عناصر الخطبة
1/التحذير من الفتن 2/بعض صور الفتن المعاصرة 3/فتنة المال والتحذير منها 4/الحث على أكل الحلال والتحذير من الحرام 5/بعض صور أكل المال الحراماقتباس
عباد الله: لقد ألقي الشح والطمع في قلوب بعض العباد؛ حتى منعوا الزكاة المفروضة، والنفقات الواجبة، وطمع البعض من الناس فيما ليس لهم به حق، وكثرت الفوضى والقتل، ولقد أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن فتنة الأمانة، وأنها سترفع في آخر الزمان حتى...
الخطبة الأولى:
الحمد لله عالم السر والنجوى، أحاط علماً بجميع الكائنات، فلا تخفى عليه خافية، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى، المبين عن ربه شرعه المنتقى، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن لنهجهم اقتفى، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله -تعالى-، واحذروا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
أمة الإسلام: تمسكوا بدينكم، واحذروا مما يصدكم عنه من مال وأهل وولد: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [الأنفال:28].
أمة الإسلام: احذروا فتنة القول، وفتنة العمل، وفتنة العقيدة، والآراء الهدامة، والمشاهدات السيئة؛ فإن ذلك كله يصدكم عن دينكم، ويوجب هلاككم -والعياذ بالله-.
أمة الإسلام: انظروا إلى سلفكم الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، واسلكوا طريقهم؛ فإنكم بذلك أمرتم، وبذلك تفلحون، إن شاء الله.
ولقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته بما سيكون إلى قيام الساعة، فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته بفتن في آخر الزمن، أخبرهم لعلهم يحذرون ويتقون ويرجعون إلى ما كان أسلافهم عليه، ويتمسكون به، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن فتنة الدين بما يحدث من المغريات المادية والفكرية، فقال صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا".
وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن فتنة الجهل والطمع والفوضى، فقال صلى الله عليه وسلم: "يتقارب الزمان، ويقبض العلم، وتظهر الفتن، ويلقى الشح، ويكثر الهرجْ، قالوا: يا رسول الله! وما الهرج؟ قال: القتل" [متفق عليه].
أمة الإسلام: لقد كاد أو قرب قبض العلم، وقل العلماء؛ قل العلماء الربانيون، قلّ أهل الخشية لله -تعالى-، وأهل الهداية.
إن العلم حقيقة هو العلم النافع؛ الذي يكون صاحبه قدوة في الخير والصلاح والزهد والروع، واتباع سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وخلفائه الراشدين.
لقد ظهرت الفتن شتى من كل نوع ومن كل جهة؛ ظهر الطعن في الإسلام، والتشكيك في الدين، وتزييف الناس فيه، وسلب محبته من قلوب الناشئين، ومحاولة إبعادهم عن هذا الدين الحنيف بكل المحاولات والمغريات المعروفة، والتي انتشرت بين الخافقين بكثرة.
أيها المسلمون: لقد تصاعدت الفتنة من جزئيات الدين وفروعه إلى أصوله وأركانه، وتطورت الفتنة من الأفراد والأقليات، وتلك طامة كبرى، ومصيبة عظمى، أن تتدرج الفتن هذا التدرج، وتتوسع هذا التوسع في حجمها وشكلها.
اللهم إنا نسألك الثبات على الإسلام، اللهم إن نسألك الثبات على الإسلام، اللهم إن نسألك الثبات على الإسلام.
أيها الإخوة في الله: شيوعية، ويهودية، وماسونية، ونصرانية، وإلحادية، ومجوسية، ووثنية؛ كل هؤلاء يحاولون الوثب على الإسلام، ولكن نسأل الله الحي القيوم أن يجعل شرورهم في نحورهم، وأن يردهم خائبين إنه على كل شيء قدير.
أمة الإسلام: كونوا على يقظة مما يدبره لكم الأعداء، ومما يجتمعون من أجله ليصدوكم عن دينكم، فهذا حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-، يسأل الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيقول: "قلت: يا رسول الله! هل بعد هذا الخير الذي جئت به من شر؟ قال: "نعم" قلت: وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: "نعم وفيه دخن" قلت: وما دخنه؟ قال: "قوم يستنون بغير سنتي، ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر" قلت: وهل بعد ذلك من شر؟ قال: "نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم قذفوه فيها" قلت: يا رسول الله! صفهم لنا؟ قال: "هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا".
فقد ظهر هذا -يا عباد الله!- ولكن خذوا حذركم، وتمسكوا بكتاب الله وبهدي رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
عباد الله: لقد ألقي الشح والطمع في قلوب بعض العباد؛ حتى منعوا الزكاة المفروضة، والنفقات الواجبة، وطمع البعض من الناس فيما ليس لهم به حق، وكثرت الفوضى والقتل، ولقد أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن فتنة الأمانة، وأنها سترفع في آخر الزمان حتى لا تكاد ترى أميناً.
ولقد صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فلقد قبضت الأمانة إلا ما شاء الله، ولقد صار الأمناء يعدون بالأصابع، فترى القبيلة ليس فيها إلا أمين واحد، والرجل يعجبك في عقله وظرفه وجلده، لكن ليس في قلبه إيمان؛ لأن الأمانة نزعت منه، ومن أراد أن ينظر إلى هذا ويتحقق منه؛ فليدخل إلى أسواق المسلمين، ويرى ما فيها.
ولقد جاء أعرابي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "متى الساعة؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة" قال: وكيف إضاعتها؟ قال: "إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة" [رواه البخاري].
عباد الله: ألا وإن من الفتن الكبيرة العظيمة: فتنة المال، وقلَّ من يسلم منها، قلَّ من يأخذ المال من وجهه ويصرفه في وجهه المشروع، فكان عند الكثير من الناس الحلال ما حل في يده بأي طريق كان، والمصروف منه ما صرفه في هواه ولو في الحرام، نستجير بالله من مضلات الفتن، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى: "ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمن الحلال أم من الحرام" [رواه البخاري].
ولقد صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن الكثير من الناس لا يبالون بالمال من أي وجه اكتسبوه، وكأنما خلقوا للمال وللدنيا، ولا حساب عليهم في ذلك ولا عقاب، يكسبون المال بالغش وبالكذب وبالرشوة وبالربا صريحاً أو خداعاً أو حيلة، ويكتسبون المال بالدعاوى الباطلة، وما أكثرها، ولا حول ولا قوة إلا بالله! بالمحاماة وبغيرها، فيدَّعون ما ليس لهم، ويجحدون ما كان عليهم، ولا يؤدون أعمالهم الوظيفية، ويأخذون المرتبات كاملة من غير نقص، كل هذه الطرق التي دخل معها المال فإنه حرام لا خير فيه، وعاقبته العذاب والنكال: "وأيما جسم نبت من السحت فالنار أولى به".
احذروا -أيها المسلمون- هذه الفتن واجتنبوها ما دمتم في زمن الإمكان قبل أن يهجم عليكم هادم الذات.
احذروا الفتن وحاربوها، فإنها إذا ظهرت عمت المجتمع كله، وأصابت الصالح والفاسد، قال الله -تعالى-: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 25].
تقول زينب أم المؤمنين -رضي الله عنها-: "استيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم- من النوم محمراً وجهه، يقول: "لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه" -وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها- قالت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: "نعم إذا كثر الخبث" [رواه البخاري].
أمة الإسلام: لقد أمركم نبيكم -صلى الله عليه وسلم- أن تستعيذوا بالله من الفتن في كل صلاة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إذا تشهد أحدكم -أي: قرأ التحيات- فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جنهم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال".
اللهم نجنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم رب محمد النبي -صلى الله عليه وسلم- اغفر لنا ذنوبنا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وأذهب غيظ قلوبنا، اللهم أذهب غيظ قلوبنا، اللهم أجرنا من مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، واحرصوا على الحلال الطيب، وجانبوا الحرام، وابتعدوا عنه، واسمعوا إلى الناصح الأمين، وهو يقول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه لنا النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فلسد الجسد كله، ألا وهي القلب".
ومع الأسف الشديد: أن الكثير من الناس استسلموا لشهواتهم، فقادتهم إلى مسالك خطرة، وسبل ملتوية مظلمة، ومن أخطر هذه الشهوات: حب الدنيا وإيثارها على الآخرة، والاندفاع وراءها في كل طريق، والتعلق بالشبه الواهية لتحصيل المال من أي وجه، ولقد تعددت في زماننا هذا أبواب المال الحرام وكثرت، ووقع فيها الكثير، فأهلكوا بذلك أنفسهم وأهليهم.
ومن المصادر الخبيثة المحرمة: أكل الربا والتعامل به، والغش، والخداع، والكذب، والخيانة، والرشوة، والتزوير، ويبع آلات اللهو بجميع أنواعها، وبيع الدخان الذي يباع مع الأطعمة في محلات التموينات مع الأسف الشديد، ولكن المنخدع بهواه، الذي غش نفسه، إذا قيل له في الدخان، قال: أعطونا الدليل؟ وكم ذكرت له الأدلة في ذلك؛ فبيع الدخان حرام، وشرب الدخان حرام، وهو لا يقل عن ثمن المسكرات.
كذلك: ثمن تصوير ذوات الأرواح، وثمن الصور ذوات الأرواح محرم -يا عباد الله- فاكتسبوا الحلال من طرقه، واجتنبوا الحرام.
اللهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك.
يا عباد الله: إذا أكل الإنسان الحلال، وشرب الحلال، ولبس الحلال، وتغذى بالحلال، ورفع يديه إلى رب العزة والجلال، يقول: يا رب! يا رب! يقول الرب -جل وعلا-: لبيك وسعديك، يسأله فيعطيه، ويتصدق فيقبل منه، ويصلح له النية والذرية.
أما إذا كان المأكل من الحرام، والمشرب من الحرام، والملبس من الحرام، والغذاء حرام، فأنى يستجاب لذلك.
اللهم أصلح أحوالنا وأعمالنا وأقوالنا، واجعلنا هداة مهتدين.
عباد اللهّ: يا أهل المجوهرات! يا أهل الذهب! اسمعوا يا من تبيعون الذهب بالدين؛ فإنه حرام ولا يجوز، فلا يجوز بيع الذهب إلا يداً بيد، وتقابض في المجلس، فمن أدان صاحبه أو صديقه فذلك رباً لا يجوز، وهذه المعاملات تدور عند كثير من الذين يبيعون الذهب إذا أتاه صديقه أو قريبه، قال: خذ من الذهب، ومتى ما يسر الله عليك أعطنا القيمة، فهذا حرام ولا يجوز، فاحذروا من هذا، يا من تبيعون الذهب!.
أسأل الله أن يجعلنا ممن يأكل الحلال، ويشرب الحلال، ويتغذى بالحلال، إنه على كل شيء قدير.
عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على من بعثه الله بشيراً ونذيراً، أكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم الله أن تصلوا عليه في محكم البيان، فقال قولاً كريماً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
ويقول صلى الله عليه وسلم: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً".
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحابه أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين.
اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم اشدد وطأتك على أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم أحصهم عدداً، اللهم اقتلهم بدداً، اللهم لا تبق منهم أحداً، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام!.
اللهم يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعال لما تريد، نسألك بعزتك التي لا ترام، وبقوتك التي لا تضام، يا حي يا قيوم، من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، اللهم خذه أخذ عزيز مقتدر، فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين.
اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين.
اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا، واغفر لآبائنا وأمهاتنا، واجمعنا وإياهم في جنات الفردوس الأعلى يا رب العالمين.
عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم