احفظ لسانك ويدك

عبد الله الواكد

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: قضايا اجتماعية
عناصر الخطبة
1/ أهمية الكلمة 2/ تحذير الإسلام من الكلام السيئ 3/ مسئولية الإنسان عن لسانه في الدنيا والآخرة 4/ بعض مثالب اللسان 5/ بلية وسائل التواصل الاجتماعي والتحذير من ذلك 6/ الحث على قول الخير

اقتباس

جعلَ اللهُ -سبحانَهُ- لصاحِبِ الكلامِ عظيمَ الثوابِ أَوْ أليمَ العقابِ بقدْرِ مَا يَترتَّبُ علَى كلامِهِ مِنْ منافِعَ أَوْ مضارَّ، ومِنْ خيرٍ أَوْ شرٍّ، وأَمَرَ المسلمَ أَنْ لاَ يستهينَ بلسانِهِ فيطلقَهُ ويتكلَّمَ مِنْ غيرِ بينةٍ ولاَ تدبُّرٍ ولاَ إدراكٍ للعواقبِ...

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ القائلُ: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [إبراهيم: 24 - 25].

وأَشهدُ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ عدد ما كانَ وما يكونُ، وما تسرونَ وما تعلنونَ، وأَشهدُ أنَّ نبينا محمداً عَبدُ اللهِ ورسولُهُ وصفيُّهُ وخليله، وخيرته مِنْ خلقِهِ، وأمينُه على وحيِه، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى نبينا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ.

 

أمَّا بعدُ:

 

عبادَ اللهِ: فأُوصيكُمْ ونفسِي بتقوَى اللهِ، قَالَ تعالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].

 

أيهَا المسلمونَ: لقَدْ خلق الله -عز وجل- الكلام وجعلَ الكلمةَ مرتقا للإحساس، ورسولاً بينَ الناسِ، تصِلُ مَا بينَهُمْ، وترجمانًا تُظهِرُ مشاعرَهُمْ، ودليلاً علَى نواياهُمْ، ومما امتَنَّ اللهُ -تعالَى- علَى عبادِهِ أن خَلْقَ اللسانَ، إذ هُوَ مُظْهِرُ الكلمةِ وعلامةُ الهدايةِ، قالَ سبحانَهُ وتعالى: (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) [البلد: 8 - 10] جعلَ اللهُ-سبحانَهُ- لصاحِبِ الكلامِ عظيمَ الثوابِ أَوْ أليمَ العقابِ بقدْرِ مَا يَترتَّبُ علَى كلامِهِ مِنْ منافِعَ أَوْ مضارَّ ومِنْ خيرٍ أَوْ شرٍّ، وأَمَرَ المسلمَ أَنْ لاَ يستهينَ بلسانِهِ فيطلقَهُ ويتكلَّمَ مِنْ غيرِ بينةٍ ولاَ تدبُّرٍ ولاَ إدراكٍ للعواقبِ، قالَ تعالَى: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18].

 

وقدَ مدَحَ اللهُ -تباركَ وتعالَى- المؤمنينَ الذينَ يبتعدونَ عَنْ فُضولِ الكلامِ وعَنِ اللغْوِ، فقالَ سبحانهُ وتعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) [المؤمنون: 3] فالشهادتانِ كلام يقولُه الإنسانُ في دخلُ بِه فِي الإسلامِ، وذِكْرُ اللهِ وتسبيحُهُ، وإلقاءُ السلامِ، والإصلاح بين الناس، والكلامُ الطيبُ، والقولُ الحسَنُ، كلُّ ذلكَ كلامٌ يتلفَّظُ بِهَ اللسانُ، كلُّ ذلكَ كلماتٌ لَهَا وَقْعُهَا وتأثيرُهَا.

 

عبادَ اللهِ: لقَدْ حذَّرَ الإسلامُ مِنَ الآثارِ السيئةِ للكلامِ الذِي لاَ طائلَ مِنْ ورائِهِ ومِنَ التحدُّثِ فِي أُمورٍ لاَ تُهمُّ قائلَهَا، وأَنَّ ذلكَ قَدْ يُوهِنُ الجسمَ ويُتعِبُ الفِكْرَ، قالَ مالكُ بنُ دينارٍ: "إذَا رأيْتَ قساوةً فِي قلبِكَ، وضعفاً فِي بدنِكَ، وحِرماناً فِي رزقِكَ، فاعْلَمْ أنَّكَ قَدْ تكلَّمْتَ فيمَا لاَ يعنِيكَ".

 

وهذَا يتوافَقُ معَ العلمِ الذِي أثبَتَ أنَّ كثرةَ الكلامِ بغيرِ نفْعٍ واللغوَ فِي الحديثِ يستلزِمُ جُهدًا يُؤثِّرُ سلبًا علَى طاقةِ الجسمِ وقدراتِهِ وفكْرِهِ.

 

أيهَا المؤمنونَ: مِنْ أجلِ ذلكَ تزدادُ المسؤوليةُ علَى اللسانِ وعلِى الكلامِ عندَمَا يتعدَّى أمرُهُمَا إلَى الإضرارِ بالآخرينَ أوِ بالإساءةِ للناس، إمَّا بالنميمةِ أَوْ بالغيبةِ، أَوْ بافتراءِ الكذبِ، فبكلمةٍ يقولُهَا الرجلُ يهدِمُ أُسرةً مترابطةً أو عائلةً متماسكةً.

 

فالطلاقُ -أيها المسلمون- كلمةٌ، كلمةٌ تتشتتُ بها الأسرةُ، ويتشردُ بها الأطفالُ، وتتمزقُ بسببها اللحمةُ، وبالكلمةِ التي لاَ يُبالِي بِهَا صاحبُهَا قَدْ تسوءُ العلاقاتُ بينَ الأصدقاءِ والأحبَّةِ والشركاءِ، ونحنُ نعلمُ أنَّ الزواجَ والطلاقَ والبيعَ والشراءَ والعقودَ كلَّهَا كلماتٌ، والكلامُ كلُّهُ محسوبٌ علَى قائلِهِ ومُسَجَّلٌ عليهِ ومُؤَاخَذٌ بهِ كمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- عندَمَا سأَلَهُ: وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟" [الترمذي].

 

أيها المسلمونَ: وإنَّ للرسائلِ اليومَ حُكمَ اللسانِ لقد بُليَ بعضُ الناسِ في هذا الزمانِ بوسائلِ التواصلِ الاجتماعي بشتى أنواعِها، فقامتْ في الناسِ مقامَ ألسنتِهم وآذانِهم، بل اتسعتْ بها مساحاتُ الحديثِ والتواصلِ، فاحذروا ما يُبثُّ فيها من أفكارٍ وما يروَّجُ فيها من فتنٍ، وما يُدسُّ فيها من سمومٍ، فإنَّ سواداً عظيماً من أعداءِ هذهِ البلادِ يبغونَكُم الفتنةَ، ولنْ ترضى عنكُم هذه الفئةُ حتى تموجَ بكمُ المائجاتُ، وتهلكَكُم المضلاتُ، فكونوا حُراسًا لبلادِكُم وأمتِكُم على هذه الثغورِ.

 

فما دُمناَ لحمةً واحدةً وما دامَ التفافُنا حولَ ولاةِ أمرِنا، فلنْ يضرَّنا كيدُهُم شيئاً.

 

والغريبُ -أيها المسلمون- أنَّ من بينِنا منْ يُسَلِّمُ لِمَا يُنشرُ في هذه الوسائلِ وكأنَّهُ كلامٌ ربانيٌّ أو حديثٌ نبويٌ، بل إنَّ أسانيدَ الحديثَ النبويَّ تعرضتْ للجرحِ والتعديلِ من جهابذةِ وعلماءِ هذه الأمةِ، حفاظاً على سلامةِ الشريعةِ وصفاءِ الديِن، أما الواتس آب وغيرُهُ، فعندَ بعضِ المسلمينَ -هداهُم اللهُ- أنه صحيحٌ، وبعضُهُم همُّهُ ينسخُ ويرسلُ لا يقرأُ ولا يسمعُ ما يأتي إليه.

 

يا أخي المسلمُ: أنتَ مسئولٌ أمامَ اللهِ عن كلِّ ما تقولُهُ وترسلُهُ وتنسخُهُ وتنقلُهُ، قال تعالى: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ) [النور: 15]، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات: 6].

 

وكما تعلمونَ أنَّ سوءَ استخدامِ هذهِ الوسائلِ ونشرَ الشائعاتِ فيها، وتصديقَ ما يروِّجُه الأعداءُ، أهلكتْ دُولاً وشعوباً فصاروا إلى ما لا يخفى عليكُم من القتلِ والدمارِ والخرابِ، وذهابِ الأمنِ وشتاتِ الأمرِ والتشردِ.

 

فاحمَدُوا اللهَ على ما أنتمْ فيه من خيراتٍ ونِعَمٍ وأمنٍ وأمانٍ، وإنْ لم تحفَظُوا هذه النعمَ بدوامِ الشكرِ والثناءِ للهِ، والمحافظةِ على مقدراتِ، وأمنِ هذه الدولةِ المباركةِ التي قامتْ على التوحيدِ ونبذِ الشركِ وتطبيقِ شرعِ اللهِ.

 

نسألُ اللهَ أنْ يحفظَهَا ويحفظَ ولاةَ أمرِنا وجندَنا وأنْ يحفظَكم أنتُم جميعاً.

 

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ" [البخاري].

 

اللهمَّ اجعلْنَا ممنْ يستمعونَ القولَ فيتبعونَ أحسنَهُ.

 

نفعَنِي اللهُ وإياكُمْ بالقرآنِ العظيمِ وبِسنةِ نبيهِ الكريمِ.

 

أقولُ قولِي هذَا، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ...

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانيةُ:

 

الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه، وأَشْهَدُ أنَّ سيِّدَنا محمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ الطيبينَ الطاهرينَ وعلَى أصحابِهِ أجمعينَ، والتَّابعينَ لَهُمْ بإحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أمَّا بعدُ:

 

فاتَّقوا اللهَ -عبادَ اللهِ- حقَّ التَّقوى, واعلمُوا أنَّ اللسانَ الذِي يُطلقُهُ البعضُ لإِظهارِ سوءاتِ الناسِ وعوراتِهِمْ قَدْ يستخدِمُهُ الآخرونَ أيضًا للإساءةِ إليهِمْ وإظهارِ مَا خفِيَ مِنْ أسرارِهِمْ.

 

لِسَانَكَ لاَ تَذْكُرْ بِهِ عَوْرَةَ امْرِئٍ *** فَكُلُّكَ عَوَرَاتٌ وَلِلنَّاسِ أَلْسِنُ

 

فعَلَى المسلمِ أَنْ يُشْغِلَ لسانَهُ بِمَا فيهِ الخيرُ والنفعُ والفائدةُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ" [البخاري].

 

وعَنْ عُقْبَة بْنِ عَامِر -رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ" [الترمذي].

 

عبادَ اللهِ: قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

 

وقالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً".

المرفقات

احفظ لسانَك ويدك

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات