اسم الله الرقيب

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ معنى اسم الله الرقيب 2/ أنواع رقابة الله على العباد 3/ واجب العبد تجاه اسم الله الرقيب 4/ ثمرة الإيمان باسم الله الرقيب 5/ من أخبار المراقبين لله وأحوالهم.

اقتباس

أيها المؤمنون: وإذا علم العبد بمراقبة الله -تعالى- سعى في إقامة أحواله كلها وفق ما يرتضي الله -جلا وعلا-، فالعبد مكشوف السر لخالقه العظيم، العليم بمنشئه وحاله ومصيره، وهو -سبحانه- أقرب إلى أحدنا من حبل الوريد، قال -سبحانه-: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق:16].

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71]، أما بعد:

 

معاشر المسلمين: في إحدى الدول الأوربية، وفي إحدى المتاجر العملاقة انقطع ذات يوم التيار الكهربائي لمدة ساعة واحدة، وكانت المفاجأة المدوية؛ فقد سُرق في هذه الساعة من هذا المتجر وأمثاله في تلك الولاية ما يعادل مائتي ألف دولار! فماذا حصل؟!

 

أقول: لا تتعجب فإن هذه المتاجر العملاقة تحرص على وضع "كاميرات مراقبة» في كل زاوية من زواياها، فلما تعطل عملها بانقطاع التيار الكهربائي وقعت السرقات! فإنها ليست أمانة العملاء ولا الثقة في العملاء -كما يقولون- لكن من الناس من لا يراقب الله، لكنه يراقب أعين الناس! فإذا غفل الرقيب البشري اقترفوا الفواحش والمعاصي لا يتورعون عن شيء منها!

 

أما نحن -معاشر المسلمين- فإننا نؤمن إيمانًا جازمًا؛ أن فوقنا إلهًا قريباً بصيرًا رقيبًا على أقوالنا وأفعالنا بل وعلى خواطرنا ونياتنا وكوامن صدورنا... ذاك هو الله الرقيب -عز وجل-، فإن الرقيب من أسماء الله -تعالى- ومعناه: الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء، المطلع على ما تخفيه الصدور، القائم على كل نفس بما كسبت، فلا أحد من الخلق ينفلت من رقابة الله، قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، وقال -سبحانه- على لسان عيسى -عليه السلام-: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المائدة:117]، وثالثة قال الله: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا) [الأحزاب:52]، ولم يرد اسم الله الرقيب في القرآن إلا في هذه المواضع الثلاثة.

 

أيها المسلمون: ولا يخفى على ذي بصيرة أن رقابة الله على عباده دائمة شاملة، فهو -سبحانه- رقيب على عباده بعلمه، قال -تعالى-: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الحديد:4].

 

وهو -سبحانه- رقيب على عباده بإحاطته لجميع أقوالهم وأفعالهم وحركاتهم وسكناتهم، وما يجول في قلوبهم وخواطرهم، قال -سبحانه-: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) [البقرة:235]، وقال -عز من قائل-: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر:19]، لكنه برحمته -سبحانه- لا يأخذنا بما في القلوب، ما لم نقترف إثمًا بالجوارح، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم يتكلموا، أو يعملوا به" (متفق عليه).

 

وهو -سبحانه- رقيب على عباده بإحصائه، فإن الرقيب -عز وجل- كما يعلم ويحيط بجميع أقوال العباد وأفعالهم وخواطرهم، فإنه أيضًا يحصيها عليهم ويكتبها في كتاب يقرؤونه يوم القيامة، قال -تعالى-: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف:49]، وقد ينسى العبد أفعال نفسه لكن الله لا ينساها: (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المجادلة:6]، وليقيم الله -عز وجل- الحجة على عباده فقد عيَّن لكل إنسان ملكين يحصيان عليه أعماله ويكتبانها، قال -تعالى-: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الانفطار:10-12].

 

يقول ابن القيم في النونية:

وهو الرقيب على الخواطر واللوا *** حظ كيف بالأفعال بالأركان

 

أيها المؤمنون: وإذا علم العبد بمراقبة الله -تعالى- سعى في إقامة أحواله كلها وفق ما يرتضي الله -جلا وعلا-، فالعبد مكشوف السر لخالقه العظيم، العليم بمنشئه وحاله ومصيره، وهو -سبحانه- أقرب إلى أحدنا من حبل الوريد، قال -سبحانه-: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق:16].

 

ومراقبة العبد لربه -سبحانه وتعالى- نوعان لا ينفك أحدهما عن الآخر:

الأول: مراقبة داخلية: وهي أن يوقن أن الله مطلع على خواطره ومقاصده ونياته... فيخلص لله -تعالى- النية في كل عمل، فلا يرائي ولا يشرك به شيئًا.

 

والثاني: مراقبة خارجية: وهي إيمانه بنظر الله -تعالى- إليه، فيحسن أفعاله وأعماله، ويؤدي فرائض الله وسننه... وقد جمعهما الشاعر حين قال:

كأن رقيبًا منك يرعى خواطري *** وآخــــر يرعــــى ناظــــــري ولســاني

 

عباد الله: وللمراقبة ثمار عظيمة وفوائد كبيرة، ومن ذلك:

أولًا: التطهر من الأرجاس: فتجد العبد الذي يوقن أن الله ناظره متزينًا قلبًا وقالبًا لعين الله، وتجده وجلًا أن يتلبس بنجاسة حسية أو معنوية روحية أو جسدية... فهو -تعالى- الذي حذَّر قائلًا: (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) [البقرة:235].

 

ثانيًا: بلوغ درجة الإحسان: فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سئل: ما الإحسان؟ عرَّفه قائلًا: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (متفق عليه)، والإحسان درجة فوق الإسلام والإيمان.

 

ثالثًا: أن يكون في ظل العرش يوم القيامة: فمن السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله: "ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله» (متفق عليه)، فلم يمنعه من العصيان إلا مراقبته لله -جل شأنه-.

 

رابعًا: الفوز بالجنة والنجاة من النــار: فمن راقب ربه منعته علمه باطلاع الله عليه من المعاصي، ودفعه إلى الطاعات حتي يكون منتهاه الجنة، وقد سئل ذو النون: بم ينال العبد الجنة؟ فقال: "بخمس استقامة ليس فيها روغان، واجتهاد ليس معه سهو، ومراقبة الله -تعالى- في السر والعلانية، وانتظار الموت بالتأهب.

 

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

 

عباد الله: وإذا امتلئ قلب العبد من معاني اسم الله الرقيب أورثه ذلك مراقبته لربه، ولا يزال العبد بخير وإلى خير مادامت صفة المراقبة لازمة له، فترى هذا العبد نقيا من الآثام باطنها وظاهرها، بالغا درجة الإحسان يعبد ربه كأنه يراه، ولعلنا في هذا المقام نتعرف على بعض أخبار من عاشوا في ظلال اسم الله الرقيب؛ لنعيش تلك الحياة التي عاشوها، ومن أولئك:

ما رواه زيد بن أسلم، أن عمر بن الخطاب، -رضي الله عنه- خرج ليلة يحرس الناس، فمر بامرأة وهي في بيتها، وتقول:

تطاول هذا الليل واسود جانبه *** وطال علي أن لا خليل ألاعبه

فــــوالله لـــــــولا خـــشـــيــة الله وحده *** لـحـــرك مــن هـذا السرير جوانبه

أراقــــب ربــي والـحــيــاء يكــفـــني *** وأكـــرم زوجــــي أن تـــرام مـــراكـــــــبه

 

فلما أصبح عمر أرسل إلى المرأة، فسأل عنها، فقيل: هذه فلانة بنت فلان، وزوجها غاز في سبيل الله، فأرسل إليها امرأة، فقال: كوني معها حتى يأتي زوجها، وكتب إلى زوجها، فأقفله، ثم ذهب إلى حفصة بنته، فقال لها: "يا بنية، كم تصبر المرأة عن زوجها؟» فقالت له: يا أبه، يغفر الله لك أمثلك يسأل مثلي عن هذا؟ فقال لها: "إنه لولا أنه شيء أريد أن أنظر فيه للرعية، ما سألتك عن هذا» ، قالت: أربعة أشهر، أو خمسة أشهر، أو ستة أشهر، فقال عمر: "يغزو الناس يسيرون شهرًا ذاهبين ويكونون في غزوهم أربعة أشهر، ويقفلون شهرًا»، فوقَّت ذلك للناس من سنتهم في غزوهم. (انظر: سنن سعيد بن منصور).

 

وهذا رجل دفعته مراقبته لربه أن يؤدي من الأموال ما يلوي أعناق الرجال، فعن أبي عبيدة العصفري قال: لما هبط المسلمون المدائن وجمعوا الأقباض (الغنائم) أقبل رجل بحق معه، فدفعه إلى صاحب الأقباض، فقال الذين معه: ما رأينا مثل هذا قط ما يعدله ما عندنا ولا يقارنه! فقالوا له: هل أخذت منه شيئًا؟ فقال: أما والله لولا الله ما أتيتكم به، فعرفوا أن للرجل شأنًا، فقالوا: من أنت؟ فقال: والله لا أخبركم لتحمدوني، ولا غيركم لتقرظوني، ولكن أحمد الله وأرضى بثوابه، فأتبعوه رجلًا حتى انتهى إلى أصحابه، فسأل عنه فإذا هو عامر بن عبد قيس. (تاريخ دمشق لابن عساكر).

 

ومن النماذج التي عاشت في ظلال الرقابة لله؛ ماحكاه الأصمعي: أن أعرابيا قال: خرجت في ليلة ظلماء فإذا أنا بجارية كأنها علم، فأردتها، فقالت: ويلك، أما لك زاجرٌ من عقل؛ إذ لم يكن لك ناهٍ من دين؟ فقلت: إيه والله ما يرانا إلا الكواكب. فقالت: وأين مكوكبها ؟! (صفة الصفوة لابن الجوزي)، وما أدق قول أبو بكر الصيدلاني في اعتلال القلوب للخرائطي:

خافت ملاحظة الرقيب فصدها *** عـــنـــــه الـحـــذار وقلبها معمــود

دارت بعبرتـها الـجفون ولم تفض *** فكأنـما بين الـجــفـــون مـــــزيد

 

فتأسوا -أيها المؤمنون- بهؤلاء المراقبين لله العارفين به، تسعدوا في دنياكم وتأمنوا في أخراكم.

 

فاللهم إنا نعوذ بك أن نجعلك أهون الناظرين إلينا، ونسألك طاعتك في الغيب والشهادة.

 

وصل اللهم على محمد..

 

المرفقات

اسم الله الرقيب

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات