عناصر الخطبة
1/حقوق الوالدين 2/وجوب بر الوالدين 3/عظم حق الأم ووجوب الإحسان إليها 4/نماذج من بر السلف بأمهاتهم.اقتباس
الأم، وما أدراك ما الأم؟! حملتك وهنًا على وهن، وعند الوضع بك رأت الموت بعينيها، وعند وضعها بك تنسى الآلام، وتحنو عليك مرضعةً لك، فَرِحةً بمقدمك، ترعاك طوال فترة ومراحل عمرك، وحتى في الكبر تحنو عليك وتسأل. فماذا عساك أن تقابل ذلك الجميل...
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله الذي أمرنا بشكر الوالدين والإحسان إليهما، وحثنا عل اغتنام برهما واصطناع المعرف لديهما، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: عباد الله: قال -تعالى-: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء: 23- 24].
بهذه العبارات الندية، والصور الموحية، يستجيش القرآن الكريم وجدان البر والرحمة في قلوب الأبناء، والكِبَر له جلاله، وضَعْف الكِبَر له إيحاؤه وكلمة (عِنْدَكَ) تُصوّر معنى الالتجاء والاحتماء في حالة الكِبَر والضَّعْف؛ (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما)؛ وهي أول مرتبة من مراتب الرعاية والأدب؛ ألا يندّ من الولد ما يدل على الضجر والضيق، وما يَشِي بالإهانة وسوء الأدب.
(وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيمًا)؛ وهي مرتبة أعلى إيجابية أن يكون كلامه لهما يَشِي بالإكرام والاحترام. (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)، وهنا يشفّ التعبير ويلطف، ويبلغ شغاف القلب وحنايا الوجدان. فهي الرحمة ترق وتلطف حتى لكأنها الذل الذي لا يرفع عينًا، ولا يرفض أمرًا، وكأنما للذل جناح يخفضه إيذانًا بالسلام.
(وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيرًا)؛ فهي الذكرى الحانية؛ ذكرى الطفولة الضعيفة يرعاها الولدان، وهما اليوم في مثلها من الضعف والحاجة إلى الرعاية والحنان. وهو التوجه إلى الله أن يرحمهما؛ فرحمة الله أوسع، ورعاية الله أشمل، وجناب الله أرحب. وهو أقدر على جزائهما بما بذلا من دمهما وقلبهما مما لا يقدر على جزائه الأبناء.
(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[النساء: 36]، قال ابن عباس: يريد البِرّ بهما مع اللطف ولين الجانب، ولا يُغلظ لهما الجواب، ولا يُحدّ إليهما النظر، ولا يرفع صوته عليهما، كما قال الله: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)[الإسراء: 24]؛ يكون بين أيديهما ذليلًا مثل العبد بين يدي السيد الفظّ الغليظ، تذلّلًا لهما مع المحبة.
أيها الأبناء: إن البر بالوالدين يدعو إلى أن لا تمتنع عن شيءٍ أحبَّاه، أن تكون باراً بهما، ليّن الجانب معهما، تسعى لإرضائهما عطفًا وحنانًا ومحبةً وإكرامًا.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "رَغِمَ أَنْفُهُ، رَغِمَ أَنْفُهُ، رَغِمَ أَنْفُهُ" قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ".
الأم، وما أدراك ما الأم؟! حملتك وهنًا على وهن، وعند الوضع بك رأت الموت بعينيها، وعند وضعها بك تنسى الآلام، وتحنو عليك مرضعةً لك، فَرِحةً بمقدمك، ترعاك طوال فترة ومراحل عمرك، وحتى في الكبر تحنو عليك وتسأل.
فماذا عساك أن تقابل ذلك الجميل الذي مهما فعلت لن ترده أبدًا.
وقد أكَّد لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على برّهما، وأنه مِن أحب الأعمال إلى الله؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: "أُمُّكَ"، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أُمُّكَ" قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أُمُّكَ"، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَبُوكَ".
عن أبي مُرَّةَ؛ مَوْلَى أُمِّ هَانِئِ ابْنَةِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ "أَنَّهُ رَكِبَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَى أَرْضِهِ بـ"العقيق"، فَإِذَا دَخَلَ أَرْضَهُ صَاحَ بِأَعْلَى صوته: السَّلَامُ عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ يَا أُمَّتَاهُ! تَقُولُ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. يَقُولُ: رَحِمَكِ اللَّهُ كَمَا رَبَّيْتِنِي صَغِيرًا. فَتَقُولُ: يَا بُنَيَّ! وَأَنْتَ؛ فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا وَرَضِيَ عَنْكَ، كَمَا بَرَرْتَنِي كَبِيرًا".
الأم برُّها من القربات التي يتقرب به العبد إلى الله؛ يقول ابن عباس: "إِنِّي لَا أَعْلَمُ عَمَلًا أَقْرَبَ إِلَى الله -عز وجل- مِن بِرّ الوالدة".
وعن علي بْن مَيّاس قال: قال لي عبد الله بن عمر: أتفرق من النَّارَ وَتُحِبُّ أَنْ تَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟ قُلْتُ: إِي وَاللَّهِ. قَالَ: أَحَيٌّ وَالِدُكَ؟ قُلْتُ: عِنْدِي أُمِّي. قَالَ: فَوَاللَّهِ لَوْ أَلَنْتَ لَهَا الْكَلَامَ وَأَطْعَمْتَهَا الطعام لتدخلن الجنة ما اجتنبت الكبائر.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على نبيه الذي اصطفى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعد: عباد الله: إذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لمن أراد الخروج إلى طاعة، وهي الهجرة، لكنه أبكى والديه؛ فقال له: "ارْجِعْ إِلَيْهِمَا وأضْحِكْهُما كَمَا أبْكَيْتَهُما".
فنقول: ماذا يطلب منا أن نعمله مع الوالدين؟ يا الله ماذا نعمل لهما؟ الرفق بهما، السؤال عنهما لا يمر يوم إلا وجلست معهما، أعطهما من وقتك، تحدّث إليهما، أكرمهما، أهْدِ إليهما، صِلْ قرابتهما، سافِر معهما، اذهب بهما إلى عُمرة إلى نُزهة، جالسهما، أدْخِل السرور على نفسيهما -أيها الابن- واطلب منهما الدعاء. ومهما تقوم به تجاههما لا ولن تفي بحقهما.
يا الله!! هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لذلك الرجل، الذي أبكاهما من أجل عمل يتقرب به إلى الله: "ارْجِعْ إِلَيْهِمَا وأضْحِكْهُما كَمَا أبْكَيْتَهُما".
وعن أبى بردة؛ أَنَّهُ شَهِدَ ابْنَ عُمَرَ، ورجلٌ يمانيٌ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ -حَمَلَ أُمَّهُ وراء ظهره- يقول:
إِنِّي لَهَا بَعِيرُهَا الْمُذَلَّلُ *** إِنْ أُذْعِرَتْ رِكَابُهَا لَمْ أُذْعَرِ
ثُمَّ قَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ! أَتُرَانِي جَزَيْتُهَا؟ قَالَ: "لَا. وَلَا بِزَفْرَةٍ واحدة"، وهو تردد النفس حتى تختلف الأضلاع، وهذا يعرض للمرأة عند الوضع.
وهذه بعض نماذج من بر السلف بأمهاتهم، فكونوا بارين بوالديكم، وإياكم إياكم وعقوق الوالدين.
فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟" ثَلاَثًا، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ -وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ-: أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ"، قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ"(صحيح البخاري: 3/ 172).
هذا، وصلوا وسلموا على مَن أمركم الله بالصلاة والسلام عليه؛ فقال -جل من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم