عناصر الخطبة
1/وجوب الاعتبار بزوال الدنيا وعدم ثباتها 2/على المسلم أن يسارع لتحصيل الصالحات والتوبة 3/من فضائل وبركات شهر شعبان 4/حال السلف الصالح في شعبان 5/الحث على التقوى وحسن التوكل على الله تعالىاقتباس
اشكروه -تعالى- على أن بلغكم هذا الشهر الفضيل، واعلموا أن الأزمنة في الفضائل متفاوتة، فصِلُوها بالصالحات، واعمروها بالطاعات، وإن النفوس للتكاسل والراحة مائلة، فاعصوا هواها واقهروها، وإن الدنيا ليست دار إقامة فاعبروها ولا تغتروا بها...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].
أما بعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وأحسنَ الهديِ هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ مُحدَثة بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
اعلموا -عباد الله- أنَّ تقوى اللهِ -تبارك وتعالى- نِعْمَ الزادُ ونِعم المتاعُ، وتأمَّلوا واقعَ الدنيا، فكم من عامرٍ متقَنٍ يُخرَب بعدَ عَمارِه، وكَمْ مِنْ إنسانٍ أعطيها فهو مغتبط، وعمَّا قريب ترحل عنه أو يرحل عنها، فإذا عَلِمَ العاقلُ ذلك سارَع إلى مرضاة ربه، وأحسَن وزادَ في إحسانه، قال تعالى: (سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ في السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 133-134]، وقال -تبارك وتعالى-: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الْحَدِيدِ: 21].
وإنَّما تكون المسارَعةُ بسعيكم في صالح الأعمال وإن رأيتموها يسيرةً، وبإحجامكم عن المعاصي وإن كانت في نفوسكم حقيرة؛ حتى لا يَتكاسل الإنسانُ عن فعلِ كلِّ ما أُمِرَ به؛ من امتثال الأوامر واجتناب النواهي، وعِرْفان ما عُرِفَ وإنكار ما أُنكِرَ، فلا تُهمِلُوا شيئًا من الطاعات؛ فلَرُبَّ طاعة كانت سببًا إلى النعيم السرمديّ، ولا تتهاونوا بشيء من المخالَفات؛ فلَرُبَّ مخالفةٍ صارت سببًا إلى الشقاء الأبديّ، فاستبِقوا الخيراتِ؛ لتنالوا جنتَه ورضوانَه.
أيها المسلمون: نحمد اللهَ المنَّانَ، الذي فضَّل ما شاء من الزمان والمكان، فكَمَا فضَّل بعضَ الساعات وبعضَ الأيام، واختصَّها بأنواع من الهِبَات والبركات، فقد اختار من الشهور المفضَّلة شهر شعبان، مُقدِّمةً لشهر عظيم تُمحى فيه الذنوبُ، وتتجلَّى فيه رحمات علَّام الغيوب، نزَل فيه من الأحكام آياتٌ بيناتٌ، وحصَل فيه لنبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا كثيرًا من المعجزات الباهرات، هو شهرٌ تشعَّبَت فيه الخيراتُ، وترتَّبَت فيه أعمالٌ صالحاتٌ، وقد حاز بذلك تفضيلًا، ففي الصحيحين أنَّه -عليه الصلاة والسلام- كان يصوم شعبانَ كلَّه، وفي روايةٍ: "إلا قليلًا"، وإنَّما كان يُكثِرُ مِن الصِّيامِ في شَهرِ شَعبانَ خُصوصًا؛ لأنَّه شَهرٌ تُرفَعُ فيه الأعمالُ لربِّ العالَمِينَ، وكان صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ أنْ يُرفَعَ عملُه وهو صائمٌ، كما أنَّه شَهرٌ يَغفُلُ عنه كَثيرٌ مِن النَّاسِ بيْنَ رجَبٍ ورَمَضانَ، كما جاء ذلك في رواية عند النسائي وأحمد، عن الحب بن الحب أسامة بن زيد -رضي الله عنهما-؛ فعلى كلِّ مسلمٍ أن يعملَ فيه ما استطاع من طاعةٍ وإحسانٍ، ولو أَنْ يصومَ فيه ما تيسَّر راجيًا من الله القَبولَ والغفرانَ من الكريم المنَّان.
وقد رُوي عن أنس -رضي الله عنه- أنَّه قال: "كان المسلمون إذا دخَل شهرُ شعبانَ انكبُّوا على المصاحف، فقرأوها وأخرجوا زكاةَ أموالهم؛ تقويةً للضعيف والمسكين على صيام رمضان"، جاء في بعض الآثار تسميةُ شعبان بشهر القرآن، ومعلومٌ أنَّ قراءةَ القرآنِ مطلوبةٌ في كلِّ زمانٍ، ولكنَّها تتأكَّد في الأزمنة المبارَكة، والأمكنة المشرَّفة.
ألَا وإنَّ من أفضل الطاعات التي تُرفَع بها الدرجات هو توحيد الله -تعالى- بربوبيته وبألوهيته، وبأسمائه وصفاته، وبإقامة الصلاة والصدقة على الأرحام والأرامل، والأيتام وأهل الفقر والحاجات؛ فاتقوا الله -أيها المسلمون- واشكروه -تعالى- على أن بلغكم هذا الشهر الفضيل، واعلموا أن الأزمنة في الفضائل متفاوتة، فصِلُوها بالصالحات، واعمروها بالطاعات، وإن النفوس للتكاسل والراحة مائلة، فاعصوا هواها واقهروها، وإن الدنيا ليست دار إقامة فاعبروها ولا تغتروا بها، وإن الكيِّس العاقل لا يستعذب فيها مقامَه، فاتركوا صحبتَها واهجروها، واجتهِدوا في الأزمنة الفاضلة فوق المعتاد، واكتسِبوا من ذخائرها النَّفِيسة ما ينفع يوم المعاد.
جعلني الله وإيَّاكم ممن تاب فقبله وغفر له ذنوبه وذلله، اللهمَّ وأعنا على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك.
قلتُ ما سمعتُم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ذي الفضل والإحسان، أنعَم علينا بمواسم الخيرات؛ لكي نظل على طاعته في كل الأوقات، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، أتقى الناس وأعبد المخلوقات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي المكرمات، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم يبعث المخلوقات.
أما بعدُ: فاتقوا الله -أيها المسلمون- حقَّ التقوى، ورَاقِبُوه في السِّرِّ والنَّجْوَى، وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، والجؤوا إليه وحدَه في قضاء حوائجكم، واطلبوا منه المددَ والنصرَ لا مِنْ غيرِه، فمَنِ اعتمَد على اللهِ وحدَه كَفَاهُ، ومَنِ اعتمَد على غيرِ اللهِ وُكِلَ إليه، ومَنْ وُكِلَ إلى غير الله ضاع، والزموا كتابَ اللهِ -تعالى- يهدِكم للتي هي أقوم، وتمسَّكوا بسُنَّة نبيِّكم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا- فيما لكم وعليكم تفلحوا وتسعدوا، وأطيعوا ذا أمركم بالمعروف تُوفَّقوا وتُسدَّدوا وتُنصَرُوا، وما قلَّ وكفى خيرٌ ممَّا كَثُرَ وألهى؛ (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ)[الْأَنْعَامِ: 134].
عبادَ اللهِ: أكثروا من الصلاة والسلام على ملاذ الورى في الموقف العظيم يوم القيامة، نبينا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا، وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين، وعن سائر الصحب أجمعينَ، وأهل بيته الطاهرين، وعن التابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهُمَّ انفعنا بمحبتهم، واحشرنا يا الله في زمرتهم، ولا تخالف بنا عن سنتهم وطريقتهم يا أكرم الأكرمين.
اللهمَّ أيِّد الإسلامَ والمسلمينَ، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين، ووفق وسدد إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز بنصرك وعونك، اللهُمَّ وأيده بقوتك على أمور الرعية، وأعل به راية الإسلام والمسلمين، وأيده بعضده وولي عهده، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله-، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لما فيه صلاح البلاد والعباد لأوطانهم، وأسبل اللهمَّ سترك على بلادنا، وعلى جميع بلاد المسلمين.
اللهمَّ إنَّا نعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.
اللهُمَّ لا تعاقبنا بسيئات أعمالنا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، واكفنا كل أمر يهمنا، وكن لنا مؤيدًا ونصيرًا.
اللهمَّ أنج المستضعَفين من المسلمين في فلسطين، اللهُمَّ إنَّا نسألك فرحة تغمر قلوبنا بتحرير القدس من أيدي الصهاينة الغاصبين، وفرحة بانتصار المسلمين في كل مكان على أعدائهم الظالمين.
اللهمَّ إنَّا نستغفركَ إنَّكَ كنتَ غفَّارًا، فأرسِلِ السماءَ علينا مدرارًا، اللهُمَّ أغثنا، اللهمَّ إنَّا خلق من خلقك، فلا تمنع عَنَّا بذنوبنا فضلك، اللهُمَّ بارك لنا فيما رزقتنا، وزدنا منه يا ربَّ العالمينَ.
(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 127]، (وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 128]، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم