احرص على ما ينفعك

صالح بن عبد الله الهذلول

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ حديث: احرص على ما ينفعك 2/ شرح الحديث 3/ دعوة الطلاب والشباب للحرص على ما ينفعهم 4/ تحذير الطلاب والشباب من التسويفِ والسوءِ وأهلِه 54/ أحاديث تبين فضل تلاوة القرآن وتعلمه وتطبيقه 6/ دعوة الآباء لتحفيظ أبنائهم القرآن وإلحاقهم بحِلَقِها

اقتباس

روى مسلم في صحيحه وأحمد وابن ماجة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كُلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان".

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 

أما بعد: أيها الناس، فاتقوا الله -تعالى-، واعلموا أن الليل والنهار خزانتان، فانظروا ماذا تضعون فيهما؟ قال المسيح عيسى بن مريم -عليه السلام-: "أَعْمِلوا الليلَ لما خلق له، وأَعْمِلوا النهار لما خلق له"، وقال الحسن: "اليومُ ضيفك، والضيف مرتحل، يحمدك أو يذمك". قال نبيكم -صلى الله عليه وسلم-: "كل الناس يغدو، فبائع نفسه، فمعتقها أو موبقها".

 

أيها المسلمون: روى مسلم في صحيحه وأحمد وابن ماجة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كُلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان".

 

قال القرطبي، صاحب: [الفهم في شرح صحيح مسلم]، فيما نقله عن الأبي المالكي: معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "احرص على ما ينفعك"، أي: اجتهد في تحصيل ما تنتفع به في أمر دنياك الذي تصون به دينك وعيالك ومروءتك، ولا تعجز في تحصيل ذلك وتتكل على القدر، فتنسب إلى التفريط شرعاً وعادةً، ومع الاجتهاد فلا بد من الاستعانة بالله -تعالى-، واللجأ إليه، وبسلوك هاتين الطريقتين يحصل خير الدارين. انتهى كلامه.

 

أيها المسلم: تدبر حال السابقين، ماذا نفعهم الحماس لفكرةٍ ما ضد الشرع؟ وماذا يستفيدون في نصرتهم لمبدأ معين، أو لصديق معين، وهم يعلمون أنه مخالف للحق والعقل؟ تأمل حال أشخاص تعرفهم أو تقرأ عنهم أو تسمع: ماذا جلب لهم الإصرار على رأي معين، وهو يعرف تمام المعرفة أنه مجانب للحق، ومخالف للشرع؟ وتذكر حال بعض من تعرف وقد كان له موقف فيه ظلم، ماذا استفاد؟ وبماذا خرج؟ وهل عمله ذاك بعد الممات يكون له أو عليه؟.

 

إنك ستصير مثلهم، فاحرص على ما ينفعك، ولا يستهوينك الشيطان، وتغلبك نفسك، فتأتي بأعمال تتحسَّر عليها غداً.

 

لا تلتفت إلى مقال فلان وفلان، فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً، كن حازماً وجاداً في تناولك للأمور، وبمقياس المصلحة والمفسدة الحقيقي الذي يحفظك في الدنيا، وينفعك في الآخرة، وينجيك من عذاب الله وغضبه.

 

أيها الطالب: غداً تفتح المدارس أبوابها، وتستقبل طلابها، فاستعن بالله -تعالى-، وكن جاداً من بداية الدراسة، ولا تسوف أو تكسل أو تتهاون وتتساهل، فالأيام تمضي وتنفرط، كما مضت وانتهت الإجازة الصيفية، وسرعان ما تدق أجراس الامتحانات أبوابك، فخذ حذرك، واحرص على ما ينفعك، وخذ من سعتك لضيقك، ومن صحتك لسقمك.

 

احذر -أيها الشاب- من ارتياد الأماكن التي تعرض فيها من خلال القنوات الفضائية أفلام العهر والخلاعة، وتزيين أعمال الكفار، ولبسهم، ولغاتهم وحركاتهم، وثقافاتهم، فتأخذ بلبِّ الشاب الذي قتله الفراغ وعبث به؛ بسبب إعراضه وفتوره عما ينفعه، وراح يجرى لاهثاً وراء ما تعرضه الشاشات.

 

ولو علم ذلك الشاب أن ما يعرض من مفاتن الدنيا ليس له منها شيء، إنما هي لأهلها؛ فلماذا يضيع وقته بالنظر إليها، والانبهار بها، وإشغال قلبه بالتعلق بها؟ كان الأجدر بالشاب -وغيره- أن يحرص على ما ينفعه.

 

أيها الشاب: لا تتجمل للناس في مظهرك وأنت أول من يكذب نفسه وتظهره للآخرين بحال السعادة والانبساط والمرح، فإذا عدت إلى منزلك تناولت أقراص الاكتئاب! لا يغلبن جهلُ غيرك بك علمك بنفسك، واحرص على ما ينفعك في شأن دينك ودنياك.

 

إن التفريط، وجعل الفرص تمر من بين يديك دون استثمار لها، حتى إذا أسلمتك الأيام فيما بعد إلى مرحلة الشباب المتقدمة، أو مرحلة الكهولة والشيخوخة، عضضت أصابع الندم: لِمَ لَمْ تَبْنِ نفسك، وتحرص على ما ينفعك، وتعرض عما لا فائدة فيه؟!.

 

إنها متعٌ مؤقتة تلوح للشباب في عالم سراب الموضات سرعان ما تنقشع مخلفة وراءها الفشل والبطالة والجهل والأمراض النفسية والفقر.

 

فجدِّوا -أيها الشباب والطلاب- في التحصيل الدراسي، وأقبلوا على تلاوة كتاب ربكم وحفظه وتأمله، وجددوا العهد مع الله، ووثقوا الصلة به؛ تفلحوا وتسعدوا في الدنيا والآخرة.

 

اللهم خذ بنواصيهم إلى الخير، ودلهم إليه، وثبتهم عليه.

 

اللهم صل على نبينا وسيدنا محمد.

 

 

الخطبة الثانية:

 

(تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان:1-2].

 

والصلاة والسلام على من بعثه الله -تعالى- للعالمين بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: أيها المسلمون، فيقول الباري -جل وعلا-: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَـابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلَوةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَـاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَـارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر:29-30].

 

وعن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه-، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه"، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله -تعالى- يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم فيمن عنده" رواه مسلم في صحيحه.

 

عباد الله: إن تعليم كتاب الله -تعالى-، وتلاوته، والعمل به، هو المخرج من الفتن، وإن حض الأولاد على تعلمه، وتنشئتهم عليه؛ يطهر أخلاقهم، ويزكي نفوسهم، ويفصِّح ألسنتهم، ويثري لغة الخطاب والكتابة لديهم، ويُليِّن المعلومات لهم، وهذا يتطلب من الآباء طول التفكير وكثرة التأمل في طريقة دفعهم إلى ذلك، والشعور بأهميته، ووضع الحوافز والتشجيعات لهم كلما أتموا جزءاً معيناً من القرآن.

 

إن أمواج الفتن، وشدة اغتراب الدين، وكثرة دواعي الفساد، جعلت الأب الغيور مع الأولاد بمثابة راعي الغنم في أرض السباع الضارية، إن غَفَل عنها أكلتها الذئاب.

 

إن توجيه الأبناء لحفظ القرآن الكريم وتلاوته منذ الصغر أبلغ وأنفع، ذلك أن علوقه بالذاكرة في مرحلة الصبا أشد، ورسوخه أثبت.

 

أيها المسلمون: إن كثيراً من وقت الشباب والطلاب يضيع في الشوارع والملاعب، وغيرها من أماكن اللهو واللعب، فلديهم وقت متسع بعد الخروج من المدرسة، يجب صرفهم إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وخير مكان لذلك لزوم حلق التحفيظ التي تتواجد في كثير من المساجد في هذا البلد والحمد لله على نعمه.

 

ويبذل القائمون على جمعية التحفيظ جهداً ووقتاً مشكوراً، محتسبين الأجر على الله -تعالى-، فجزاهم وكل من أسهم في قيامها بمال، أو رأي ومشورة، أو جاه، أو دعاء، جزاهم الله خير الجزاء، وأجزل لهم المثوبة، وأقر أعينهم في صلاح ذرياتهم، وبلغهم مأمولهم في صلاح أبناء المسلمين، وحفظِهم لكتاب الله -تعالى-.

 

عباد الله: إنه ليحز في النفس، ويوجع القلبَ، أن نرى -أحياناً- بعض خريجي الثانوية العامة، بل والجامعيين، لا يحسن تلاوة آيةٍ من كتاب الله -تعالى- على الوجه الصحيح! تُرى؛ مَن يتحمل هذا الخطأ؟ وعلى من يقع اللوم؟.

 

إن الأب إذا استفرغ جهده في دفع ابنه إلى حلق التحفيظ أصبح معذوراً عند الله -تعالى-، وعند الناس، وعند ابنه نفسه الذي سوف يتوجه باللوم فيما بعد لوالده: لِمَ لَمْ تعلمني وتحضني على حفظ القرآن وتلاوته؟ سيقع الشاب فيما بعد في مواقف حرجة، وسيلقى باللوم على نفسه وعلى والده، لأنهما فرطا في صباه، وأول شبابه؛ لكن الوالد سيخرج من اللوم إذا كان قد بذل جهده، واستفرغ طاقته في محاولة تعليم ابنه وتربيته.

 

أيها الأب المشفق: أذكرك بأن جهدك، وتعبك خلف ابنك في سبيل تعليمه لكتاب الله -تعالى- لن يضيع سدى، وستجني ثماره في الدنيا، كما تجني ثماره في الآخرة أيضاً، فعن سهل بن معاذ عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس والداه تاجاً يوم القيامة ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيكم، فما ظنكم بالذي عمل بهذا؟" رواه أبو داود.

 

أسأل الله -عز وجل- بمنه وكرمه، أن يقرَّ أعيننا بصلاح ذرياتنا، وحفظهم لكتابه وسنة ورسوله والعمل بهما.

 

اللهم احفظ ذراري المسلمين جميعاً، وحبب إليهم الإيمان، وزينه في قلوبهم، وكَرِّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان...

 

 

المرفقات

على ما ينفعك1

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات