احرص على ما ينفعك

أحمد بن محمد العتيق

2022-10-08 - 1444/03/12
عناصر الخطبة
1/الحث على الجد والاجتهاد 2/تحذير الإنسان من الاستهانة بقدراته 3/سر التفوق والنجاح في أمور الدين والدنيا 4/التحذير من اليأس 5/الراحة الحقيقية في الجنة

اقتباس

إيّاك أن تستهين بنفسك، ما دمت مستعينا بالله، وباذلاً للأسباب؛ لأن الذين نجحوا في حياتهم وتميّزوا عن غيرهم بشرٌ مثلُك؛ الذي حفظ القرآن بشَرٌ مثلُك، والذي نال الشهادة العليا في الدراسة بشر مثلك، وكل شخص متفوق وناجح في حياته، إنما هو بشر مثلك. لا...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].

 

أما بعد:

 

فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

 

عباد الله: لقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، ولذلك أمر بالجد والاجتهاد، وعدم الكسل، فقال: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز".

 

ابحث عن أي عمل تجد فيه منفعة لك في أمر دينك ودنياك، في طلب العلم، وحفظ القرآن, وفي التجارة, وفي المذاكرة، والحرص على التفوق في الدراسة.

 

إيّاك أن تستهين بنفسك، ما دمت مستعينا بالله، وباذلاً للأسباب؛ لأن الذين نجحوا في حياتهم وتميّزوا عن غيرهم بشرٌ مثلُك؛ الذي حفظ القرآن بشَرٌ مثلُك، والذي نال الشهادة العليا في الدراسة بشر مثلك، وكل شخص متفوق وناجح في حياته، إنما هو بشر مثلك.

 

لا فرق بينك وبينه إلا في الطموح، والحرص، والهمة العالية، وعدم اليأس.

 

ولذلك أجمع عقلاء بني آدم على أن: "من أتعب نفسه في البداية, ذاق طعم الراحة في النهاية".

 

أي: أن الراحة لا تأتي إلا بعد التعب والجد الاجتهاد، سواء كان ذلك في أمور الدين أو الدنيا.

 

ففي أمور الدنيا: لو نظرنا إلى الطالب المتفوق الناجح, والطالب الفاشل أو الضعيف، ثم نظرنا إلى سيرة كل واحد منهما, لرأيت الأول مجتهدا في دراسته, في المواظبة على الحضور وعدمِ الغياب, والمذاكرةِ الجادة, والمتابعةِ للدروس أولاً بأول, الاجتهاد أيام الإختبارات, وعدمِ السهر الذي يضعف الهمة, ويؤثر في العقل.

 

بخلاف الطالب الضعيف الذي لا يهتم بما ذُكِر.

 

ثم إذا نظرت إلى حال هذين الطالبيْن بعد عدة سنوات لرأيت الفرق الشاسع بينهما, وقد ترى الأول قد تخرج ونال ما يريد، والثاني قد تأخر في دراسته، وربما يئِسَ منها وتركها، وبقي عاطلا في بيت أهله, أو يسرح مع العاطلين في الشوارع بلا فائدة أو طموح.

 

فينبغي لك -أيها الطالب- أن تجتهد في دراستك, فإن النجاح لا يحصل إلا بالتعب وبذل الأسباب.

 

وإياّك أن تلتفت إلى ما يقال: من أن المستقبل مُظلِم وغيرُ مضمون, وأنك تُتْعِب نفسك بلا فائدة، فإن مثل هذا الكلام قد ضر بشراً كثيراً, ولم يجلب للشباب إلا اليأس، وتضييع المصالح، بل يجب عليك أن تعلم علم اليقين بأن مستقبلك بيد الله، وليس بيد البشر, وأن الله -تعالى- قد تكفل برزق العباد, وأن المستقبل يستحيل أن يكون مظلماً أمام من اتقى الله، وتوكل عليه، وبذل الأسباب المباحة في ذلك, قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق: 4].

 

وقال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 2- 3] أي: كافيه.

 

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً، وتروح بطاناً" [رواه الترمذي، عن عمر -رضي الله عنه-].

 

فالمؤمن الذي يقرأ مثل هذه النصوص ويعمل بمقتضاها يستحيل أن يضيعه الله, حتى ولو وقف أهل الأرض كلُّهم في طريقه.

 

ومما يتعلق بأمور الدنيا: صحة الإنسان وعافيته, وهذا أمر مشاهد ومجرب, ففرق بين من يسرف في الطعام والشراب فيطلق لنفسه العنان في ذلك, وبين من يقتصد في ذلك، فإن الأول غالباً يتضرر بسبب هذا الإسراف، كما هو الواقع من كثرة الأمراض المستعصية التي يصعب علاجها.

 

وهكذا من يشرب الدخان، أو يستعمل المسكرات والمخدرات, فإن الضرر لا بد وأن يلحق بدنه، والغالب أنه يتلفه، ويقضي عليه, بخلاف من يصون جوفه عنها، فإنه يسلم من شر كثير، ويتمتع بالصحة والعافية التي تعتبر من حسنة الدنيا.

 

وهكذا الأمر في جميع مصالح الدنيا, كالتجارة, والزراعة, والصناعة, فإن من يستعين بالله, ويبذل الأسباب المباحة في تحصيلها, والإستفادة منها, لا بد وأن يرى ثمرة جِدِّه واجتهادِه.

 

وهكذا الشأن في أمور الدين، فإنك إذا رأيت الرجل محافظا على الصلاة مع الجماعة, وتالياً للقرآن، وبارّاً بوالديه, واصلاً لرحمه, محباً للخير وأهله, متعففاً عن أكل الحرام, صائناً لقلبه وفرجه وعرضه, فاعلم أن ذلك ناتجٌ عن حسن التربية, والتعلق بالله, ولزوم الكتاب والسنة, ومجاهدة النفس في طاعة الله, فإن الطاعة لا تَسْهُل إلا على من رَبَّى نفسه عليها وجاهد نفسه فيها, كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69].

 

بخلاف من لا يشهد الصلاة, أو يأتيها وهو كاره أو كسول, ولا يحفظ بصره, ولسانه, ولا يراقب الله فيما يأتي ويذر، فإن ذلك ناتج عن إهماله، وبعده عن الله, وانغماسه في المعاصي.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين؛ والعاقبة للمتقين؛ ولا عدوان إلا على الظالمين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

 

عباد الله: الراحة التامة الكاملة, هي حينما يرضى الله عنك, ويغفر ذنوبك, ويدخلك الجنة. ولكن هذه الراحة لا تحصل إلا لمن أتعب نفسه في البداية, وبذل الأسباب، يقول تعال لأهل الجنة: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [الطور: 19].

 

وقال تعالى: (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [الزخرف: 72].

 

أي: لَمَّا بذلتم الأسباب في الدنيا, رحمناكم وأدخلناكم الجنة.

 

ولما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- السبعةَ الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله, ذكر أسبابا عظيمة عملوها: "إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه، وتفرقا عليه، ورجلٌ دعته امرأة ذات منصب وجمالٍ، فقال: إني أخافُ الله، ورجلٌ تصدق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينهُ، ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه".

 

فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أن الأمور بأسبابها, واحرصوا على ما ينفعكم في أمور دينكم ودنياكم.

 

اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.

 

اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تشمت بنا أعداء ولا حاسدين يا رب العالمين.

 

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، واحم حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان.

 

اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمةً عامة وهداية عامةً يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، اللهم سلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين.

 

اللهم من أراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا له يا سميع الدعاء.

 

اللهم وفقّ ولاة أمرنا لما يرضيك، اللهم وفقهم بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك، واجعلهم من أنصار دينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم حببّ إليهم الخير وأهله، وبغضّ إليهم الشر وأهله يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

 

(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].

 

 

المرفقات

على ما ينفعك

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات