الأسرة في الإسلام

عبد الله الواكد

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ اهتمام الإسلام بالأسرة 2/ قيم وأخلاق يجب أن تقوم عليها الأسرة في الإسلام

اقتباس

لقد اهتمَّ الإسلامُ بالأُسرةِ المسلمةِ اهتمامًا كبيرًا، اهتماماً تقصرُ عنهُ فهومُ البشرِ وقوانينُ الدولِ الوضعيةُ، قلماَ تجدُ نظاماً يُعنى بشؤونِ الصغيرِ والكبيرِ، والغنيِّ والفقيرِ، والمرأةِ والرجلِ مثلَ شريعةِ اللهِ، خلا...

 

 

 

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا ونبيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بعدُ:

 

أيهاَ المسلمونَ: فأُوصيكُمْ ونفسِي بتقوَى اللهِ -جلَّ وعلاَ-، امتثالاً لقولِهِ تعالَى: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [النور: 52].

 

أيهَا المسلمونَ: لقد اهتمَّ الإسلامُ بالأُسرةِ المسلمةِ اهتمامًا كبيرًا، اهتماماً تقصرُ عنهُ فهومُ البشرِ وقوانينُ الدولِ الوضعيةُ، قلماَ تجدُ نظاماً يُعنى بشؤونِ الصغيرِ والكبيرِ، والغنيِّ والفقيرِ، والمرأةِ والرجلِ مثلَ شريعةِ اللهِ، خلا ادعاءاتِ تحريرِ المرأةِ وحقوقِ الإنسانِ التي تحملُ في بطونِها ما ليسَ على ظهورِها.

 

وقدْ تَجَلَّتْ أهميةُ تأسيسِ الأُسرةِ المستقرةِ الآمنةِ مِنْ خلالِ وصايَا النبيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- التِي تُنَمْذِجُ خُطى التكوينِ الأسريِّ منذُ عهدِهِ الأولِ، قالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ".

 

والمرأةُ -أيها المسلمونَ- أهمُّ شيءٍ في بناءِ الأسرةِ والمجتمعِ أولئكَ يدعونَ لتحريرِها وكأنَّهاَ محتلةٌ منْ قبلِ الرجلِ، يدعونَ لمسخِهاَ من أنوثتِها، وسلخِها مِن عفافِها، يبغونَها سافرةً مكشوفةً، يقعُ عليها البعوضُ والذبابُ.

 

أماَّ الإسلامُ فإنَّهُ يعتني بهاَ ويُؤسِّسُها لغرضِ البناءِ المتينِ، وليسَ لغرضِ تملُّقِ الأعينِ، وتلذُّذِ الأبصارِ، فهيَ مصدرُ التغييرِ والتأثيرِ، هِيَ أساسُ البيتِ، وركنُهُ الركينُ، بشَّرَها رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلمَ- بالجنةِ، فقالَ: "إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَىِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ".

 

وأخبرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلمَ- أنها كنزٌ مِن كنوزِ الدنيا، فقالَ: "أَلاَ أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ مَا يَكْنِزُ الْمَرْءُ؟ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ".

 

طاعةُ الزوجِ ورعايةُ الأبناءِ والقيامُ علَى شؤونِ البيتِ، وحُسْنُ التربيةِ، رسالةٌ اجتماعيةٌ ووظيفةٌ إسلاميةٌ عظيمةٌ مناطةٌ بها، فهيَ ليستْ سَقْطُ متاعٍ، أو إمعةُ استمتاعٍ، إنَّماَ هي شريكٌ للرجلِ، هي نصفُ دينِ الرجلِ، النساءُ شقائقُ الرجالِ، المرأةُ تُنَشِّئُ أبناءَهَا علَى الإيمانِ والطاعةِ وحَمْلِ رسالةِ الدينِ، وواجبِ الدعوةِ إلى اللهِ، وحُبِّ الوطنِ والولاءِ لهُ ولولاةِ أمرِهِ، وعلَى الأَخلاقِ الفاضلةِ والقِيَمِ السامِيَةِ، والتزوُّدِ بالعلومِ والمعارفِ.

 

أيهَا المؤمنونَ: علَى الزوجيْنِ وهُمَا يؤسسانِ هذا البيتَ الأسريَّ أَنْ يُدرِكَا أنَّ أحدَهُمَا أَوْ كليْهِمَا، لَنْ يجدَ صاحبَهُ كاملاً، فالكمالُ للهِ -سبحانَهُ وتعالى-، ولقدْ أوصى اللهُ -عزَّ وجلَّ-،  بالتعايشِ بالمعروفِ، قالَ سبحانَهُ وتعالَى: (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء: 19].

 

ولينظُرِ الزوجُ والزوجةُ إلى الإيجابياتِ في كلٍّ منهُماَ؛ لأنَّ كثيراً مِنَ الأزواجِ يختصمونَ على محاورِ السلبياتِ: أنتِ فعلتِ كذاَ، وأنتَ الذي فيكَ كذاَ، قالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلمَ- وهوَ يوصي الزوجينِ بخلافِ ذلكَ: "لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِىَ مِنْهَا آخَرَ".

 

هكذَا يُرسِّخُ الإسلامُ قِيَمَ البناءِ المتينِ، والتشييدِ المكينِ، التِي تقودُ الأُسرةَ إلى السعادةِ والاستقرارِ، والنموِّ والإزدهارِ.

 

الأُسرةُ -أيهاَ المسلمونَ- قائمةٌ على الزوجينِ في كلِّ شيءٍ، معَ تفاوتِ نِسَبِ المسئوليةِ، يتعاونانِ علَى تربيةِ الأولادِ، وإدارةِ شؤونِ البيتِ، وهذهِ فطرةٌ حتى في البهائمِ والطيورِ، فالزوجُ يتعاونُ معَ زوجتِهِ، ويقفُ معَها في قيامِها بواجبِها، وهذا ليسَ عيباً ولا مثلباً، كما يظنُّهُ عوامُ الناسِ، وجهلةُ المسلمينَ، على أنَّ مسؤوليةَ الزوجِ في واجهةِ الرجالِ فقط، إنَّماَ تعاونُهُ معهاَ دليلٌ علَى نُبْلِ نفسِ الزوجِ، وطِيبِ معْشَرِهِ، وقدْ كانَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- كثيراً مَا ينشغلُ بالقيامِ بأعباءِ الرسالةِ وشؤونِهَا، واستقبالِ الوفودِ، ومعَ ذلكَ كانَ أحْسَنَ الناسِ عِشرَةً، وهوَ خيْرُ الناسِ لنسائِهِ، ولَمْ تمنَعْهُ كلُّ هذهِ الأعباءُ أَنْ يعاونَ أهلَهُ، وقدْ سُئِلَتْ عَائِشَةُ أُمُّ المؤمنينَ -رضيَ اللهُ عنهَا-: مَا كَانَ النَّبِيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: "كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ".

 

أيها المسلمونَ: وينبغي للبيوتِ أنْ لا يسودَ فيها الإستبدادُ بالرأيِ، والدكتاتوريةُ الأُسَريةُ، إنَّماَ تُخضِرُ وتورقُ وتثمرُ بالحوارِ الأُسرِيِّ، ومناقشةِ مَا يُطرحُ مِنْ أفكارٍ وآراءٍ فيهَا مصلحةٌ للأسرةِ ومنفعةٌ لأفرادِهَا، وصيانةٌ لشؤونِ حياتِهِمْ ومعاشِهِمْ ومعادِهِم، وقدْ كانَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- يستشيرُ بعضَ نسائِهِ، كمَا كانَ يفعلُ معَ أُمِّ سلمةَ -رضيَ اللهُ عنهَا-، فقَدْ كانَ يأنَسُ برأيِهَا ويعجِبُهُ رجحانُ عقلِهَا -رضيَ اللهُ عنْهَا-.

 

أيها المسلمونَ: لقدْ كَثُرَ في هذا الزمانِ أساتذةُ الرأيِ، وفطاحلةُ الكلمةِ، منَ الذينَ يتدخَّلونَ في مشاكلِ الأسرِ، وخلافاتِ البيوتِ، دونَ أنْ يُطلَبَ منهمْ ذلكَ، وربَّما أرادَ أحدُهُم أنْ يَحِلَّ مشاكلَ الآخرينَ، وهوَ معَ بيتِهِ واقعٌ في حمأةِ المشاكلِ.

 

حمايةُ الأُسرةِ مِنْ تدَخُّلاتِ الآخرينَ أمرٌ ضروريٌّ لسلامَتِها، أَوْ مِنَ المقارناتِ الفاسدةِ: أولئكَ عندَهُم كذا ونحنُ ما عندَنا، أولئكَ اشتروا كذا ونحنُ ما اشتريناَ، فعلَى كُلٍّ من الزوجينِ  أَلاَّ ينظرَ إلَى مَا فِي أيدِي غيرِهِ، ولْيَقْنَعْ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَهُ؛ لأنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- قالَ: (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ) [البقرة: 236] كلٌّ حسبَ طاقتِهِ وإمكانياتِهِ.

 

كمَا أَمَرَ الإسلامُ أَنْ يَصونَ أفرادُ الأُسرةِ جميعاً أسرارَ البيتِ مِنْ أَنْ تخرجَ خارجَ البيتِ، وخاصةً مَا يكونُ بيْنَ الزوجيْنِ مِنْ أُمورٍ خاصةٍ، وقدْ حذَّرَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- مِنْ إفشاءِ أحدِ الزوجيْنِ أسرارَ العلاقةِ بينهُمَا، فإنَّ هذَا مِمَّا يُضعِفُ كيانَ الأُسرةِ، ويهتكَ بنيانَها، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلمَ-: "إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَةِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا".

 

أقولُ قولِي هذَا، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

أيهَا المسلمونَ: هناكَ أمرٌ غايةٌ في الأهميةِ، هو الوفاءُ بيْنَ أفرادِ الأُسرةِ عموماً، وهوَ أشدُّ مطلوبٍ سيَّمَا عندَ الكِبَرِ، فقَدْ أمرَ الدينُ الزوجَ أَنْ يكونَ وفيًّا لزوجتِهِ علَى كلِّ حالٍ، والزوجةُ وفيةً لزوجِها، يحفظُ لَهَا حقَّهَا، وتحفظُ لهُ حقَّهُ، ويذكُرُ لَهَا جميلَهَا، ويُقدِّرُ لَهَا معروفَهَا خاصةً بعدَمَا كَبُرَتْ سنُّهَا واشتَدَّ ضعفُهَا وحاجتُهَا إليهِ، وكيفَ لاَ يكونُ كذلكَ وقدْ جعَلَ اللهُ كُلاًّ مِنَ الزوجيْنِ سكَناً للآخَرِ طيلةَ حياتِهِما؟ وقد سمعْنا ورأيْناَ مظاهرَ مِنْ هذاَ الوفاءِ -وللهِ الحمدُ- في مجتمعاتِنَا بينَ الزوجِ وزوجتِهِ، وبينَ الإخوةِ والأخواتِ، وآبائهِم وأمهاتِهِم، ما يُثلجُ الصدرَ.

 

في دولِ الغربِ الولدُ يسكنُ في مدينةِ أمهِ وأبيهِ ولا يزورُهُم إلاَّ في السنةِ مرةً أو مرتينِ.

 

أمَّا أنتم -أيها المسلمونَ- فأهلُ وفاءٍ وأهلُ شِيمٍ وخصالٍ كريمةٍ نبعتْ مِن عروبتِكُم قبلَ أنْ يُتَممَ الإسلامُ هذهِ المكارمَ، قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: "إنَّما بُعثتُ لأتممَ مكارمَ الأخلاقَ".

 

صلوا على متممِ الأخلاقِ ما غابتِ الأفلاكُ في الآفاقِ، كما أمرَكُم بذلكَ الخلاقُ.

 

اللهم صل وسلم على محمد...

 

 

المرفقات

في الإسلام

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات