احتفاء المقدسيين بذكرى ميلاد خير النبيين

عكرمة بن سعيد صبري

2022-10-07 - 1444/03/11 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/إكرام الله تعالى لأمة الإسلام بإرساله محمد صلى الله عليه وسلم 2/الاحتفال بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم 3/المعنى الحقيقي للاحتفاء بالنبي صلى الله عليه وسلم 4/وجوب الاقتداء بسنة خير البشر صلى الله عليه وسلم 5/ثلاث رسائل بخصوص المسرى والأسرى والتعليم

اقتباس

إنَّه يتوجب على كل بيت مسلم أن يقتني كتابًا في السيرة النبويَّة، بالإضافة للقرآن الكريم؛ ليبقى المسلمون قريبينَ من حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحافلة بالعظات والدروس؛ وذلك بتدارس سيرته وبشكل مستمر...

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ لله ربِّ العالَمِينَ.

 

الحمدُ للهِ إِذْ لم يَأتِنِي أَجَلِي *** حتَّى اكتسيتُ مِنَ الإسلامِ سِربَالَا

 

الحمد لله حمدَ العابدينَ الشاكرينَ، ونستغفركَ ربَّنا ونتوب إليكَ، ونتوكَّل عليكَ، ونُثني عليكَ الخيرَ كُلَّه، أنتَ ربُّنا، ونحن عبيدك، لا معبود سواك، لا ركوع ولا سجود ولا تذلُّل ولا ولاء إلا إليكَ، سبحانكَ أنتَ ملاذُ المؤمنينَ الصادقينَ، حافظُ المسلمينَ المجاهدينَ، مُخزي السماسرة الملعونينَ، والبائعينَ الخائنينَ، هازمُ الكافرينَ المحتلينَ المتغطرسينَ، ونشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، القائل في سورة الإسراء: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)[الْإِسْرَاءِ: 81]، والقائل في سورة الأحزاب: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)[الْأَحْزَابِ: 39].

 

اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بعزك الذي لا يضام، واكلأنا بعنايتك في الليل والنهار، في الصحاري والآجام.

 

ونشهد أن سيدنا وقائدنا وقدوتنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا، عبد الله ونبيه ورسوله، صاحب الذكرى العطرة، ذكرى مولدك يا سيدي يا رسول الله، وأنت القائل: "أنا أكثر الأنبياء تبعًا يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة"، وقال من حديث مطول: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي آدم فمن سواه إلا تحت لوائي ولا فخر"، وفي حديث شريف ثالث: "أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه أو من نفسه"، فقولوا أيها المصلون: لا إله إلا الله، قولوها خالصةً من قلوبكم؛ لتنالوا شفاعةَ حبيبكم محمد -صلى الله عليه وسلم- يومَ القيامة.

 

صلَّى اللهُ عليكَ يا حبيبي يا رسول الله، ونحن نصلي عليكَ وعلى آلكَ الطيبين المطهَّرين المبجَّلين، وصحابتك الغُرّ الميامين المحجَّلين، ومَنْ تَبِعَكم وجاهَد جهادَكم إلى يوم الدين.

 

أما بعدُ: فيقول الله -عز وجل- في سورة الجمعة: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[الْجُمُعَةِ: 2]، صدق الله العظيم.

مُحمَّدٌ أشرفُ الأعرابِ والعَجَمِ *** محمدٌ خيرُ مَنْ يَمشِي على قَدَمِ

مُحمَّدٌ تاجُ رُسلِ اللهِ قاطبةً *** محمدٌ صادقُ الأقوالِ والكَلِمِ

مُحمَّدٌ قائمٌ لله ذو هِمَمٍ *** مُحمَّدٌ خاتمٌ للرُّسْلِ كُلِّهِمِ

صلى الله عليك يا حبيبي يا رسول الله.

 

أيها المصلون، يا أحباب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: غدًا السبت تُطِلّ علينا ذكرى يوم مولد الهادي محمد -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-، إنَّه يوم من أيام الله، والله -سبحانه وتعالى- يقول في سورة إبراهيم: (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ)[إِبْرَاهِيمَ: 5]، وسُئل رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عن صوم يوم الإثنين فقال: "فيه وُلِدتُ، وفيه أُنزِلَ عليَّ"، نعم هكذا قال عليه الصلاة والسلام.

 

أيها المصلون، أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان: إن رسولكم محمدًا -صلى الله عليه وسلم- يَبتهِج حين يُحتفى به في رحاب المسجد الأقصى المبارَك، إلا أنَّه يبتهج أكثر وأكثر حين نُحيي سنته في أقوالنا وأفعالنا وتصرفاتنا وأن نبلور جوهر الإسلام في قلوبنا وعقولنا وفي حياتنا اليوميَّة، وأن نَحتَكِمَ للقرآن الكريم وللسُّنَّة النبويَّة المطهَّرة، ويقول سبحانه وتعالى في سورة النساء: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[النِّسَاءِ: 65]، ويقول عليه الصلاة والسلام: "تَركتُ فيكم أمرينِ، لن تَضِلُّوا ما تمسكتُم بهما: كتاب الله وسُنَّة رسوله".

 

يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: إنَّه يتوجب على كل بيت مسلم أن يقتني كتابًا في السيرة النبويَّة، بالإضافة للقرآن الكريم؛ ليبقى المسلمون قريبينَ من حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحافلة بالعظات والدروس؛ وذلك بتدارس سيرته وبشكل مستمر.

 

أيها المسلمون، أيها المرابطون، أيتها المرابطات، وكلنا مرابطون: إنَّه نبينا، قد رفع الله ذِكرَه وقَدرَه بقوله في سورة الشرح: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)[الشَّرْحِ: 4]، في الوقت نفسه فإن الله -عز وجل- رسَم له طريق الدعوة إلى الله في سورة آل عمران بقوله: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)[آلِ عِمْرَانَ: 159]، نعم، هذا ما يتوجب علينا؛ أن نخاطب الناس بالقول اللِّين، دون فظاظة ولا غلظة؛ لأن الفظاظة والغلظة تؤديان إلى نفور الناس من هذا الدين العظيم، وأن المتسبب بذلك يكون آثما؛ لأنَّه لم يلتزم بسيرة المصطفى محمد -صلى الله عليه وسلم-، حتى إن الله -عز وجل- قد طلَب من موسى وهارون -عليهما السلام- استخدامَ خطاب اللِّين مع فرعون ملك مصر، وتعرفون من فرعون، فيقول سبحانه وتعالى- في سورة طه: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)[طه: 44].

 

أيها المسلمون، أيها المرابطون، أيتها المرابطات، وكلنا مرابطون: إنَّه النبي الذي منحه الله الشفاعة وانفرد بها دون سائر الأنبياء والمرسَلينَ، نعم إنَّه شفيعنا يوم القيامة، فيقول -عليه الصلاة والسلام-: "أمتي أمتي"؛ وذلك حرصًا منه وإشفاقا على الأمة الإسلاميَّة، والتي تكون أكثرَ الناس عددًا يومَ القيامة، ولكِنْ لا شفاعةَ لِمَنْ يُنكرون السُّنَّةَ النبويَّةَ المطهَّرةَ؛ لأنهم يكونون أصلًا قد خرجوا عن ربقة الإسلام، لا شفاعة للمُطبِّعينَ، ولا للمُنبطِحِينَ، ولا للمستسلمينَ، لا شفاعةَ للسماسرة المجرمينَ، ولبائعي الأرض الخائنينَ.

 

يا سيدي يا صاحب الذكرى: إنك نبي هذه الأمة، ونحن أتباعك، ولن نتخلى عن رسالة الإسلام السامية التي بعثها اللهُ من خلالِكَ، لقد كنتَ ولا زلتَ نجمًا ساطعًا تُنير للعالَم طريق الهداية والرشاد والفَلَاح.

إنَّ الرسولَ لَنُورٌ يُستضاءُ بِهِ *** مُهنَّدٌ مِنْ سيوفِ اللهِ مسلولُ

 

فسلام الله عليكَ من المؤمنين الصابرين المحتسبين في فلسطين، وفي بيت المقدس، ومن المصلين، ومن المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى المبارَك، يوم مولدك، ويوم بعثتك ويوم إسرائك، إلى هذه الأرض المقدَّسة المبارَكة، ويوم انتقالك إلى الرفيق الأعلى.

 

ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمينَ، والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا محمد النبي الأمي الأمين، وعلى آله وصحبه الطاهرين أجمعين، اللهم صلِّ على سيدنا محمد، وعلى آلِ سيدِنا محمد، كما صليتَ على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ.

 

 

أيها المصلون، أيها المرابطون، أيتها المرابطات، وكلنا مرابطون: أتناول في هذه الخطبة ثلاث رسائل وبإيجاز: الرسالة الأولى: بشأن التعليم في مدينة القدس، نعم التعليم الذي انشغلنا عنه، وما أدراكَ ما التعليم؛ إنَّه حديث الساعة؛ لأن سلطات الاحتلال تستهدف هُويَّة الجيل الصاعد، وتستهدف فِكرَه وعقيدتَه؛ وذلك لتُدخِلَها بالمناهج المدرسيَّة؛ لنقول: إن المناهج المدرسيَّة في شعوب العالَم تُعبِّر عن معتقَداتهم وعاداتهم وتاريخهم وحضارتهم، فَمِنْ حقِّ كلِّ شعبٍ أن يضَع المنهاجَ الذي يُناسِبه وينسجم مع هُويته وتاريخه، ولا بد من التأكيد أيضًا أن قوانين العالَم تعطي الحقَّ لولي الأمر أن يختار المناهج الدراسيَّة لابنه أو ابنته، وله الحق أن يُلزِم المدرسةَ بذلك؛ لذا نقول لأولياء أمور الطلاب في مدينة القدس: إنَّه من حقكم أن تتمسكوا بالمناهج العربيَّة التي تتم وأنتم ساهرون عليها، وهذه مسؤوليتكم في أن تفكروا جيِّدًا بمستقبل أولادكم، ونؤكد لكم أيضًا أن هذه المناهج هي التي تؤهل أولادكم للدراسة في الجامعات الفلسطينية، وأخيرًا وليس آخرًا: فإن القرار في موضوع المناهج الدراسيَّة منوط بكم أيها الأولياء، أولياء أمور الطلاب، فاتقوا الله بأبنائكم وبناتكم. اللهم هل بلغتُ؟ اللهم فاشهد.

 

أيها المصلون، أيها المرابطون: الرسالة الثانية: بشأن الأسرى الأبطال، فلا تزال قضية الأسرى المرضى والأسرى المضربين عن الطعام قائمة غير قاعدة، فإن من حق الأسرى المرضى أن يحصلوا على الرعاية الصحيَّة التي تتناسب مع المرض الذي يعانون منه، وهذا حقهم القانونيّ والإنسانيّ، كما لابدَّ من إطلاق سراح المرضى الذين يعانون من أمراض خطيرة لا مجال للشفاء منها، وأمَّا الأسرى المضربون فهم يحتجُّون على الظلم الذي يقع عليهم؛ بسبب الأحكام الإداريَّة الظالمة التي لا تقوم على تهمة، ولا على بَيِّنَة؛ وذلك استنادًا لقوانين الطوارئ، هذا القانون الذي عفَا عليه الزمانُ ومع ذلك يُطبَّق بحقِّ المقدسيينَ، فلا مبررَ له، ولا فائدةَ منه، ولا طائلَ تَحتَه، فأين ما يُسمَّى بمنظمات حقوق الإنسان؟! وأين ما يُسمَّى بمنظَّمات العفو الدوليَّة؟!

 

أيها الأقصويون: والرسالة الثالثة والأخيرة: بشأن المسجد الأقصى المبارَك؛ فإن الاقتحامات بحق هذا المسجد هي قديمة وجديدة، وتزداد وتيرتُها مِنْ قِبَل اليهود في أعيادهم المتعدِّدة والمتعاقبة؛ وذلك بهدف تغيير الوضع القائم من خلال الصلوات التلمودية، وارتداء الزي الكهنوتي، وإطفاء الصبغة اليهودية على الأقصى، كل ذلك في ظل حراسة مشدَّدة مِنْ قِبَل قوات الاحتلال، وعليه فإن هذه الاعتداءات لن تُكسِبهم أيَّ حق بالأقصى، وسيبقى الأقصى هو الأقصى بقرار من رب العالمين من سبع سماوات، غيرَ خاضع للتفاوض ولا للتفريط، ولا للتنازل عن ذرة تراب منه؛ فإن المسلمين هم السَّدَنة والحُرَّاس للأقصى، وهم الأمناء عليه، ولا يَسَعُنا إلا أن نقول: حماكَ اللهُ يا أقصى. قولوا: آمين.

 

أيها المصلون: الساعةُ ساعةُ استجابةٍ، فأمِّنوا مِنْ بَعديّ: اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وفَرِّج الكربَ عنَّا، اللهم احمِ المسجدَ الأقصى من كل سوء، اللهم تقبل صلاتنا وقيامنا وصيامنا وصالح أعمالنا، اللهم يا الله يا أمل الحائرين، ويا نصير المستضعَفين، ندعوك بكل اليقين، إعلاء شأن المسلمين بالنصر والعز والتمكين.

 

اللهم ارحم شهداءنا، وشافِ جرحانا، وأطلِق سراحَ أسرانا، اللهم إنا نسألك توبة نصوحًا، توبة قبل الممات، وراحة عن الممات، ورحمة ومغفرة بعد الممات، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

 

وأَقِمِ الصلاةَ؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].

 

 

المرفقات

احتفاء المقدسيين بذكرى ميلاد خير النبيين.pdf

احتفاء المقدسيين بذكرى ميلاد خير النبيين.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات