عناصر الخطبة
1/تفشي فيروس كورونا 2/وجوب الأخذ بالإجراءات الاحترازية 3/رسائل إيمانية ودروس من انتشار الفيروس 4/اتّهام النفس دافع للتوبة والاستغفار.اقتباس
وإن هذا الوباء جاء بأمر الله -جل جلاله-، ولا يرفعه إلا الله، ولا يهدي الخلق للوقاية منه إلا الله.. لِيَتَّهِمْ كلُّ واحد منا نفسه، وليظنَّ أنه قد يكون سببًا في استمرار الوباء، ومانعًا من كشف الضراء، وإن اتّهام النفس دافع للتوبة والاستغفار؛ فاستغفروا الله وتوبوا إليه..
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين؛ نحمده سبحانه وهو أهل للحمد كله، اللهم لك الحمد أنت قيّوم السموات والأرض ومَن فيهن، ولك الحمد أنت مَلِك السموات والأرض ومَن فيهن، ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن.
الحمد لله العظيم، الذي تواضع كل شيء لعظمته، وذلَّ كلّ شيء لعزته، واستسلم كل شيء لقدرته. لك الحمد يا ربنا، تجيب المضطر، وتكشف الضر. لك الحمد يا ربنا، تغفر الذنب، وتقبل التوبة عن عبادك، وتعفو عن السيئات.
والصلاة والسلام على من بعثه الله للناس كافة بشيرًا ونذيرا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
أما بعد: فمنذ عام تقريبًا، وفي مثل هذه الأيام من عام ألف وأربعمئة وواحد وأربعين للهجرة اكتشف العالم في بلدة من أقاصي الأرض مخلوقًا صغيرًا، وصغيرًا جدًّا، لا تراه العين أبدًا.
وتمر الأيام تلو الأيام والشهور بعد الشهور والمخلوق لا زال -كما وُلِدَ- متناهيًا في الصِّغر، لكنَّه بقدرة الله أصبح في نفوس الناس عظيمًا وعظيمًا جدًّا، يرتعد من هوله العظماء، ويهابه الملوك والرؤساء، وتخشاه الدول الكبرى قبل الصغرى.
وقد حاولت الدول مجتمعة صدّه ومواجهته والوقاية منه بشتَّى الطرق وأنواع الإجراءات، فأغلقت الحدود، وفرضت القيود، وأغلقت أماكن التجمعات من المدارس والجامعات، والمساجد والجوامع، والأسواق والمجامع، كان ذلك في مدة من الزمن ليست يسيرة، فحصل به ركود اقتصادي عالمي، وخسائر فادحة، وأشياء أخرى وأخرى مما هو معلوم للناس اليوم.
ولكن الله غالب على أمره.. انتشر في البلدان ونفذ إلى الناس، وهو يَكِرّ عليهم مرة بعد مرة وشكلاً بعد شكل، فأصاب منهم الملايين، وقتل منهم من قتل. ولقد هدى الله الخلق لبعض اللِّقاحات التي تقاوم الفيروس، وتَحُدّ من انتشاره، وهذا من عظيم فضل الله ورحمته؛ فلله الحمد والشكر.
وما هذه الإجراءات الوقائية واللِّقاحات الدوائية إلا أسباب مطلوبة، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تداوَوا، عبادَ اللَّهِ؛ فإنَّ اللَّهَ -سبحانَهُ- لم يضع داءً إلَّا وضعَ معَهُ شفاءً، إلَّا الهَرَمَ"، ولكن تأملوا قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فإنَّ اللَّهَ -سبحانَهُ- لم يضع داءً"؛ فكل داء إنما هو بقَدَر الله وقدرته.
وإن هذا الوباء جاء بأمر الله -جل جلاله-، ولا يرفعه إلا الله، ولا يهدي الخلق للوقاية منه إلا الله: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ)[الأنعام:17]، وإننا لنخشى مع طول أمده وتغيّر أشكاله أن نكون كمن قال الله فيهم: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)[الأنعام: 42-44].
فحرِّكوا القلوب إلى الله، وتوجّهوا إليه بالتضرع والدعاء، وأكثروا من سؤاله العافية، والمعافاة الدائمة، في الدنيا والآخرة. جاء العباس -رضي الله عنه- إلى النبي فقال: يا رسول الله، علِّمني شيئًا أسأله الله. فقال له: "سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ"؛ فمكث العباس أيامًا ثم جاء فقال: يا رسول الله، عَلِّمني شيئاً أسأله الله، فقال له: "يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ، سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ"(رواه الترمذي وصححه).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ دَعْوَةٍ يَدْعُو بِهَا الْعَبْدُ أَفْضَلَ مِنَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْمُعَافَاةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ"(رواه ابن ماجه). ولم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: "اللهمَّ إني أسألُك العافيةَ في الدنيا والآخرةِ، اللهمَّ إني أسألك العفوَ والعافية، في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهمَّ استُرْ عوْراتي، وآمِنْ رَوْعاتي؛ اللهمَّ احفَظْني من بين يديَّ، ومِن خلْفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذُ بعظَمتِك أن أُغتالَ مِن تَحتي"(رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه).
وقال: "مَنْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ"(رواه أبو داود).
فاتجهوا إلى الله بالدعاء، وتحصنوا بالأذكار والأوراد في كل صباح ومساء، وفي كل حين وآن؛ عسى الله أن يحفظنا بحفظه ويكلأنا برعايته.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، وتوبوا إليه، إن ربي غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأصلي وأسلم على محمد عبده المجتبى ورسوله المصطفى.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وأطيعوه، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[البقرة:281].
يُروى في كتب الوعظ أنه أصاب بني إسرائيل قحطٌ على عهد موسى -عليه السلام-، فاجتمع الناس إليه، فقالوا: "يا كليم الله، ادعُ لنا الله أن يسقينا الغيث"؛ فقام معهم، وخرجوا إلى الصحراء وهم عدد كثير، فدعا ربه أن يسقيهم غيثه وينشر عليهم رحمته.
فما زادت السَّماء إلا تقشعًا، ولا الشمس إلا حرارة؛ فتعجب موسى -عليه السلام-، وسأل ربَّه، فأوحى إليه "أنَّ فيكم عبدًا يبارز بالمعاصي منذ كذا وكذا سنة، فنادِ في الناس حتى يخرج من بين أظهركم، فبه مُنِعْتُمْ".
فقام موسى مناديًا: "يا أيها العبد العاصي، الذي يبارز الله بالمعاصي، اخرُجْ من بين أظهرنا؛ فبِكَ مُنعنا المطر".
فبلغ العاصيَ نداءُه، وعلم أنه المطلوب، فقال في نفسه: "إنْ أنَا خرجتُ من بين هذا الخَلق فَضَحْتُ نفسي، وإن قعدتُ معهم مُنِعُوا لأجلي؛ فأدخل رأسه في ثيابه نادمًا على فِعاله، وقال: إلهي وسيدي، عصيتُك وأمهلتني، وقد أتيتك طائعًا فاقبلني".
فلم يستتم كلامه حتى ارتفعت سحابة بيضاء، فأمطرت كأفواه القِرَب. فقال موسى: "إلهي وسيدي، بماذا سقيتنا وما خرج من بين أظهرنا أحد؟ فقال الله: يا موسى، سقيتكم بالذي منعتكم! فقال موسى: إلهي، أرني هذا العبد، فقال الله: يا موسى، لم أفضحْه وهو يعصيني، أأفضحه وهو يطيعني؟!".
أيها المؤمنون: لِيَتَّهِمْ كلُّ واحد منا نفسه، وليظنَّ أنه قد يكون سببًا في استمرار الوباء، ومانعًا من كشف الضراء، وإن اتّهام النفس دافع للتوبة والاستغفار؛ فاستغفروا الله وتوبوا إليه إن ربي كان غفارًا.
عباد الله: صلوا وسلموا على رسول الله؛ فإنه مَن صلَّى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا.. اللهم صَلِّ وسَلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن آله الطاهرين، وخلفائه الراشدين، وصحابته الغرّ الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك المؤمنين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة، واجعلهم نصرة للإسلام والمسلمين.
اللهم وَفِّق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمة لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين.
اللهم أبرم لأمة الإسلام أمر رشد يُعزّ فيه أهل الطاعة، ويذل فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.
اللهم إنا نعوذ بك من الوباء والبلاء، والربا والغلاء، اللهم ادفع عنا المحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا وعن سائر بلاد المسلمين، يا أرحم الراحمين.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون. فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم