اختصام الملأ الأعلى

ناصر بن محمد الأحمد

2016-08-17 - 1437/11/14
عناصر الخطبة
1/ تأملات في حديث عظيم من جوامع كلم النبي2/ المقصود باختصام الملأ الأعلى 3/ إسباغ الوضوء في الكريهات 4/ المشي على الأقدام إلى الجمعات والجماعات 5/ الأعمال الغالب عليها تكفير السيئات 6/ فضائل إطعام الطعام 7/ فضل لين الكلام وإفشاء السلام.

اقتباس

هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد أوصانا نبينا -صلى الله عليه وسلم- في آخر هذه الحديث أن ندرسها، وأن نتعلّمها، فقال: "إنها حق فادرسوها وتعلموها".. إني قمت من الليل فصليت ما قُدِّر لي، فنعست في صلاتي حتى استثقلت فإذا أنا بربي -عز وجل- في أحسن صورة، - "أي: رأى ربه في المنام، ورؤيا الأنبياء حق"- فقال: يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري رب، قال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري رب، قال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله ..

 

أما بعد: أيها المسلمون: أخرج الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في مسنده من حديث معاذ بن جبل –رضي الله عنه- قال: "احتبس عنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات غداة في صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى قرن الشمس، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سريعاً فثوّب بالصلاة، - "أي: أمر أن تقام الصلاة مسرعاً" - ثم أقبل إلينا – "أي: بعد فراغه من الصلاة" - فقال: "سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة، إني قمت من الليل فصليت ما قُدِّر لي، فنعست في صلاتي حتى استثقلت فإذا أنا بربي -عز وجل- في أحسن صورة، - "أي: رأى ربه في المنام، ورؤيا الأنبياء حق"- فقال: يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري رب، قال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري رب، قال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟

 

 (المقصود باختصام الملأ الأعلى: الملأ الأعلى هم الملائكة، والمقصود أنهم يختصمون فيما بينهم ويتراجعون القول ويتناقشون في الأعمال التي تقرب بني آدم إلى الله -عز وجل-).

 

فرأيته وضع كفّه بين كتفي، حتى وجدت برد أنامله في صدري، وتجلى لي كل شيء وعرفت، فقال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفارات والدرجات، قال: وما الكفارات، قلت: نقل الأقدام إلى الجمعات، والجلوس في المساجد بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء عند الكريهات.

 

قال: وما الدرجات؟ قلت: إطعام الطعام، ولين الكلام، والصلاة والناس نيام، فقال: سل، قلت: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتتون، وأسألك حبَّك وحبَّ من يحبُّك، وحبَّ عملٍ يقربني إلى حبِّك".

 

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنها حق فادرسوها وتعلموها". وفي بعض الروايات: "المشي على الأقدام إلى الجماعات" بدل الجمعات، وكذلك: "إفشاء السلام" بدل "لين الكلام".

 

أيها المسلمون: هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث إن بعض العلماء ألّف في شرح هذا الحديث مؤلفاً خاصّاً كابن رجب -رحمه الله-.

 

وقد أوصانا نبينا -صلى الله عليه وسلم- في آخر هذه الحديث أن ندرسها، وأن نتعلّمها، فقال: "إنها حق فادرسوها وتعلموها".

 

لم يكن من عادة رسول الله تأخير صلاة الصبح، ولهذا اعتذر لهم، وفي الحديث دلالة على أن من أخَّر الصلاة لعذر أو غيره، وخاف خروج الوقت أنه يخففها حتى يدركها كلها في الوقت، وإن كانت تصح إذا أدرك ركعة واحدة في الوقت.

 

وفي الحديث أيضاً أن من رأى رؤيا تسرّه لا بأس أن يقصّها على أصحابه وإخوانه لإدخال السرور عليهم.

 

وفيه دلالة على شرف النبي -صلى الله عليه وسلم- بتعليمه ما في السماوات وما في الأرض، وتجلي ذلك له مما يختصم فيه الملائكة في السماء، كما أُرِي إبراهيم ملكوت السماوات والأرض.

 

قوله -صلى الله عليه وسلم- في الكفارات: "إسباغ الوضوء في الكريهات، ونقل الأقدام إلى الجمعات أو الجماعات، والجلوس في المساجد بعد الصلوات".

 

وسميت هذه كفارات؛ لأنها تكفر الخطايا والسيئات، ولذلك جاء في بعض الروايات: "من فعل ذلك عاش بخير ومات بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه".

 

وهذه الأعمال الغالب عليها تكفير السيئات، ويحصل بها أيضًا رفع الدرجات. كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط".

 

السبب الأول من مكفرات الخطايا: المشي على الأقدام إلى الجمعات والجماعات: ولا سيما إذا توضأ الرجل في بيته ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة.

 

ففي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحطَّ عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلِّي عليه ما دام في مصلاه: اللهم صل عليه اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة".

 

وفي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: "كل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة".

 

وقد قال بعض السلف: الوضوء يكفِّر الجراحات الصغار، والمشي إلى المسجد يكفر أكثر من ذلك، والصلاة تكفر أكثر من ذلك، على أن الكبائر لا تُكفّر بذلك، لما في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهنّ إذا اجتنبت الكبائر".

 

السبب الثاني من مكفرات الخطايا: الجلوس في المساجد بعد الصلوات: أي انتظاراً لصلاة أخرى كما في حديث: "وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط" أي بمنزلة الرباط في سبيل الله -عز وجل-.

 

ويدخل في قوله: "والجلوس في المساجد بعد الصلوات" الجلوس للذكر والقراءة وسماع العلم وتعليمه ونحو ذلك، لا سيما بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وفي الصحيحين عن أنس عن النبي-رضي الله عنه-: "أنه لما أخر صلاة العشاء الآخرة ثم خرج فصلى بهم قال لهم: "إنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة".

 

وفي صحيح مسلم عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده".

 

وبالجملة فالجلوس في المساجد للطاعات له فضل عظيم، وهو أيضاً من السبعة الذين يظلهم الله بظل عرشه، يوم لا ظل إلا ظله.

 

ولما كانت المساجد بيوت الله وأضافها إلى نفسه تشريفاً لها، تعلقت قلوب المحبين لله -عز وجل- بها لنسبتها إلى محبوبهم، وارتاحت إلى ملازمتها لإظهار ذكره. قال الله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) [النور:36-37].

 

السبب الثالث من مكفرات الخطايا: إسباغ الوضوء عند الكريهات: وقد وردت الأحاديث الكثيرة الدالة على تكفير الخطايا بالوضوء، فروى مسلم عن عثمان -رضي الله عنه- أنه توضأ ثم قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ مثل وضوئي هذا، ثم قال: "من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه، وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة".

 

وفيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب".

 

وإسباغ الوضوء هو إتمامه وإبلاغه مواضعه الشرعية، والثوب السابغ هو المغطي للبدن كله، وخرج النسائي وابن ماجه من حديث أبي مالك الأشعري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إسباغ الوضوء شطر الإيمان".

 

وإسباغ الوضوء على الكريهات: يعني في حالة تكره النفس فيها الوضوء، وقد فُسّر بحال نزول المصائب، فالنفس تطلب الجزع، فالاشتغال بالوضوء من علامة الإيمان، وفُسّرت الكريهات أيضاً بالبرد الشديد، وكذلك عند النوم مع مدافعة النعاس.

 

وكل ما يؤلم النفس ويشق عليها فإنه كفارة للذنوب إن لم يكن للإنسان فيه صنع كالمرض، أو إذا كان الألم ناشئاً عن طاعة، كقوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [التوبة:120]. وكذلك ألم الجوع والعطش للصائم، فكذا التألم بإسباغ الوضوء في البرد، ويجب الصبر على هذا الألم، فإذا حصل الرضا فذلك مقام العارفين.

 

فانظر يا عبد الله كم تيَسّر لك من أسباب تكفير الخطايا، لعلك تتطهر منها قبل موتك، فتلقاه طاهراً، فتصلح لمجاورته في دار السلام، فإن الله -عز وجل- طيب لا يقبل إلا طيبا.

 

بارك الله ..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ..

 

أما بعد: أيها المسلمون: عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: "احتبس عنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات غداة في صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى قرن الشمس، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سريعاً فثوّب بالصلاة، ثم أقبل إلينا فقال: سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة، إني قمت من الليل فصليت ما قُدِّر لي، فنعست في صلاتي حتى استثقلت فإذا أنا بربي -عز وجل- في أحسن صورة، فقال: يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري رب، قال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري رب، قال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فرأيته وضع كفه بين كتفي، حتى وجدت برد أنامله في صدري، وتجلى لي كل شيء وعرفت.

 

فقال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفارات والدرجات، قال: وما الكفارات، قلت: نقل الأقدام إلى الجمعات، والجلوس في المساجد بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء عند الكريهات.

 

 قال: وما الدرجات؟ قلت: إطعام الطعام، ولين الكلام، والصلاة والناس نيام، فقال: سل، قلت: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتتون، وأسألك حبَّك وحبَّ من يحبُّك، وحبَّ عملٍ يقربني إلى حبِّك". وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنها حق فادرسوها وتعلموها".

 

وبعدما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الكفارات، ذكر الأمور التي يرفع الله بها الدرجات: "إطعام الطعام، ولين الكلام، والصلاة والناس نيام".

 

السبب الأول في رفع الدرجات: إطعام الطعام: فإطعام الطعام من أعظم الأسباب الموصلة إلى أعلى درجات الجنة، وقد وصف الله -عز وجل- الأبرار بقوله: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) [الإنسان:8]. أي على حبهم للطعام وحاجتهم إليه، وقيل على حبهم لإطعام الطعام طيبةً به أنفسهم.

 

وفي المسند وجامع الترمذي عن علي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرُها من باطنِها وباطنُها من ظاهرِها" قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: "لمن أطعم الطعام وأطاب الكلام وصلى بالليل والناس نيام".

 

فإطعام الطعام يوجب دخول الجنة ويباعد عن النار وينجي منها كما قال تعالى: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) [البلد:11-16]. وأفضل إطعام الطعام الإيثار مع الحاجة كما قال تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر:9]. وكان بعض السلف يؤثر بفطوره غيره ويصبح صائماً، وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين وربما علِم أن أهله قد ردوهم عنه فلم يفطر تلك الليلة.

 

فيا من يطمع في علو الدرجات من غير عمل صالح، هيهات هيهات: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) [الجاثية:21].

 

السبب الثاني في رفع الدرجات: لين الكلام: وفي رواية: "إفشاء السلام" وهو داخل في لين الكلام، وقد قال الله -عز وجل-: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) [البقرة:83].

 

وقال تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الإسراء: 53]، وقال -عز وجل-: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت:34-35]. وفي الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "والكلمة الطيبة صدقة". وفيه أيضاً: "اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة".

 

وأما كون إفشاء السلام من موجبات الجنة ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم".

 

هكذا قرن الإحسان بالقول عقب الإحسان بالعمل، وربما كان معاملة الناس بالقول الحسن أحب إليهم من الإطعام والإحسان بالمال. كما روي عن لقمان أنه قال لابنه: "إن تكن كلمتك طيبة ووجهك منبسطاً تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم الذهب والفضة".

 

السبب الثالث في رفع الدرجات: الصلاة بالليل والناس نيام: والصلاة في الليل من موجبات الدرجات العالية في الجنة، قال الله -عز وجل- في وصف المحسنين: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات: 17- 18].

 

وقال -عز وجل-: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:16 - 17]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أفضل الصلاة بعد المكتوبة القيام بالليل".

 

قال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "صلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور، صوموا يوماً شديداً حره لحر يوم النشور، تصدقوا بصدقة لشر يوم عسير".

 

وعن بلال وأبي أمامة -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وإن قيام الليل قربة إلى الله ومنهاة عن الإثم وتكفير للسيئات ومطردة للداء عن الجسد".

ومع الأسف أننا لا نعرف قيام الليل إلا في رمضان، وهذا من الحرمان.

 

أيها المسلمون: نختم بالدعوات التي ختم بها النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعا بها في آخر الحديث: "اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفنا غير مفتونين، ونسألك حبَّك وحبَّ من يحبُّك، وحبَّ عملٍ يقربنا إلى حبِّك".

 

اللهم ..

 

 

المرفقات

الملأ الأعلى

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات