احذر عاقبة الذنوب

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات:


المؤلف: أزهري أحمد محمود

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله تعالى. توالت نعمه الجزيلة. وتجددت ألطافه الجليلة. والصلاة والسلام على النبي الرحمة. وعلى الآل والأصحاب أهل الثبات عند المحنة.
وبعد:
شرارات الذنوب نيران محرقة .. وبوائق مهلكة!
شرارها تحت الرماد كامن .. ونيرانها إن بدت أحرقت الأماكن!
فيا لغرور من غفل عن عواقبها الوخيمة .. ويا لضلال من جهل أضرارها الجسيمة!
لذتها العاجلة ألهت المذنبين عن التدبر .. وبريقها الكاذب خدع من لا يتفكر!
جسمك بالحمية حصنته ... مخافة من ألم طاري
وكان أولى بك أن تحتمي ... من المعاصي خشية الباري

* أيها المذنب! هل تفكرت في عواقب الذنب؟ !
نعم .. إن للذنوب عواقب وخيمة .. فيا من ركبت الذنب هل تذكرت ذلك .. ووقفت قليلاً مراجعًا لنفسك؟ !
قال أبو سليمان الداراني: «من صَفَّى صُفِّيَ له، ومن كدَّر كُدِّر عليه، ومن أحسن في ليله؛ كوفئ في نهاره، ومن أحسن في نهاره؛

كوفئ في ليله».

* أيها المذنب! لا تغرنك السلامة!
أيها المذنب! لا يغرنك ما أنت فيه من سلامة الجسم والمال والولد .. فإن العقوبة قد تأتي بغتة .. وإن الإثم لا ينسى!
قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: «اعبدوا الله كأنكم ترونه، وعدوا أنفسكم في الموتى، واعلموا أن قليلاً يغنيكم خير من كثير يلهيكم، واعلموا أن البر لا يبلى، وإن الإثم لا يُنسى»!

* أيها المذنب! كم حري بك أن تخاف ذنبك!
كم من مذنب تراه آمنًا .. لاهيًا .. غير مبال بذنوبه! لا موعظة ترده .. ولا عقل إلى الصواب يقوده! ولو تدبر هذا في أمره لعلم أنه في خسران عظيم! وأي خسار أعظم من عاص لا يبال بما أتى؟ !
{فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 37 - 41].
سُئل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن حسن الظن؟ فقال: «من جنس الظن؛ ألا ترجو إلا الله عز وجل، ولا تخاف إلا ذنبك».

* أيها المذنبّ! أما تذكرت بطش من عصيته؟ !
عجبًا لك أيها المذنب! لو تفكرت في بطش من عصيته؛ لردك ذلك عن غيك .. ولعلمت أنك تعصي ذا البطش الشديد .. ومن لا يعذب عذابه أحد!

كان عمر بن عبد العزيز في سفر مع سليمان بن عبد الملك، فأصابتهم السماء برعد وبرق وظلمة وريح شديدة، حتى فزعوا لذلك، وجعل عمل بن عبد العزيز يضحك! فقال له سليمان: ما ضحكك يا عمر؟ ! أما ترى ما نحن فيه؟ !
قال له: يا أمير المؤمنين هذا آثار رحمته فيه شدائد كما ترى، فكيف بآثار سخطه وعذابه؟ !

* أيها المذنب! أتدري من هو أول من تؤذيه؟ !
إنها: نفسك! نعم نفسك التي بين جنبيك .. إنها أول من تؤذيها بذنوبك .. فما أكرم نفسه من أوقعها في المعاصي .. فلا غرابة أن يكون العاصي من أهون الناس!
{وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج: 18].
* قال الحسن البصري: «هانوا عليه فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم»!
* وعن سفيان بن عيينة قال: «قال رجل لبعض الحكماء وأراد مفارقته: أوصني. قال له: إياك أن تسيء إلى من تحب! فقال له: وهل أحد يسيء إلى من يحبه؟ ! فقال: نعم، أن تعصي الله فتعذب عليه، فتكون قد أسأت إلى نفسك»!

* أيها المذنب! إليك شيئًا من عقوبات المعاصي:
قال ابن عباس رضي الله عنهما: «إن للحسنة ضياء في الوجه، ونورًا في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب

الخلق، وإن للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق»!
هذه بعض الآثار للذنوب .. يجدها أهل المعاصي .. وأين ذلك من آثار الطاعات؟ !
فإياك - أيها العاقل - أن تكون من المغبونين؛ فتختار الأدنى على الأعلى!

* أيها المذنب! هل تفقدت قلبك؟ !
أيها المذنب! لو كشف لك عن قلبك؛ لرأيت آثر الذنوب تنبيك أنه لا داء أدوى من الذنوب!
* قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن العبد إذا أخطأ خطيئة؛ نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب؛ صقل قلبه، وإن عاد زيد فيها، حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}» [رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم].
أيها المذنب! هل شعرت أن في الذنوب موتًا لقلبك .. وغطاء كثيفا يحجبه عن أنواع الهدى والخير؟ !
رأيت الذنوب تميت القلوب ... ويتبعها الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب ... والخير للنفس عصيانها

* قال مالك بن دينار: «ما ضرب عبد بعقوبة أعظم عليه من

قسوة القلب»!
* وقال محمد بن واسع: «الذنب على الذنب يميت القلب»!
أيها المذنب! أي خير ترجوه بعد فساد قلبك وموته؟ ! فها أنت إذا أحسست بألم خفيف في قلبك؛ هرعت إلى كل طبيب .. وقلت: قلبي قلبي! ولكنك لا تبالي بداء الذنوب .. وران القلوب!
فأفق أيها الغافل .. قبل أن لا تفيق!

* أيها المذنب! الذنب ذل!
* قال الحسن البصري: «من تعزز بالمعصية أورثه الله عز وجل الذلة، ولا يزال العبد بخير ما كان له واعظ من نفسه».
* وقال سليمان التيمي: «إن الرجل ليصيب الذنب في السر، فيصبح وعليه مذلته»! .

* أيها المذنب! الذنب سبب في بغض الناس وذمهم!
لقد جبلت النفوس على حب محاسن الأخلاق، وبغض مذمومها .. فإذا رأت كريمًا، عاملاً بالطاعات؛ هشت له، وخفت للقائه .. وإذا رأيت مائلاً عن طريق الحق؛ انقبضت لمرآه!
* كتبت عائشة إلى معاوية رضي الله عنهما: «أما بعد: فإن العبد إذا عمل بمعصية الله؛ عاد حامده من الناس ذامًا»!
* وعن سالم بن أبي الجعد عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: «ليحذر امرؤ أن تلعنه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر! ثم قال: تدري مم هذا؟ ! قلت: لا.

قال: إن العبد يخلو بمعاصي الله، فيلقى الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر»!

* أيها المذنب! المعاصي سبب في زوال النعم!
إن من لوازم شكر النعم؛ أن يستغلها العبد في طاعة الله تعالى، ولا يجعلها وسيلة إلى المعصية، واللذات المحرمة .. وكم من العصاة عكسوا الأمر؛ فبدلاً من شكر الذي أنعم عليهم، والاستعانة بنعمه على طاعته؛ تراهم لاهين بما خولهم الله من نعمة .. مشغولين بأنواع المعاصي!
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112].
وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ: 15 - 17].
قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: «وأيم الله ما كان قوم في خفض من عيش فزال عنهم إلا بذنوب اجترموها، لأن الله تعالى ليس بظلام للعبيد، ولو أن الناس حين تنزل بهم النقم، وتزول النعم؛

فزعوا إلى ربهم بصدق من نياتهم، ووله من قلوبهم؛ لرد عليهم كل شارد، وأصلح لهم كل فاسد»!

* أيها المذنب! المعاصي سبب في عقوق الولد!
وهذا جزاء قد لا يلحظه المذنب .. وحري بمن عصى ملك الملوك أن يعصيه ولده!
* قال الحسن البصري: «إذا رأيت في ولدك ما تكره؛ فاعتب ربك، فإنما هو شيء يراد به أنت»!
* وقال مالك بن دينار: «إن الله عز وجل إذا غضب على قوم؛ سلط عليهم صبيانهم»!

* أيها المذنب! المعصية جالبة للوحشة! !
إن السكينة وطمأنينة القلب؛ ثمار يجنيها أهل الطاعات .. وذلك أغلى ما يظفر به رابح!
وضد ذلك؛ وحشة القلب التي يحياها العاصي .. وهي ثمار المعصية والذنوب ..
قال زهير البابي: «كل مطيع مستأنس، وكل عاص مستوحش، وكل محب ذليل، وكل خائف هارب، وكل راج طالب».

* أيها المذنب! أما علمت أن الدواب تلعن عصاة بني آدم؟ !
إن الدواب لتتأذى من معصية الإنسان .. ويحبس عنها الخير بسبب ذلك .. فتلعن عصاة بني آدم!
* قال رجل عند أبي هريرة: إن الظالم لا يظلم إلا نفسه! فقال

أبو هريرة: «كذبت! والذي نفس أبي هريرة بيده، إن الحبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم»!
* وقال قتادة: «إن دواب الأرض تدعو على خطَّائي بني آدم إذا احتبس القطر في السماء، يقولون: هذا عمل عصاة بني آدم، لعن الله عصاة بني آدم»!

* أيها المذنب! من عواقب الذنب؛ تسليط الأعداء!
فكم من مذهب تسلط عليه عدوه بسبب ذنبه وهو لا يشعر! فإن الذنب أكبر معين لعدوك عليك ..
وما أحوج الإنسان إلى النصر في مواطن كثيرة .. فيخذل أحوج ما يكون إلى النصر .. وذلك بسبب الذنوب!
* قال الفضيل بن عياض: «أوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائه: إذا عصاني من يعرفني؛ سلطت عليه من لا يعرفني»!
وعن جبير بن نفير قال: «لما فتحت قبرص فُرِّق أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، رأيت أبا الدرداء جالسًا وحده يبكي! فقلت: يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ ! فقال: ويحك يا جبير! ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره! ببينما هي أمة قاهرة، ظاهرة لهم الملك، تركوا أمر الله، فصاروا إلى ما ترى»!
* ونظر بعض أنبياء بني إسرائيل إلى ما يصنع بهم بختنصر، فقال: «بما كسبت أيدينا سلطت علينا من لا يعرفك ولا يرحمنا»!

* وقال بختنصر لدانيال: ما الذي سلطني على قومك؟ ! قال: «عظم خطيئتك، وظلم قومي أنفسهم»!

* أيها المذنب! قف قليلاً عند هذه النماذج الصادقة!
* بينما داود - عليه السلام - جالسًا على باب داره، جاء رجل فاستطال عليه، فغضب له إسرائيلي كان معه، فقال: لا تغضب فإن الله إنما سلطه علي لجناية جنيتها!
فدخل فتنصل إلى ربه، فجاء الرجل يقبل رجليه، ويعتذر إليه!
* استطال رجل على أبي معاوية الأسود، وأسمعه شرًا، فقال: «أستغفر الله، وأعوذ بالله من الذنب الذي سلطك به علي»!
ها هم الصالحون يقفون عند هذه العقوبة؛ فإذا رأوا عدوًا متسلطًا؛ تذكروا الذنوب .. فكيف بك يا من أسرفت في المعاصي .. هل تذكرت ذلك؟ !

* أيها المذنب! الذنوب داعية الهلاك!
كم من الأمم والأحقاب أذن الله تعالى بهلاكهم؛ بسبب الذنوب والجرائر .. وقد قص الله تعالى علينا ذلك في كتابه العزيز .. وفي ذلك عظة لكل عاقل ..
{فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40].

* قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: «إذا ظهر الزنا في قرية أُذن بهلاكها»!
* زلزلت المدينة على عهد عمر - رضي الله عنه - فقال: «أيها الناس، ما هذا؟ ! ما أسرع ما أحدثتم! لئن عادت لا أساكنكم فيها»!

* وأخيرًا:
أيها المذنب! إليك هذه النماذج لأناس اشتهروا بفعل الطاعات .. ومع هذا كانوا يذكرون الذنب وإن قل!
* بكى الحسن البصري ذات ليلة حتى أبكى أهله! فقيل: «فكرت في نفسي، فقلت: وما يدريك يا حسن لعلك قد أذنبت ذنبًا، مقتك الله عليه مقتًا، لا يريد مراجعتك أبدًا»!
* وقال ابن سيرين: «إني لأعرف الذنب الذي حمل عليَّ الدَّيْن، قلت لرجل منذ أربعين سنة: يا مفلس»!
قال أبو سليمان الدارني رحمه الله: «قلت ذنوبهم فعلموا من أين يؤتون، وكثرت ذنوبي وذنوبك فلا ندري من أين نؤتى»!
* ودخلوا على كرز بن وبرة، وهو يبكي، فقال: «إن الباب لمجاف، وإن الستار حي، وما دخل علي أحد، وقد عجزت عن جزئي، وما أظنه إلا بذنب»!
أيها المذنب! تذكر عقاب من عصيته! تذكر عقاب ذي البطش الشديد! ولا تغرنك نعمة أنت فيها .. فإن الله تعالى يمهل .. ولا يفوته أحد .. فتذكر عاقبة الذنوب .. فتب إلى الله تعالى .. وارجع عن قريب .. قبل نزول العقاب والوعيد!
والحمد لله تعالى .. والصلاة والسلام على النبي وآله وصحبه ..

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات