استراتيجية مكافحة الخرافات والأساطير (الجزء الأول)

محمود الفقي - عضو الفريق العلمي

2024-04-22 - 1445/10/13
التصنيفات: مقالات

اقتباس

هناك معضلة لابد من تخطيها عند محاربة الخرافة، وهي أن بعض الخرافات تُستمَد وتُستقى من بعض كتب التراث الإسلامي، خاصة كتب التفاسير وما فيها من إسرائيليات! فلابد ثم لابد من بيان ضعفها وعوارها وتهافتها...

كم في مجتمعاتنا من أساطير وأباطيل وخرافات وأوهام ومغالطات شب عليها الصغير وشاب عليها الكبير! وما عليها من برهان ولا دليل! وخطورة تلك الخرافات أنها تُشكِّل حجابًا على العقول أن تُفكر فيما يخالفها، ورانًا على القلوب أن تعتقد ما يناقضها! لأن المعتقِد لتلك الخرافات يعتبرها مسلَّمات وقطعيات وبديهيات لا تحتمل شكًا ولا تحتاج تفكيرًا؛ فبدلًا من أن يمحصها وينتقدها إذا به يسير ويحيا تحت ظلها!

 

وما أكثر تلك الخرافات! فإنك تجدها -للأسف- في جميع المجالات بلا استثناء؛ فخرافات ومغالطات في المجال الاجتماعي والسياسي والاقتصادي... وأخطرها على الإطلاق ما كان في مجال العقيدة والشريعة والدين، وتعالوا بنا نستعرض نماذج لتلك الخرافات؛ لندرك عن ماذا نتكلم وماذا نقصد بـ"الخرافات"!.. ثم بعد ذلك نعدد بنود الاستراتيجية المناسبة للتعامل معها ومكافحتها:

 

ففي العقيدة انتشرت خرافات كثيرة، تتنوع من مجتمع لمجتمع، نسميها "شركيات"، فمنها: وضع التمائم و"الحظاظات"؛ بدعوى أنها تجلب الحظ السعيد!... ومنها: التشاؤم بشخص أو بشيء؛ بزعم أنه يجلب الحظ السيء!... ومنها: اعتقاد أن وضع الملح -أو غيره- في المنزل يمنع الحسد!... وأن "الولي" الفلاني "بوابة" إلى الله!...

 

وفي المجال الاجتماعي: خرافة أن مشورة النساء حسرة على المستشير!... وأن كسر ضلع للفتاة سبيل إلى صلاحها!... وأن ارتداء الرجل ليلة عرسه ملابسه "بالمقلوب" يحفظه من "الربط" الذي يحول بين المرء وزوجه!... وأن الحائض إن دخلت على العروس لا تحبل!... وأن الرجل الحليق إذا دخل على النفساء منع لبنها أن ينزل لوليدها!... وأن الميتة إذا غُسِّلت فلفوا شعرها حول رأسها منع ذلك زوجها من الزواج بعدها!...

 

وفي المجال الاقتصادي: خرافة أن دخول المتجر بالقدم اليسرى يمنع عن صاحبه الرزق!... وأن تبخير المتجر بالبخور يجلب الرزق!... وأن وجود حذاء مقلوب في بيت يجلب الفقر!... إلى آخر ذلك من الخرافات والترهات التي أغلبها يمس أيضًا عقيدة المسلم. 

 

وما هذه إلا مجرد أمثلة، وقد نذكر غيرها في سياق "خطة المكافحة"، مع العلم أن لكل مجتمع خرافاته!

 

***

 

واستراتيجيتك -أخي الخطيب- في مكافحة الخرافات عمومًا لها أدوات كثيرة، نُجْمِلُها في الخطوات التالية:

الخطوة الأول: تسليحهم بالعقيدة والعلم الصحيح:

فالعقيدة النقية الصافية -كما تعلم أيها الخطيب- هي حائط الصد ضد جميع الأوهام والخرافات، خاصة "العقيدة في الله -تعالى-"، وينبغي أن نركِّز فيها على أن الله -عز وجل- هو المتصرف الأوحد في الكون؛ يخفض ويرفع، يعز ويذل، يعطي ويمنع، يضر وينفع، يصل ويقطع... وليس لأحد سواه في ذلك من شيء: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ)[يونس: 107].

 

ونعلِّمهم أسماء الله -تعالى- وصفاته وآلائه... ومعانيها ومقتضياتها، فهو -سبحانه- الرزاق؛ الذي لا يرزق الخلق سواه، والذي لا ينسى أحدًا من رزقه، والذي لا يستطيع أحد ولا شيء منع رزقه لعباده، والذي يبسط الرزق ويقبضه بحكمته وعلمه... وهو -سبحانه- الشافي؛ الذي لا يستطيع شفاء المرضى إلا هو، والذي لا يعجزه أن ينير عين الأعمى، ويعافي من يئس البشر من شفائه...   

 

هذا عمومًا... ثم بعد ذلك نزودهم من العلم الشرعي بالجزئية المناسبة لكل خرافة منتشرة بينهم، فمثلًا: خرافة أن بعض الجمادات قد تجلب النفع أو تدفع الضر، فإنها تستلزم أن نزودهم بحديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أنه جاء في ركب عشرة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فبايع تسعة وأمسك عن بيعة رجل منهم، فقالوا: ما شأن هذا الرجل لا تبايعه؟ فقال: "إن في عضده تميمة"، فقطع الرجل التميمة، فبايعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: "من علق فقد أشرك"([1])، وبأمثاله من الأحاديث.

 

وعن خرافة الاعتقاد في الأنواء، وأنه بها ينزل المطر، كفاهم حديث زيد بن خالد الجهني حين قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بالحديبية في إثر السماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟"، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب"([2])...

 

وكذلك في خرافة: "أن السحرة والكهان يعلمون الغيب"، فإنها تستلزم أن نُعلِّم جمهورنا حديث صحيح مسلم وفيه يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أتى عرافًا فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة"([3])... وحديث أبي هريرة، والحسن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أتى كاهنًا، أو عرافًا، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد"([4]).

 

ولا تبرأ ذمتك -أخي الخطيب- أمام الله تجاه كل خرافة منتشرة حتى تُعلِّم جمهورك المتأثر بها ما يفندها ويضادها من الكتاب والسنة وأقوال العلماء وفتاويهم.

 

الخطوة الثانية: الكر على مصدر الخرافة بالإبطال:

هناك معضلة لابد من تخطيها عند محاربة الخرافة، وهي أن بعض الخرافات تُستمَد وتُستقى من بعض كتب التراث الإسلامي، خاصة كتب التفاسير وما فيها من إسرائيليات! فلابد ثم لابد من بيان ضعفها وعوارها وتهافتها وعدم ثبوتها رغم ورودها في بعض الكتب؛ لئلا تلتصق بالدين، ويتذرع المستمسكون بها بأنها في كتب التفسير أو كتب الحديث أو غيرها.

 

وهاك بعض نماذج للخرافات من كتب التفاسير، وأولها قصة "الغرانيق" التي جاءت في كثير من كتب التفسير، وفيها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عن الأصنام: "تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى"... وهي قصة باطلة مكذوبة، قال عنها ابن كثير: "قد ذكر كثير من المفسرين هاهنا قصة الغرانيق... ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح"([5])، وقال القرطبي: "وضعف الحديث مغن عن كل تأويل، والحمد لله"([6])، وللألباني رسالة بعنوان: "نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق".

 

ومنها خرافة: "أن الأرض محمولة على قرني ثور، أو على ظهر حوت"! وقد جاءت في كتب الحديث والتفسير مرفوعة وموقوفة، ومن ذلك حديث منسوب إلى ابن عمر أنه قال: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقيل: أرأيت الأرض على ما هي؟ فقال: "الأرض على الماء"، فقيل: الماء على ما هو؟ فقال: "على صخرة خضراء"، فقيل: الصخرة على ما هي؟ قال: "على ظهر حوت يلتقي طرفاه بالعرش"، قيل: فالحوت على ما هو؟ فقال: "على كاهل ملك قدماه في الهواء"! وهو أيضًا حديث موضوع مكذوب([7])... وأمثال هذا في كتب التراث -للأسف- غير قليل([8]).

 

وأظنك تدرك -أخي الخطيب- تمام الإدراك أن دواء تلك الخرافات "ذات المرجعية": أن نُعلِّم جماهيرنا أنه لا قداسة لكتاب في الإسلام سوى كتاب الله -تعالى-، ثم ما صح من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنه لا معصوم في أمتنا إلا رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، ومن عداه فيؤخذ منه ويُرد.

 

وأن عمدتنا هو الإسناد؛ فما جاء بسند صحيح دون نكارة في متنه صدَّقناه، وإلا كذَّبناه وطرحناه ونزَّهنا عنه ديننا وعقول إخواننا من المسلمين.

 

الخطوة الثالثة: عرض الحقائق لتتكشف تفاهة الأساطير:

وهذا أسلوب استخدمه القرآن الكريم في مواجهة الأباطيل، فقال الله -تعالى-: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ)[الأنبياء: 18]، وقال -عز من قائل-: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)[الإسراء: 81].

 

وهو -أيضًا- أسلوب نبوي في مدافعة الأوهام والأساطير؛ فقد استخدمه -صلى الله عليه وسلم- مرارًا في إبطال الخرافات؛ كخرافة "أن الشمس تنكسف لموت العظماء"؛ فعن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته..."([9]).

 

ومن الأوهام التي صححها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإظهار الحقائق فيها ليندثر الباطل: أن النذر يُقرب البعيد أو يشفي المريض أو يقضي الحوائج! فقد قال -صلى الله عليه وسلم- مبطلًا هذا الوهم: "النذر لا يقدم شيئًا، ولا يؤخره، وإنما يستخرج به من البخيل"([10]).

 

وهكذا فاصنع -أيها الخطيب اللبيب-؛ قعِّد القواعد وأصِّل الأصول واذكر الحقائق لينكشف بها زيف الأباطيل والأساطير والأوهام، فإنه لا استقرار لها ولا ثبوت ولا مقام.

 

([1]) رواه الحاكم (7513)، وأحمد (17422)، وصححه الألباني (الصحيحة: 492).
([2]) رواه البخاري (846)، ومسلم (125).
([3]) رواه مسلم (2230).
([4]) رواه أحمد واللفظ له (9536)، والترمذي (135)، وصححه الألباني (صحيح الجامع الصغير: 5939).
([5]) تفسير ابن كثير (5/441)، ط: دار طيبة للنشر والتوزيع 1420هـ.
([6]) تفسير القرطبي (12/84)، ط: دار الكتب المصرية - القاهرة، 1384هـ.
([7]) رواه البزار في مسنده (5382)، وقال الألباني: موضوع (الضعيفة: 294).
([8]) ينظر للاستزادة: كتاب "موسوعة التفسير قبل عهد التدوين" لمحمد عمر الحاجى.
([9]) رواه البخاري (1060)، ومسلم (915).
([10]) رواه البخاري (6608)، ومسلم (1639).

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات