الأحكام الشرعية (التكليفية)

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات:

 

 

أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة

 

الأحكام:

 

جمع حُكْم، معناها لغةً: القضاء؛ لذا يُسمى الحاكمُ بين الناس قاضيًا.

 

 

 

اصطلاحًا هو: "ما اقتَضاه خطاب الشرع المتعلِّق بأفعال المكلَّفين من طلب أو تخيير أو وضع"[1].

 

 

 

يَنقسِم الحكم الشرعيُّ إلى قسمَين:

 

الأول: الحكم التكليفي، الثاني: الحكم الوضعي.

 

 

 

الأحكام التكليفية:

 

أي ما وضعه الشارع على وجه التعبُّد، وكان مَقصودًا لذاته، وفي مقدور العبد الإتيان بها، مثل عقد البيع وانتقال الملكية.

 

 

 

الأحكام التكليفية تَنقسِم إلى خمسة أقسام، وهي:

 

"الواجب، الحرام، المُباح، المندوب، والمكروه"؛ قال صاحب نظم الورقات:

فالواجب المحكوم بالثوابِ

في فعله، والترك بالعقابِ

والندب ما في فعله الثوابُ

ولم يكن في تركه عقابُ

وليس في المُباح من ثوابِ

فعلاً وتَركًا بل ولا عِقابِ

وضابط المَكروه عكسُ ما نُدبِ

كذلك الحرام عَكسُ ما يَجبِ

 

 

 

أولاً: الواجب:

 

لغةً: الساقط واللازم، ويُسمَّى الفرض والواجب والحَتم واللازم.

 

 

 

اصطلاحًا هو: "ما أمَرَ به الشارع على وجه الإلزام"؛ مثل الصلوات الخمس.

 

 

 

حكم الواجب:

 

يلزم الإتيان به، ويُثاب فاعله، ويُعاقَب تاركه، زاد بعض العلماء امتثالاً.

 

 

 

أقسام الواجب:

 

يَنقسِم الواجب إلى عدَّة أقسام باعتبار بعض الأشياء؛ مثل:

 

1 - باعتبار ذاته: يَنقسِم إلى قسمَين:

 

أ - واجب مُعيَّن، وهو الذي كلَّفه الشارع للعبد دون تخيير؛ كالصلاة والصوم.

 

 

 

ب - واجب مُبهَم، وهو الذي كلَّفه الشارع على التخيير مثل كَفارة اليمين.

 

 

 

2 - باعتبار فاعله: ينقسِم إلى قسمَين:

 

أ - واجب عَينيٌّ: وهو الذي يجب على كل مكلَّف أن يأتي به؛ كالصلاة والصيام، وهو ما طلَب الشارع فعله من كل المكلَّفين ولا يَسقُط عنه بفعل البعض.

 

 

 

ب - واجب كفائي: وهو ما طلب تخصيصه من مجموع المكلَّفين؛ مثل الجنائز (من تغسيل وتكفين والصلاة على الميت ودفنه)؛ أي: إذا فعله مَن تُسدُّ بهم الحاجة سقط عن الجميع.

 

 

 

3 - باعتبار وقت أدائه ينقسِم إلى قسمين:

 

أ - واجب مُطلَق أو موسَّع، وهو: "ما أمر الشارع بفعله دون تقييد بزمن محدَّد"، مثل كفارة اليمين والنفقة على الزوجة.

 

 

 

ب - واجب مضيَّق أو مقيد: وهو: "ما حدَّد الشارع وقتًا محددًا لفعله"؛ مثل وقت الصلاة، وصيام رمضان، والوقوف بعرفة.

 

 

 

4 - باعتبار تقديره: يَنقسِم إلى قسمَين:

 

أ - واجب مقدَّر، وهو: "ما حدَّده الشارع بقدر محدَّد"؛ مثل: عدد ركعات الصلاة، ومثل أيام صيام رمضان.

 

 

 

ب - واجب غير محدَّد، وهو: "ما أمر به الشارع ولم يحدِّد له قدرًا معينًا"؛ مثل: النفقة على الزوجة، والإحسان إلى الناس.

 

 

 

مسائل تتعلق بالواجب:

 

المسألة الأولى: إذا أخَّر المكلَّف الواجب الموسَّع فمات قبل أدائه، مثل: من مات قبل أن يُصلي الظهر في أول وقته، هل يكون عاصيًا؟

 

إذا كان في نيته أن يُصليه في الوقت المحدَّد قبل خروج وقت الظهر لا يكون عاصيًا، أما إذا غلَب على ظنه أنه سيموت قبل خروج الوقت وأخَّرها يكون عاصيًا، مثل من حكم عليه بالإعدام في الساعة الثالثة عصرًا مثلاً فأخَّر الظُّهر إلى وقت التنفيذ، يكون عاصيًا.

 

 

 

المسألة الثانية: الواجب الكفائي قد يتعيَّن في بعض الأحيان:

 

نعم: مثل الجهاد فرض كفاية، ولكن إذا دخَل المعركة تعيَّن عليه أن يُتمَّ القتال، كذلك إذا غزا العدو البلد، وكمَن حضر شخصًا يَغرق ولا يوجد أحد يُنقِذه إلا هو، وجب عليه أن يُنقِذه.

 

 

 

المسألة الثالثة: ذهب جمهور العلماء إلى أن الفرض والواجب بمعنى واحد، بخلاف الأحناف، فهم يُفرِّقون.

 

 

 

المسألة الرابعة: ما لم يتمَّ الواجب إلا به فهو واجب:

 

مثاله: إحضار الماء من أجل الطهارة حتى لو كان بثمن.

 

 

 

الأشياء التي يتمُّ بها الواجب تَنقسِم إلى:

 

أ- لا يَدخُل تحت قدرة العبد، مثل غروب الشمس.

 

 

 

ب- ما كان تحت قدرة العبد؛ لكنه غير مطالَب بتحصيله، مثل النصاب للزكاة.

 

 

 

ج- ما كان تحت قدرة العبد وهو مأمور بتحصيله؛ كالطهارة للصلاة، والسعي للجُمعة.

 

 

 

المسألة الخامسة: ما لا يتمُّ ترك الحرام إلا بتركه، فتركُه واجب:

 

إذا اختلط الحلال بالحرام، ولا يُمكن تمييزه، فتركه واجب، مثاله: سؤال الصحابة عن اصطياد الكِلاب المعلَّمة صيدًا، ووُجد كلبٌ آخَر بجوار الصيد.

 

 

 

المسألة السادسة: الفِعل النبوي إذا كان تفسيرًا لمجمَل، هل يكون الفعل واجبًا؛ مثل: "أقيموا الصلاة..."، فهل كل أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة واجبة؟

 

 

 

لا تَكون كل أفعاله - صلى الله عليه وسلم - دليلاً على الوجوب، ولكن يُعرَف الوجوب وغيره من أدلة أخرى.

 

 

 

ثانيًا: المندوب:

 

لغةً: المدعو.

 

اصطلاحًا: "ما أمَر به الشارع لا على وجه الإلزام"؛ كالسُّنَن الرواتب.

 

 

 

حكم المندوب:

 

يُثاب فاعله امتثالاً، ولا يُعاقَب تارِكه.

 

 

 

ويُسمَّى: سُنَّة، ومسنونًا، ومستحبًّا، ونَفلاً، وقربة، ومرغوبًا فيه، وإحسانًا.

 

 

 

مسائل تتعلَّق بالمندوب:

 

المسألة الأولى: فضيلة المندوب:

 

أ- يُرفَع العبد إلى درجة عالية عند الله، والدليل قول الله - تعالى - في الحديث القدسي: ((وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحبَّه........))[2].

 

 

 

ب- أن يُكمِل التقصير الحاصل للواجب، والدليل حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إن أول ما يُحاسَب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن وجدت تامَّةً كُتبَت تامَّةً، وإن كان انتقص منها شيء، قال: انظُروا هل تَجدون له مِن تطوُّع يُكمِل له ما ضيع من فريضة من تطوعه، ثم سائر الأعمال تجري على حسب ذلك))[3].

 

 

 

المسألة الثانية: هل يجب إتمام النفل إذا شرَع فيه؟

 

اختلف العلماء في ذلك على قولين:

 

القول الأول: لا يجب الإتمام؛ لأن النفل شُرِع على هذا الوجه: يثاب فاعله ولا يعاقَب تاركه، سواء كان ترك أصلاً أو ترك أثناء الفعل، والدليل قول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -:((الصائم المُتطوِّع أمير نفسه؛ إن شاء صام، وإن شاء أفطر))[4].

 

 

 

القول الثاني: قالوا: يَجب الإتمام إذا شرع فيه، وهو مذهب أبي حنيفة، وأدلتُهم:

 

  • قول الله - تعالى -: ﴿ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 33].

 

 

قالوا: إن الله نَهاهُم عن إبطال العمل.

 

 

 

  • قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للرجل الذي جاءه، قال وهو يسأل عن الصلاة قال: هل عليَّ غيرها؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا إلا أن تتطوَّع))[5].

 

 

 

ففهموا من الحديث أن الاستثناء متَّصل؛ أي: إنه فُرضت عليك النافلة إن شرعتَ فيها.

 

 

 

  • من حيث النظر إن النفل يَصير فرضًا بالنذر، قالوا: كذلك شَرعُه في النافلة كأنه نذرَها، وكان النذر بفعلِه لا بقوله.

 

 

 

والراجح: هو قول الجمهور، وأما أدلة الأحناف فأجابوا عنها، قالوا:

 

  • أن الآية لا تدلُّ على إتمام النفل؛ إنما تدلُّ على عدم إبطال الحسنات؛ كقوله - تعالى -: ﴿ لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى ﴾ [البقرة: 264].

 

 

 

  • أما الحديث فصحيح؛ ولكن الاستِثناء منقطع، وليس متَّصلاً؛ أي المعنى: لكن لك أن تتطوَّع.

 

 

 

  • أما القياس: فقياس مع الفارق؛ لأن النذر لا يَثبُت إلا باللفظ، ويُعارِضه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الصائم المُتطوِّع أمير نفسه؛ إن شاء صام، وإن شاء أفطر))[6].

 

 

 

المسألة الثالثة: المستحَبُّ وإن كان تاركه لا يعاقب في تركه جزءًا، فإنه قد يعاقب إذا تركه جملة:

 

مثاله: من واظَبَ على تركِ الوتر، فلا يُتصوَّر في مؤمن يَترُك كل المستحبات، قال الشاطبي وقَعَّدَ بذلك قاعدة وهي: "أن الفعل إذا كان مندوبًا بالجزء، فهو واجب بالكل"، وعلى هذا يُحمَل كلام الإمام أحمد وهو: "مَن ترَك الوتر، فهو رجلٌ سُوءٌ، ولا تُقبَل شهادته".

 

 

 

المسألة الرابعة: المستحب مُتفاوِت الرتبة:

 

فأعلاه ما واظب عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يتركه إلا نادرًا، كالسُّنَن الرواتب.

 

والثانية: ما فعله النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أحيانًا وترَكَه أحيانًا؛ كصلاة الضُّحى.

 

والثالثة: ما كان فيه الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من المشروبات والملابس، وتُسمى بالسُّنَن الزوائد.

 

 

 

المسألة الخامسة: المُستحَبُّ مقدِّمة للواجب:

 

لأن من حافظ على المستحبات، فهو للواجِبات أحفَظ، ومن ضيع المُستحَبات يوشِك أن يَتهاون في الواجبات.

 

 

 

المسألة السادسة: السنَّة في لسان الشارع أعمُّ من السنَّة في لسان الاصطلاح؛ لأن السنَّة في الشرع بمعنى الطريقة والمنهج، فتشمَل الواجب والسنَّة، وفي ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من سنَّ في الإسلام سُنةً حسنةً، فله أجرُها وأجرُ مَن عَمِل بها بعده، من غير أن يَنقص من أجورهم شيء، ومَن سنَّ في الإسلام سُنةً سيئةً، كان عليه وزرُها ووزرُ مَن عمل بها من بعده، من غير أن يَنقُص من أوزارهم شيء))[7]، وقول ابن عباس عندما صلى الجنازة وجهَر بالفاتحة قال: إنها السنَّة.

 

 

 

المسألة السابعة: فرَّق بعض الفقهاء بين المسنون والمُستحَبِّ، فذكَروا أن المسنون ما ثبَت بدليل من الشرع، والمستحَب ما ثبَت باجتهاد الفقهاء، والراجح ما عليه الجمهور في عدم التفريق.

 

 

 

ثالثًا: الحرام:

 

لغة: الممنوع.

 

 

 

اصطلاحًا: ما نَهى عنه الشارع على وجه الإلزام بالترك؛ كعقوق الوالدَين.

 

 

 

حُكمه: يُثاب تاركه امتثالاً، ويَستحِقُّ العقابَ فاعلُه.

 

 

 

ويُسمى محظورًا، أو ممنوعًا، أو معصيًة، أو ذَنْبًا.

 

 

 

ألفاظ التحريم:

 

قال ابن القيم: "ويُستفاد التحريم من: النهي، والتصريح بالتحريم، والحظر، والوعيد على الفعل، وذم الفاعل، وإيجاب الكفارة بالفعل، ولفظة ما كان لهم كذا، ولم يكن لهم، وترتيب الحد على الفعل، ولفظة لا يحل، ولا يصلح، ووصف الفعل بأنه فساد، وأنه من تزيين الشيطان وعمله، وأن الله لا يحبه، وأنه لا يرضاه لعباده، ولا يُزكي فاعله، ولا يكلمه، ولا ينظر إليه، ونحو ذلك"[8].

 

 

 

أقسام الحرام: يَنقسِم إلى قسمين:

 

الأول: حرام لذاته:

 

وهو ما حكَم الشارع بتحريمِه ابتداءً.

 

إذا فعل المكلَّفُ الحرامَ لذاته، لا يترتَّب عليه آثاره الشرعية، فمَن زنا لا يترتَّب عليه حكم النكاح، ولا يثبت الولد بالزنا، ولا يَثبُت الإرثُ ولا النفقة.

 

 

 

الثاني: الحرام لغيره:

 

وهو ما كان مَشروعًا في الأصل، واقترن به عارض أو قرينة أو محرم فأدى إلى تحريمه؛ كالنظر للمرأة الأجنبية حرام؛ لأنه قد يؤدي إلى الزنا، وكالبيع والشراء فهو حلال، ولكنه إذا كان عند نداء الجمعة أصبح حرامًا، ومثل بَيع النجش، واختلف العُلماء هل يثبت آثارها أم لا؟

 

 

 

قال البعض بعدم ثُبوت الأثر، وذهَب الآخَرون إلى ثُبوت الأثر مع الإثم ومع الخيار إذا كان مُتعلِّقًا بحق العبد.

 

 

 

مسألة: تتعلق بالحرام:

 

فرَّق الأحناف إذا كان الحرام ثبَت من نهي قطعي، مثل القرآن والسنَّة المُتواتِرة فهو حرام، وأما إذا ثبت بنهي ظنِّيٍّ فيكون هذا مكروهًا، أما الجمهور فلا يُفرِّقون.

 

 

 

رابعًا: المكروه:

 

لغة: المُبغَض.

 

اصطِلاحًا: ما نهى عنه الشارع لا على وجه الإلزام بالتركِ، كأكل البصل والأكل مُتكئًا، والنوم قبل العِشاء والحديث بعدها.

 

 

 

حكم المَكروه: يُثاب تاركه امتثالاً، ولا يُعاقب فاعله.

 

 

 

مسائل تتعلق بالمَكروه:

 

المسألة الأولى: قد يأتي لفظ المكروه ولم يُقصَد به إثابة تاركه امتثالاً، فقد يأتي بمعنى الحرام؛ كما في قوله - تعالى -: ﴿ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ﴾ [الحجرات: 7]، وكقوله - تعالى -: ﴿ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ﴾ [الإسراء: 38].

 

 

 

المسألة الثانية: قسَّم الأحنافُ المَكروه إلى:

 

1 - المَكروه كراهة تنزيهيَّة.

 

2 - المكروه كراهة تحريميَّة.

 

 

 

لأن عندهم المكروه بالدليل القطعي هو التحريم، وبالدليل الظني هو التنزيه.

 

 

 

المسألة الثالثة: المكروه مُتفاوت في الدرجات:

 

فمنه ما هو أدنى درجات الكراهة، وما هو في أعلى درجات الكراهة، ويتعيَّن ذلك بالقرائن، فأعلى درجات الكراهة المُتشابهات؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث النعمان بن بَشير عند مسلم:((إن الحلال بيِّنٌ، وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهنَّ كثير من الناس، فمَن اتقى الشبهات استبرأ لدِينه وعِرْضه، ومَن وقع في الشبُهات وقع في الحرام؛ كالراعي يَرعى حول الحمى يوشِك أن يرتعَ فيه، ألا وإن لكل ملك حمًى، ألا وإن حمى الله محارمُه، ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلَحت صلَح الجسد كله،وإذا فسَدت فسَد الجسد كله، ألا وهي القلب))[9].

 

 

 

فهي أعلى درجات الكراهة؛ لأنها حاجز بين الحلال والحرام.

 

 

 

المسألة الرابعة: المَكروه بالجزء يَحرُم بالكل، وليس للعبد أن يَتهاون بالمكروهات، فالإصرار على الصغيرة قد يَسير كبيرة.

 

 

 

المسألة الخامسة: كما أن المستحَب مقدِّمة للواجب، فإن المَكروه مقدمة للحرام؛ لأن من اعتاد المكروه هان عليه فعل الحرام.

 

 

 

خامسًا: المباح:

 

لغة: المُعلَن والمأذون فيه.

 

 

 

اصطلاحًا: ما خُيِّر المُكلَّف بين فعله وتركه، أو ما لا يتعلق به أمر ولا نهي لذاته، كالأكل في رمضان ليلاً.

 

 

 

حكمه: ما دام على وصف الإباحة، فإنه لا يترتَّب عليه ثواب ولا عقاب.

 

 

 

ويُسمى: حلالاً وجائزًا.

 

 

 

تستفاد ألفاظ الإباحة من لفظ: الإحلال، ورفع الجُناح، والإذن، والعفو، والتخيير.

 

 

 

مسائل تتعلق بالمُباح:

 

المسألة الأولى: اختلف العلماء هل المباح له تَعلُّق بالأحكام التكليفية أم لا؟

 

حيث إنه لا يظهر فيه الأمر، فذكَر بعضهم أنه ذكر من باب المسامحة ولتكميل القِسمة، وذلك بناءً على أن التكليف هو: (الخطاب بأمر أو نهي)، ويرى بعضهم أن المُباح يُراد به التكليف، وهو وجوب اعتِقاد إباحته.

 

 

 

المسألة الثانية: المباح بالجزء مُستحَبٌّ بالكل:

 

كالتمتُّع بالطيبات، وقد يكون المباح بالكل واجبًا بالجزء، مثل ترك الطعام بالكل وإن كان مباحًا، ولكنه يجب عليه أن يأكل إذا كاد أن يهلِكَ.

 

 

 

المسألة الثالثة: المباح قد يكون وسيلة للمنهي عنه أو المأمور به:

 

وهو ما قال عنها الفقهاء: الوسائل لها حكم المقاصد، مثل شراء السلاح فهو مباح، أما إن كان هناك فتنة بين المسلمين أصبح حرامًا، وإن كان للجهاد ضد العدو فهو واجب، وهكذا.

 

 

 

المسألة الرابعة: تنقسم الإباحة إلى قسمَين:

 

1 - إباحة شرعية: هي التي عُرفت عن طريق الشرك؛ كقوله - تعالى -: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ﴾ [البقرة: 187].

 

 

 

2 - إباحة عقلية: وهي تُسمى الإباحة الأصلية؛ كقول الفقهاء: الأصل في الأشياء الإباحة، كقول الله - تعالى -: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 29].

 

 

 

  • الفرق بينهما أن رفع الإباحة الشرعية يُسمى نَسخًا؛ لأنها حُكم شرعي، أما رفع الإباحة العقلية لا يُعدُّ نَسخًا.

 

[1] انظر: الأصول من علم الأصول (24).

 

[2] البخاري (6502).

 

[3] أبو داود (864)، والترمذي (413)، والنسائي (465)، ابن ماجه (1425)، وصحَّحه الألباني.

 

[4] الترمذي (723)، وقال: حديث حسن، وأحمد (26893)، وهو مذهب الشافعي وأحمد.

 

[5] جزء من حديث عند البخاري (6)، والسائل هو ضمام بن ثَعلبة.

 

[6] وقالوا في الحج والعمرة: يجب إجماعًا؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 196]، وبعضُهم يُفرِّق بين الصيام والصلاة؛ لأن النص ورد في الصيام، فقالوا: الصلاة يجب إتمامها، أما الصيام فلا.

 

تنبيه: هذا في العمل المرتبِط أوله بآخره، كصلاة والصيام، أما العمل غير المرتبط أوله بآخره، فلا يجب إتمامه؛ كقراءة القرآن والذِّكر.

 

[7] مسلم (2398).

 

[8] بدائع الفوائد (4: 3 - 4).

 

[9] مسلم (4178).

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات