عناصر الخطبة
1/الاعتبار بسرعة انقضاء الأيام 2/الليالي العشر وهدي النبي فيها 3/فضل ليلة القدر 4/من أحكام زكاة الفطر 5/الحث على الاعتكاف والحكمة منهاقتباس
هَذِهِ لَيَالِي التِّجَارَةِ الرَّابِحَةِ فَلَا تُكَوِّنُوا مِنَ الْغَافِلِينَ الَّذِينَ لَا يَقَدِّرُونَ لَهَا قَدْرَا، وَلَا يَعْرِفُونَ لَهَا وَزْنَاً، لَيْلَهُمْ وَنَهَارُهُمْ فِي سَبَّاتٍ وَغَفْلَةٍ، لَا بِعِبَّادَةٍ يَتَعَبَّدُونَ، وَلَا بِذِكْرٍ يَشْتَغِلُونَ، وَلَا بِالْحَقِّ يَتَوَاصَوْنَ!، فَاِجْتَهَدُوا- رَحِمَكُمِ اللهُ- وَاِغْتَنَمُوا هَذِهِ اللَّيَالِيَ الشَّرِيفَةَ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الْحَمْدُ للهِ وَاسِعِ الْجُودِ، أَحْمَدُهُ -سُبْحَانَهُ- وَهُوَ بِكَلِّ لِسَانٍ مَحْمُودٍ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِّيْكَ لَهُ، شَهَادَةً خَالِصَةً مُبرَّأَةً مِنَ الشَّكِّ وَالْجُحُودِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَاحِبُ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ، وَالْحَوْضِ المَورُودِ، صَلَّى اللهُ وَسُلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الرُّكَّعِ السُّجُودِ، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى الْيَوْمِ الْمَشْهُودِ.
أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقوا اللَّهَ -مَعَاشِرَ الصَائِمِينَ الْقَائِمِينَ-، وَاعْتَبَرُوا بِمُرُورِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ، فَهَا هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ، يَتَهَيَّأُ لِلرَّحِيلِ، تَصَرَّمَتْ أَيَّامُهُ، وَاِنْقَضَّتْ لَيَالِيُهِ، كَأَنَّهَا أَضْغَاثُ أحْلَاَمٍ، أَوْ طَيْفُ خَيَالٍ، مَضَى أَوَّلُهُ وَأوْسَطُهُ، وَهَا نَحْنُ عَلَى مَشَارِفِ آخِرِهِ، وَآخِرُهُ هُوَ خَيْرُهُ وَأفْضَلُهُ.
الْعَشْرُ الأَوَاخِرُ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَخُصُّهَا بِمَزِيدِ الْاِجْتِهَادِ فِي الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ؛ لَمَّا فِيهَا مِنَ الْأُجُورِ الْوَفِيرَةِ وَالْفَضَائِلِ الْعَظِيمَةِ، قَالَتْ عائِشَةُ -رَضِيَ اللَّه عنْهَا-: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَجْتَهِدُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مَالا يَجْتَهدُ فِي غَيْرِهِا"(رَوَاهُ مُسلمٌ)، وَ"كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، حتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ"(مُتَفقٌ عَلَيهِ)، وَ"كَانَ إِذا دَخَلَ العَشْرُ الأَوَاخِرُ مِنْ رمَضَانَ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ المِئزرَ"(مُتَفقٌ عَلَيهِ)، هَكَذَا كَانَ هَدْيُ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، فَمَعَ مَسْؤُولِيَّاتِهِ الْعَظِيمَةِ، لَهُ فِي الْعَشْرِ شَأْنٌ آخِرُ، فَهُوَ فِي قِيَامٍ وَقُعُودٍ، وَصَلَاَةٍ وَسُجُودٍ، يَفْعَلُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تُقَدَّمُ مِنْ ذَنْبِهِ!.
بَلْ إِنَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يُوقِظُ أهْلَهُ؛ ليَغتَنِمِوا هَذِهِ الْعَشُرَ الْمُبَارَكَةَ، وَهَكَذَا الْمُسْلِمُ يَتَعَاهَدُ أُسْرَتَهُ بِالتَّذْكِيرِ بالخِيْرِ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)[طه: 132].
وَهَا أَنْتُمْ -عِبَادَ اللهِ- تَعَيِشُونَ هَذِهِ الْعَشْرَ الْمُبَارَكَةَ، فَاللهَ اللهَ فِي الْمُثَابَرَةِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَعِمَارَتِهَا بِالْعِبَادَةِ؛ لِتَنَالُوا الْعَفْوَ وَالْمَغْفِرَةَ، وَتَكَونُوا مِمَّنْ قَالَ اللهُ فِيهِمْ: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)[السجدة: 16].
هَذِهِ الْعَشْرُ تُتحَرَّى فِيهَا لَيْلَةُ القَدْرِ، كمَا قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "تحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في العشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضانَ"(مُتَفَقٌ عَليِهِ).
هَذِهِ اللَّيْلَةُ الْمُبَارَكَةُ عَظَّمَ الْقُرْآنُ قَدْرَهَا وَضَاعِفَ الْعَمَلَ فِيهَا (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)[القدر: 3]، فَالْعِبَادَةُ فِيهَا أفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ ألْفِ شَهْرٍ، لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وألفُ شَهْرٍ تَعْدِلُ ثَلاثَاً وَثَمَانِينَ سَنَةً وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
لَيْلَةُ غُفْرَانِ الذُّنُوبِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ قَامَ ليلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانَاً وَاحْتِسَابَاً؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"(مُتفقٌ عَليِهِ).
فَتَحَرَّوْهَا -عِبَادَ اللهِ- وَأَكْثَرُوا فِيهَا مِنَ الطَّاعَةِ وَالدُّعَاءِ وَالْاِسْتِغْفَارِ، قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهَا-: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمَتْ أَيَّ لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: "قُولِي اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوُّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِي"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَاِبْنُ مَاجِه).
وَمِمَا يُخْتَمُ بِهِ الشَّهْرُ وَيَتِمُ بِهِ الْأَجْرُ زَكَاةُ الْفِطْرِ، فَرَضَهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطَعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، صَاعَاً مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ، أَوْ زَبيبٍ أَوْ أَرْزٍ، أَوْ نَحْوِهِ مِنَ الطَّعَامِ وَالْقُوتِ، تُؤَدَّى عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالذِّكْرَ وَالْأُنْثَى، وَالْحُرَّ وَالْعَبْدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَفْضَلُ وَقْتٍ لِإِخْرَاجِهَا قَبْلَ صَلَاَةِ الْعِيدِ، وَيَجُوزُ إِخْرَاجُهَا قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ.
وَيُشْرَعُ التَّكْبيرُ مِنْ غُرُوبِ شَمْسِ لَيْلَةِ الْعِيدِ إِلَى صَلَاَةِ الْعِيدِ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة: 185]، يَجْهَرُ الرِّجَّالُ بِهِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَالْبُيُوتِ؛ إعْلَاَنًا بِتَعْظِيمِ اللهِ وَإِظْهَارَاً لِشُكْرِهِ.
وَصَلَاَةُ الْعِيدِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَالنِّسَاءُ يَشْهَدْنَهَا حَتَّى الْعَوَاتِقَ وَذواتِ الْخُدُورِ، وَالْحُيَّضَّ يَعْتَزِلْنَ الْمُصَلَّى وَيَشْهَدَنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ.
هَذِهِ لَيَالِي التِّجَارَةِ الرَّابِحَةِ فَلَا تُكَوِّنُوا مِنَ الْغَافِلِينَ الَّذِينَ لَا يَقَدِّرُونَ لَهَا قَدْرَا، وَلَا يَعْرِفُونَ لَهَا وَزْنَاً، لَيْلَهُمْ وَنَهَارُهُمْ فِي سَبَّاتٍ وَغَفْلَةٍ، لَا بِعِبَّادَةٍ يَتَعَبَّدُونَ، وَلَا بِذِكْرٍ يَشْتَغِلُونَ، وَلَا بِالْحَقِّ يَتَوَاصَوْنَ!،
فَاِجْتَهَدُوا- رَحِمَكُمِ اللهُ- وَاِغْتَنَمُوا هَذِهِ اللَّيَالِيَ الشَّرِيفَةَ، بِالصَّلَاَةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَأَنْوَاعِ الذِّكْرِ وَالْعِبَادَةِ، فَرُبَّ نَفْحَةٍ تَنْزِلُ، وَدَعْوَةٍ تُسْتَجَابُ، فَتَفُوزُوا بِمَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ وَحَطِ الْأوْزَارِ، وَالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ.
الَّلهُمَّ اخْتِمْ شَهْرَنَا بِرِضْوَانِكَ، وَالْعِتْقِ مِنْ نِيَرَانِكَ، وَأَسْكَنَا بُحْبُوحَةُ جِنَّانِكَ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتَجِبْ لَكُمْ؛ إِنَّهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيمُ.
الخُطبةُ الثَّانية:
الحمْدُ للَّهِ وَكَفَى، وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الذِينَ اصْطَفَى.
وَبَعْدُ: فَاتَّقَوْا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالنَّجْوَى، وَاِغْتَنَمُوا هَذِهِ الْعَشْرَ الْفَاضِلَةَ، فَلَا زَالتِ الْفُرَصُ قَائِمَةً، وَالْأَبْوَابُ مُشرَعَةً؛ لِيَسْتَدْرِكَ الْمُتَخَلِّفُ، وَيَلْتَحِقَ الْمَحْرُومُ، وَيَسْتَيْقِظَ الْغَافِلُ، فَجِدُوا فِي طَاعَةِ رَبِّكُمْ؛ فَإِنَّ الْعُمُرَ قَصِيْرٌ، وَالسَّفَرَ طَوِيلٌ، وَالزَّادَ قَلِيلٌ، وَأَحْسَنُوا، فَإِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتقينَ.
وَصِلُوا -عِبَادَ اللهِ- عَلَى رَسُولِ الْهُدَى؛ فَقَدْ أَمَرَكُمِ اللهُ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ -عِزَّ مِنْ قَائِلٍ-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ صِلِّ وَسَلِّمْ وَزِدْ وِبَارَكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَاِرْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، أَبِي بِكْرٍ، وَعُمِّرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَعَنْ بَقِيَّةِ العَشَرةِ وَأَصْحَابِ الشَّجَرَةِ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحْبِ الْكِرَامِ، وَعَنَا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ وَإحْسَانِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ اكْتُبْ صِيَامَنَا وَقِيَامَنَا فِي عِدَادِ الصَّائِمِينَ وَالْقَائِمِينَ، وَأَعِدْ عَلَيْنَا رَمَضَانَ أَعَوَّامَاً عَدِيدَةً وَأَزْمِنَةً مَدِيدَةً، يَا ذَا الْجَلَاَلِ وَالْإكْرَامِ، اللَّهُمَّ أعِزَّ الإسْلامَ وَالمُسلِمِينَ، وَاجْعَلْ هَذَا البَلدَ آمِنَاً مُطمَئنًا وسائرَ بلادِ المسلمينَ، اللَّهُمَّ وفِّق خَادَمَ الحَرَمينِ الشَريفينِ، وَوَليَ عَهدِهِ لمَا تُحبُ وَترْضَى، يَا ذَا الجَلالِ وَالإكْرَامِ، اللَّهُمَّ اِحْفَظْ عَلَيْنَا إيمَانَنَا وَأَمْنَنَا وَانْصُرْ جُنُودَنَا وَرِجَّالَ أَمْنِنَا.
عِبَادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90]، فَاذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم