكنها لم تكن خالصةً لوجه الله -عز وجل-؛ وهذه حال المرائين، أعمالهم ظاهرها الصلاح لكنها ليست لوجه الله، روى الإمام مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه، رجل استُشهد فأتي به فعرّفه نعمته فعرفها، قال فما عملت بها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يُقال: جريء! فقد قيل، ثم أُمِرَ به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلّمه وقرأ القرآن فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت بها؟ قال: تعلمت العلم وعلّمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليُقال: عالم! وقرأت القرآن ليُقال: قاريء! فقد قيل، ثم أمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقِي في النار، ورجل وسّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت بها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن يُنفق فيها لك إلا أنفقت فيها، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليُقال: جواد! فقد قيل، ثم أمر به فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار".

 

القسم الرابع: هم الذين أخلصوا عبادتهم لله، وتابعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعلمهم أن الله لا يقبل العمل من عبده إلا إذا كان خالصاً لوجه اللهن وموافقاً لهدْي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهؤلاء هم الذين حققوا معنى الشهادتين حقيقة؛ لأن الإخلاص له علاقة بشهادة أن لا إله إلا الله، والاتباع له علاقة بشهادة أن محمداً رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك: 2].

 

قال الفضيل بن عياض -رحمه الله-: "العمل الحسن: هو أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي: ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يُقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يُقبل، حتى يكونَ خالصاً صواباً، والخالص ما كان لله -تعالى-، والصواب ما كان على السنة".

 

فاتقوا الله -عباد الله- وأصلحوا أعمالكم بالإخلاص والمتابعة.

 

واعلموا: أن الإخلاص لا يكونُ إلا بعد تعظيم الله، ومعرفةَ التوحيد، فإنّ كثيراً من الناس لما عظّموا المخلوقين في نفوسهم، زّينوا أعمالهم لهم، ولو عظّموا الله في نفوسهم لم تَلْتَفِتْ قلوبُهم لغير الله -تعالى-.

 

واعلموا أيضاً أن من أسباب الإخلاص: معرفةُ هَوَانُ الدنيا، وقصر الأمل، وتذكّرُ الموت وما بعده من عذاب القبر ونعيمه، والجنة والنار، فإن حبَّ الدنيا والركونَ إليها من أعظم الأسباب التي تُضعِفُ الإخلاص في قلب العبد.

 

واعلموا أيضاً: أن متابعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-: لا تكون إلا بالعلم النافع المستمدّ من كتاب الله -تعالى- وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما كان عليه السلف الصالح -رضوان الله تعالى عليهم-.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم؛ ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكّر الحكيم.

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه؛ والشكر له على توفيقه وامتنانه؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

فإنه يجب على كل من دعا إلى الله -عز وجل- أن يربي الناس على هذين الأصلين العظيمين: الإخلاص والمتابعة؛ لأن المجتمع إذا تربى على الإخلاص والمتابعة حصل له عدّة ثمرات:

 

الثمرة الأولى: سلامة المجتمع من الشرك. لأن الإخلاص لا يكون إلا بعد معرفة التوحيد، وترك الشرك بجميع أنواعه.

 

الثمرة الثانية: أنه بالاتباع يسلم المجتمع من البدع والخرافات، وهذا لا يكون أبداً إلا بالعلم النافع، ومعرفة هدي الرسول -صلى الله عليه وسلم- في عبادته.

 

الثمرة الثالثة: اجتماع القلوب وأُلفتها، فإن الناس إذا اختلفت مقاصدهم، واختلفت مناهجهم ومشاربهم، تفرقت قلوبهم وربما نتج عن ذلك أن يسفك بعضهم دم بعض.

 

إن سبب وجود الفرقة بين المسلمين وانقسامهم إلى شيعٍ وأحزابٍ وجماعات، هو تضييع هذين الأصلين العظيمين؛ لأنه بالإخلاص تتحد مقاصدهم، وبالاتباع تتحد مناهجهم وأعمالهم.

 

الثمرة الرابعة: التمكين في الأرض؛ فإن التمكين الذي يحبه الله لا يكون للمسلمين إلا إذا توفر فيهم هذان الأصلان، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النــور: 55].

 

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وأصرف عنّا سيئها لا يصرف عنّا سيئها إلا أنت، يا ذا الجلالب والإكرام.

 

اللهم حبب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين.

 

اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان.

 

اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك، ويقاتلون عبادك المؤمنين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، اللهم سلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب يا رب العالمين.

 

اللهم من أراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا له يا سميع الدعاء.

 

اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك.

 

اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، ووسع مدخلهم، وأكرم نزلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].

 

 

المرفقات

الثلاثة بأسلوب وعظي

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات