عناصر الخطبة
1/أعقل الناس 2/ فتنة الدنيا وطاعة النساء 3/ من مخالفات استقدام الأجانب 4/ كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيتهاقتباس
.. ولذا فإن من الناس اليوم من هلكوا بفتنة الدنيا وطاعة النساء؛ فتصرفوا –لما قدروا- تصرف السفهاء في أمور كثيرة ومسائل خطيرة، ومن ذلك: استقدام رجال من الخارج لقيادة السيارات، والاشتغال ببعض المهمات، واستقدام النساء لتربية الأولاد، والخدمة في بيوت العائلات ..
استقدام الأجانب... خطره وأخطاء الناس فيه
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أحمده سبحانه على نعمه الكثيرة السابغة، وآياته المحكمة الباهرة، وصفاته العلية الكاملة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، فلا معبود بحق سواه، فالسعيد من أطاعه واتقاه، والشقي من أعرض عن ذكره وهداه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ومصطفاه، بعثه الله بدينه وهداه؛ ليظهره على أنف كل من كرهه وأباه. وصلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعه إلى يوم لقاه.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله حق التقوى، واقبلوا ما جاءكم من ربكم من الهدى، واحذروا معصيته، فإنها تسلب النعم، وتحدث البلاء، وتورث الشقاء.
أيها الناس: إن أعقل الناس عبد عرف ربه فأطاعه واتقاه، وعرف عدوه فجانبه وحذره وعصاه، وعرف الدنيا وسرعة زوالها فلم يركن إليها ولم يغتر بها، وعرف دار منقلبه فتزود لها بما يصلحها، فإنما الدنيا أمد محدود، ونفس معدود، وإذا حضر الأجل انقطع العمل، وحيل بين المرء وبين الأمل.
فلا تشغلنكم دنياكم عن أخراكم، ولا تؤثروا أهواءكم عن طاعة مولاكم، ولا يحملنكم السفهاء منكم على ما يفسد منقلبكم ومثواكم، فإن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، وتذكروا قول الحق تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) [التغابن:14]، وقوله سبحانه: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [التغابن:15].
أيها المسلمون: من صائب ما يؤثر قولهم: (من العصمة ألا تقدر) وقد قال تعالى: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) [الشورى:27].
ولذا فإن من الناس اليوم من هلكوا بفتنة الدنيا وطاعة النساء؛ فتصرفوا –لما قدروا- تصرف السفهاء في أمور كثيرة ومسائل خطيرة، ومن ذلك: استقدام رجال من الخارج لقيادة السيارات، والاشتغال ببعض المهمات، واستقدام النساء لتربية الأولاد، والخدمة في بيوت العائلات، ونحو ذلك من التخصصات، دون مراعاة للضوابط الشرعية، والآداب المرعية، وما نقموا إلا أن أغناهم الله، فعصوا الله تعالى لما قدروا، وخالفوا نبيه صلى الله عليه وسلم وما حذروا (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات:11]. (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء:227]، (أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة:74]، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63].
أيها المسلمون: إن الاستقدام اليوم -في غالب- واقعه منكر كبير، وجرم خطير؛ لما فيه من معصية العلي الكبير؛ فمن الناس من يستقدم الكفار إلى هذه الديار وهي مهبط القرآن، ومأرز الإيمان، وبلاد الحرمين، وقبلة المسلمين، ومثوى النبي الأمين، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب " وفي رواية: (والمشركين) وصح عنه صلى الله عليه وسلم قال: " لا يبقين في جزيرة العرب دينان ".
فالذي يقدم الطلب في استقدام الكفار إلى جزيرة العرب قد شاق الرسول الأمين، واتبع غير سبيل المؤمنين، وقد قال تعالى بشأن ذلك زجراً وتحذيراً: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [النساء:115].
وقال في محكم الكتاب: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر:7].
وأما إن كانت غير مسلمة فالضرر عليه أخطر في دينه ونفسه وبنيه وأهله.
أيها المسلمون: ومن مخالفات بعض الناس في الاستقدام: أنهم يستقدمون المرأة دون محرمها، وفي ذلك مشاقة للرسول صلى الله عليه وسلم؛ فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن تسافر المرأة إلا ومعها ذو محرم، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا ومعها ذو محرم منها "، ففي استقدامها دون محرمها إعانة لها على الإثم، إن كانت مسلمة، بمخالفة ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك أيضاً تعريض لها أن تغلب على نفسها، وأن تكون فتنة لغيرها. وقد قال تعالى في محكم القرآن: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2].
فالذي يستقدمها والحالة هذه يخشى أن يكون شريكاً لها في كل منكر ترتكبه وإثم تقترفه، حيث تسبب لها في مفارقة محارمها، ورضي أن تسافر وهي عاصية لنبيها صلى الله عليه وسلم. فاتقوا الله يا أولي الألباب تنجوا من شديد العقاب.
وأما إن كانت غير مسلمة فالضرر عليه أخطر في دينه ونفسه وبنيه وأهله.
أيها المسلمون: ومن تفريط بعض الناس في أمر الاستقدام: أنهم لا يعلِّمون المستقدمين أحكام الإسلام والآداب التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا يعلمون الرجال آداب الاستئذان، ولا يحجزونهم عن الاجتماع والخلوة بالنسوان، ولا يعلمون النساء لبس الحجاب وارتداء الجلباب، وأن لا يخلون بالرجال بل يكن من وراء حجاب، بل تجد بعض هؤلاء -نسأل الله العافية من كل بلاء- هو بنفسه يدخل على النساء الأجنبيات بلا استئذان، ويخلو بهن وكأنهن من أصغر الولدان، ويرضى للواحدة من محارمه أن تركب منفردة مع السائق الأجنبي، وربما انفردت بالطباخ أو الطبيب أو غيرهما وكأنهما زوجان أو ابنا أب
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة *** وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
فأين هؤلاء وأمر الله -تعالى- النساء المؤمنات بإدناء الجلباب؟! وأين هم من قوله سبحانه: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) [الأحزاب:53].
وأين هم وغير ذلك من آداب الإسلام الواردة في السنة والكتاب؟!! (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [فاطر:8].
أيها المسلمون: صح عن نبيكم صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إياكم والدخول على النساء " قالوا: يا رسول الله! أفرأيت الحمو؟ يعنون قريب الزوج، قال: " الحمو الموت " وبيَّن صلى الله عليه وسلم حكمة هذا النهي؛ وهي أن الشيطان يدخل بينهما فيفتن أحدهما بالآخر، ويزين لهما الفحشاء والمنكر.
وقال صلى الله عليه وسلم: " لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما " فمجلس يحضره الشيطان لا تسأل عما تعرض أهله له من الفسوق والعصيان (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) [البقرة:268].
(إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر:6].
أيها المسلمون: فإذا كان قريب الزوج الذي قد يغار على زوجة قريبه، أو قد يمنعه من الفاحشة عرف قبيلة كريم يعتزى به، أو يخشى أن يبتلى بنفس المصيبة، ومع ذلك قال صلى الله عليه وسلم عنه: " الحمو الموت"؛ تنبيهاً على وشك فتنته وعظم مصيبته؛ فما الظن بالأجنبي الذي ليس من أهل الديار، وليس من شأنه أن يغار، ولا يبالي بما يجره على الناس من المصيبة والعار، مع أنه في الغالب ضعيف الدين وربما كان من الكافرين، وجاء قصداً لإفساد محارم المسلمين. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أيها المسلمون: ومن الذي يزكي نفسه، أو يزكي بنيه وذويه، ويرى أنه لا خطر من خلوتهم بغير محارمهم، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الشيطان يحضر مجلس الرجل بغير محرمه؟ وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى دمه، وأخبر الله تعالى أن الشيطان توعّد أن يغوي من استطاع من بني آدم إذ قال: (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [الحجر:39-40].
أيها الآباء، أيها الأولياء: اعلموا أنكم رعاة في أهليكم، ومسؤولون عن رعاياكم، ومحاسبون على جميع تصرفاتكم، وأمناء مسؤولون عن أماناتكم؛ فلا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون.
اتقوا الله في أنفسكم، لا تخلوا بمحارم غيركم، ولا تعينوا أحداً على معصية ربكم، واتقوا الله في الأجانب تحت أيديكم، لا تسمحوا لهم أن يخلوا بمحارمكم، وتذكّروا أنكم مسؤولون عن خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فلا ترتكبوا المحظور فتبتلوا بشر المقدور وما لا تتوقعونه من عظائم الأمور: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:24-25].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم