عناصر الخطبة
1/فضل رمضان وخصائصه 2/فوائد استشعار الأجر في رمضان 3/الغاية من مشروعية الصيام 4/ثلاث غنائم في رمضان 5/لصوص رمضاناقتباس
إن استشعار الأجر الذي يرجو أن يناله الإنسان من صيام هذا الشهر مهم جدا؛ لثلاثة أسباب: أولا: لاستكمال الأجر ذاته. وثانيا: لإدخال الفرح إلى القلب. وثالثا: لإعلاء الهمة. أما استكمال الأجر: فلئن استكمال النية في الأعمال الصالحة يرفع من أجرها، ألم ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183].
شهر الله الكريم، شهر ورد ذكره في القرآن، وخصه الله -جل وعلا- بعبادة عظيمة القدر، عظيمة الأجر، إلى أقصى ما يتصوره مسلم، حتى قال صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" [رواه أحمد].
فيه ليلة عظيمة شريفة، نزل فيه أشرف الملائكة على أشرف الخلق بأشرف كتاب، قال الله -سبحانه-: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ* سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)[القدر: 1-5].
جاء شهر رمضان شهر القرآن، شهر الصيام: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ... )[البقرة: 185].
هل استشعرنا الأجر -أيها الإخوة-؟
فإن استشعار الأجر الذي يرجو أن يناله الإنسان من صيام هذا الشهر مهم جدا؛ لثلاثة أسباب:
أولا: لاستكمال الأجر ذاته.
وثانيا: لإدخال الفرح إلى القلب.
وثالثا: لإعلاء الهمة.
أما استكمال الأجر: فلئن استكمال النية في الأعمال الصالحة يرفع من أجرها، ألم يقل سبحانه في حق الأنبياء مثنيا عليهم: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا)[الأنبياء: 90].
(رَغَبًا وَرَهَبًا) أي أنهم قد استحضروا الرغبة في رضوان الله -جل وعلا-، والأجر والرهبة من الله -تعالى-، ومن إحباط العمل، استحضروا تلك المشاعر في قلوبهم أثناء إعمال جوارحهم، ومنها: الدعاء، فأثنى الله عليهم بذلك.
وقد خص الرسول -صلى الله عليه وسلم- غفران الذنب في رمضان لمن استحضر النية، لمن صامه إيمانا واحتسابا، ولمن قام رمضان إيمانا واحتسابا، ولمن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا.
إذاً، فحضور النية مهم لاستكمال الأجر، وكلما قويت التواصل بين أعمال القلب وأعمال الجوارح كلما ازداد الأجر أضعافا مضاعفة -نسأل الله من واسع فضله-.
وأما فرح القلب، ففي الحديث القدسي قال سبحانه: "كل عمل ابن أدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يسخط فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك.. للصائم فرحتان: فرحة يفرحهما إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه"[متفق عليه].
للصائم فرحتان، هذا الفرح مرجعه إلى حضور القلب، مرجعه إلى استشعار الأجر؛ لأن الصائم بطبيعة الحال مخلص صيامه لله، أليس يكف عن الطعام والشراب والشهوة وفعل الحرام حتى في خلوته؟!
ولا شك أن ذلك الاستشعار يبعث الفرح والانشراح والسعادة في القلب.
-جعلنا الله وإياكم من السعداء-.
أما إعلاء الهمة، فإن العبادة إذا استشعرها الإنسان أحدثت لذة في القلب، وإذا استلذ الإنسان العبادة أصبح في شوق دائم إليها، أي عالي الهمة لا تكاد تفتر عزيمته، كالذي شغفته العبادة، فصار قلبه معلق بالمساجد، ولقد كان السلف لشدة تعلقهم برمضان، ولعلو همتهم، يدعون الله ستة أشهر من السنة أن يبلغهم إياه، وستة أشهر أن يتقبله منهم.
في هذا الشهر -أيها الإخوة- ينبغي أن نتذكر الغاية من تشريع الصيام، لاسيما في شهره المجيد، وهي التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183].
ولذلك نرى الله -تعالى- يعمل على مساعدة العباد، على إعانتهم على تحقيق هذه الغاية، على تحقيق التقوى، فيمن علينا بأسر ألد أعدائنا الشيطان، فيصبح العبد مقبلا على طاعة الله، من غير صاد يمنعه عن الخير، سوى نفسه الأمارة بالسوء، فإن زكى هذه النفس فقد أفلح وأنجح، وإن أتبعها شهواتها جرته إلى المهالك فخاب وخسر.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين" [رواه البخاري ومسلم].
ومع تسخير الرب -عز وجل- لنا سبل الطاعة بتصفيده للشياطين، نرى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يرغبنا في الاكثار من الباقيات الصالحات، بقوله وفعله.
فكما ورد في صحيح البخاري فيما يرويه عنه حبر هذه الأمة، وابن عمه، ابن عباس -رضي الله عنه- فيقول: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود من الرياح المرسلة".
نعم أجود من الرياح المرسلة بالخير، ولما لا، فإن الله يبعث في أول ليلة من هذا الشهر المبارك يبعث مناديا ينادي، ويرشد إلى ما يحبه الله ويرضاه؛ كما جاء في الترمذي عن أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صدفت الشيطان، ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها بابا، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها بابا، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة".
تذكروا -أيها الإخوة- أن أحد أبواب الجنة الثمانية قد خصها الله للصائمين فقط، لا يدخل غيرهم، فعن سهل قال صلى الله عليه وسلم: "في الجنة ثمانية أبواب، فيها باب يسمى: الريان، لا يدخله إلا الصائمون".
جعلنا الله وإياكم من أهله.
أيها الإخوة المسلمون: هناك ثلاث غنائم قد خصها الله -تعالى- لطائفة من الناس في هذا الشهر الكريم.
هذه الطائفة بينها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث ثلاثة متفق على صحتها؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
وعنه أيضا: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
وقال أيضا: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
إذاً صيام وقيام، وقيام ليلة القدر، هذه الطائفة: من صام، أو قام رمضان، أو قام ليلة القدر إيمانا بالله، مخلصا له العمل والنية، واحتسابا للأجر عند الله، هذه الطائفة هي التي تغنم بغفران ما سبق لها من المعاصي والذنوب في الماضي، فيخرج المؤمن المتحسب من رمضان؛ كحال المولود الجديد في هذه الدنيا.
فأسأل الله -تعالى- لي ولكم القبول.
وأقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن رمضان كنز من أعظم كنوز المؤمن، فالحذر الحذر من أن يسرق هذا الكنز، الحذر من لصوص رمضان، فإن لهم بريقا ولمعانا، أتدرون من هم لصوص رمضان؟
إنهم أولئك الذين يجتهدون، وخصوصا في رمضان، لدفع الناس إلى رؤية المنكر، وسماع المنكر، بل وممارسته والإعانة عليه.
إن كثيرا من وسائل الإعلام لتعمل على إفساد روحانية الشهر، قصدا أو دون قصد، إن كان قصدا فعليهم من الله ما يستحقون، وإن كان من دون قصد، فلا شك أن لديهم مفهوما خطأ لشهر الصوم والعبادة.
ومفهومه مختصره: أن للصائم الحق في شيء من الترفيه، من عناء الصيام، وحبس النفس عن لذيذ الطعام إلى الليل.
فأقول: نعم، إن في ديننا -ولله الحمد- فسحة، فالترفيه مباح بلا شك، لكن بشرطين: الأول: أن يكون الترفيه حلالا، والثاني: أن لا يطغى على الجد، فحياة المسلم لا تقوم على اللهو واللعب، بل تقوم على الجد، واللهو طارئ عابر فيها.
أما أن نفعل المعصية ونستمتع بمشاهدة المنكرات: من كشف للعورات، وتبرج وسفور، وموسيقى وغناء، وهز ورقص، بحجة الترفيه، فهذا ما لا يرضاه الله، ولا يرضاه رسوله.
لاسيما في شهر العبادة، شهر الله الكريم، فالقصد من الصيام في الأصل تحقيق التقوى، لا فقدان التقوى: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183].
نحن نريد أن ترق قلوبنا وتلين في هذا الشهر الفضيل، وهؤلاء يعرضون ما يقسيها، ويملؤها نقطا سوداء.
إنهم يفسدون روحانية الشهر، إنهم لصوص رمضان، فاحذروا منهم، ولا تستهينوا بكيدهم.
ثم لا ننسى -إخواننا الكرام- في هذا الصدد أمرا مهما، لا ننسى حرمة الشهر الكريم: إن لرمضان حرمته، هل نسينا هذا الأمر العظيم؟ أليس على من ينتهك حرمته بجماع في النهار كفارة مغلظة، حتى لو كان مع زوجته، مغلظة: صيام شهرين متتابعين، أو عتق رقبة، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، فلماذا؟
لأن لرمضان حرمته، فلئن كان أصحاب تلك الفضائيات، وأولئك الممثلون والممثلات، والمطربون والمطربات، قد نسوا حرمة الشهر فذلك شأنهم، أما نحن فلا، لا نتبعهم في ذلك.
اعملوا لله ما يرضاه لكم، أروه أنكم لم ولن تستسلموا لإغراءات لصوص رمضان، فالله أحب إليكم، أحب إلينا وإليكم مما يدعوننا، ويدعوكم إليه.
أسأل الله -تعالى- أن يعيننا وإياكم على طاعته.
اللهم بارك لنا في شهر رمضان، وتقبل منا فيه الصيام والقيام.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم