استقبال العام الدراسي الجديد

خالد بن عبد العزيز الباتلي

2023-07-14 - 1444/12/26 2023-07-25 - 1445/01/07
عناصر الخطبة
1/مكانة العلم 2/من فضائل العلم 3/وصايا مع استقبال العام الدراسي

اقتباس

ونحن نستقبل عاما دراسيا جديدا، حيث يعود الطلابُ والطالبات إلى مقاعد الدراسة، ينهلون من معين العلم، ويرتوون من نمير التربية، ويعبقون من أريج الأدب؛ فالوصية...

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، أنقذنا بالوَحي من درَك الضلالة، وأكرَمنا بنورِ العِلم المبدِّد لظلماتِ الجهالة، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، أكرمَه بالنبوة وشرّفه بالرسالة، صلى الله وسلّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

عباد الله: إن العلم نورٌ، والجهلَ ظلمات (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ)، والعلمُ حياة والجهلُ موت (وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ)، والعالمُ بمنزلة البصير والجاهل بمنزلة الأعمى (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ)، وأهل العلم هم أولو الدرجات الرفيعة (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)، واستشهد بهم على أعظم مشهود؛ وهو توحيده جل وعلا (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، فبدأ سبحانه بنفسه، وثنى بملائكته، وثلث بأهل العلم، وشرف الله أبانا آدمَ عليه السلامُ بالعلم (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا)، فأسجد له الملائكةَ.

 

ولما شعَّ نورُ الرسالةِ المحمدية، اعتنى محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- بالعلم؛ فأنشأ أولَ مدرسةٍ في الإسلام مدرسةُ دار الأرقم، وكانت عند جبلِ الصفا في مكةَ المكرمة.

 

العلماء هم أهل الخشية والإخبات (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ).

 

فاق العلماءُ غيرَهم من الناس (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ).

 

ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم *** على الهدى لمن استهدى أدلاء

ففز بعلم تعش حيا به أبدا *** الناس موتى وأهل العلم أحياء

 

العلم حياةُ القلوب، ونور البصائر، وشفاء الصدور، ورياض العقول، ولذةُ الأرواح، وأُنسُ المستوحشين، ودليلُ المتحيرين.

 

طالبه سالكٌ طريقا إلى الجنة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة"(رواه مسلم)، وعن معاوية -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"(متفق عليه)، وعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: ذكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلان أحدهما عابد والآخر عالم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم" ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله وملائكته وأهلَ السماوات والأرض حتى النملةَ في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير"(رواه الترمذي وحسنه الألباني).

 

وقال الفضيل بن عياض: "عالمٌ عاملٌ معلم يدعى كبيرا في ملكوت السموات".

 

ومن وصايا لقمان لابنه: "يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإن الله سبحانه يحيي القلوبَ بنور الحكمة، كما يحيي الأرضَ بوابل السماء".

 

وقال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "لأن أتعلم مسألةً أحبُّ إلي من قيام ليلة". وقال معاذ -رضي الله عنه-: "تعلموا العلم فإن في تعلمه لله خشية، وطلبُه عبادة، ومدارستُه تسبيح، والبحثُ عنه جهاد، وتعليمُه لمن لا يعلمه صدقة، وهو الأنيسُ في الوحدة، والصاحبُ في الخلوة، يبلغ به العبدُ منازلَ الأبرار والدرجاتِ العلى".

 

وقال سفيان -رحمه الله-: "ما أعلم عملا أفضلَ من طلب العلم وحفظِه لمن أراد اللهَ به".

 

والاشتغال بالعلم أفضلُ من الاشتغال بنوافل العبادات، لأن نفعَ العلم يعم صاحبَه والناس، والنوافلُ البدنية مقصورةٌ على صاحبها، والعلماءُ ورثة الأنبياء، وليس ذلك للمتعبدين، والعلم يبقى أثرُهُ بعد موتِ صاحبه، كما قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "إذا مات ابنُ آدم انقطع عملُه إلا من ثلاث، -وذكر منها-: أو علمٍ ينتفع بهأما النوافل فتنقطع بموت صاحبها. وجاء في الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة، وخير دينكم الورع"(رواه الحاكم وصححه الألباني).

 

ونحن أمة العلم، أمة اقرأ، فُرِض على كل مسلم قدرٌ من العلم لا بد منه، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "طلب العلم فريضة على كل مسلم"(رواه الطبراني وصححه الألباني).

 

فعلى كل مسلم أن ينور قلبه، ويزكي نفسه بالعلم النافع، كل على حسب طاقته، يتزود من الخير والهدى، يقرأ ويستمع، ويحضر ويكتب، ويسأل عما أشكل عليه، ومع الأيام والليالي يجتمع الكثير

 

اليوم شيء وغدا مثله *** من نخب العلم التي تلتقط

يحصل المرء بها حكمة *** وإنما السيل اجتماع النقط

 

وما أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يتزود من شيء إلا من العلم (وقل رب زدني علما)، ورحل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما من المدينة إلى الشام مسيرة شهر ليسأل عن حديث واحد.

 

ونظم بعض الأدباء في فضل العلم فقال:

هو العضب المهند ليس ينبو *** تصيب به مقاتل من ضربتَ

ينالك نفعه ما دمت حيا *** ويبقى ذخره لك إن ذهبتَ

وكنزًا لا تخاف عليه لصًا *** خفيف الحمل يوجد حيث كنتَ

يزيد بكثرة الإنفاق منه *** وينقص إن به كفًا شددتَ

فلو قد ذقت من حلواه طعمًا *** لآثرت التعلم واجتهدتَ

فقوت الروح أرواح المعاني *** وليس بأن طعمت وأن شربتَ

فواظبه وخذ بالجد فيه *** فإن أعطاكه الله أخذتَ

 

أيها الإخوة: ونحن نستقبل عاما دراسيا جديدا، حيث يعود الطلابُ والطالبات إلى مقاعد الدراسة، ينهلون من معين العلم، ويرتوون من نمير التربية، ويعبقون من أريج الأدب؛ فالوصية -أيها الإخوة- أن نجعلها بدايةً يملؤها الإخلاص والتفاني، والحماسُ والمتابعة، والاجتهاد والمثابرة، طارحين الكسل والخمول.

 

فولي الأمر مسؤول عن رعيته، وهذه المسؤولية لا تقتصر على شراء الدفاتر والأقلام، وإنما بالتربية والمتابعة، يحبب إليهم العلمَ وأهله، ويتفقدهم في دراستهم ومدارسهم، مع التلطف في القول، والتشجيع بالثناء والمكافأة، فتقوى الرابطة، وتتصل الجسور بينهما.

 

سفيان الثوريّ إمام كبير من أعلام السلف، وأعيان المحدثين العلماء، كان خلفَه أمٌّ حريصةٌ مربية، قالت له في أول أمره: يا بنيّ؛ خذ هذه عشرةُ دراهم، وتعلّم عشرةَ أحاديث، فإذا وجدتها تُغيِّر في جلستِك ومِشيتك وكلامك مع الناس فأقبِل عليه، وأنا أعينُك بمِغزلي هذا، وإلاّ فاتركه، فإني أخشَى أن يكونَ وبالاً عليك يومَ القيامة.

 

وأما المعلم فهو بيت القصيد وعمود الفسطاط، صاحب رسالة، وقدوة النشء، ومربي الأجيال.

 

أرأيت أعظمَ أو أجلَّ من الذي *** يبني وينشئ أنفسا وعقولا

 

أيها المعلم: اجتهد في تحضير درسك وإلقائه، كن حازما من غير عنف، متواضعا من غير ضعف، إذا دخلت فسلم عليهم بوجه بشوش، حبب إليهم المادة، ونوع في أسلوب الطرح، وتقبل أسئلتهم وأجب عليها بإقبال وجه ورحابة صدر. أحسن خلقك معهم ووثق الصلة بهم بتقديرهم، وتشجيعهم، ونصحهم. فرغ وقتك وجهدك لمهمتك الشريفة ولا تنشغل عنها بمصالحك الخاصة أو مشاغل أخرى، وليكن قدوتك المعلمَ الأول -صلى الله عليه وسلم-.

 

إن بعض المعلمين تبقى ذكراه عاطرة في نفوس طلابه، لا ينسونه ولو بعد عشرات السنين، وما ذاك إلا بالعلم والخلق.

 

اتق الله وراقبه -أيها المعلم- في أداء الأمانة والعدل في الحقوق، والحذر من إضاعة وقت الدرس فإن الرقيب هو الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

 

أيها المعلم: هؤلاء الطلاب فلذاتُ الأكباد سلمهم أهلُهم إليك وهم أغلى ما يملكون، فاتق الله فيهم وفيما تحدثهم به، ولا يقتصر عملك على نقل المادة العلمية، بل طعم الدرس بالقصص المفيدة، والتوجيهات التربوية النافعة، فرب كلمة أثرت في مسار حياة، وحولت ضالا إلى طريق الهداية، هذا كله بعد إصلاح النفس والاستقامة؛ فكيف يربي على الصلاح والفضائل من كان بضد ذلك.

 

قال ابن المبارك: "تعلمنا الأدب ثلاثين عامًا، وتعلمنا العلم عشرين"، وقال ابن سرين: "كانوا يتعلمون الهديَ كما يتعلمون العلم"، وقال بعض السلف: "نحن إلى كثير من الأدب أحوج منا إلى كثير من الحديث".

 

أيها الإخوة: إن مما نحتاجه ونحن على أبواب عام دراسي جديد أن نتعاون في أداء عمل المدرسة لتؤتي ثمرتها المنشودة، في تخريج جيل تدثر بلباس العلم والأدب، وأن ترصد المظاهرُ والظواهر التي لا تتفق مع هذا الهدف سواء في الجانب العلمي أو السلوكي، وأن ينظر في مخرجات التعليم العام، فتقيم من الجهة العلمية والتربوية. وجميل أن تنبري بعض المؤسسات التربوية المؤهلة المخلصة في عملها فتقوم بهذا العمل الصالح النافع.

 

بارك الله ..

 

 

الخطبة الثانية:

 

أيها الطالب: اعلم أن هذه الجهودَ العظيمةَ والأموالَ الكثيرة تصرفُ من أجلك، فكن ثمرةً يانعة تقرُّ بها أعينُ أهلِكَ ومجتمعِك.

 

احرص على الإخلاص في العلم والعمل، واحترام المعلم، وجمل العلمَ بالخلق الحسن من الصدق في الحديث، وحسن المعاملة، وطيب الكلام، واحذر من الحسد والكذب والبغضاء.

 

اجتهد غاية الاجتهاد في تحصيل العلم ومراجعته وضبطه، واغتنم فرصةَ شبابك وفراغك؛ فالسبل مهيئةٌ والأسبابُ متاحةٌ؛ فإياك أن تضيع الأوقاتَ باللعب والنوم والكسل.

 

بقدر الكد تكتسب المعالي *** ومن طلب العلا سهر الليالي

تروم العز ثم تنام ليلا *** يغوص البحرَ من طلبَ اللآلي

 

إن من المؤسف أن نرى انصراف كثير من الطلاب والطالبات عن العلم والرغبة فيه؛ بسبب كثرة الصوارف عنه، من الفضائيات والإنترنت والجوالات والمباريات وغيرها؛ فهم في وادٍ والعلمُ في واد آخر.

 

احذر -أيها الشاب- من قرناء السوء والفساد، فهم كنافخ الكير لن تسلم من شره قل أو كثر.

 

إن الأمة ترى فيك -أيها الطالب- رجل الغد وعالمها، وتنتظر منك دورا في بعثها من سباتها وذلها، فكن كما يراد منك.

 

أيها الإخوة: لما تخلفنا عن طريق العلم قادنا ذلك إلى الذل والتبعيةِ والحاجةِ لأمم الشرق والغرب في أكثر حاجاتنا من الإبرة إلى الطائرة.

 

اللهم إنا نسألك علما نافعا ..

المرفقات

استقبال العام الدراسي الجديد.doc

استقبال العام الدراسي الجديد.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات