عناصر الخطبة
1/اصطفاء الله لما يشاء من خلقه 2/بعض جوانب اصطفاء الله لمخلوقاته 3/اصطفاء الله للأمة الإسلامية 4/بعض العقائد المنحرفة للأمم السابقة 5/فضل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأفضل صيغهااقتباس
أَيها المسلمون: لقد اقتضت حكمة الله -عز وجل- أن يصطفي من كل خلق ما يشاء: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)[القصص:68]. فلقد اصطفى من السموات سماءً، ومن البلاد بلداً، ومن الملائكة والناس رسلاً، ومن الرسل رسولاً. لقد اصطفى ربنا -تبارك وتعالى- من السموات، السماء السابعة، فخصها بقربه، وأحل بها أصفياءه من...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه، وعظيم سلطانه، وجزيل آلائه، هو المنعم المتفضل، والإله المعبود، والرحيم الودود الذي ليس لعظمته حدود.
وصلى الله وسلم وبارك على البشير النذير، والسراج المنير، نبينا محمد وعلى آله وأتباعه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المتفرد بالكمال والجلال، الذي يصل ويقطع، ويضر وينفع، لا إله إلا هو.
وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله الله على حين فترة من الرسل، فهدى به من الضلالة، وبصر به من العمى.
من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، ولا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أمَا بعد:
فإن خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أَيها المسلمون: لقد اقتضت حكمة الله -عز وجل- أن يصطفي من كل خلق ما يشاء: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)[القصص:68].
فلقد اصطفى من السموات سماءً، ومن البلاد بلداً، ومن الملائكة والناس رسلاً، ومن الرسل رسولاً.
لقد اصطفى ربنا -تبارك وتعالى- من السموات، السماء السابعة، فخصها بقربه، وأحل بها أصفياءه من ملائكته المقربين، واختصها بالقرب من كرسيه وعرشه.
واصطفى من جميع بلاده بلداً، ألا وهي: مكة أم القرى، فجعلها حرماً، وخصها ببيته، وفضله منةً وكرماً، لا ينفر صيدها، ولا يعضد شجرها، ولا يختلى خلالها، ولا تُلتقط لقطتها، إلا لمعرّف، جعلها حرماً آمناً من دخلها كان آمناً.
كما اصطفى من البلاد بلد نبيه وخليله محمداً -صلى الله عليه وآله وسلم-، فجعلها حرماً ومستقراً لنبيه -صلى الله عليه وآله وسلم-، ومثوى له، قرية تأكل القرى؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "أُمرت بقرية تأكل القرى".
وقال صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه البخاري ومسلم -رحمهما الله- من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "المدينة حرم من عائر إلى ثور، من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلا".
واصطفى -عز وجل- من ملائكته جبريل وميكائيل وإسرافيل -عليهم السلام-، وكان يقول صلى الله عليه وسلم في دعائه من الليل: "اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم"[رواه مسلم من حدث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-].
واصطفى تبارك وتعالى من ذرية آدم وولده أنبياء وأصفياء، وهم مائة ألف وأربعمائة وعشرون ألفاً، واختار منهم أصحاب التشريع والرسالات، وهم ثلاث مائة وثلاثة عشر، جماً غفيراً.
كما أخبر بذلك رسولنا -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- الذي رواه أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه.
واصطفى سبحانه وتعالى من هؤلاء الرسل: خمسة، هم أولو العزم من الرسل، وهم شيخ الأنبياء أبونا نوح -عليه السلام-، وخليل الرحمن أبونا إبراهيم -عليه السلام-، وكليمه موسى -عليه السلام-، وكلمته عيسى بن مريم -عليه السلام-، وخليله وصفيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، واختار منهم الخليلين إبراهيم ومحمداً -صلوات الله وسلامه عليهما وعلى أهلهما-.
واصطفى منهما محمداً، اصطفاه وجعله سيد ولد آدم أجمعين، واصطفى أمته وأتباعه الذين: (آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الأعراف:157].
قال تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)[آل عمران:110].
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "أنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله"[رواه أحمد والحاكم وصححه من حديث بهز بن حكيم -رضي الله عنه-].
أيها المسلمون: اصطفاء الله لهذه الأمة ليس كلاماً أو دعوى عارية من الصحة والبرهان، اصطفاء الله لهذه الأمة تبعاً لنبيها، من أخلاقها من أعمالها، من توحيدها: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)[البقرة:143].
(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)[آل عمران:110].
إن الشرق والغرب يعيشون في جاهلية جهلاء، فيه من ألحد: (وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)[يــس: 78- 79].
وفيه من عبد الأشجار والأحجار، وعبد الأشخاص، وحتى الفروج والأبقار: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)[الفرقان: 44].
وإذا رأيت من بقي من أهل الكتاب رأيت يهوداً قد غضب الله عليهم، سبوا الله ورسله، واتبعوا أمر كل جبار عنيد، وأفسدوا في الأرض، فما من محنة أو بلاء إلاّ واليهود من ورائها، وما من فتنة خلاعة ومجون إلا اليهود صانعوه ومخططوه: (وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)[المائدة:64].
وترى نصارى ليس لهم من هذا الدين إلا الاسم، ترى قوماً ضالين، ضالين نعم ورب الكعبة: (قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ)[المائدة:77].
قوم يهرفون بما لا يعرفون قد عطلوا عقولهم، وعارضوا فطرة الله، وأشركوا معه غيره، طائفة منهم تقول: عيسى هو رب الناس! وطائفة تقول: هو ابن الله! وطائفة تقول: هو الرب! قال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)[المائدة:72].
وقال عز وجل: (وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)[المائدة:72].
وقال تعالى: (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ)[المائدة:73].
وأخبر ربنا -تبارك وتعالى- وقال: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً)[النساء:122] أخبر أنه في يوم المحشر العظيم في يوم الدين، ويوم الذل والخضوع لرب العالمين، إنه يخاطب المسيح -عليه السلام- أمام الناس أجمعين، فيقول عز وجل: (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)[المائدة: 116-117].
اللهم لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما تحب وترضى، أن جعلتنا مسلمين، فلا رب لنا سواك، أنت ربنا وإلهنا وخالقنا ورازقنا، ومحيينا ومميتنا.
أنت ربنا، ومحمد رسولنا وقائدنا، وكلامك وسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم- شرعنا ودليلنا وحجتنا، فلا نؤمن برب سواك، ولا ندعو سواك، عليك توكلنا وإليك أنبنا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي منّ علينا بالإسلام، ورضيه لنا ديناً، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان، على نبينا خير الأنام، وعلى آله وصحبه الكرام ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمَا بعد:
أيها المسلمون: فصلوا وسلموا على من اصطفاه الله من خلقه، فإن صلاتكم معروضة عليه -صلى الله عليه وآله وسلم-.
قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغونني صلاتكم وسلامكم أينما كنتم".
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً".
قال صلى الله عليه وآله وسلم: "البخيل الذي من ذكرت عنده فلم يصل علي"[رواه الترمذي والنسائي والحاكم وصححه].
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي مسعود -رضي الله عنه- قال: أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: قد أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا "اللهم صل على محمد وعلى آله محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد"[رواه مسلم].
وروى كعب بن عجرة -رضي الله عنه- قال: "خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلنا: عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم قولوا: "اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد"[متفق عليه].
اللهم أصلح فساد قلوبنا، اللهم ومنّ علينا بالتوبة النصوح، اللهم أرنا الحق حقًا ووفقنا لاتباعه، وأرنا الباطل باطلاً ووفقنا لاجتنابه.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وقنا عذاب النار يا عزيز يا غفار.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شر ما قضيت.
اللهم من أراد بالمسلمين الشر فأَشغله في نفسه، واجعل الدائرة عليه، واجعله عبرة للمعتبرين.
اللهم احم حوزة الدين، واحفظ عبادك الموحدين.
اللهم أعز الإسلام، وانصر المسلمين.
اللهم أهلك أعداءك أعداء الدين، اللهم أهلك اليهود الأنجاس، اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا.
اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الزيغ والفساد.
اللهم اجعل بلدنا آمناً مستقراً، وجميع بلاد المسلمين.
اللهم أصلح ولاة أمورنا، واجعلهم رحمة للمسلمين.
اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، والحمد لله العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم