استروا واستتروا

عبد الله الواكد

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ التحذير من نشر الفاحشة وإشاعتها 2/ فضل الستر على المؤمنين 3/ حرمة دم المسلم وعرضه وماله 4/ التحذير من المجاهرة بالمعاصي

اقتباس

إنَّ إشاعةَ الفاحشةِ, ونشرَ الرذيلةِ, أسلوبٌ يستخدمُهُ أعداءُ اللهِ للذَّهابِ بالبقيةِ الباقيةِ من حياءِ الأمةِ، يستخدمُهُ الجهلةُ من الناسِ, والأشرارُ من الخلقِ, لطمسِ أنوارِ الفضيلةِ, وهتكِ أستارِ العفةِ, ودكِّ حصونِ الشرفِ والكرامةِ.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي أعاد وأبدى، وأجزل علينا النعم وأسدى، لا هادي لمن أضل، ولا مضل لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أكرم به نبيا، وأنعم به عبدا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، كانوا أمثل طريقة وأقوم وأهدى، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: فإنَّ إشاعةَ الفاحشةِ في المسلمينَ, وحبَّ ذلكَ, والميلَ إليهِ, لهوَ من سوءِ الجبلَّةِ, وقبيحِ السجيَّةِ, وعتَهِ الطويَّةِ, بلْ إنَّهُ علامةٌ من علاماتِ سوءِ المنقلبِ, وشرِّ الخاتمةِ -والعياذُ باللهِ-, قالَ تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النور: 19] فمنِ الذي يحبُّ أنْ يرى الفاحشةَ تستعرُ في المسلمينَ, وتأتي على الغضِّ والهشيمِ؟ من الذي يحبُّ أن يرى نساءَ المسلمينَ, سافراتٍ مائلاتٍ مميلاتٍ، يتجشمنَ الرذيلةَ ويبتغينَ البغاءَ؟ من الذي يحبُّ أن يرى ذلكَ؟

 

كلُّنا يكرهُ ذلكَ, ونسألُ اللهَ أن يسترَ المسلمينَ والمسلماتِ، فكيفَ بمن يدعو إلى سلخِ المرأةِ من حجابِها ومن جلبابِها ومن عفافِها وحيائِها؟ وكيفَ بمن يحبِّذُ سعيَها إلى السفورِ والفجورِ؟

 

إنَّ إشاعةَ الفاحشةِ, ونشرَ الرذيلةِ, أسلوبٌ يستخدمُهُ أعداءُ اللهِ للذَّهابِ بالبقيةِ الباقيةِ من حياءِ الأمةِ، يستخدمُهُ الجهلةُ من الناسِ, والأشرارُ من الخلقِ, لطمسِ أنوارِ الفضيلةِ, وهتكِ أستارِ العفةِ, ودكِّ حصونِ الشرفِ والكرامةِ.

 

أيها المسلمون: إن من صفاتِ المؤمنينَ الصادقينَ الذينَ يحبُّهُمُ اللهُ ويحبونَهُ, ويسعونَ لمرضاتِ خالقِهِم: أنهُم لا يسعونَ في الأرضِ فساداً, فلا ينشرونَ الرذيلةَ، ولا يُشيعونَ الأخلاقَ السيئةَ، ولا المسالكَ القذرةَ، إنما يستُرُونَ على الناسِ, فهم يرقِّعُونَ ما انفتقَ في رداءِ هذا المجتمعِ, يعلمونَ أنَّ في هذا المجتمعِ عصاةٌ, ومنحرفونَ، وأشقياءُ ومنجرفونَ، غرتهُمُ الأمانيُّ وغرتهُم الشهواتُ وغرَّهُم باللهِ الغَرورُ، أمرتهُم أنفُسُهُم الأمارةُ بالسوءِ، فسلكوا مسالكَ الشياطينِ، فهم يستُرُونَ عليهم، ويأمَلُونَ منهم العودةَ إلى الطريقِ المستقيمِ، وينتظرونَ منهم التوبةَ النصوحَ، فهم ضَمَدَةُ جراحٍ، وأطباءُ قلوبٍ ومشاعرَ، ويعلَمُونَ أنَّ الستر من خُلقِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، روى أبو داودَ في سننهِ أنَّ النبيَّ -عليه الصلاةُ والسلامُ- قالَ: "إنَّ اللهَ حيِيٌّ ستِّيرٌ يُحِبُّ الحياءَ فإذا اغتسلَ أحدُكُم فليستَتِرْ".

 

ويعلمونَ أنَّ شرَّ الخلقِ عندَ اللهِ منزلةً منْ ستَرَهُ اللهُ ثمَّ هتكَ سترَ اللهِ عليهِ، روى مسلمٌ في صحيحِهِ أنَّ النبيَّ -عليه الصلاةُ والسلامُ- قالَ: "إنَّ شرَّ الناسِ منزلةً عندَ اللهِ يومَ القيامةِ الرجلُ يُفضي إلى امرأتِهِ وتُفضي إليهِ ثُم ينشُرُ سِرَّها".

 

فالسترُ على الناسِ أمرٌ مطلوبٌ، بلْ هو منَ الخِلالِ الحميدةِ، والخصالِ السديدةِ التي حثَّ عليها الإسلامُ، وليسَ كلُّ ما رأى المسلمُ في المسلمينَ من عيوبٍ ومثالبَ، وخطاياَ وزلاتٍ، لهُ الحقُّ في نشرِها وبثِّها وإشاعتِها، وليسَ كلُّ ما جاءَكَ في وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ، وما وجدتُهُ في الإنترنت لكَ الحقُّ في بَثِّهِ ونشرِه بينَ الناسِ، فإنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- وهوَ ربُّ العبادِ الذي لا يُسألُ عما يفعلُ وهم يُسألونَ، يَسترُ على عبادِهِ في الدنيا وهم يعصونَهُ، حتى في الآخرةِ حينَما يُقرِّرُ عبادَهُ بذنوبِهِم يدنيهِم ويضعُ عليهم كنفَهُ إمعاناً في سترِهِم، ففي صحيحِ مسلمٍ قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "يُدني اللهُ -تعالى- المؤمنَ يومَ القيامةِ حتىَّ يضعَ عليهِ كنَفَهُ -أي سترَهُ- فيقرِّرُهُ بذنوبِهِ، فيقولُ: أتعرفُ ذنبَ كذا في يومِ كذا؟ فيقولُ: أعرفُ، فيقولُ اللهُ -عز وجل-: أنا سترتُها عليكَ في الدنيا وأنا أغفرُهَا لكَ اليومَ، فيُعطى صحيفةُ حسناتِهِ، وأمَّا الكافرُ والمنافقُ فيُنادَي عليهِم على رؤوسِ الأَشهادِ: هؤلاءِ الذينَ كذبوا على ربِّهِم ألا لعنةُ اللهِ على الظالمين".

 

أيُّها المسلمونَ: نسألُ اللهَ -عز وجل- أنْ يستُرَ عوراتِنا ويُؤَمِّنَ روعاتِنا، وأنْ يحفظَنا وإياكُم والمسلمينَ والمسلماتِ من كلِّ شرٍّ وبلاءٍ وفتنةٍ.

 

وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ فاستغفروا ربَّكُم وتوبوا إليه إنهُ هو الغفورُ الرحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أيها المسلمون: إنَّ حرمةَ المسلمِ عظيمةٌ، روى مسلمٌ في صحيحِهِ أنَّ النبيَّ -عليه الصلاةُ والسلامُ- قالَ: "كلُّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ، دمُهُ ومالُهُ وعِرضُهُ".

 

وروى الترمذيُّ في سُنَنِهِ أنَّ النبيَّ -عليه الصلاةُ والسلامُ- قالَ: "منْ ردَّ عنْ عرضِ أخيهِ ردَّ اللهُ عن وجهِهِ يومَ القيامة".

 

ومِنَ الناسِ -هداهُمُ اللهُ- مَنْ يَجْعلْ النصيحةَ الفاضحةَ ذريعةً لهتْكِ الأسرارِ، وكشفِ الأستارِ، يقولُ السلفُ: "منْ نصحَ أخاهُ بينَهُ وبينه فقدْ زانَهُ، ومنْ نصحَ أخاهُ في ملأٍ فقدْ شانَهُ".

 

واعلموا -أيُّها المسلمونَ-: أنَّ اللهَ -عز وجل- حيِيٌّ ستِّيرٌ، ولا يفضحُ العبدَ حتى يكونَ العبدُ إما حريصاً على هتكِ سترِ نفسِهِ، أو ساعياً على فضحِ إخوانِهِ المسلمينَ، فإنْ سَلِمَ مِنْ هاتينِ البليتينِ سترَهُ اللهُ وأعانَهُ على صلاحِ نفسِهِ.

 

وروى أبو داودَ في سُنَنِهِ أنَّ النبيَّ -عليه الصلاةُ والسلامُ- قالَ: "يا معشرَ مَنْ آمنَ بلسانِهِ ولمْ يُؤمنْ قلبُهُ لا تتبعُوا عوراتِ المسلمينَ، فإنَّ منْ تتبعَ عورةَ أخيهِ تتبعَ اللهُ عورتَهُ، ومَنْ تتبعَ اللهُ عورتَهُ يفضحهُ ولو في بيتِهِ" فلا يفضحُ اللهُ العبدَ ولا يهتِكُ سترَهُ حتى يسعى العبدُ في هتكِ سترِ أخيهِ.

 

والمرأةُ -أيُّها المسلمونَ- لا تزالُ في حفظِ اللهِ وسترِهِ حتى تتبرجَ، فإذا تبرجتْ وخلعَتْ السترَ الذي أمرَ اللهُ بهِ خلعَ اللهُ عنها سترَهُ وحِفْظَهُ ورعايتَهُ، قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "أيما امرأةٍ وضعتْ ثيابَها في غيرِ بيتِهاَ إلا هتكَ اللهُ عنهاَ سترَهُ".

 

وأما المجاهرونَ فإنَّ كلَّ الأمةِ معافى إلا المجاهرونَ، قال عليه الصلاةُ والسلامُ كما في الصحيحين: "كلُّ أمتي معافى إلا المجاهرون، ومِنَ المجاهرةِ أنْ يعملَ الرجلُ العملَ بالليلِ ويصبحُ وقد سترَهُ اللهُ، فيقولُ: يا فلان عملتُ البارحةَ كذاَ وكذاَ، باتَ يسترُهُ اللهُ ويصبحُ يكشفُ سترَ اللهِ عليه".

 

نسألُ اللهَ -أيُّها المسلمونَ- أنْ يسترَنَا وإياكُم وسائرَ المسلمينَ والمسلماتِ.

 

اللهم استرنا فوقَ الأرضِ، واسترنا تحتَ الأرضِ، واسترنا يومَ العرضِ.

 

صلوا وسلموا على محمد...

 

 

المرفقات

واستتروا

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات