الأئمة والخطباء .. أعمدة التغيير والإصلاح

صلاح الدين سلطان

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

اعتقد أنه من الضروري جدًّا هذا السعي المتقارب، فنتقابل على نقاط واضحة لكي ننهض بأمتنا في مواجهة هذا الاحتلال الغربي لنا، الذي ليس احتلالاً عسكريًا في بعض المناطق فقط، وإنما هو احتلال لمقدرات وإمكانات، وطاقات، وقدرات بلادنا الإسلامية. فأقول إن إخواننا الأئمة هم أعمدة القيام بهذا الإنهاء لهذا الاحتلال لبلادنا، ومقدراتنا ونحن بحاجة إلى هذا الالتحام المشترك بين الأنظمة والمساحات العلمية الموجودة ..

 

 

 

 

 
إخواني وأخواتي في الله عز وجل تحت مظلة هذا البرنامج "إسلامنا" نتحدث في هذه النقلات العشر للتغيير والإصلاح في هذا العصر، وقلنا إن النقلة الأولى: الانتقال من زيارة المساجد إلى عمارتها، وتحدثنا عن أن هذه العمارة العددية والنوعية، والحق أننا بحاجة في هذه الحلقة أن نوجه خطابًا خاصًا للأئمة؛ لأنهم أساس هذه النقلة وهم قادة المساجد وأئمتها، وهم هؤلاء الذين من خلالهم في كل يوم، في كل جمعة، في كل عيد، في كل مناسبة، في كل حالة وفاة، في الأفراح، في الأتراح، في كل المناسبات. أئمتنا إخواننا أحبابنا هم أعمدة التغيير والإصلاح.

يا علماء الدين يا ملح البلد *** من يصلح الملح إذا الملح فسد

إن هذه المسئولية أمام الله تبارك وتعالى، هذا التقدير الذي أُعطى لكم في آيات ونصوص عديدة "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ"، "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ" ، "شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا العِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ".

أول نقطة أرجو أن نستحضر النية دائمًا أننا لسنا موظفين، نحن دعاة أصحاب رسالة ، حملة أمانة، ربما بالاعتياد بالذهاب إلى المسجد، وإمامة الناس والخطبة كل جمعة، والدروس الأسبوعية، والتفاعل مع مشكلات الحياة الزوجية، مشكلات الأولاد مع آبائهم، المشكلات الاقتصادية، الخلافات الإدارية، الخلافات العائلية.

كل إمام أنا أعلم أنه مشغول جدًّا شاء أو أبى؛ لأن الناس تأتي إليهم ويستشعرون أنهم جزء كبير جدًّا من الخلاص لمشاكلهم اليومية، وأن بأيديهم وبإمكانهم تقديم رؤية متميزة لحلول مشكلاتهم.

استحضار النية دائمًا، أننا عبيد لله ـ عز وجل ـ وأن الله أكرمنا من بين عباده بهذه العلوم الشرعية، بالقرآن والسنة، فنكون مثالاً ونستحضر مع هذه النية قول الله تبارك وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ" وقول الله تبارك وتعالى: "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ"، والله تبارك وتعالى يقول أيضا: "وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ".

كان أحد الصحابة يقول: كلما هممت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تذكرت هذه الآيات الثلاثة.

أرجو أن نتذكر دائمًا، أن نستحضر الخشية القلبية والحجة الشرعية، لكي نقوم بمسئوليتنا الدعوية، فلا نُلبس على الناس دينهم، ولا ندلس في دين الله تبارك وتعالى.

مشكلتنا أن بعض الأئمة نسي ما درسه، ولم يعد يتابع العلم، وآفة العلم الترك، فيُسأل سؤالاً يكون قد درسه من قبل، لكن هناك تشويش على المعلومات عنده، فيجيب من أجل ألا يقال إنه لا يعلم شيئًا حول هذه القضية.

يقول الإمام مالك: إذا ترك العالم قولة لا أعلم فقد أصيبت مقاتله. وجاء رجل يسأل بعد سفر طويل جدًّا من بلاد المغرب، يسأل الإمام مالك في أربعين سؤالاً فأجاب عن أربعة فقط، أربعة من المسائل وقال في الأخرى: لا أعلم، قال: وأنت الإمام مالك تقول لا أعلم، فقال الإمام مالك: ومن أعلمك أني أعلم كل شيء.

طبعًا نحن عندنا صورة من الأئمة تجيب عن كل شيء، وتفتي في كل شيء، وهذه نعوذ بالله أن نكون منها، الإنسان إذا قال لا أعلم تكبر منزلته عند الله تبارك وتعالى، ثم الله يجعل منزلتك عند الناس كبيرة.

فالعالم والإمام يجب أن يستحضر هذه الخشية القلبية، الله تبارك وتعالى يقول في كتابه الكريم: (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ) –يونس:59-.

إخواننا الأئمة أرجو أن نرتعش كما كان يرتعش الأصحاب، يسئل الواحد فيحيل على الآخر والثالث والرابع والخامس، حتى تعود المسألة إلى الأول، يخشى أن يفتي في دين الله عز وجل.

وابن القيم يقول: إن كثرة الفتوى من كثرة العلم أو من قلته أ.هـ

يقال إن شخصا كان يفتي في كل شيء، فاجتمعت مجموعة وقالوا: دعونا نسأل هذا الشيخ، في معنى كلمة نجمعها ليس لها أصل أبدًا في اللغة، فجمعوا كلمة "الخنفشار" وقالوا له يا مولانا ما معنى كلمة "الخنفشار" في لغة العرب، قال: نعم، الخنفشار هو ما انعقد به الشيء، قالت العرب:

لقد عقدت محبتكم فؤادي *** كما عقد الحليب الخنفشار

هو بارع في التدليس بالطبع؛ لأن الكلمة ليس لها وجود في اللغة العربية.

الحسن البصري والشعبي

فالأصل أن الإنسان يجب أن تكون عنده خشية من الله، وألا يجيب إلا بالعلم.

الخشية القلبية ضرورية للعلماء بشكل ضروري جدًّا في مشروع إنقاذ الأمة، عندما يرى الناس أن الإمام يفتي بشيء ويفعل شيء آخر، أو يفتي في كل شيء، أو له سلوك شائن في قضية من القضايا، هذه القضية تكفي تمامًا أن ينفض الناس عن الإمام، والإمام لا يسعى إلى رضا الناس، بل لرضا الله سبحانه وتعالى، وقد أرسل عمر بن هبيرة والي العراق إلى الإمام الحسن البصري، وأرسل إلى الإمام الشعبي، يستفتيهم في مسألة بعد وفاة عمر بن عبد العزيز، وقال: إن عمر بن العزيز قد توفي وتولى مكانه الوليد بن عبد الملك، خليفة المسلمين وقد أمرنا الله بطاعته، ثم ماذا؟ قال: إن هذه الرسائل تأتيني من الوليد بن عبد الملك فيها ما يرضي الله، وفيها ما لا يرضي الله، وأنا في حيرة ماذا أفعل؟

فأما الشعبي فقال: كلامًا فيه ملاطفة لأمير المؤمنين، وملاينة لعمر بن هبيرة والي العراق، ثم ولاه، زاد له في منطقة الولاية ولاه أيضًا منطقة خوراسان، منطقة إيران وما بعدها.

النتيجة ماذا؟ وبعد أن انتهى الشعبي من الكلام الذي به أمسك العصا من المنتصف -كما يقال-، جاء الدور على الإمام الحسن البصري الإمام الحسن البصري، سأله عمر بن هبيرة وأنت يا إمام ماذا تقول؟

فقال الحسن البصري لعمر بن هبيرة: يا ابن هبيرة: اتق الله في الوليد، خاف الله عز وجل في الوليد، ولا تخف الوليد في الله تبارك وتعالى، يا ابن هبيرة إن الله يمنعك من الوليد ولا يمنعك الوليد من الله، يا ابن هبيرة اتق يومًا تأتي فيه وحدك ليس معك أحدٌ إلا عملك الصالح، يا ابن هبيرة. ثم جلس يذكره حتى بكى، وقرب الحسن البصري وأبعد الشعبي، فتساءل الناس ماذا حدث؟

فلما تساءل القوم فإذا بالشعبي يعترف بخطئه -جزاه الله خيرًا، وقليل ماهم يفعلون ذلك-، قال: إن ابن هبيرة دعاني أنا والحسن البصري وسألنا فقلت كلامًا فيه ملاطفة لأمير المؤمنين وملاينة لابن هبيرة، أريد بها وجههما، فصرف الله وجههما عني.

أما الحسن البصري فقال كلامًا يريد به وجه الله فأدناه الله منه، ووالله ما قال له قولاً أجهله، يعني الكلام الذي قاله الحسن البصري أنا أعرفه، لكن الشجاعة أن يقول الإنسان الحق، وأن يعلن للناس هذا الحق، هذه الشجاعة نادرة، يقول فيها أحمد شوقي:

إن الشجاعة في القلوب كثيرة *** ورأيت شجعان العقول قليل

شجعان العقول

شجعان العقول أولئك الذين يقولون ما يعتمل في قلوبهم من خير، أولئك الذين لا يكتمون الحق، وإنما يعلنون هذا الحق، أريد من الأئمة أن يعلنوا هذا الحق، أن يعلنوا حق إخواننا الفلسطينيين في مقاومة المحتلين الصهاينة، أريد من الأئمة أن يعلنوا هذه الهجمة الشرسة على ثوابت الأمة قرآنا وسنة، والصحابة، وتاريخنا الفقهي، تاريخنا الإسلامي كله.

أريد من الأئمة أن يعلنوا أن هذا التحلل الذي يملأ بلادنا الإسلامية ليس من الإسلام في شيء" أريد من الأئمة أن يعلنوا أن هذا الاستسلام لأعداء الله ـ عز وجل ـ لا يجوز شرعًا، لا تجيزه شريعة ولا تقره سياسة عادلة.

أريد من الأئمة أن يعلنوا أن هذه الأفلام الهابطة تؤدي إلى ضياع الدين والخلق والإنتاج وكل شيء، وتصنع صورة شائهة من الشباب والفتيات والرجال والنساء.

أريد من إخواننا الأئمة أن يواجهوا قضايا العنوسة وكثرة الطلاق، وانتشار العزوبة بين الشباب والفتيات، نريد مقاومة المخدرات، نريد أن نساعد الأنظمة كيف نكون معًا ليس ضد بعضنا البعض في أن نواجه هذا المشروع الغربي، الذي يريد أن ينهي كل خصوصية لأمتنا العربية والإسلامية.

هذا واجبنا إذا لم نقم به (فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ) الأنعام:89-.

وفي الحديث "سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله".

إن الناس لا تنصرف عن الإمام إلا إذا رأت فيه شيئًا يغضب الله، أو ضعفًا في أمر من أمور الله عز وجل، عندئذ ينصرفون عنه، ويتحولون عنه، ويبحثون عن إمام آخر، فإذا لم يجدوا ذهبوا إلى أي شاب متحمس، لا يملك علمًا، فيضيع الشباب بين شباب متحمس لا علم له، وبين شيوخ لا يقولون الحق الذي يعلمونه.

والله تعالى ينادي ويقول: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ . إِلاَّ الَذيِنَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التُّوَّابُ الـرَّحِيم). (البقرة: 159-160)

نحن بحاجة إذن إلى أن نكون دائمًا مع الحق حيث كان، "ألا إن رحى الإسلام دائرة، ألا فدوروا مع الإسلام حيث دار".

شجاعة الأئمة

الأنظمة تزول والأموال تفنى، والمناصب تنتهي، ويبقى وجه الله تبارك وتعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكْرَامِ) (الرحمن: 26-27).

ما كان الأئمة مالك وأبو حنيفة وأحمد والشافعي أئمة فقط لعلمهم، إنما لقوة جلدهم في الحق فلم يهادنوا أحدًا على الإطلاق، كما يذكر أحد الباحثين أن الإمام الشافعي كان ينافق السلطة الأموية، وللأسف لجهله الحاد والشديد الظاهر والباطن، الإمام الشافعي ولد بعد الخلافة الأموية بثمانية عشر سنة، الخلافة الأموية انتهت سنة مائة اثنين وثلاثنين، وهو ولد سنة مائة وخمسين وتوفي سنة مائتين وأربعة.

هؤلاء الأئمة وقفوا مع الحق حتى في وجه الخلفاء، إذا كان كان هناك ثمة انحراف بسيط، أو ترك لبعض القضايا الشرعية.

نريد هذه النوعية من الأئمة، لا يعني هذا أن يكون خطابنا ضد الأنظمة، لا، نحن مع الحق إذا كان النظام مع الحق نحن معه، وإذا كان النظام مع غير الحق نحن ناصحون له، نحن نقدم النصيحة لله -عز وجل- "الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".

نريد هذه الصورة الحية، الناضجة من الأئمة الأعلام الذين يقودون أمتهم ويوحدون بين هذه الرؤى المختلفة، وأنا أعتقد أنه لا بد من السعي لالتحام الأنظمة مع العلماء.

أقول إخواني وأخواتي في الله تعالى، عندما غزت المغول أرض العراق في سنة 656، وقتلت اثنين مليون عراقي، وقامت بإفساد الكثير من الكتب الإسلامية، مكتبات كاملة وضعت في نهر دجلة والفرات، وقتل بالجملة في ديار الإسلام العراق، وبلاد الشام، لم تمر سنتان حتى التحمت السلطة العلمية مع السلطة السياسية، سيف الدين قطز مع العز بن عبد السلام، وكانت هناك ثورة مشتركة على هذا الاحتلال الذي أتى إلى ديار الإسلام؛ لكي ينهك كل أصولها، كل إمكاناتها. كانت النتيجة هي انتصارات هائلة وقوية جدًّا، وقتل هولاكو وانتصار المسلمين في موقعة عين جالوت.

أنا اعتقد أنه من الضروري جدًّا هذا السعي المتقارب، فنتقابل على نقاط واضحة لكي ننهض بأمتنا في مواجهة هذا الاحتلال الغربي لنا، الذي ليس احتلالاً عسكريًا في بعض المناطق فقط، وإنما هو احتلال لمقدرات وإمكانات، وطاقات، وقدرات بلادنا الإسلامية.

فأقول إن إخواننا الأئمة هم أعمدة القيام بهذا الإنهاء لهذا الاحتلال لبلادنا، ومقدراتنا ونحن بحاجة إلى هذا الالتحام المشترك بين الأنظمة والمساحات العلمية الموجودة، أو القدرات العلمية الموجودة وهي مساحات واسعة في عالمنا العربي والإسلامي، والحقيقة من أجل هذا جهزت لإخواني الأئمة في إطار هذه الانطلاقة والانتقالة من زيارة المساجد إلى عمارتها، والعمارة النوعية أن يكون للأئمة مع عموم الأمة دورا متميز جدًّا في استنهاض هذه الأمة الإسلامية، كتبت هذه الكلمات التي أرجو أن يكون أثرها بالغًا على إخواننا وأخواتنا.

(ضوابط وآداب الخطاب الديني .. المنطلقات أولاً).

انطلاقًا من عقيدة الإسلام الصافية، وأخلاقه السامية، وشريعته العادلة، ووسطيته الظاهرة، وأحكامه الشرعية، ومقاصده الكلية، وجمعه بين الحقوق الفردية والجماعية، للحكام والمحكومين، الرجال والنساء، الفقراء والأغنياء، الضعفاء والأقوياء، كما جمع بين المادية والروحية، والمثالية والواقعية، والمحلية والعالمية، والأصالة والمعاصرة، والجد والترويح، وبناء النفس وإصلاح الغير، والعقل والنقل، والاعتزاز بالماضي، وبناء الحاضر والمستقبل، واحترام التعدد المشترك.

ضوابط هامة

من هذه المنطلقات نوصي إخواننا من القيادات الدينية والاجتماعية بالضوابط التالية:

أولاً: ترسيخ عقيدة حب الله ـ عز وجل ـ والخوف منه من خلال توحيد الربوبية أولاً، ثم توحيد الألوهية ثانيًا، والرضا بقضائه وقدره، بمعنى أن نحبب الناس إلى الله، قبل أن نخوفهم من الله تبارك وتعالى، نبين نعم الله على عباده قبل أن نقول لهم: هذا أمر وتكليف من الله سبحانه وتعالى.

عندما نسمع كثير من الأئمة يجب أن تفعلوا، يجب أن تفعلوا، عليكم أن تفعلوا، نريد أن نقول لهم إن الله تبارك وتعالى قد أعطانا من النعم وأعطانا من الخير، وهو صاحب الكمال والجلال المطلق سبحانه وتعالى، هذا يحبب الناس إلى الله.

روى الإمام البخاري "لا تبغضوا الله إلى الناس" وهناك أئمة أعلام كرام في واقعنا المعاصر لهم لغة راقية مؤثرة، وهؤلاء تجد حولهم الكثير من الرجال، وحولهم كثير من الشباب، ويجتمع على دروسهم النساء والفتيات أيضا.

2- الحث على المكارم الأخلاقية؛ لأننا أمام أزمة أخلاقية حقيقية، الحث على المكارم الأخلاقية والإحسان إلى الخلق جميعًا، والرحمة بكل ذي كبد رطبة، وعمارة الأرض، وتجنب أي لون من التدمير لها أو الإفساد فيها.

3- التوازن في عرض جوانب التشريع، في رعاية حقوق الفرد والمجتمع، الحاكم والمحكوم. الفرد عندما يكون جالسًا ويسمع لغة واحدة، حق الرجل دون المرأة، أو المرأة دون الرجل، الحاكم دون المحكوم، أو المحكوم دون الحاكم، يشعر بعدم الموضوعية والعدالة عند هذا الإمام.

يعني هذا التوازن بين حقوق الحاكم والمحكوم، الرجل والمرأة، الزوج والزوجة، الأبناء والآباء، الأقارب والأرحام والجيران، بصرف النظر عن دينهم أو مذهبهم وصولاً إلى التعايش بين أبناء الوطن الواحد.

نحن علينا حقوق نحو إخواننا غير المسلمين في مجتمعنا، لهم حقوق المواطنة، يجب أن يكون ذلك تأصيلاً من أئمتنا وإخواننا في المسجد، لكي نقدم أمنًا داخليًا نستطيع به أن نقوي به صفنا في مواجهة هذا العدوان الخارجي على بلادنا، وعلى أوطاننا ومقدساتنا.

4- تأكيد الولاء للدين أولاً.. أول ولاء يجب أن يكون للدين، ثم الولاء بعد ذلك للأسرة والمجتمع والوطن، والأمة العربية والإسلامية، والإخوة الإنسانية العالمية، وتأكيد أن هذا الولاء المتعدد يقوي بعضه بعضًا، ولا ينفي الآخر.

5- الاستشهاد بالآيات القرآنية والسنة النبوية الصحيحة، وأقوال الصحابة وعلماء، ومفكري الأمة الإسلامية، مع ضرورة ربط ذلك بالوقائع اليومية والحياتية، نسمع بعض الأئمة يسمعون النصوص التي يحفظوها من قرآن وسنة، وينزل الـ (CD) يمكن يكون أحسن منه.

نريد نصوصًا تفهم، نريد نصوصا مفصلة، ثم إنزال النص على الواقع كما قال الإمام الشاطبي: العلم ثلاثة: فقه نصي، وفقه واقعي، وفقه إنزال النص على الواقع، وتلك موهبة يعطيها الله من يشاء من عباده.

قال: الأولان مكتسبان، والأخير إنما هو من فضل الله ومنته على عباده. أ.هـ

نريد أن تكون عندنا هذه القوة في ربط الآيات والأحاديث بالأحداث اليومية، الجمع بين الأصالة والمعاصر، التشدد في الثوابت والمرونة في الفروع، التبشير في الدعوة والتيسير في الفتوى.

هذه يجب أن تكون رؤية واضحة مستمرة دائمة، في عقل ووجدان إخواننا أننا بحاجة إلى هذا الجمع بين الأصالة والمعاصرة، التشدد في الثوابت، الثوابت الأخلاقية، الثوابت العقدية، الأصول التشريعية، لكن بعض الفروع يكون عندنا مرونة كبيرة خاصة مع الآراء الأخرى.

التوازن بين التسامح مع المسلم وغير المسلم، والدفاع بكل عزة عن ديننا وأوطاننا ومقدساتنا وأعراضنا.

اللغة الوحيدة التي تعرض أحيانًا هذه تسيئ إلى الأئمة، لغة أن الإسلام دين الرحمة، كأن الله لم ينزل أبدًا (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ) –التوبة:73-، كأن هذه ليست آية من القرآن. الإسلام دين الرحمة لكل البشر (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) –الأنبياء: 107-، لكن الذين يقاتلون المسلمين، الذين يحاربون الله ورسوله، الذين يحتلون أرضنا، الذين ينهبون خيراتنا، الذين يفتنون بناتنا وأبناءنا، لا يمكن أن نكون معهم رحماء على الإطلاق.

(مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) –الفتح: 29- أشداء على الكفار المحاربين لنا، بالنصوص الأخرى، نحن نعتقد يقينًا أن المسلم سلمٌ لكل مسلم، ولكل إنسان مسالم معه، غير المسلم إذا عارض كتاب الله وهدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحاربه آنذاً يجب أن يقاوم هذا الإنسان.

فهذا التوازن في الخطاب الديني مهمٌ جدًّا بين التسامح مع المسالمين والعزة والقوة مع المحاربين، لنا جولة أخرى حول الانتقال من زيارة المساجد إلى عمارتها، العمارة النوعية وبخاصة من الأخوة الأئمة.

جزاكم الله خيرًا، وشكر الله لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المصدر: موقع صلاح الدين سلطان
 

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات