الأسرة في استقبال رمضان

خالد الجريش

2022-10-09 - 1444/03/13
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

إن رسم البرامج العامة والخاصة مهم جدًا، وهو من استثمار لحظات ذلك الشهر المبارك؛ أرأيت إن كان أحدنا يريد أن يُنشأ منزلًا، كيف يخطط ويدرس هذا التخطيط ويحذف ويضيف، إن شهر رمضان هو موسم...

الحمد لله حمد الشاكرين وصلى الله وسلم على خير البرية أجمعين وعلى آله وصحبه والتابعين وبعد:

 

حينما يقدُم ضيف عزيز على أسرة من الأسر؛ فإن هذه الأسرة لا تكاد أن تُحصي مدى فرحتها وبهجتها في قدوم ذلك الضيف الكريم عليهم، ذلك أن هذا الضيف محبب إلى نفوسهم؛ لأنهم يجدون فيه وعنده ومنه رغباتهم، بل لقاؤهم به هو أمنية لهم حيث تتحقق أمنياتهم وتسلوا نفوسهم وتزكوا أرواحهم، إن هذا -ولله الحمد- هو واقع أسرنا بقدوم ذلك الضيف المبارك شهر رمضان؛ فكم كانت النفوس متلهفة لبلوغه، وكم كانت متعطشة لوصوله، وضيف بهذه المكانة الرفيعة جدير بالحديث والطرح في جوانب عدة تهم الأسرة المباركة، وسيكون الحديث في عشر وصايا وهي كالتالي:

الوصية الأولى: لابد من القراءة عن شهر الصيام، ولو كانت قراءةً يسيرة، حتى يجمع الصائم بين العلم والعمل؛ فاجتماع الأسرة ونقاشهم عن أحكام هذا الشهر هو من الرعاية الموكَلة للوالدين الكريمين؛ فإن هذا المجلس سيُعطي الأسرة جميعًا خلفيةً -ولو مجملة- عن هذا الشهر؛ سواءً كانت من الكتيبات الصغيرة أو من الأسئلة والأجوبة أو من المطويات؛ فإن هذا كله نافع ومفيد.

 

الوصية الثانية: كم هو جميل جدًا أن تتناقش الأسرة جميعًا في إعداد برامج لهذا الشهر، ويُشجع بعضهم بعضًا خلال جلساتهم اليومية، وهذه البرامج منها ما هو عام للأسرة جميعًا، يشتركون فيه ويناقشونه، وذلك مثل مايلي:

سؤال يومي للأسرة، فيُطرح كل يوم سؤال؛ فالسؤال الأول في اليوم الأول ويكون جوابه في الجزء الأول من القرآن، والسؤال الثاني في اليوم الثاني ويكون جوابه في الجزء الثاني من القرآن، وهكذا، فتُربط أيام رمضان بأجزاء القرآن، وفي هذا ربط أفراد الأسرة بالقرآن، ويكون التكريم فوريًا يوميًا أو في نهاية الشهر عن طريق جمع النقاط.

 

ومن البرامج العامة للأسرة: تحديد جلسة أسبوعية أو نحوها تجتمع عليها الأسرة، يُطرح فيها ما يهمها في شهرها تشجيعًا وتحفيزا من مقروء ومسموع ونحو ذلك؛ فإن هذه الجلسة لها مُخرجاتها التربوية والإيمانية.

 

ومن البرامج العامة أيضًا: أن يحفظ أهل البيت كل يوم ذكرًا أو حديثًا يتردد معهم في يومهم وليلتهم من الأذكار التي لم يحفظوها من قبل فينطلقون في هذا الشهر بالعمل بها طوال عمرهم، فيكون هذا من مخرجات هذا الشهر المبارك، فلتتفق الأسرة على ثلاثين ذكرًا في عدد أيام الشهر؛ فما أجمله من عمل وما أحسنه من مُخرج لهذا الشهر المبارك، ونحو هذا من البرامج العامة بحيث تنفذها الأسرة جميعًا.

 

وهناك برامج خاصة لكل فرد من أفراد الأسرة بحيث يرسم له برنامجًا يسير عليه خلال الشهر، متضمنًا لأنواع العبادة من القراءة والصلوات والصدقات وغيرها، محاسبًا هذا الفرد نفسه بين الفينة والأخرى؛ ليرى مدى التقدم والإخفاق في هذا البرنامج.

 

إن رسم البرامج العامة والخاصة مهم جدًا، وهو من استثمار لحظات ذلك الشهر المبارك؛ أرأيت إن كان أحدنا يريد أن يُنشأ منزلًا، كيف يخطط ويدرس هذا التخطيط ويحذف ويضيف، إن شهر رمضان هو موسم من مواسم الآخرة جدير بالتخطيط والتأمل.

 

الوصية الثالثة: على الأسرة إظهار الابتهاج والاستبشار بقدوم هذا الشهر المبارك، وأن يكون ذلك سلوة حديثهم، استبشارًا واستعدادًا لاستقباله، مما يضيف عليهم الرغبة بصيامه وقيامه وفعل الخيرات فيه.

 

الوصية الرابعة: من المستحسن أن يوضع بعض الكتيبات والمطويات عن شهر رمضان في مكان بارز للأسرة، بحيث يطّلع أفراد الأسرة عليها وقت فراغهم؛ تثقيفًا وتعليمًا وتحفيزًا لهم، وقد يُحدث هذا بينهم نقاشًا علميًا جميلًا تستثار فيه الأذهان عن حِكم وأحكام هذا الشهر المبارك.

 

الوصية الخامسة: على ولي الأسرة أن يكون حريصًا على لحظات هذا الشهر فيتقدم قبله بشراء حاجيات الشهر ولوازمه من مأكول ومشروب، وليحذر الإسراف في هذا؛ فإنه شهر استثمار لا شهر استهلاك، وكذلك أهل البيت في شراء لوازم عيدهم بأن يتقدموا بشرائها، أما تأخيرها إلى دخول الشهر أو إلى دخول العشر الأواخر، فإن هذا خسارة واضحة كالشمس؛ فإن الناس يتعبدون ويجمعون الحسنات، وهؤلاء في الأسواق يرتعون خلف كل جديد، فلو تقدموا لأراحوا واستراحوا.

 

الوصية السادسة: إن من خصوصيات شهر رمضان الصيام والقيام وكثرة قراءة القرآن والدعاء والصلاة النافلة وغيرها، وهذا يحتاج إلى اهتمام كبير من الأبوين الكريمين لأبنائهم وبناتهم تحفيزًا وتشجيعًا وترغيبًا بأساليب عدة قولية وعملية؛ لأنهم أبناؤنا وعملهم يُرجى أن يكون لنا مثله؛ لأنهم من كسبنا وسعينا؛ فيا معاشر الآباء والأمهات لا تغفلوا عن هذا ولا تملّوا ولا تسأموا، بل استمروا متابعين محفزين طوال شهركم، لا سيما في العشر الأواخر منه.

 

الوصية السابعة: على المرأة وهي تعمل على طهيها وخدمتها في بيتها أن تعلم أنها على أجر عظيم فكما أنه قيام بالواجب، فقد يشمله قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ذهب المفطرون اليوم بالأجر"؛ لأنهم قاموا على خدمة إخوانهم؛ فكيف بهذه المرأة وبناتها وقد خدموا وهم صائمون؛ فيا بشراهن كثيرًا.

 

واعلمي أنك يمكن أن تجمعي بين الخدمة وعبادة الذكر؛ أرأيتِ أن سبحان الله وبحمده مائة مرة تكفّر الخطايا، ردديها، أرأيتِ أن الحمد لله تملأ الميزان، أرأيت أن سبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السماء والأرض، أرأيتِ أن لا إله إلا الله أفضل الحسنات، أرأيتِ أن لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة، أرأيت أن لك بالصلاة الواحدة على النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر صلوات؛ فأكثري من تَرداد هذه الأذكار خلال عملك في رمضان وغيره، لتجمعي بين الحسنيين.

 

الوصية الثامنة: هناك بعض الأخطاء يجب أن تختفي من الواقع؛ لأنها خلل في العبادة وذلك كما يلي:

أولًا: عدم إكمال التراويح مع الإمام؛ فقد يصلي بعض الناس شيئًا ثم ينصرف وهذا لا شك أنه فاته خيرٌ كثير، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة" فحُرم هذا قيام الليل كله، وربما كان انصرافه في آخر صلاته.

 

ومن الأخطاء أيضًا: عدم تناول السحور بحجة تأخير وجبة العشاء، ولو تناول هذا وأمثاله تمرات خفيفةً لكان سحورا؛ فإن الملائكة تصلي على المتسحرين.

 

ثانيًا: التوسع في تصفح وسائل التواصل وتضييع لحظات ذلك الشهر وهي عزيزة وشريفة.

 

ثالثًا: خروج المرأة إلى المسجد متعطرة أو متبرجة.

 

رابعًا: إهمال البعض لأبنائهم في نومهم عن أداء صلواتهم المفروضة.

 

وغير ذلك من الأخطاء التي قد تكون عند بعض الناس؛ فليُصحح المسار قبل فوات الأوان.

 

الوصية التاسعة: عند إخراج زكاة الفطر في نهاية رمضان أو في العيد، لتجتمع الأسرة جميعًا وليسمعوا درسًا عن زكاة الفطر، وليقيس الأبناء والبنات أصواعهم بأنفسهم في بيتهم وبين أهلهم ليعلموا درسًا عمليًا عن هذا الحكم الشرعي، بخلاف من يخرجها عن أبنائه وبناته ولا يعلم الأبناء والبنات شيئًا عن هذا، وهذا قد يكون خللًا في التربية.

 

الوصية العاشرة: لابد من رسم الأهداف لتحقيقها في رمضان، وتختلف الأهداف من شخص لآخر، ومن أسرة لأخرى، لكن يمكن طرح نموذج لتلك الأهداف وهي كما يلي:

الهدف الأول: الارتباط مع القرآن ولهذا الهدف وسائل عديدة، من هذه الوسائل:

تحزيبه وقراءته ووضع جدولة لختمه عدة مرات خلال الشهر.

 

ومن الوسائل أيضًا: حفظ مقدار معين خلال الشهر؛ سواءً كان ذلك على مُقرئ أو كان داخل الأسرة.

 

ومن الوسائل أيضًا: تحسين التلاوة للقرآن كاملًا على مقرئ بواقع جزء في كل يوم، فيكون قرأ القرآن كاملًا خلال هذا الشهر.

 

ومن الوسائل أيضًا: قراءة تفسير ما سيقرؤه الإمام في التراويح، ونحو ذلك من الوسائل.

 

الهدف الثاني: تحقيق قيمة الجود والبذل والصدقة وتشجيع تلك القيمة وإحيائها، ولهذا الهدف وسائل؛ منها:

الحث على الصدقة وبيان فضلها والمبادرة إلى جعلها واقعًا عمليًا ملموسًا في البيت وداخل الأسرة.

 

وأيضًا من الوسائل: وضع صندوق في مكان بارز من البيت ليضع فيه أهل البيت ما تجود به نفوسهم، ثم يُدفع دوريًا إلى الجهات الخيرية، وربما كانت هذه الصدقة صدقة سر يُرجى أن يكون صاحبها تحت ظل العرش، ونحو ذلك من الوسائل.

 

الهدف الثالث: تعزيز الجانب الإيماني ولهذا وسائل:

المبادرة إلى الصلاة مع الأذان ولو بعض الأوقات، وإدراك الصف الأول ولو بعض الأوقات، وأيضًا كالمكث في المسجد كثيرًا.

 

ومن الوسائل أيضًا المهمة: أن تنظر إلى كتب الفضائل؛ فتستخرج منها قائمةً بفضائل الأعمال الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم تحاول تطبيقها خلال يومك وليلتك وتُحاسب نفسك في تطبيقها وتنفيذها، وهل نجحت أم أخفقت ونحو هذا من الأهداف والوسائل؛ فكل يُحدد ما يراه مناسبًا له من الأهداف التي يريد تحقيقها خلال هذا الشهر؛ فإن التخطيط هو بمثابة الزمام للنفس يقودها إلى مصالحها، وكُن كما قال خالد بن صفوان عن الأحنف بن قيس حيث قال: "كان الأحنف أعظم الناس سلطانًا على نفسه"؛ فلا بد أن تقود أنت تلك النفس حتى توردها مراتع الصلاح والهدى، وتجنبها أماكن الردى؛ فإن النفس مطيعة لصاحبها إذا رأت منه القوة والعزيمة، وهذا كله توفيق من الله -تبارك وتعالى-.

 

نسأل الله -عز وجل- السعادة في الدارين وأن يتقبل منا سائر أعمالنا وأن يُبلغنا شهرنا.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات