اختبارات الدنيا واختبارات الآخرة

عادل العضيب

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ قصة الأبرص والأقرع والأعمى 2/الابتلاء سنة ربانية 3/ابتلاء الله لأنبيائه ورسله 4/انتقال الإنسان من امتحان إلى امتحان 5/إرشادات ونصائح للطلاب 6/وصايا للآباء ورجال التعليم.

اقتباس

تنتقلون من امتحان إلى امتحان، امتحان في الأرض وامتحان تحت الأرض، امتحان فوق الأرض وامتحان تحت الأرض، وامتحان يوم العرض؛ حتى تستقر الركاب إما في جنة عرضها السموات والأرض, وإما في نار وقودها الناس والحجارة...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله على عظيم بره وجزيل إحسانه، أحمده -سبحانه- حمدا يليق بكماله وجلاله وسلطانه، وأشكره على فضله وجوده وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تبلغ الفردوس من جناه، وأشهد أن سيدنا محمد عبد الله ورسوله، الداعي إلى سبيل الله ورضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأنصاره وأعوانه, والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وسلم تسليما كثيرا.

 

أما بعد:

 

عباد الله، أيها المسلمون: في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن ثلاثة من بني إسرائيل؛ أبرص وأقرع وأعمى, فرض الله أن يبتليهم -أي يختبرهم-، فبعث الله إليهم ملكا، فأتى الأبرص فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن وجلد حسن، ويذهب عني الذي قذرني الناس به، فمسح فذهب عنه قذره، فأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل أو قال: البقر، -شك إسحاق الراوي-، فأعطي ناقة عشرا، وقال: بارك الله لك فيها.

 

قال: فأتى الأقرع، فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن وجلد حسن، ويذهب عني الذي قذرني الناس به، فمسح فذهب عنه قذره، وأعطي شعرا حسنا، فقال: أي المال أحب إليك؟ قال: البقر أو الإبل، فأعطي بقرة حاملا، قال: بارك الله لك فيها.

 

فأتي الأعمى، فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إلي بصري؛ فأبصر به الناس، فمسح فرد الله إليه بصره، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم، فأعطي شاة والدا فأنتج هذان, وولد هذا، فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم.

 

قال: ثم أتى الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين وابن سبيل، قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن والمال, بعيرا أتبلغ به في سفري.

 

فقال: الحقوق كثيرة، فقال له: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس؟ فقيرا فأعطاك الله -عز وجل- المال؟ فقال: إنما ورثت هذا المال كابرًا عن كابر -أي جد عن جد-، فقال: إن كنت كاذبا، فصيرك الله إلى ما كنت.

قال: وأتى الأقرع في صورته، فقال له مثل ما قال لهذا، ورد عليه مثل ما رد عليه هذا، فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت.

قال: وأتى الأعمى في صورته ، فقال: رجل مسكين وابن سبيل، انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك، شاة أتبلغ بها في سفري، فقال: قد كنت أعمى فرد الله علي بصري، فخذ ما شئت، ودع ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم شيئا أخذته لله -أي لا أشق عليك بشيء أخذته لله- فقال: أمسك مالك، فإنما ابتليتم، فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك.

 

ابتلاهم الله واختبرهم، فنجح الأعمى في الاختبار ففاز في الدنيا والآخرة، ورسب الأبرص والأقرع فخسرا في الدنيا والآخرة، ابتلاهم الله كما يبتلي غيرهم واختبرهم كما يختبر غيرهم؛ تحقيقا لوعده: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة:155], (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) [محمد:31]

وعدا لا شك فيه، (وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) [الأنبياء:104], يبتلى العباد, ويبتلون بالخير والشر (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء:35], يختبرون بالنعم ويختبرون بالنقم، (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الأعراف:168].

 

اختبر الله سليمان بما أتاه من ملك عظيم، وما علم من منطق الطير وتسخير الجن له، لما طلب عرش بلقيس، (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل:40].

 

واختبر الله أيوب -عليه السلام- ببلاء عظيم ومرض لازمه ما يقرب من عشرين سنة، مع عدم المال والأولاد، فنجح في الامتحان وصبر على البلاء، فأثنى الله عليه وجعله مثلا يضرب للصبر، فأثنى الله عليه بقوله -جل وعلا-:(إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) [ص:44], وجعله مثلا يضرب للصبر، فصار الناس يقولون: "صبر أيوب على بلواه", (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء: 83، 84].

 

يختبر الله عباده في الدنيا؛ لينظر كيف يعملون (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك:2].

 

اختبار في الدنيا يعقبه اختبار في القبر، قال -عليه الصلاة والسلام-: "ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم قريبا من فتنة الدجال". يعقبه اختبار على ساحة القيامة، يعقبه اختبار على الصراط على متن جهنم تجري بهم أعمالهم، أعمالهم التي عملوا في الدنيا هي التي تحدد المصير، هي التي تحدد المصير في القبر وفي القيامة وعلى الصراط، أعمالهم هي التي تنزلهم منازلهم في الجنة بحسبها (وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [الأعراف:43].

 

عباد الله: تنتقلون من امتحان إلى امتحان، امتحان في الأرض وامتحان تحت الأرض، امتحان فوق الأرض وامتحان تحت الأرض، وامتحان يوم العرض؛ حتى تستقر الركاب إما في جنة عرضها السموات والأرض, وإما في نار وقودها الناس والحجارة. (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) [فصلت:46].

 

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، وتاب علي وعليكم إنه هو التواب الرحيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه ، وتوبوا إليه يغفر لكم؛ إنه هو التواب الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وكفى وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى.

 

أما بعد:

 

معاشر المسلمين: امتحانات تقود للفوز في الآخرة، وامتحانات تقود للفوز في الدنيا، وبعد غد يدخل الطلاب والطالبات قاعات الاختبار -أسأل الله لهم التوفيق والمعونة-، وأوصيهم بالجد والاجتهاد، فإنما هي أيام ومن لم يتجرع مرارة التعلم ذاق ذل التفريط. ولن تبلغ المجد حتى تلعق الصبر.

 

اجتهدوا وأنتم تنظرون بعين إلى شهادة تكون سببا بإذن الله باستغنائكم عن الناس، وتنظرون بالعين الأخرى إلى جنة أعدها الله للمتقين، فلا تعارض بين العمل للدنيا والعمل للآخرة. (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص:77].

 

وإذا خرجتم من قاعة الاختبار تخرجوا وعليكم السكينة والوقار، لا تهينوا كلام الله وكلام رسوله -عليه الصلاة والسلام- برمي الكتب على الأرض وفي صناديق القمامة، عظموا كلام الله وكلام رسوله -عليه الصلاة والسلام-, (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32].

 

لا تؤذوا الناس في شوارعهم ولا في أسواقهم ولا في بيوتهم، لا تلعبوا بالسيارات فربما جررتم مصيبة على أنفسكم أو أهلكم، تذكروا أنكم تخرجون وفي البيت أمهات وآباء ينتظرونكم فلا تحرقوا تلك القلوب الرحيمة، قدموا للناس صورة حسنة عنكم مع أسركم ومجتمعكم، اجعلوا من رآكم يدعو لكم لا عليكم.

 

وأنتم -أيها الأباء- كونوا قريبين من أبنائكم هذه الأيام، ساعدوهم في المذاكرة، وساعدوا الأمهات، واحرصوا على تواجدهم في البيت بعد انتهاء الاختبار، لا تتركوهم فريسة سهلة لتجار المخدرات ولا رفقاء السوء؛ فهذه الأيام من أخطر الأيام على الشباب.

 

عباد الله: ليتعاون الجميع، الآباء، رجال التربية والتعليم، رجال الأمن؛ لمنع التصرفات اللامسؤولة من بعض الشباب؛ لأجل الحفاظ على الأرواح والمملتكات، لنقف صفا واحدا أمام العابثين؛ لنحمي المجتمع من شرهم، ونحميهم من شرور أنفسهم، ونسير بالمجتمع -بإذن الله- إلى ساحل النجاة، وفق الله الطلاب والطالبات لأعمالهم وأعانهم على أنفسهم.

 

عباد الله: صلوا وسلموا على رسول الله؛ امتثالا لأمره -جل وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

 

اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينك محمد، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، عن التابعين وتابعي التابعين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم إنا نبرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.

 

اللهم أرنا عز الإسلام قبل الممات، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين.

 

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحانك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

المرفقات

الدنيا واختبارات الآخرة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات