الأخيار

الشيخ د صالح بن مقبل العصيمي

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ أهمية الصديق الصالح 2/ ثمرات صحبة الصالحين 3/ توجيه قرآني بملازمة الأصدقاء الصالحين 4/ مفاسد صحبة الفاسدين.

اقتباس

إِنَّ للصَّاحِبِ دَوْرًا عَظِيمًا فِي حَيَاةِ أَصْحَابِهِ، سَلْبًا وِإِيـجَابًا، نَفْعًا وَضَرًّا، سَعَادَةً وَشَقَاوَةً؛ فَمَنْ أَحْسَنَ اِخْتِيَارَ الأَصْحَابِ؛ أَفْلَحَ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَمَنْ أَسَاءَ اِخْتِيَارَ الأَصْحَابِ جَلَبَ لِنَفْسِهِ فِي الدَّارَيْنِ الشَّقَاءَ وَالتَّعَاسَةَ وَالْعَارَ. فَكَمْ جَلَبَ صَاحِبٌ لِصَاحِبِهِ السَّعَادَةَ! وَكَمْ جَلَبَ صَاحِبٌ لِصَاحِبِهِ الشَّقَاوَةَ وَالتَّعَاسَةَ! وَأَصْحَابُ الْمُخَدِّرَاتِ وَمَنْ عَلَى شَاكِلَتِهِمُ- حَـمَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْهُمْ- عِنْدَهُمُ الْـخَبَـرُ الْيَقِيـنُ، وَالْـجَوَابُ الأَكِيدُ. فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَـخْتَارَ الصَّاحِبَ الصَّالِحَ.

 

 

 

الْـخَطْبَةُ الأُولَى:

 

إنَّ الْـحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتِغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا، وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ.

 

 وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ وَخَلِيلُهُ، وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ صَلَّى اللهُ عليه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

 

أمَّا بَعْدُ... فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْـجَمَاعِةِ؛ فَإِنَّ يَدَ اللهِ مَعَ الْـجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ.

 

عِبَادَ الله، إِنَّ للصَّاحِبِ دَوْرًا عَظِيمًا فِي حَيَاةِ أَصْحَابِهِ، سَلْبًا وِإِيـجَابًا، نَفْعًا وَضَرًّا، سَعَادَةً وَشَقَاوَةً؛ فَمَنْ أَحْسَنَ اِخْتِيَارَ الأَصْحَابِ؛ أَفْلَحَ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَمَنْ أَسَاءَ اِخْتِيَارَ الأَصْحَابِ جَلَبَ لِنَفْسِهِ فِي الدَّارَيْنِ الشَّقَاءَ وَالتَّعَاسَةَ وَالْعَارَ.

 

 فَكَمْ جَلَبَ صَاحِبٌ لِصَاحِبِهِ السَّعَادَةَ! وَكَمْ جَلَبَ صَاحِبٌ لِصَاحِبِهِ الشَّقَاوَةَ وَالتَّعَاسَةَ! وَأَصْحَابُ الْمُخَدِّرَاتِ وَمَنْ عَلَى شَاكِلَتِهِمُ- حَـمَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْهُمْ- عِنْدَهُمُ الْـخَبَـرُ الْيَقِيـنُ، وَالْـجَوَابُ الأَكِيدُ. فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَـخْتَارَ الصَّاحِبَ الصَّالِحَ.

 

وَلَقَدْ ذَكَرَ لَنَا اللهُ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ قِصَّةَ أُولئِكَ الْفِتْيَةِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّـهِمْ فَزَادَهُمْ هُدًى، ثُـمَّ حَثَّ اللهُ فِي نَفْسِ السُّورَةِ عَلَى اِتِّـخَاذِ الأَصْحَابِ الصُّلَحَاءِ؛ فَقَالَ جَلَّ وَعَلَا: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف: 28].

 

فَمَا أَعْظَمَ هَذَا الأَمْرِ! وَمَا أَعْذَبَ هَذَا التَّوْجِيهَ الإِلَـهِيَّ! وَفِي الآيَةِ حَثٌّ عَلَى مَزِيدٍ مِنَ الصَّبْرِ وَالْـمُثَابَرَةِ وَالْمُجَاهَدَةِ للنَّفْسِ عَلَى مُـجَـالَسَتِهِمْ؛ فَصَاحِبْهُمْ -أَيُّهَا الصَّالِحُ- وَجَالِسْهِمْ، صَابِرًا عَلَى ذَلِكَ، مُـحْتَسِبًا الأَجْرَ عِنْدَ اللهِ، وَعَلِّمْهُمْ وَتَعَلَّمْ مِنْهُمْ، فَلَا تَـمَلَّ مِنْهُمْ وَلَا تَسْتَعِجِلْ نَتَائِجَ وَثِـمَارَ مُـجَالَسَتِهِمْ، فَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الصُّلَحَاءُ اللهُ غَايَتَهُمْ، وَرِضَاهُ مَطْلَبُهُمْ، فَلَهُ مَـحَيَاهُمْ وَمَـمَاتُـهُمْ، يَتَّجِهُونَ إِلَيْهِ بِاْلغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، صَلَاةً وَتَعَبُّدَا، لَا يَتَحَوَّلُونَ عَنْ رِضَاهُ إِلَى رِضَا غَيْـرِهِ، فَفِي مُـجَالَسَتِهِمُ الْـخَيْـرُ الْعَظِيمُ.

 

وَلَا تُفُتِّشْ -أَيُّهَا الْـمُسْلِمُ- عَنْ أَصْحَابٍ غَيْـرِهِمْ، وَاِجْعَلْ عَيْنَيْكَ دَائِمًا عَلَيْهِمْ، لَا تَصْرِفْهَا عَنْهُمْ مَهْمَا كَانَتِ الظُّرُوفُ إِلَى غَيْـرِهِمْ مِـمَّنْ هَـمُّهُمْ مَظَاهِرُ الْـحَيَاةِ الْفَانِيَةِ وَالاِسْتِمْتَاعُ بِـهَا، وَلَا غَايةَ لـهُمْ إِلَّا زَينَتَهَا الْمُحَرَّمَةَ.

 

فَسُبْحَانَ اللهِ! أَتَتَحَوَّلُ عَنْ مُـجَالَسَةِ مَنْ يَرْجُونَ رِضَا اللهِ وَرَحْـمَتَهُ، وَتَـجْعَلَ الْبَدِيلَ عَنْهُمْ مَنْ لَا هَمَّ لَـهُمْ إِلَّا مَتَاعَ الْغُرُورِ؟ وَعَلَيْكَ بِـمُجَالَسَةِ الصُّلَحَاءِ، وَجَهَاءَ أَو وُضَعَاءَ، عَرَبًا أَو أَعَاجِمَ، أَقَارِبَ أَو أَبَاعِدَ، أَغْنِيَاءَ كَانُوا أَو فُقَرَاءَ. فَلَيْسَ كُلُّ الْفُقَرَاءِ وَالْوُضَعَاءِ أَخْيَارًا، وَلَيْسَ كُلُّ الأَغنِيَاءِ وَالوُجَهَاءِ أَشْقِيَاءَ؛ فَكَثِيـرٌ مِنَ الوُجَهَاءِ وَالأَغْنِيَاءِ أَخْيَارٌ، وَكَثِيـرٌ مِنَ الوُضَعَاءِ وَالْفُقَرَاءِ فُـجَّارٌ.

 

فَلَا بُدَّ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى الْجُلُوسِ مَعَ الأَخْيَارِ مَهْمَا كَانَ وَصْفُهُمْ، وَأَلَّا يَـمَلَّ جَلِيسُهُمْ مِنْ مُـجَالَسَتِهِمْ بِسَبَبِ جِدَّيَتِهِمْ فِي الْـحَيَاةِ، وَصَبْـرِهِمْ عَلَى الْعِبَادَةِ؛ فَلَا يَتْـرُكُهُمْ إِلَّا شَقِيٌّ مَـحْرُومٌ؛ فَهُمْ يَعْبُدُونَ اللهَ فِي كُلَّ أَوَقَاتِهِمْ؛ فَقَبْلَ الصَّلاَةِ يَتْلُونَ الْقُرْآنَ، وَبَعْدَهَا يَلْتَزِمُونَ الأَذْكَارَ وَالأَوْرَادَ، فَالْخَيْرُ – كُلَّ الْـخَيْرِ- فِي صُحْبَتِهِمْ وَمَجَالَسَتِهِمْ؛ فَهُمْ -وَرَبِّي- زِينَةُ الْـحَيَاةِ، وملح الْبِلَادِ:

 يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ يَا مِلْحَ الْــبَلَدِ *** مَنْ يُصْلِحُ الْمِلْحَ إِذَا الْمِلْحُ فَسَدَ؟

 

ثُـمَّ جَاءَ التَّوْجِيهُ الإِلَـهِيُّ بِقَوْلِهِ -جَلَّ وَعَلَا-: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)، فَالْـحَذَرَ الْـحَذَرَ مِنْ طَاعَةِ مَنْ أَغْفَلَ اللهُ قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِهِ؛ فَآثَرَ الْـحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ، وَآثَرَ لَذَائِذَهُ وَشَهَوَاتِهِ عَلَى رِضَا رَبِّهِ، فَلَمْ يَعُدْ فِي قَلْبِهِ مُتَّسَعٌ لِلْخَيْـرِ؛ فَزَادَهُ اللهُ غَفْلَةً إِلَى غَفْلَتِهِ.

 

فَلَا يُغْرِينَّكَ بِالاِنْصِرَافِ عَنِ الأَخْيَارِ، والاِلتِفَاتِ إِلِى الأَشْرَارِ إِلَّا الْفُجَارَّ؛ وَصَدَقَ اللهُ -عَزَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمًا-: (وَلَا تَـمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [طه: 131]، فَلَيْسَتِ السَّعَادَةُ – وَاللهِ- بِـمُجَالَسَةِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، وَلَا بِاحْتِسَاءِ الْكُؤُوسِ الْمُتْـرَعَةِ، وَلَا بِتَعَاطِي الْمُخَدِّرَاتِ الْمُدَمِّرَةِ، وَلَا بِـمُضَاجَعَةِ الْفَاجِرَةِ، وَلَا بِـمُجَالَسَةِ الْغَانِيَةِ، وَلَا بِـمُشَاهَدَةِ الأَفْلَامِ الْمَاجِنَةِ، وَلَا بِكَسْبِ الأَمْوَالِ الْـمُحَرَّمَةِ وَإِنَّـمَا السَّعَادَةُ فِي طَاعَةِ اللهِ. فَالْـحَذَرَ الْـحَذَرَ مِنْ مُـجَالَسَةِ مَنِ اِتَّبَعَ هَوَاهُ، وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا؛ فَحَيَاتُهُ ضَيَاعٌ فِي ضَيَاعٍ، وَهَبَاءٌ فِي هَبَاءٍ.

 

 فَعَجَبًا –وَاللهِ- مِمَّنْ يَنْخَدِعُ بِحَيَاةِ الْمُسْرِفِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ! فَيُؤْثِرُهُمْ عَلَى الصُّلَحَاءِ؛ ويستبدل الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ!

 

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الْغَفْلَةَ بِمَقْدُورِ كُلِّ أَحَدٍ، وَالْفَسَادُ يَنَالُهُ كُلُّ مَنْ فِيهِ رَغِبَ؛ فَلَا يُـحْسَدُ فَاسِدٌ عَلَى فَسَادِهِ؛ حَتَّـى يَسْعَى صَالِـحٌ لِمُجَالَسِتِهِ، عَلَى حِسَابِ دِينِهِ، وَأَيُّ غِبْطَةٍ يُغْبَطُ عَلَيْهَا فَاجِرٌ عَلَى فُجُورِهِ، أَوْ مَاجِنٌ عَلَى مُجُونِهِ؟!

 

عِبَادَ اللهِ، إِنَّ فِي مُجَالَسَةِ أَهْلِ الْخَيْرِ؛ تَذْكيرًا لَكَ إِذَا غَفَلْتَ، وَعَوْنًا لَكَ إِذَا عَمِلْتَ. فَأَصْحَابُ الْخَيْرِ يَدْعُونَكَ إِلَى الْهُدَى، وَالثَّبَاتِ عَلَى الْـحَقِّ، وَيُذَكِّرُونَكَ إِذَا غَفَلْتَ.

 

وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْـرُهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ كَانَ يَفِدُ عَلَى عُمَرَ، -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَفَقَدَهُ عُمَرُ فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقِيلَ لَهُ: تَتَابَعَ فِي هَذَا الشَّرَابِ (أَيِ الْـخَمْرَ). فَدَعَا عُمَرَ، -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، كَاتِبَهُ فَقَالَ: اُكْتُبْ: مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَى فُلَانٍ، سَلاَمٌ عَلَيكَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعقابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إلّا هُوَ إِلَيه الْمَصِيرُ) [غافر: 1]. ثُمَّ دَعَا، وَأَمَّنَ مَنْ عِنْدَهُ، وَدَعَوا لَهُ أَنْ يُقْبِلَ إِلَى اللهِ بِقَلْبِهِ، وَأَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَتَتِ الصَّحِيفَةُ الرَّجُلَ؛ جَعَلَ يَقْرُؤُهَا وَيَقُولُ: (غَافِرِ الذَّنْبِ)! قَدْ وَعَدَنِي اللهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي، (وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعقابِ)! قَدْ حَذِّرِنَّي اللهِ عقابِهُ، (ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إلّا هُوَ إِلَيه الْمَصِيرُ).

 

 فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهَا عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ بَكَى، ثُمَّ نَزَعَ؛ فَأَحْسَنَ النَّزْعَ. فَلَمَّا بَلَغَ عُمَرَ، -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، حُسْنُ خَاتِمَتِهِ؛ قَالَ لأَصْـحَابِهِ: "هَكَذَا فَاِصْنَعُوا إِذَا رَأَيْتُمْ أَخًا لَكُمْ زَلَّ زَلَّةً؛ فَسَدِّدُوهُ، وَوَفِّقُوهُ، وَاِدْعُوْا اللهَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِ، وَلَا تَكُونُوا أَعْوَانًا لِلْشِّيْطَانِ عَلَيهِ" (رواه أبو نعيم بلفظه في الحلية (4/97)، ورواه البيهقي بنحوه في شعب الإيمان (9/63 برقم 6263).

 

فَهَذِهِ مِنَ الْآثَارِ الْحَمِيدَةِ للصُّحْبَةِ الصَّالِحَةِ. فَمِنْ أَعَلَى وَأَسْـمَى مَرَاتِبِ الإِيـمَانِ الْـحُبُّ فِي اللهِ، وَالْبُغْضُ فِيهِ؛ لِذَا قَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- :"ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ وَطَعْمَهُ: وَذَكَرَ فِيهِ: وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا للهِ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وقَالَ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

 

فَالْـجَلِيسُ الصَّالِحُ لَنْ تَـجِدَ مَعَهُ إِلَّا الْـخَيْـرَ، فَهُوَ كَحَامِلِ الْمِسْكِ فَمَا أَعْظَمَ وَأَبْلَغَ هَذَا التَّشْبِيهَ! وَهَلْ سَتَجِدُ مِنْ بَاِئعِ الرَّوَائِحِ الزَّكِيَّةِ إِلَّا الرَّوَائِحَ الطَّيِّبَةَ؟ فَلَنْ تُعْدَمَ مَعَهُ وَمِنْهُ الْـخَيْـرَ قَطْ، فَإِنَّهُ إِمَّا أَنْ يُـحْـذِيَكَ مِنْ هَذِهِ الأَطْيَابِ، وَإِمَّا أَنْ تَشُمَّ مِنْهُ الرَّائِحَةَ الزَّكِيَّةَ، وَإِمَّا أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْهُ؛ بِعَكْسِ صَاحِبِ الشَّرِّ -أَعَاذَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْهُ- فَلَنْ تَـجِدَ مِنْهُ إِلَّا الشَّرَّ، إِمَّا بِعَمَلِهِ أَوْ يُؤَثِّرُ عَلَيْكَ وَعَلَى سُـمْعَتِكَ كَنَافِخِ الْكِـيـرِ لَنْ تَـجِدَ مِنْهُ إِلَّا مَا يَضُرُّكَ.

 

وَلِذَا جَاءَ فِي الْـحَدِيثِ الْـحَسَنِ عِنْدَ أَحْـمَدَ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، : (لا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إلا تَقيٌّ)، فَقَدْ حَذَّرَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، : مِنْ صُحْبَةِ غَيْـرِ الأَتْقِيَاءِ، وَزَجَرَ عَنْ مُـخَالَطَتِهِمْ وَمُؤَاكَلَتِهِمْ؛ فَالْمُطَاعَمَةُ تَـجْلِبُ الأُلْفَةَ وَالْمَحَبَّةَ، فَلَا تَؤَاكِلْ غَيْـرَ الصُّلَحَاءِ؛ وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ» (رَوَاهُ الْـحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: صَحِيحٌ، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِـيُّ).

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الْـخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.

 

أمَّا بَعْدُ... فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

 

عِبَادَ اللهِ، إِنَّ تأْثِيرَ الأَصْحَابِ عَلَى أَصْحَابِـهِمْ عَظِيمٌ، وَلِذَا تَـجِدُ فِي الأَسْفَارِ يَنْزِلُ الأَتْقِيَاءُ عَلَى الأَتْقِيَاءِ، وَالفُجَّارُ عَلَى الفُجَّارِ؛ وَلِذَا حَثَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بنُ الْـخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَلَى إِخْوَانِ الصِّدْقِ فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِإِخْوَانِ الصِّدْقِ؛ فَإِنَّهُمْ زَيْنٌ فِي الرَّخَاءِ، وَعُدَّةٌ عِنْدَ الْبَلَاءِ، وَلَا تَصْحَبِ الْفَاجِرَ فَيُعَلِّمْكَ مِنْ فُجُورِهِ» (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيرُهُ).

 

وَقَالَ عَلِيٌّ، -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "جَالِسُوا التَّوَّابِينَ؛ فَإِنَّـهُمْ أَرَقُّ شَيْئًا أَفْئِدَةً" (رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْـحِلْيَةِ).

 

 وَقَالَ عَلْقَمَةُ بنُ قَيْسٍ النُّخَعِيُّ، -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "اِصْحَبْ مَنْ إِنْ صَحِبْتَهُ زَانَكَ، وَإِنْ رَأَى مِنْكَ حَسَنَةً عَدَّهَا، وَإِنْ بَدَتْ مِنْكَ ثَلَمَةٌ –عَيْبٌ- سَدَّهَا".

 

رَزَقَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ أَصْدِقَاءَ صُلَحَاءَ أَتْقِيَاءَ!

 

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُـحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى وَجْهِكَ.

 

الَّلهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَلَا تَـجْعَلْ فِينَا وَلَا بَيْنَنَا شَقِيًّا وَلَا مَـحْرُومًا، الَّلهُمَّ اِجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيينَ غَيْـرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ، اللَّهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ وَالْـمُسْلِمِينَ مِنَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن.

 

اللَّهُمَّ اِحْفَظْ لِبِلَادِنَا أَمْنَهَا وَإِيمَانَهَا وَاِسْتِقْرَارَهَا، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاِجْعَلْهُ هَادِيًا مَـهْدِيًّــا، وَأَصْلِحْ بِهِ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ.

 

الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ الْـمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاِكْفِهِمْ شَرَّ شِرَارِهِمْ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَادِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

 

اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرُوا مَعَنَا، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

 

 

 

المرفقات
إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات