عناصر الخطبة
1/ دور الأخلاق في صيانة المجتمعات وبقائها 2/ الهدي النبوي في الاهتمام بالأخلاق 3/ المؤامرة على أخلاق المسلمين 4/ عوامل أسرية واجتماعية مؤدية لظهور الأخلاق السيئة 5/ الانتباه لقضية الأخلاق ودورها في بناء المجتمع.اقتباس
قضية من أهم القضايا، عقدت من أجلها المؤتمرات، وكتب فيها كثير من المقالات، وهي مبدأ عظيم من مبادئ كل أمة، تبقى الأمم ما بقي هذا المبدأ، وتذهب إذا هو ذهب، تلكم -عباد الله- هي الأخلاق الكريمة الفاضلة التي بُعث النبي -صلى الله عليه وسلم- ليتممها ويدعو إليها، كما روى الإمام أحمد وغيره بسند صحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، واعتصموا بكتاب ربكم وسنة نبيكم فإن أجسامكم على النار لا تقوى، واستعدوا ليوم تشخص فيه الأبصار، ويقف الناس جميعاً بين يدي الملك الجبار، قال الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
عباد الله: قضية من أهم القضايا، عقدت من أجلها المؤتمرات، وكتب فيها كثير من المقالات، وهي مبدأ عظيم من مبادئ كل أمة، تبقى الأمم ما بقي هذا المبدأ، وتذهب إذا هو ذهب، تلكم -عباد الله- هي الأخلاق الكريمة الفاضلة التي بُعث النبي -صلى الله عليه وسلم- ليتممها ويدعو إليها، كما روى الإمام أحمد وغيره بسند صحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
ودعا هو بنفسه -عليه الصلاة والسلام- ربه -جل وعلا- أن يهديه لأحسن الأخلاق ويصرف عنه سيئها، فقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- في استفتاحه الطويل أنه قال فيه: "اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت".
وإن المجتمعات، بل الأمم، تبقى وتسعد وتزهو وتسود بأخلاقها الكريمة وأعمالها الصالحة، وإنها لتذهب وتذل وتشقى بأخلاقها الرذيلة وأعمالها الفاسدة.
ما الذي أهلك قوم لوط ورفع قريتهم وجعل عاليها سافلها وأمطر عليهم حجارة من السماء؟ إنها الأخلاق الرذيلة والأعمال المشينة، ومِن ذلك خلقهم الدنيء... إتيان الذكور شهوة من دون النساء! قال -تعالى-: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) [هود:82-83].
ما الذي أهلك قوم شعيب؟ إنه الأخلاق الرذيلة والأعمال الفاسدة، ومن ذلك كذبهم في المعاملات وغشهم فيها بإنقاص المكاييل والموازين. قال الله -عز وجل-: (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ) [هود:94-95].
ولهذا قال أحدهم:
فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وما الذي أعز أمة الإسلام في صدرها الأول وقرونها المفضلة الأولى؟ إنها الأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة.
ولهذا؛ ليس يحط من القدر أن تهتم أمة الإسلام بأخلاقها الفاضلة على مستوى الحكام، فضلاً عن الشعوب والأفراد، فقدوة الحكام جميعاً وأسوة القادة كلهم، محمد -صلى الله عليه وسلم- قد اهتم بهذا الجانب العظيم من جوانب الدين، وهذا المبدأ الكبير من مبادئ هذا الدين، ألا وهو الأخلاق الفاضلة، اهتماماً كبيراً، فتخلق هو بالأخلاق الفاضلة، ودعا إليها الأقربين من أهله، ودعا إليها جميع الأمة، قال الله -عز وجل-: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [الجمعة:2]، فيزكيهم بالأخلاق الفاضلة الكريمة، ويطهرهم من الأخلاق الرذيلة المشينة؛ لما للأخلاق الفاضلة من الأثر الطيب الكريم في المجتمعات والأمم، ولما للأخلاق الرذيلة من الأثر الخبيث في المجتمعات والأمم، فالفلاح مترتب عن الأخلاق الفاضلة، والخسران مترتب على الأخلاق الرذيلة، قال الله -عز وجل- (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) [الأعلى:14]، أي: طهر نفسه من الأخلاق الرذيلة، وقال -سبحانه-: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس:9-10].
ونحن نرى أن الأخلاق الرذيلة الفاسدة القبيحة تنافي أصول هذا الدين القويم، وتنتهي بأهلها إلى أعمال وتصرفات يلعق معها الناس الصبِر، ويبلّغون معها المر والملح الأجاج، مآلها إلى الظلم والغش والخداع والإفساد والإيذاء والتطاول على الناس والاستخفاف بهم، وتضييع المصالح وإهدار القيم. ما فسدت أخلاق أمة من الأمم ولا مجتمع من المجتمعات إلا وذاق الناس منها الويل والثبور.
إننا في هذا القرن وهذا الزمان العصيب، نشعر بأن الأخلاق الفاضلة الكريمة قد بيت لها من قبل أعداء الدين بشر وسوء، لأنهم علموا علم اليقين أن أمة الإسلام تقوى ويشتد ترابطها إذا بقيت الأخلاق الكريمة الفاضلة فيها، وأنها تضعف ويقل ترابطها واجتماعها إذا ذهبت أخلاقها الكريمة الفاضلة أو جُلها، وحل محلها الأخلاق الرذيلة القبيحة، لأن الأخلاق الكريمة الفاضلة تدعو إلى المحبة والمودة، تقرب الناس بعضهم إلى بعض، تحث الناس على الإحسان والصدق، وتعلي الهمم وتشد من أزر الناس، وأما الأخلاق الرذيلة فتدعو إلى البغض والكره وتباعد الناس بعضهم من بعض، وتورث في القلوب عداوة وحقداً، وتحث على البخل وترك الإحسان والتخلق بخلق الكذب والغش، وتضعف الهمم، وتوهن العزائم.
والأخلاق الرذيلة -عباد الله- من أخطر الأمور على المسلمين، ولاسيما شباب المسلمين وشاباتهم، فخلق واحد رذيل في الشاب قد يفسد تسعة أخلاق فاضلة، كما قال أحد السلف لأحد الشباب: "إني أراك شاب السن، فسيح الصدر، بيّن اللسان، وإن الشاب يكون فيه تسعة أخلاق حسنة وخلق سيئ فيفسد الخلق السيئ الأخلاق الحسنة؛ فإياك وعثرات الشباب!".
والمسلمون اليوم، ولا سيما الشباب منهم، يتعرضون لأمور خطيرة تكاد تعصف بأخلاقهم الفاضلة، وإننا نلمس ذلك جليا في هذا الزمان، وهذه الأمور -عباد الله- لا يلقي لها أكثر المسلمين بالاً، ولا يعيرونها اهتماماً.
إن المشاكل التي تحصل في كثير من البيوت بين الآباء والأمهات لها أثر كبير في خفاء الأخلاق الفاضلة وظهور الأخلاق الرذيلة، فالشاب الذي يعيش في بيت يصبح فيه على نزاع وخصومات بين أبيه وأمه أو بينه وبين إخوته، ويمسى على ذلك، لا شك أن ذلك قد يؤثر عليه، لا سيما مع غياب الموجه المصلح، وحضور الموجه المفسد.
الأب الذي يمضي جُل وقته خارج البيت، إما في أمور المعيشة، أو في لعب ولهو ولا يراه أبناؤه وبناته ولا يجلس معهم ويوجههم وينصحهم، لا شك أن ذلك من أسباب ظهور الأخلاق الرذيلة وخفاء الأخلاق الفاضلة، فالأم قد لا تستطيع القيام بالتربية على أكمل وجه كما يقوم بذلك الأب.
هذه الأجهزة التي جلبها الأب أو جلبتها الأم إلى البيت، تبث السوء والفحشاء، وتدعو إلى رذائل الأخلاق ومساوئ الأعمال، لها من الأثر الفعال في خفاء الأخلاق الكريمة الفاضلة وظهور الأخلاق الرذيلة الخبيثة ما الله به عليم، والواقع شاهد على ذلك.
الصحبة السيئة للشاب أو الشابة، لها من الأثر الكبير ما لها في اختفاء الأخلاق الفاضلة وظهور الأخلاق الرذيلة.
فمسألة الأخلاق -عباد الله- مسألة مهمة، وقضيتها قضية كبيرة، جديرة بالاهتمام والعناية من البيت والمدرسة والمسؤولين جميعا، فإن أعداء الإسلام في هذا الوقت بالذات يعقدون المؤتمرات السرية من أجل القضاء على ما تبقى من الأخلاق الفاضلة في بلاد المسلمين ومجتمعاتهم، وآخر مكايدهم وخبثهم، تلكم المنظمات الكافرة التي تطالب الدول بالتوقيع على اتفاقيات تعتبر فيها الزواج المبكر نوعاً من الجريمة لا بد أن يعاقب عليها صاحبها!.
ومن أعظم ما يذهب الأخلاق الفاضلة ويجلب الأخلاق الرذيلة فاحشتا الزنا واللواط، عافانا الله وإياكم منهما ومن جميع الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
فإذا لم ينتبه المسلمون لأنفسهم، ويحرصوا على الحفاظ على أخلاقهم الفاضلة، ويدرؤوا أسباب ذهابها وعوامل هدمها، فإن أخلاقهم الفاضلة توشك أن تذهب، إذا ذهبت الأخلاق الفاضلة حل محلها الأخلاق الرذيلة، وحينئذ سوف يعيشون بسبب ذلك واقعا مؤلما، وهم يرون مؤشراته في هذا الزمان.
فيا عباد الله! انتبهوا لهذا القضية، وألقوا لها بالكم، واحذروا من التهاون فيها، واعملوا بأسباب بقاء أخلاقكم الكريمة، وتجنبوا أسباب ذهابها، وتكاتفوا في ذلك جميعاً حكاماً ومحكومين، أغنياء وفقراء، فإنكم في زمان تتعرض فيه أخلاقكم الفاضلة إلى حملة شرسة من أعدائكم، فاتقوا الله -عز وجل-، واحرصوا على العلم الشرعي، وعلى أهل الخير والهدى.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء.
الخطبة الثانية:
عباد الله: لما سأل هرقل أبا سفيان قبل أن يسلم أبو سفيان عدة أسئلة تتعلق بنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- كان من ضمن أسئلة هرقل: بماذا يأمركم؟ فقال أبو سفيان: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة. فقال هرقل في آخر أمره مع أبي سفيان: إن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين.
فانظروا كيف كان لهذه الأخلاق الكريمة من الأثر العظيم الطيب الكريم والعزة والكرامة لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحابته، ولهذا قال أحد السلف الكرام: عليكم بمكارم الأخلاق؛ فإنها رفعة، وإياكم والأخلاق الدنيئة! فإنها تضع الشرف، وتهدم المجد.
فاحرصوا عباد الله على الأخلاق الفاضلة الكريمة، وتجنبوا الأخلاق الرذيلة الخبيثة...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم