افتخر فأنت مسلم

أحمد بن عبد العزيز الشاوي

2025-12-12 - 1447/06/21 2025-12-31 - 1447/07/11
التصنيفات: الإسلام
عناصر الخطبة
1/حياء المسلم من إظهار الشعائر 2/من مميزات دين الإسلام 3/من خصائص الأمة المحمدية 4/حث المسلم على الاعتزاز بدينه

اقتباس

في ظل الإسلام تستطيع أن تناجي الله مباشرة في أي ساعة من ليل أو نهار، فليس على بابه حاجب ولا بواب، وليس هذا لخاصة الأتقياء والصالحين دون العصاة والمذنبين، كلا، فإن باب الله مفتوح على مصراعيه لكل من دعاه ورجاه، وإن اقترف قبل ذلك كبائر الإثم...

الخُطْبَةُ الأُولَى:       

 

الحمد لله الذي ارتضى لنا الإسلام ديناً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجو بها فوزاً مبيناً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي أرسله الله رحمة ونوراً، ونبياً أميناً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته، وسلم تسليماً كثيراً. 

 

أما بعد: فاتقوا الله -أيها المسلمون-، وكونوا عباد الله إخواناً.

 

ومع توالي الهزائم وضعف العزائم، وكون المسلمين غثاء كغثاء السيل؛ ستجد مسلمين يشعرون بالانهزامية، ويشعرون بالخجل من الانتماء لهذا الدين، ويستحون من إظهار الشعائر والجهر بالمشاعر، جلس رجل إلى عمر الفاروق -رضي الله عنه- وقد بالغ في الخضوع فقال له عمر: "ألست مسلما؟"، قال: بلى قال: "فارفع رأسك؛ فإن الإسلام عزيز منيع".

 

إنك مسلم، ويكفيك هذا عزاً وشرفاً، وإن عظمتك ترجع إلى نسبك السماوي الروحي، لا إلى نسبك الأرضي المادي، إن شرفك -أيها الإنسان- إنما هو في صلتك بالله، واستمدادك منه، وتقيدك بشريعته ووصاياه، والحرية الحقيقية ليست في حق الإنسان أن يتدنس إذا شاء، ويرتفع إذا شاء، بل الحرية أن يخضع لقيود الكمال، وأن يتصرف داخل نطاقها وحده؛ (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)[الأحزاب: 36].

 

أنت مسلم، فافخر بإسلامك؛ فإنه الدين الذي فتح لك باب التقرب إليه -سبحانه- أنى شئت، ومتى شئت؟ ولم يحوجك إلى وسطاء يتحكمون في ضميرك، ويقفون حجاباً بينك وبين ربك؛ (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[البقرة: 186]، وفي الحديث القدسي: "من تقرب إليَّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرب إليَّ ذراعاً تقربت منه باعاً".

 

في هذا الدين تستطيع أن تصلي وتعبد في أي مكان، وحدك أو مع غيرك دون حجر أو تضييق؛ (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: 115]، وفي الحديث: "جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً".

 

في ظل الإسلام تستطيع أن تناجي الله مباشرة في أي ساعة من ليل أو نهار، فليس على بابه حاجب ولا بواب، وليس هذا لخاصة الأتقياء والصالحين دون العصاة والمذنبين، كلا، فإن باب الله مفتوح على مصراعيه لكل من دعاه ورجاه، وإن اقترف قبل ذلك كبائر الإثم وفواحش الذنوب؛ (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[آل عمران: 135].

 

افخر بإسلامك، فهو الدين الذي يجعل نسبك لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، تلك الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، حينما تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنكم تتمون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله".

 

إنها أمة الوسطية؛ (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)[البقرة: 143]، أمة وسط في التصور والاعتقاد، وفي التفكير والشعور، وفي التنظيم والتنسيق وفي الارتباطات والعلاقات، وفي المكان والزمان، إنها الأمة المصطفاة المجتباة؛ (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)[الحج: 78].

 

أي دين غير الإسلام يجعلك تعمل قليلا وتؤجر كثيرا؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: "مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجراء، فقال: من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط، فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط، فعملت النصارى، ثم قال: من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين، فأنتم هم؛ فغضبت اليهود والنصارى فقالوا: مالنا أكثر عملاً وأقل عطاء، قال: هل نقصتكم من حقكم؟ قالوا: لا، قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء"(أخرجه البخاري)، (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)[الأنعام: 160].

 

أنت من الأمة الباقية المحفوظة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "سألت ربي ثلاثاً، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي: ألا يهلك أمتي بالسنة، فأعطانيها، وسألته: ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته: ألا يجعل بأسهم بينهم، فمنعنيها". 

 

أنت من الأمة المرحومة، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "أمتي هذه أمة مرحومة، ليس عليها عذاب في الآخرة؛ إنما عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل والمصائب".

 

أنت من أمة رضي الله لها اليسر وكره لها العسر؛ (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)[البقرة: 185]، (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)[النساء: 28].

 

أنت من أمة عُفي عنها حديث النفس، والوسوسة والهاجس والخاطرة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها، ما لم تعمل أو تتكلم".

 

وأنت من أمة عفي عنها ما وقعت فيه بسبب الخطأ والنسيان والإكراه وفي الحديث: "إن الله -تعالى- تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه".

أنت من أمة أبيح لها التيمم، وجعلت لها الأرض مسجداً وطهوراً، وأحلت لها الغنائم، وكانت حراماً على غيرهم، وصفوف الأمة في الصلاة كصفوف الملائكة، وفضّلها الله بصلاة العشاء ولم تصلها أمة قبلنا.

 

وأنت من أمة اختصها الله بالسلام والتأمين، فحسدتها على ذلك اليهود، وأنت من أمة خصها الله بيوم الجمعة، بهذا صحت الأخبار عن النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.

 

حينما أصبحت مسلما ومن أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فأنت من أمة لها النصر والتمكين والغلبة إلى يوم الدين، قال -صلى الله عليه وسلم-: "بشر أمتي بالنصر والسناء والتمكين، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب".

 

هذه معالم مما أفاء به الإسلام عليك، وتلك ثمار لهذا الدين العظيم، فالحمد لله الذي هدانا للإسلام، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ولولا الإسلام لكنا كالأنعام بل أضل سبيلاً. 

 

فيا عجبا ممن يبتغي العزة بغير الإسلام!، ويا عجبا ممن يفتخر بقومية ونسب وقبيلة ويغفل عن الاعتزاز بالدين!، ويا عجبا ممن يعرض عن شريعة رب العالمين حيث العزة والتمكين!، ويبحث عن آراء البشر وأنظمة العاجزين! (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)[آل عمران: 83].

 

أستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد:

 

يا أيها المسلم: أي دين غير الإسلام يحمي عرضك وكرامتك مع حرمة دمك ومالك؟ فلا يجوز أن يؤذى إنسان في حضرته، ولا أن يهان في غيبته، سواء كان هذا الإيذاء للجسم بالفعل أم للنفس بالقول، فربما كان جرح القلب بالكلام أشد من جرح الأبدان بالسياط أو السنان.

 

لقد حرم الإسلام أن يُضرب إنسان بغير حق، وأن يجلد ظهره بغير حد، وأنذر باللعنة من ضرب إنساناً ظلماً، ومن شهده يضرب ولم يدفع عنه، وبهذا حمى بدن الإنسان من الإيذاء، وحرم الإسلام الإيذاء الأدبي للإنسان، فحرم الهمز واللمز والتنابز بالألقاب، والسخرية والغيبة وسوء الظن بالناس، وأنزل الله في ذلك آيات تتلى. 

 

أي دين غير الإسلام يكفل لك الحرية والكرامة؟ فلا يجوز أن تنتهك حرماتك في أي صورة من الصور، ولا أن تمس بحال من الأحوال. 

 

في الإسلام وحده يعيش الناس آمنين على أنفسهم، آمنين على بيوتهم آمنين على أسرارهم آمنين على عوراتهم، ولا يوجد مبرر مهما يكن لانتهاك حرمات الأنفس والبيوت والأسرار والعورات، وفي الحديث: "وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلَا تَحَقَّقْ"، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)[الحجرات: 12]، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به".

 

فأين هذا المدى البعيد؟ وأين هذا الأفق السامق؟ مما يتعجب به أشد الأمم ديمقراطية وحرية وحفظاً لحقوق الإنسان، بعد أكثر من ألف وأربعمائة عام.

 

هذا هو دينكم -يا مسلمون-، فيا عجبا ممن يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير!، ويا عجبا من يرضى بتقويض بنيان دينه، بالسكوت على المنكرات واتباع الشهوات، والتفرج على عرى الإسلام وهي تنقض عروة عروة؛ لتبقى أمة بلا خصائص ولا ميزات!، وإنما نحن أمة أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة والفوز والهيبة بغيره أذلنا الله؛ (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)[المائدة: 50].

 

يا أيها المسلم الموحد: احمد الله على أن هديت للإسلام والسنة، فلست ممن يجثو عند صنم، ولا ممن يتمسح ببقر ولا شجر، ولا ممن يطوف على قبر، ويبذل ماله وكرامته عند ضريح، ولست ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وجوههم خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية، واسأل الله الثبات، فإنما هي نعمة عظمى ومنة كبرى؛ (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[الحجرات: 17].

 

وصدق الله، فماذا فقد من وجد الأنس بحقائق الإسلام ومعانيه، وعاش بها ومعها، وقطع رحلته في هذه الدنيا في ظلالها وعلى هداها؟! وماذا وجد من فقدها ولو تقلب في أعطاف النعيم، وهو يتمتع ويأكل كما تأكل الأنعام، والأنعام أهدى لأنها عرفت بفطرتها ربها وسبحت بحمده؟!.

 

اللهم لك الحمد على أن أكملت لنا الدين، وأتممت علينا النعمة، ورضيت لنا الإسلام ديناً.

 

اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد.  

المرفقات

افتخر فأنت مسلم.doc

افتخر فأنت مسلم.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات