احذروا المعاصي

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

 

 

الشيخ صلاح نجيب الدق

 

الحمد لله الذي له ملك السموات والأرض، يحيي ويميت وهو على كل شيءٍ قدير، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ، الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد:

 

فإن المعاصيَ هي سبب غضب الله تعالى على العبد؛ من أجل ذلك أحببت أن أحذر نفسي وأحبابي الكرام من المعاصي على ضوء القرآن الكريم وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فأقول وبالله تعالى التوفيق:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معنى المعصية:

 

المعصية في اللغة:

 

المعصية: الخروج عن الطاعة، ومخالفة الأمر؛ (المفردات - للراغب الأصبهاني - صـ 337).

 

 

 

المعصية في الشرع:

 

مخالفة أوامر الله تعالى ورسولِه صلى الله عليه وسلم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ﴾ [طه: 121].

 

وقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36]؛ (التعريفات - علي بن محمد الجرجاني - صـ 151).

 

 

 

أسماء المعاصي:

 

جاء معنى المعصية بألفاظ كثيرة، ومن ذلك ما يأتي:

 

(1) الفسوق والعصيان:

 

قال الله عز وجل: ﴿ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ﴾ [الحجرات: 7].

 

 

 

(2) الحُوب:

 

قال الله تعالى: ﴿ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 2].

 

 

 

(3) الذنب:

 

قال سبحانه بعد أن ذكَر قوم لوط، ومدين، وعاد، وثمود، وقارون، وفرعون، وهامان: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40].

 

 

 

(4) الخطيئة:

 

قال تعالى في ذِكره لقول إخوة يوسف صلى الله عليه وسلم: ﴿ قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ﴾ [يوسف: 97].

 

 

 

(5) السيئة:

 

قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود: 114].

 

 

 

(6) الإثم والغي:

 

قال الله عز وجل: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33].

 

 

 

(7) الفساد:

 

قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 33].

 

 

 

(8) العُتُو:

 

قال الله عز وجل: ﴿ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ [الأعراف: 166]؛ (نور التقوى - سعيد القحطاني - صـ 38: 37).

 

 

 

اجتناب المعاصي وصيَّة رب العالمين:

 

حذَّرنا الله تعالى من ارتكاب المعاصي في كثير من آيات القرآن الكريم، وسوف نذكر بعضًا منها:

 

(1) قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278، 279].

 

 

 

(2) قال جل شأنه: ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [النساء: 14].

 

 

 

(3) قال الله عز وجل: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93].

 

 

 

(4) قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90].

 

 

 

(5) قال جل شأنه: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 33، 34].

 

 

 

(6) قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا * وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا * وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [الإسراء: 32 - 35].

 

 

 

(7) قال جل شأنه: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾ [طه: 124- 126].

 

 

 

(8) قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19].

 

 

 

(9) قال سبحانه: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].

 

 

 

(10) قال جل شأنه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12].

 

 

 

نبينا صلى الله عليه وسلم يحذرنا من المعاصي:

 

حذرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مِن خطورة المعاصي في كثير من أحاديثه الشريفة، وسوف نذكر بعضًا منها:

 

(1) روى الشيخانِ عن أبي بكرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟)) ثلاثًا، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين - وجلس وكان متكئًا فقال - ألا وقول الزور))، قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت؛ (البخاري حديث: 2654/ مسلم حديث: 87).

 

 

 

(2) روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبع الموبِقات "المهلِكات"))، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: ((الشرك بالله، والسِّحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولِّي يوم الزحف، وقذف المحصَنات (العفائف) المؤمنات الغافلات))؛ (البخاري حديث: 2766/ مسلم حديث: 89).

 

 

 

(3) روى الشيخان عن زينب بنت جحشٍ رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعًا يقول: ((لا إله إلا الله، ويلٌ للعرب، مِن شر قد اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه))، وحلَّق بإصبعه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحشٍ: فقلت: يا رسول الله، أنهلِك وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم، إذا كثُر الخبث "أي المعاصي"))؛ (البخاري حديث: 3346/ مسلم حديث: 2880).

 

 

 

(4) روى البخاري عن أبي هريرة: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كلُّ أمتي يدخلون الجنة إلا مَن أبى))، قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: ((مَن أطاعني دخل الجنة، ومَن عصاني فقد أبى))؛ (البخاري حديث: 7280).

 

 

 

(5) روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن كانت له مَظلِمةٌ لأخيه من عِرضه أو شيءٍ، فليتحلَّلْه منه اليوم، قبل ألا يكون دينارٌ ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مَظلِمته، وإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحُمِل عليه))؛ (البخاري حديث: 2449).

 

 

 

(6) روى مسلمٌ عن حذيفة بن اليمان، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يدخل الجنةَ نمَّام))؛ (مسلم - حديث: 105).

 

 

 

(7) روى مسلم عن جابر بن عبدالله قال: (لعَن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم آكلَ الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه))، وقال: ((هم سواءٌ))؛ (مسلم حديث: 1598).

 

 

 

(8) روى مسلم عن أبي هريرة: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن حمَل علينا السلاح فليس منا، ومَن غشَّنا فليس منا))؛ (مسلم - حديث: 101).

 

 

 

(9) روى مسلمٌ عن أبي ذر الغفاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: ((يا عبادي، إني حرَّمتُ الظلم على نفسي، وجعلتُه بينكم محرمًا؛ فلا تظالموا))؛ (مسلم حديث: 2577).

 

 

 

(10) روى مسلم عن عبدالله بن مسعودٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يدخل الجنةَ مَن كان في قلبه مثقالُ ذرةٍ من كِبْرٍ))، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنةً، قال: ((إن اللهَ جميلٌ يحب الجمال، الكِبْر بطَر الحق، وغَمْط الناس))؛ (مسلم حديث: 91).

 

 

 

(11) روى أبو داود عن أنس بن مالكٍ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لمَّا عُرِج بي مررت بقومٍ لهم أظفار من نُحاسٍ، يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم))؛ (حديث صحيح)، (صحيح أبي داود - للألباني - حديث: 4080).

 

 

 

المعاصي في عيون السلف الصالح:

 

سوف نذكر بعض أقوال سلفنا الصالح في التحذير من المعاصي:

 

(1) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (يا أهل مكة، اتقوا اللهَ في حرمكم هذا، أتدرون مَن كان ساكن حرمكم هذا من قبلكم؟ كان فيه بنو فلانٍ فأحلُّوا حرمته فهلكوا، وبنو فلانٍ فأحلُّوا حرمته فهلكوا، حتى عد ما شاء الله، ثم قال: والله لأن أعملَ عشرَ خطايا بغيره أحب إليَّ مِن أن أعمل واحدةً بمكة)؛ (شعب الإيمان - للبيهقي - جـ 5 - صـ 464 - رقم: 3723).

 

 

 

(2) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (توشك القرى أن تخربَ وهي عامرة، قيل: وكيف تخرب وهي عامرة؟ قال: إذا علا فجَّارُها أبرارَها، وساد القبيلةَ منافقوها)؛ (الجواب الكافي - لابن القيم - صـ 72).

 

 

 

(3) قال عبدالله بن مسعودٍ: (إن المؤمنَ يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبلٍ يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجرَ يرى ذنوبه كذُبابٍ مر على أنفه، فقال به هكذا)؛ (البخاري حديث: 6308).

 

 

 

(4) قالت عائشة زوجة نبينا صلى الله عليه وسلم: (أقلُّوا الذنوب؛ فإنكم لن تلقَوُا اللهَ بشيءٍ أفضلَ من قلة الذنوب)؛ (الزهد لوكيع بن الجراح - صـ 535 - رقم: 273).

 

 

 

(5) قال عبدالله بن عباسٍ: (يا صاحب الذَّنْب، لا تأمنَنَّ مِن سوء عاقبته، ولَمَا يتبع الذنب أعظمُ من الذنب إذا علمتَه؛ فإن قلة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال، وأنت على الذنب، أعظمُ مِن الذنب الذي عملتَه، وضحكك وأنت لا تدري ما الله صانع بك أعظمُ من الذنب، وفرحك بالذنب إذا ظفِرْتَ به أعظم من الذنب، وحزنك على الذنب إذا فاتك أعظمُ من الذنب إذا ظفِرْتَ به، وخوفك من الريح إذا حرَّكَتْ ستر بابك وأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك مِن نظر الله إليك أعظمُ مِن الذنب إذا عملتَه)؛ (حلية الأولياء - أبو نعيم الأصبهاني - جـ 1 - صـ: 324).

 

 

 

(6) قال عبدالله بن عباسٍ: (إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونورًا في القلب، وسَعةً في الرزق، وقوةً في البدن، ومحبةً في قلوب الخَلْق، وإن للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمةً في القبر والقلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبِغْضةً في قلوب الخَلْق)؛ (الجواب الكافي - لابن القيم - صـ 79).

 

 

 

(7) قال عبدالرحمن بن أبي ليلى: (كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن مخلدٍ: أما بعد، فإن العبد إذا عمِل بطاعة الله أحبه الله، فإذا أحبه الله، حبَّبه إلى خلقه، وإن العبد إذا عمل بمعصية الله أبغضه الله، فإذا أبغضه الله بغَّضه إلى خلقه)؛ (الزهد لوكيع بن الجراح - صـ 847 - رقم: 524).

 

 

 

(8) روى أبو نعيم عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: (لِيحذَرِ امرؤ أن تُبغِضَه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر)، ثم قال: (أتدري ما هذا؟) قلت: لا، قال: (العبدُ يخلو بمعاصي الله عز وجل، فيُلقي الله بُغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر)؛ (حلية الأولياء - أبو نعيم الأصبهاني - جـ 1 - صـ: 215).

 

 

 

(9) روى أبو نعيمٍ عن جبير بن نفيرٍ قال: لما فُتحت قبرص فُرِّق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعضٍ، ورأيت أبا الدرداء جالسًا وحده يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء، ما يبكيك في يومٍ أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ قال: (ويحك يا جبيرُ! ما أهون الخلق على الله إذا هم تركوا أمره! بينا هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى)؛ (حلية الأولياء - أبو نعيم الأصبهاني - جـ 1 - صـ: 216).

 

 

 

(10) قال عمر بن عبدالعزيز: (إن الله تبارك وتعالى لا يعذِّب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عُمِل المنكَر جِهارًا استحقوا العقوبة كلُّهم)؛ (العقوبات - لابن أبي الدنيا - صـ 51 - رقم: 55).

 

 

 

(11) قال محمد بن واسعٍ: (الذنب على الذنب يُميت القلب)؛ (العقوبات - لابن أبي الدنيا - صـ 58 - رقم: 70).

 

 

 

(12) قال مالك بن دينارٍ: (إن الله عز وجل إذا غضِب على قومٍ، سلَّط عليهم صِبْيانهم)؛ (العقوبات - لابن أبي الدنيا - صـ 60 - رقم: 74).

 

 

 

(13) قال مكحولٌ الشامي: (رأيتُ رجلًا يبكي في صلاته، فاتهَمْتُه بالرياء، فحُرمت البكاء سنةً)؛ (العقوبات - لابن أبي الدنيا - صـ 63 - رقم: 83).

 

 

 

(14) قال أبو بكر بن عياشٍ: (لما أذنبت بنو إسرائيل، سلَّط الله عليهم الروم فسَبَوْا نساءهم)؛ (العقوبات - لابن أبي الدنيا - صـ 55 - رقم: 60).

 

 

 

(15) قال قتادةُ بن دعامة: (إن دوابَّ الأرض تدعو على خطَّائي بني آدم إذا احتبس القَطْرُ في السماء، يقولون: هذا عمل عصاة بني آدم، لعن اللهُ عصاةَ بني آدم)؛ (العقوبات - لابن أبي الدنيا - صـ 69 - رقم: 101).

 

 

 

(16) قال الفُضَيل بن عياضٍ: (بقدرِ ما يصغُرُ الذنبُ عندك يعظُمُ عند الله، وبقدر ما يعظُمُ عندك يصغُرُ عند الله)؛ (سير أعلام النبلاء - للذهبي - جـ 8 - صـ 427).

 

 

 

(17) قال الفضيل بن عياضٍ: (إني لأعصي الله فأعرِفُ ذلك في خُلق دابَّتي وجاريتي)؛ (ذم الهوى - لابن الجوزي - صـ 185).

 

 

 

(18) قال سُليمان التيمي: (إن الرجلَ لَيُصيب الذنب في السرِّ، فيُصبح وعليه مذلَّتُه)؛ (صفة الصفوة - لابن الجوزي - جـ 2ـ صـ 177).

 

 

 

(19) قال كعبُ الأحبار: (إنما تزلزل الأرض إذا عُمِلَ فيها بالمعاصي، فترعد فَرَقًا (خوفًا) من الربِّ جل جلاله أن يطَّلِعَ عليها)؛ (العقوبات - لابن أبي الدنيا - صـ 31 - رقم: 21).

 

 

 

(20) روى أبو نعيم عن ابن عونٍ، عن محمد بن سيرين: أنه لما ركبه الدَّيْن اغتمَّ لذلك، فقال: (إني لأعرف هذا الغمَّ بذنبٍ أصبتُه منذ أربعين سنةً)؛ (حلية الأولياء - أبو نعيم الأصبهاني - جـ 2 - صـ 271).

 

 

 

(21) قال الحسَنُ البَصري: (إن المؤمنَ لا يُصبِح إلا خائفًا، ولا يُصلِحه إلا ذاك؛ لأنه بين ذنبَيْنِ: ذنب مضى لا يدري كيف يصنَعُ اللهُ فيه، وآجل، أو قال: آخر، لا يدري ما كتب عليه فيه)؛ (الزهد - أحمد بن حنبل - صـ 226ـ رقم: 1594).

 

 

 

أصولُ المعاصي:

 

قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: أصول الخطايا كلها ثلاثة:

 

(1) الكِبْر: وهو الذي أصار إبليسَ إلى ما أصاره.

 

(2) الحرص: وهو الذي أخرج آدمَ من الجنة.

 

(3) الحسد: وهو الذي جرَّأ أحد ابنَيْ آدم على أخيه.

 

 

 

فمَن وُقِيَ شر هذه الثلاثة فقد وُقِيَ الشر؛ فالكفر من الكِبْر، والمعاصي من الحرص، والبَغْي والظلم من الحسد؛ (الفوائد - لابن القيم - صـ 58).

 

 

 

أنواع المعاصي:

 

تنقسم المعاصي إلى أربعة أقسامٍ: ملَكيةٍ، وشيطانيةٍ، وسَبُعيةٍ، وبهيميةٍ.

 

(1) المعاصي الملَكية:

 

أن يتصف الإنسان بما لا يصح له من صفات الربوبية؛ كالعظَمة، والكبرياء، والجبروت، والقهر، والعلو، واستعباد الخَلْق، ونحو ذلك، ويدخل في هذا شركٌ بالله تعالى، وهو نوعان: شرك به في أسمائه وصفاته، وجعل آلهةٍ أخرى معه، وشرك به في معاملته (الرياء).

 

 

 

وهذا القسمُ أعظمُ أنواع المعاصي، ويدخل فيه القولُ على الله بلا علمٍ في خَلْقه وأمره؛ فمَن كان من أهل هذه الذنوب، فقد نازع اللهَ سبحانه في ربوبيته وملكه، وجعل له ندًّا، وهذا أعظمُ الذنوب عند الله، ولا ينفع معه عمل.

 

 

 

(2) المعاصي الشيطانية:

 

وأما المعاصي الشيطانية: فالتشبُّه بالشيطان في الحسد، والبغي والغش والغل والخداع والمكر، والأمر بمعاصي الله وتحسينها، والنهي عن طاعته وتهجينها، والابتداع في دِينه، والدعوة إلى البدع والضلال، وهذا النوعُ يَلي النوع الأول في المفسدة، وإن كانت مفسدتُه دونه.

 

 

 

(3) المعاصي السَّبُعية:

 

مثل ذنوب العدوان والغضب وسفك الدماء، والتوثُّب على الضعفاء والعاجزين، ويتولد منها أنواع أذى النوع الإنساني والجرأة على الظلم والعدوان.

 

 

 

(4) المعاصي البهيمية:

 

مثل الشَّرَهِ والحرص على قضاء شهوة البطن والفَرْج، ومنها يتولد الزنا والسرقة وأكل أموال اليتامى، والبُخل، والشح، والجبن، والهلَع، وغير ذلك، وهذا القسم أكثرُ ذنوب الخَلْق؛ (الجواب الكافي - لابن القيم - صـ 170: 169).

 

 

 

أقسام المعاصي:

 

تنقسم المعاصي إلى صغائرَ وكبائرَ.

 

قال الله تعالى: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾ [النساء: 31].

 

هذه الآية المباركة صريحةٌ في انقسام الذنوب إلى كبائرَ وصغائر.

 

 

 

روى مسلم عن أبي هريرة: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((الصلوات الخَمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان - مُكفِّرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر))؛ (مسلم حديث: 233).

 

 

 

روى الشيخانِ عن عبدالله بن مسعود قال: سألت النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: ((أن تجعلَ لله ندًّا وهو خلَقك))، قلت: إن ذلك لعظيم، قلت: ثم أيُّ؟ قال: ((وأن تقتُلَ ولدك تخاف أن يطعَمَ معك))، قلت: ثم أي؟ قال: ((أن تُزانيَ حليلةَ جارك))؛ (البخاري حديث: 4477/ مسلم حديث: 86).

 

 

 

تعريف الكبيرة:

 

قال الماوردي - رحمه الله -: الكبيرةُ: هي كلُّ ما أوجب الحدَّ، أو توجَّه إليه الوعيد؛ (الزواجر - للهيتمي - جـ 1 - صـ 8).

 

 

 

التحذير من صغائر المعاصي:

 

يجب على المسلم العاقل ألا يستهينَ بصِغر المعصية؛ لأن الإصرارَ عليها قد يُهلكه.

 

 

 

روى ابن ماجه عن عائشة، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عائشةُ، إياك ومحقَّراتِ الأعمال؛ فإن لها مِن الله طالبًا))؛ (حديث صحيح)، (صحيح ابن ماجه - للألباني - حديث: 3421).

 

(مُحقَّرات الأعمال)؛ أي: ما لا يبالي المرءُ به مِن المعاصي.

 

 

 

روى أحمدُ عن سهل بن سعدٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم ومُحقَّراتِ الذنوب؛ فإنما مَثَل مُحقَّرات الذنوب كقومٍ نزلوا في بطن وادٍ، فجاء ذا بعودٍ، وجاء ذا بعودٍ حتى أنضجوا خُبزتَهم، وإن مُحقَّرات الذنوب متى يُؤخَذْ بها صاحبها تُهلِكْه))؛ (حديث صحيح)، (مسند أحمد - جـ 37 - صـ 467 - حديث: 22808).

 

 

 

♦ قال ابن المعتز:

خلِّ الذنوبَ صغيرها

وكبيرها فهو التُّقى

كن مثل ماشٍ فوق أر

ضِ الشَّوْك يحذرُ ما يرى

لا تحقِرَنَّ صغيرةً

إنَّ الجبالَ مِن الحصى

 

(ديوان ابن المعتز - صـ 45).

 

 

 

أمورٌ تعظُمُ بها صغائرُ المعاصي:

 

يمكن أن نوجز الأسباب التي تجعل المعاصيَ الصغيرةَ كبيرةً في الأمور التالية:

 

(1) الإصرار والمواظبة على المعصية:

 

كبيرةٌ واحدة تنقضي ولا يتبعها مثلُها يكون العفوُ عنها أرجى من صغيرةٍ يواظب عليها العبدُ.

 

ومثال ذلك قطراتٌ مِن الماء تقع متواليات على الحجَر فتؤثر فيه، وذلك القدر لو صُبَّ عليه دفعةً واحدةً لم يؤثر.

 

قال ابن عباسٍ: (لا كبيرةَ مع استغفارٍ، ولا صغيرةَ مع إصرارٍ)؛ (تفسير الطبري - جـ 6 - صـ 651).

 

 

 

(2) استصغار المعصية:

 

إن الذنبَ كلما استعظَمه العبدُ من نفسه صغُر عند الله تعالى، وكلما استصغره كبُرَ عند الله تعالى؛ لأن استعظامَه يصدُرُ عن نفور القلب عنه، وذلك النفور يمنَع مِن شدة تأثُّره به، واستصغاره يصدر عن الإلفِ به، وذلك يوجبُ شدةَ الأثر في القلبِ.

 

 

 

♦ قال عبدُالله بن مسعودٍ: (إن المؤمنَ يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبلٍ يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذُبابٍ مر على أنفِه، فقال به هكذا)؛ (البخاري حديث: 6308).

 

 

 

♦ روى البخاري عن أنسٍ رضي الله عنه، قال: (إنكم لَتعملون أعمالًا، هي أدقُّ في أعينكم من الشَّعَر، إن كنا لنعُدُّها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الموبِقات)، قال أبو عبدالله: (يعني بذلك المُهلِكاتِ)؛ (البخاري - حديث: 6492).

 

 

 

♦ (أدقُّ في أعينكم من الشَّعَر) كناية عن احتقارِهم لها، واستهانتهم بها.

 

 

 

♦ قال بلالُ بن سعدٍ: (لا تنظُرْ إلى صِغَرِ الخطيئةِ، ولكن انظُرْ مَن عصَيْتَ)؛ (الزهد - أحمد بن حنبل - صـ 311ـ رقم: 2267).

 

 

 

(3) السرور بالمعصية:

 

كلما غلبَتْ حلاوة المعصية الصغيرةِ عند العبد كبُرَت وعظُم أثرها في تسويد قلبه؛ كمَن يقول: لقد مزَّقْتُ عِرضه، وفضحتُه، وخدعتُه! فهذا وأمثاله مما تكبُرُ به الصغائر؛ فإن الذنوب مهلكات.

 

 

 

(4) التهاون بسترِ الله على المعصية:

 

إن تهاونَ العبد بستر الله عليه وحِلمه عنه وإمهاله إياه، لا يدري أنه إنما يُمهَل مَقْتًا ليزداد بالإمهال إثمًا، فيظن أن تمكُّنَه من المعاصي عنايةٌ من الله به؛ وذلك لأمنِه مِن مكر الله، وجهله بمكامن الغرور بالله.

 

 

 

(5) المجاهَرة بالمعصية:

 

مِن أسباب عِظَم المعصية الصغيرة أن يأتي العبدُ الذنبَ ويُظهره؛ بأن يذكره بعد إتيانه، أو يأتيَه في مشهد غيره؛ فإن ذلك جناية منه على ستر الله الذي سدله عليه، وتحريكٌ لرغبة الشر فيمن أسمعه ذنبه، أو أشهده فعله، فهما جنايتانِ انضمتا إلى جنايةٍ، فتغلَّظت بهما، فإن انضاف إلى ذلك ترغيب الغير فيه صارت جنايةً رابعةً، وتفاحش الأمر؛ (إحياء علوم الدين - للغزالي - جـ 4 - صـ 33: 32).

 

 

 

روى الشيخان عن أبي هريرة، قال: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كلُّ أمتي معافًى إلا المجاهرين، وإن مِن المجاهرة أن يعمل الرجلُ بالليل عملًا ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربُّه ويصبح يكشف ستر الله عنه))؛ (البخاري حديث 6069 / مسلم حديث 2990).

 

 

 

(6) العالم الذي يقتدي به الناس:

 

إذا كان العاصي عالمًا يقتدي به الناس، وفعَل الذنب الصغير عمدًا، بحيث يرى الناسُ ذلك منه، كبُر ذنبُه؛ لأن الناس سوف يقتدون به في ارتكاب هذه المعصية.

 

 

 

روى مسلمٌ عن جرير بن عبدالله البجَلي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن سنَّ في الإسلام سنةً حسنةً، فله أجرها، وأجر مَن عمل بها بعده، مِن غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومَن سن في الإسلام سنةً سيئةً، كان عليه وزرها ووزر مَن عمل بها مِن بعده، مِن غير أن ينقص من أوزارهم شيء))؛ (مسلم حديث: 1017).

 

(إحياء علوم الدين - للغزالي - جـ 4 - صـ 33: 32).

 

 

 

توبة العاصي:

 

باب التوبة مفتوحٌ أمام جميع العصاة.

 

قال الله تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].

 

 

 

قال ابن كثير - رحمه الله -: هذه الآيةُ الكريمة دعوة لجميع العصاة مِن الكفرة وغيرهم إلى التوبةِ والإنابة، وإخبار بأن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت، وإن كثُرت وكانت مثل زَبَد البحر؛ (تفسير ابن كثير جـ 12صـ 139: 138).

 

 

 

(1) روى الترمذيُّ عن أنس بن مالكٍ، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: ((قال اللهُ تبارك وتعالى: يا بنَ آدم، إنك ما دعوتَني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا بن آدم، لو بلغت ذنوبك عَنان السماء ثم استغفرتني غفرتُ لك ولا أبالي، يا بن آدم، إنك لو أتيتَني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشركُ بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرةً))؛ (حديث صحيح)، (صحيح الترمذي للألباني حديث: 2805).

 

 

 

(2) روى مسلمٌ عن أبي موسى الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن اللهَ عز و جل يبسط يده بالليل ليتوب مسيءُ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيءُ الليل، حتى تطلع الشمسُ مِن مغربها))؛ (مسلم حديث 2759).

 

 

 

(3) روى مسلمٌ عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((للهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبده حين يتوب إليه مِن أحدكم كان على راحلته بأرض فلاةٍ، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأَيِسَ منها، فأتى شجرةً فاضطجع في ظلِّها قد أَيِسَ من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمةً عنده، فأخذ بخطامها ثم قال - مِن شدة الفرح -: اللهم أنت عبدي وأنا ربُّك، أخطأ مِن شدة الفرح))؛ (مسلم حديث 2747).

 

 

 

♦ قال الإمام عليٌّ زينُ العابدين:

يا نفسُ، كُفِّي عن العصيانِ واكتَسِبي

فِعلًا جميلًا لعلَّ اللهَ يرحَمُني

يا نفسُ، ويحكِ توبي واعمَلي حسنًا

عسى تُجازَيْنَ بعد الموتِ بالحسَنِ

 

(فصل الخطاب في الزهد - محمد عويضة - جـ 1 - صـ 710).

 

 

 

شروط التوبةِ الصادقة:

 

قال الإمامُ النووي - رحمه الله -: قال العلماء: التوبةُ واجبة مِن كل ذنبٍ؛ فإن كانت المعصيةُ بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدميٍّ، فلها ثلاثة شروط:

 

أحدها: أن يُقلِع عن المعصية.

 

والثاني: أن يندمَ على فعلها.

 

والثالث: أن يعزمَ ألا يعودَ إليها أبدًا.

 

فإن فقد أحد الثلاثة لم تصحَّ توبته.

 

 

 

وإن كانت المعصيةُ تتعلق بآدمي، فشروطها أربعة: هذه الثلاثة، وأن يبرَأَ مِن حق صاحبها، فإن كانت مالًا أو نحوه ردَّه إليه، وإن كانت حدَّ قذفٍ ونحوه مكَّنه منه، أو طلب عفوه، وإن كانت غِيبةً استحله منها.

 

 

 

ويجب أن يتوبَ مِن جميع الذنوب، فإن تاب مِن بعضها صحَّت توبتُه عند أهل الحق من ذلك الذنب، وبقي عليه الباقي؛ (رياض الصالحين - للنووي - صـ 25: 24).

 

 

 

♦ يقول مصطفى السباعي: إذا همَّتْ نفسُك بالمعصية فذكِّرْها بالله، فإذا لم ترجع فذكِّرْها بأخلاق الرجال، فإذا لم ترجع فذكِّرْها بالفضيحة إذا علم بها الناس، فإذا لم ترجع فاعلم أنك تلك الساعةَ قد انقلبتَ إلى حيوانٍ؛ (هكذا علمتني الحياة - مصطفى السباعي - صـ 39).

 

 

 

وقت قَبول التوبة:

 

قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 17].

 

 

 

قال عبدالله بن عباس: قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ ﴾ [النساء: 17] معناه: قبل المرضِ والموتِ، وقال الضَّحَّاك: كلُّ ما كان قبل الموتِ فهو قريبٌ؛ (تفسير القرطبي - جـ 5 - صـ 97).

 

 

 

روى الترمذيُّ عن عبدالله بن عمر بن الخطاب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن اللهَ يقبل توبة العبد ما لم يُغرغِرْ))؛ (حديث حسن) (صحيح الترمذي للألباني - حديث 2802).

 

 

 

ختامًا:

 

أسألُ الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلَ هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعلَه ذخرًا لي عنده يوم القيامة: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه أن ينفعَ به جميع المُسلِمين.

 

 

 

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالمين.

 

وصلى الله وسلَّم على سيدنا محمدٍ، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات