استعاذات نبوية

محمد بن عبدالله السحيم

2022-08-26 - 1444/01/28 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/الضعف ضرورة بشرية تستوجب الاعتماد على الركن الشديد سبحانه 2/استعاذة النبي -عليه الصلاة والسلام- من الله من زوال النعم وحلول النقم 3/استعاذة النبي -عليه الصلاة والسلام- من جميع الأسباب التي تجلب سخطه وغضبه

اقتباس

مما استعاذ منه النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك" كذهاب المال بعد الغنى، والتحول إلى الفقر بعد الكفاف، والمرض بعد الصحة، والفضيحة بعد الستر، والضلال بعد الهدى، والتفرق بعد الاجتماع، والنفرة بعد الألفة، والسبب الغالب في...

الخطبة الأولى:

 

إن الحمدلله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ)[النساء: 1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ)[آل عمران: 102]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا)[الأحزاب: 70].

 

أيها المؤمنون: الضعف البشري وهن لازم لا يجبره إلا ركون إلى ركن إلهي شديد؛ يحوط العبد عما يؤذيه وينغص عليه.

 

والاستعاذة بالله حبل إلهي ممدود يصل العبد بمولاه، ويمده بقوته وحفظه، وخير تلك الاستعاذات ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يديم الدعاء به وهو العليم بربه الذي آتاه جوامع الكلم.

 

ومن الاستعاذات النبوية ما روى مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان من دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك"، دعاء جامع لصلاح حال العبد إذ هو متقلب بين نعمة يحوزها، ونقمة يحاذرها، في دينه ودنياه وآخرته.

 

ولا ظفر بالنعمة إلا بإسداء موليها، وإتمامه، وإذنه بدوامها وتناميها وهنائها، ولا سلامة من النقمة إلا بدفع مقدِّرها، ولطفه، وعفوه.

 

ومن هنا ضرع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ربه بذلك الدعاء الذي به تبدو به الاستكانة والافتقار والانكسار للملك الجبار واستمناحه نواله الممدود.

 

عباد الله: إن نعم الله -تعالى- تعم سوابغ الدين والدنيا، والخطر المخوف إحاطته بها إما زوال إلى عدم، أو زوال مع تحول إلى ضد، وذلك أخطر.

 

وكل ذلك مما استعاذ منه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك" كذهاب المال بعد الغنى، والتحول إلى الفقر بعد الكفاف، والمرض بعد الصحة، والفضيحة بعد الستر، والضلال بعد الهدى، والتفرق بعد الاجتماع، والنفرة بعد الألفة.

 

والسبب الغالب في ذلك الزوال والتحول خاصة في النعم الدينية التي لا مقارنة بينها وبين نعم الدنيا كافة إنما هو من العبد؛ كما قال تعال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[الرعد: 11]، فالاستعاذة بالله من زوال النعمة، وتحول العافية، تعوذ بالله من سببها، واستجداء لدوامها بشكرها، والثناء على الله بها، قال الحسن: "كان أهل قرية أوسع الله عليهم حتى كانوا يستنجون بالخبز، فبعث الله عليهم الجوع حتى إنهم كانوا يأكلون ما يقعدون به"، وقال أبو العالية: "إني لأرجو أن لا يهلك عبد بين نعمة يحمد الله عليها وذنب يستغفر الله منه".

 

ولحق بكر بن عبدالله حمّالاً عليه حمله، وهو يقول: "الحمد لله، أستغفر الله، قال: فانتظرته حتى وضع ما على ظهره، وقلت له: أما تحسن غير هذا؟ قال: بلى، أحسن خيرا كثيرا؛ أقرأ كتاب الله -عز وجل- (أي أحفظه)، غير أن العبد بين نعمة وذنب، فأحمد الله على نعمائه السابغة وأستغفره لذنوبي، فقال بكر: الحمّال فيها أفقه من بكر".

 

أيها المؤمنون: وأشد ما يعقب النعمة إذا ذهبت حلول النقمة، وأشدها ما وقع بغتة دون مقدمات أو تدرُّج؛ وذلك لصعوبة دفعه وتداركه؛ فتكون الحسرة حسرتين؛ حسرة فقد النعمة وحسرة حلول النقمة؛ ولذا خصه النبي -صلى الله عليه وسلم- وابتدأ به حين استدفع ربه نقمته، فقال: "وفجاءة نقمتك".

 

وأخطر من ذلك ما كان من النقم والعقاب خفياً لا يُحس بدبيبه إلا وقد أحاط بصاحبه واستحكم بساحه وهو عنه غافل لا يشعر، قال عبدالله بن المبارك: "إن البصراء لا يأمنون من أربع خصال: ذنب قد مضى لا يدري ما يصنع الرب فيه، وعمر قد بقي لا يدري ماذا فيه من الهلكات، وفضل قد أعطي لعله مكر واستدراج وضلالة وقد زينت له فيراها هدى، ومن زيغ القلب ساعةً أسرعَ من طرفة عين قد يسلب دينه وهو لا يشعر".

 

ومن تلك النقم: الختم على القلوب والأسماع، والغشاوة على الأبصار، والأقفال على القلوب، وجعل الأكنة عليها والرين عليها والطبع وتقليب الأفئدة والأبصار، والحيلولة بين المرء وقلبه، وإغفال القلب عن ذكر الرب، وإنساء الإنسان نفسه، وترك إرادة الله تطهير القلب، وجعل الصدر ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء، وصرف القلوب عن الحق، وزيادتها مرضا على مرضها، وأركاسها وأنكاسها بحيث تبقى منكوسة.

 

فسبحان الله! كم من قلب منكوس وصاحبه لا يشعر؟ وقلب ممسوخ وقلب مخسوف به؟ وكم من مفتون بثناء الناس عليه ومغرور بستر الله عليه؟ ومستدرج بنعم الله عليه؟ وكل هذه عقوبات وإهانات ويظن الجاهل أنها كرامة، كما قال ابن القيم -رحمه الله -.

 

أيها المسلمون: وكما استعاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- من فجأة النقمة استعاذ بالله من جميع الأسباب التي تجلب سخطه وغضبه: "وجميع سخطك"؛ لأنه سبحانه إذا سخط على العبد فقد هلك وخاب وخسر، ولو كان السخط في أدنى شيء وبأيسر سبب.

فما من شيء يكمن وراءه غضب الله إلا وهو مشمول بهذه الاستعاذة الجامعة؛ فيدخل في ذلك طلب العافية من كل ذنب؛ وقايةً قبل مقارفته، وتوبةً بعد تلك المقارفة، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، قال يحيى بن الحسين القاهري: "قدمت مصر فجئت إلى حلقة ذي النون فرآني وفيَّ استظهار على الحاضرين، فقال لي: لا تفعل؛ فإن الله -تعالى- أخفى ثلاثا في ثلاث: أخفى غضبه في معصيته، وأخفى رضاءه في طاعته، وأخفى ولايته في عباده؛ فلا تحقرن شيئا من معاصيه؛ فلعله أن يكون فيه غضبه، ولا تحقرن شيئا من طاعته؛ فلعله يكون فيه رضاؤه، ولا تحقرن أحدا من خلق الله؛ فلعله أن يكون وليا من أوليائه".

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله...

وبعد: فاعلموا أن أحسن الحديث كتاب الله...

 

أيها المؤمنون: هكذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأل ربه دوام النعم، واستدفاع النقم.

 

ألا ما أحرانا باللهج بهذا الدعاء العظيم، ونحن ننغمس في نعم من الله سابغة؛ حتى بتنا مع ألفة دوامها، وكثرة إمساسها لا نشعر بها إلا من رحم الله، وهذه القوارع والنذر تطيف بنا عل رحمة من الله ينزلها، يُصلِح بها حالنا، ويُلم بها شعثنا، ويوزعنا بها شكر نعمته.

المرفقات

استعاذات نبوية.pdf

استعاذات نبوية.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات