استقبال شهر رمضان

الشيخ أ.د عبدالله بن محمد الطيار

2025-02-28 - 1446/08/29 2025-03-03 - 1446/09/03
عناصر الخطبة
1/نعمة بلوغ شهر رمضان 2/يا باغي الخير أقبل 3/رسائل مهمة في استقبال شهر رمضان 4/الإعداد للطاعات والتشمير للعبادات 5/عبادات يجب التذكير بها خاصة في رمضان.

اقتباس

فَأَعِدُّوا المَطَالِبَ السَّامِيَةَ، والأَهْدَافَ الْعَالِيَةَ، وأَقْبِلُوا بِعَزْمٍ وثَبَاتٍ، فيَا مَنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ، قَدْ قَرُبَتْ أيَّام المُصَالَحَةِ، وَيَا مَنْ دَامَتْ خَسَارَتُهُ قَدْ أَقْبَلَتْ التِّجَارَةُ الرَّابِحَةُ، فمَنْ لَمْ يَرْبَحْ في هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ فَفِي أيِّ وَقْتٍ يَرْبَحُ؟! ومَنْ لَمْ يَقْرُبْ فِيهِ مِنْ مَوْلاهُ فَهُوَ عَلَى بُعْدِهِ لا يَبْرَحُ.

الخُطْبَة الأُولَى:

 

الحمدُ للهِ الَّذِي أكْرَمَ المسْلِمِينَ بالعِلْمِ والحِجَى، وأنزلَ القرآنَ نورًا في غيَاهِبِ الدُّجَى.

 

أَحْمَدُهُ -سُبْحَانَهُ- ذِي الجُودِ والإنعامِ، تَفَضَّلَ على المؤْمِنِينَ بِشَهْرِ رَمَضَانَ، وَجَعَلَهُ مَوْسِمًا لِلرَّحْمَةِ والْعَفْوِ والْغُفْرَانِ، فَرَضَ الصَّوْمَ لِحَكَمٍ وَأَسْرَارٍ، ورَتَّبَ عَلَيْهِ مَغْفِرَةَ الذُّنوبِ والأوزَارِ.

 

وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -عِبَادَ اللهِ-، واعْلَمُوا أَنَّ التَّقْوى ثَمَرَةُ الصِّيَامِ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتب عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183].

 

أيُّهَا المؤمنون: هَا هِي الأيامُ تَنْقَضِي، والسَّاعَاتُ تَنْقَلِبُ، عُيُونُ المُؤمِنينَ تَتَرَقَّبُ وقُلُوبُ الْعَابِدِينَ تَتَأَهَّبُ، وأنْظَارُ الموحدِينَ في شَتَّى أَنْحَاءِ الْأَرْضِ تَتَحَيَّنُ هِلَالَ شَهْرٍ رَمَضَانَ؛ لِتَزْكُو نُفُوسُهُم، وتَطْهُر قلوبُهم، وتَسْمُو أرْوَاحُهم، يَقُولُ نبيُّنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَتَاكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ، شَهْرٌ مبارَكٌ، فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وتُغلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ"(رواه النسائي 4/129، وصححه الألباني في صحيح الجامع 55).

 

عِبَادَ اللهِ: سَاعَاتٌ قَلِيلَةٌ، وَيُظِلَّكُمْ شَهْرُ رَمَضَان، فَأَعِدُّوا المَطَالِبَ السَّامِيَةَ، والأَهْدَافَ الْعَالِيَةَ، وأَقْبِلُوا بِعَزْمٍ وثَبَاتٍ، فيَا مَنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ، قَدْ قَرُبَتْ أيَّام المُصَالَحَةِ، وَيَا مَنْ دَامَتْ خَسَارَتُهُ قَدْ أَقْبَلَتْ التِّجَارَةُ الرَّابِحَةُ، فمَنْ لَمْ يَرْبَحْ في هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ فَفِي أيِّ وَقْتٍ يَرْبَحُ؟! ومَنْ لَمْ يَقْرُبْ فِيهِ مِنْ مَوْلاهُ فَهُوَ عَلَى بُعْدِهِ لا يَبْرَحُ.

 

عِبَادَ اللهِ: نَسْتَقْبِلُ شَهْرَ رمضانَ، ونحنُ في أَمْنِ وَسَكِينَةِ، وأَمَانِ وَطمَأنِينَةٍ، وَرَغَدٍ في الْعَيْشِ، وزَخَّاتٍ مِنَ النِّعَمِ، وَحَوْلَ اسْتِقْبَال شهر رَمَضَان أَبُثُّ رَسَائِلَ مِنْهَا:

 

الرِّسَالَة الأُولَى: إنَّ بُلُوغَ شَهْرِ رَمَضَانَ مِنَّةٌ عَظِيمَةٌ، وَفُرْصَةٌ ثَمِينَةٌ لا يُضَيِّعُهَا إلا مُفْلِسٌ أوْ مَغْبُونٌ، أمَّا المؤْمِنُ الْفَطِنُ، فإنَّهُ يَتَلَقَّاهَا بِالْقَبُولِ، وَيَجِدُّ لَهَا بِنَشَاطٍ لَيْسَ مَعَهُ فُتُورٌ، وَيَسْأَل ربَّهُ فيهَا الإخْلاصَ والْقَبُولَ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا واحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"(أخرجه البخاري 38، ومسلم 760).

 

فَلْنَحْمَدِ اللهَ عَلَى بُلُوغِ رَمَضَانَ، فَكَمْ مِنْ أُنَاسِ كَانُوا بَيْنَنَا رَمَضَانَ الماضِي، والآنَ طُويت صحائفهم، وانقضت آجالهم، فاللهم اشملهم بعفوك، وعاملهم بفضلك، وتغمدهم برحمتك، وأسكنهم جنتك.

 

الرِّسَالَةُ الثَّانِيَةُ: إن الفرح بمواسم الطَّاعَاتِ والبشرى بقدومها عبادة قلبية يُؤجَر عليها المسلم، قال -تعالى-: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس: 58]، وَمَعَ تَتَابُع الأَيَّامِ والشُّهُورِ يحتاجُ المرْءُ لِتَفَقُّدِ الإِيمَانِ في قَلْبِهِ، قالَ عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "إنَّ الإيمانَ لَيَخْلَقُ في جَوْفِ أحدِكُمْ كَما يَخلَقُ الثّوبُ"، وهُنَا لابدَّ للمسلمِ منْ سِرْبَالٍ إيمانيٍّ يُجدِّدُ بِهِ عِبَادَتَهُ ويُوقِظُ بِهِ همّتَهُ، فكانَ رَمَضَانُ خير باعثٍ للطَّاعَةِ ومُوقِدٍ للشَّوْقِ إلى اللهِ -عزَّ وجلَّ-.

 

الرِّسَالَةُ الثَّالِثَةُ: الإِعْدَادُ لِلطَّاعَاتِ، والتشمير للعبادات، عَلامَةُ الصِدْقِ، وَأَمَارَةُ الإخلاصِ في الْقَصْدِ قالَ -تَعَالَى-: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً)[التوبة: 46]. ومتَى رَأَى اللهُ مِنْ عَبْدِهِ الصِّدْقَ في الْعَزْمِ، والإِخْلاصَ في الْقَصْدِ، جَعَلَ لَهُ مِنْ نِيَّتِهِ نَصِيبًا؛ قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ"(أخرجه النسائي 4/60، وصححه الألباني 1952).

 

الرسالة الرابعة: إنَّ النية وحدها لا تكفي لبلوغ المآرب، وإنما يلزمكَ الجِدُّ والعَزْمُ والصَّرَامَةُ والْحَزْمُ، فلَنْ تُعْدَمَ اللُّصُوصَ والْعَقَبَات، والشَّوَاغِلَ والملهِيَاتِ، الّتِي تُفْسِدُ سَيْرَكَ، وَتُعَكِّرُ صَفْوَكَ، ومِنْهَا: مَجَالِسُ اللَّهْوِ واللَّغْوِ وَالملْهِيَاتُ الإِلِكْتُرُونِيَّةُ والْقَضَايَا الْجَانِبِيَّةُ، الَّتي تَأْخُذُ مِنْ وَقْتِكَ، وَلا تَخْدِمُ هَدَفَكَ، فَاحْذَرْهَا ولا تَغْفَلْهَا، وَاعْلَمْهَا ولا تَجْهَلْهَا، قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ باللَّهِ وَلا تَعْجِزْ"(أخرجه مسلم 2664).

 

الرسالة الخامسة: إنّ الصَّوْم عِبَادَةٌ جَلِيلَةٌ، عِمَادُهَا الإِخْلاصُ، وسبيلها مراقبة الله -عز وجل-، وَثَمَرَتُهَا التَّقْوَى، أَبْهَمَ اللهُ أَجْرَهَا؛ لِعَظِيمِ فَضْلِهَا، قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحديث القدسي: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إلى سَبْع مِائَةِ ضِعْفٍ؛ قالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: إلَّا الصَّوْمَ؛ فإنَّه لي وَأَنَا أَجْزِي به"(رواه مسلم 1151).

 

والصوم مدرسة تربوية تُثْمِرُ عند المسلم مَلَكَةً تُمَكِّنُهُ مِنْ تَرْكِ الحرامِ وَإِنْ تَيَسَّرَتْ لَهُ الأسباب، وفِعْلِ الحلالِ وإِنْ حَالَتْ بينَهُ الصَّعَابُ، وَهَذِهِ الْمَلَكَةُ لَا تَقْوَى عِنْدَ الصَّائِمِ إلا إِذَا كَانَ صِيَامُهُ على الوَجْهِ الَّذِي أَرَادَهُ اللهُ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُتْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ"(أخرجه البخاري 1904).

 

أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيم؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون)[البقرة: 183].

 

باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيم، ونفعنِي وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، أقولُ ما سمعتمْ، فاستغفروا اللهَ، إنَّهُ هو الغفورُ الرّحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على الدوام، والصلاة والسلام على سيد الأنام، خير من صلي وصام، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أنه من العبادات التي يجب التذكير بها خاصة في رمضان: أولًا: الحرصُ على صلاةِ الجماعةِ، وعدمُ التفريطِ فيها، أو النومِ عنها.

 

ثانيًا: الحرصُ على صلاةِ التراويحِ مع جماعةِ المسلمينَ، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ"(رواه البخاري 37، ومسلم 759).

 

ثالثًا: العناية بالقرآن الكريم قراءةً وتدبرًا، وفهمًا وتعلّمًا، فَقد "كان النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ فِي كُلِّ ليلةٍ مِنْ شهرِ رمضانَ فيدارسُهُ القُرآنَ"(أخرجه البخاري 6، ومسلم 2308).

 

رابعًا: البذلُ وبسط اليد، فقد كانَ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضانَ، وكانَ أجْوَدَ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ.

 

أَسْأَلُ اللهَ -عَزَّ وجلَّ- أنْ يُبَلِّغَنَا رمضانَ، وَأَنْ يُعِينَنَا فيه على الصيام والقيام، وأن يَجْعَلْنَا مِنْ عُتَقَائِهِ مِنَ النَّارِ.

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسلام والمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشَّرْكَ والمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الموحدين.

 

اَللَّهُمَّ أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحَ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللهم وَفِّق وَلِيَّ أَمْرِنَا خادمَ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ ووَلِيَّ عَهْدِهِ وإِخْوَانَهُ وَوُزَرَاءَهُ إلَى كُلِّ خَيْرٍ، واحْفَظْهُمْ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَشَرٍّ.

 

اللَّهُمَّ احْفَظْ رِجَالَ الأَمْنِ، والمُرَابِطِينَ عَلَى الثُّغُورِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْ هذَا الْجَمْعَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ والمؤْمِنَاتِ، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِهِمْ، وآَمِنْ رَوْعَاتِهِمْ وارْفَعْ دَرَجَاتِهِمْ في الجناتِ واغْفِرْ لَهُمْ ولآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، واجْمَعْنَا وإيَّاهُمْ ووالدِينَا وإِخْوَانَنَا وذُرِّيَّاتِنَا وَأَزْوَاجَنَا وجِيرَانَنَا ومشايخَنَا وَمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا في جَنَّاتِ النَّعِيمِ.                 

 

 

المرفقات

استقبال شهر رمضان.doc

استقبال شهر رمضان.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات