عناصر الخطبة
1/حقيقة التقوى 2/التقوى بين الدعوى والحقيقة 3/من وصايا السلف بتقوى الله 4/نماذج رائعة في التقوى 5/بعض صفات المتقيناقتباس
هم أهل الفضل، منطقهم الصواب، وملبسهم في اقتصاد، ومشيهم في تواضع، غضوا عن الحرام أبصارهم، ووقفوا على ما يستفاد أسماعهم، نزلت أنفسهم من هم في البلاء، كما نزلت في الرخاء، عظم الخالق في نفوسهم، فصغر ما دونه في عيونهم، قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، مطالبهم في الدنيا خفية، وأنفسهم عماً فيها عفيفة، صبروا أياماً قصيرة، فـ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله...
أما بعد:
فاتقوا الله -أيها الناس-، فإن تقوى الله -تعالى- خير زادٍ، يُتزود به للدار الآخرة: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ)[البقرة: 197].
وهي وصية الله -تعالى- للأولين والآخرين من خلقه: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ)[النساء: 131].
فاتقوا الله -رحمكم الله-، اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، باجتناب نواهيه، واتباع أوامره.
أيها الناس: التقوى وصية عظيمة من الله -تعالى- لعباده.
وهي في حقيقتها: العمل بالتنزيل، والخوف من الجليل سبحانه، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل، والقدوم على الله: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشعراء: 89].
والتقيُّ من عباد الله، مرهف الضمير، دائم الخشية، سريع الإنابة، يسير في سبيل الله، ويتقي أشواك الطريق المهلكة، فؤاده موصول بمولاه، وَجِل من الشهوات والرغائب، بعيد عن المطامع والدنايا.
عن سفيان بن عبد الله الثقي -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك، أو غيرك؟ قال: "قل: آمنت بالله، ثم استقم"[رواه مسلم].
وهذه العبارة البليغة ممن أُوتي جوامع الكلم -صلى الله عليه وسلم- تفسير للتقوى على حقيقتها الشرعية، وهي: أن يؤمن الإنسان بالله -سبحانه وتعالى- إلهاً وخالقاً، ورباً ومدبراً، ثم يستقيم على منهج الله السوي، ويلتزم بصراطه المستقيم اتباعاً للأوامر، واجتناباً للنواهي، وبُعداً عن المحرمات.
أيها المسلمون: يقول الحق -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
فهل اتقى الله حق تقاته من انتهك محارمه، وضيع أوامره ونواهيه؟! وهل اتقى الله حق تقاته من ضيع شبابه في غير طاعة الله سبحانه؟! وصرف عمره في معصية الله، دون أن يقدم لنفسه ما يخلصها من عذاب الله ويدخلها الجنة برحمة الله؟! وهل اتقى الله حق تقاته من كسب المال من الحرام والغش والخداع، وأنفقه في الحرام؟! وهل اتقى الله حق تقاته من أضاع الأمانة، ولم يقم بالمسئولية الملقاة على عاتقه نحو الله -سبحانه- وأهله ومن تحت يده؟!
إن التقوى في حقيقتها، ليست ادعاء مجرداً عن الحقيقة والانتماء، وإنما هي شعور يختلج في الصدر، فيظهر على الجوارح من خلال العمل الصالح، والخوف والخشية من الله -سبحانه-، والاستعداد ليوم القدوم على الله.
ولست أرى السعادة جمع مال *** ولكن التقي هو السعيد
فتقوى الله خير الزاد ذخراً *** وعند الله للأتقى مزيد
ليكون حجاباً بينه وبين الحرام، فإن الله -سبحانه- قد بين لعباده ما يصيرهم إليه، فقالعز وجل: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزلزلة: 7-8].
عباد الله: إنَّ التقوى، كما وردت في عبارات السلف الصالح -رضوان الله عليهم- هي: أن يعمل الإنسان بطاعة الله، على نور من الله، يرجو ثواب الله، وأن يترك معصية الله، على نور من الله، يخاف عقاب الله، يوضح ذلك ما قاله الحق -سبحانه وتعالى- في محكم كتابه: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)[المؤمنون: 60].
وأعظم ما تكون التقوى، إذا خلت النفس مع ربها، وطغت عليها شهواتها، وانفرد بها شيطانها، فتذكرت عالم السر والنجوى، الذي يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، ويرى نياط عروقها ومكانها، وخافت من نار تلظى، لا يصلاها إلا الأشقى، الذي كذب وتولى، فآثرت هداها على هواها، وعادت إلى ربها، وذكرت أمر خالقها: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى)[الليل: 18].
عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن".
ومن وصايا بعض السلف لبعض: "أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيك في سريرتك، ورقيبك في علانيتك، فاجعل الله من بالك على كل حال، في ليلك ونهارك، وخف الله بقدر قربه منك، وقدرته عليك".
إن الله -سبحانه وتعالى- أهل أن يُخشى ويُتقى، ويُهابُ ويُعظم في صدور عباده، حتى يعبدوه ويطيعون لما يستحق من الإجلال والإكرام، وصفات الكبرياء والعظمة، وقوة البطش، وشدة البأس.
وإن التقوى هي المحرك للمؤمن، والباعث للمتواني على القيام بالتكاليف الشرعية التي افترضها الله على العباد، فكم من أعمال وواجبات تضعف عنها النفوس الضعيفة، وتستثقلها القلوب المريضة ما حمل المؤمن على القيام بها، والعناء من أجلها، والصبر عليها إلا التقوى والمحاسبة، فأصحاب القلوب النقية تهونُ عندهم الدنيا، وتصغر في أعينهم كبارُ مصائبها، ويتحملون العذاب والمشاق في سبيل المحافظة على إيمانهم، وسلامة تقواهم.
سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة، فقال: "تقوى الله، وحسن الخلق".
وقال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: "ليس تقوى الله بصيامِ النهار، ولا بقيام الليل، والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله، وأداء ما افترض الله، فمن رُزِقَ بعد ذلك خيراً فهو خيرٌ إلى خير".
وعن أبي ذر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أوصيك بتقوى الله، فإنها رأس الأمر كله".
أيها المسلمون: كم للتقوى من ذكر في كتاب الله؟ وكم علق عليها من خير، ووعد عليها من ثواب، وربط بها من فلاح، وانعقد عليها من كرامة؛ فإن الله -سبحانه وتعالى- مع المتقين بنصره وتأييده، وتوفيقه وهدايته، ومن كان الله معه فمن يضره؟! (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ)[النحل: 128].
إن استحلاب الخيرات، وتنـزل البركات لا يكون إلا بالإيمان الصادق بالله -تعالى- المقرون بالتقوى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ)[البقرة: 103].
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ)[الأعراف: 96].
(وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[(2-3) سورة الطلاق].
ولهذا كله، فما زال السلف -رضي الله عنهم- يتواصون بالتقوى، ويتعاهدون بعضهم بالوصية بها؛ كتب عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- إلى رجل، فقال: "أوصيك بتقوى الله -عز وجل- التي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثب إلاّ عليها، فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل، جعلنا الله وإياك من المتقين".
وكتب بعضهم إلى صاحبه: "أوصيك بتقوى الله، فإنها أكرم ما أسررت، وأحسن ما أظهرت، وأفضل ما ادخرت، أعاننا الله وإياك عليها، وأوجب لنا ولك ثوابها".
عباد الله: وحين تتمكن التقوى من النفوس، وتتربع في سويداء القلوب، تجعل صاحبها عبداً لله حقاً، إذ خلا بمحارم الله خاف الله -تعالى- واتقاه، وعظمه أن يكون أهونَ الناظرين إليه.
عن ثوبان -رضي الله عنه- أن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- قال: "لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاً، فيجعلها الله -عز وجل- هباءً منثوراً" قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم؟ قال: "أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون؛ ولكنه أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها".
وإذا خلوت بريبةٍ في ظلمةٍ *** والنفس داعية إلى الطغيانِ
فاستحِ من نظر الإله وقل لها *** إن الذي خلق الظلام يراني
يقول ابن رجب -عليه رحمة الله- موضحاً السبب المباشر وراء تلك الحياة الكريمة التي حققها السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان في القرون الماضية: "ما زالت التقوى بالصحابة، حتى تركوا كثيراً من المباحثات خشية أن تكون من المحرمات".
كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كثيراً ما يقول: "والله إني لأخشى أن أكونَ ممن يُقال لهم يوم القيامة: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا)[الأحقاف: 20] ثم يبكي حتى يبل الثرى".
وذكر البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان لأبي-أبي بكر الصديق- غلام يأكل من خراجه، فجاءه ذات يوم بطعام، فأكل منه، فلما فرغ قال له الغلام: يا أبا بكر أتدري من أي طعامٍ أكلت؟ قال: لا، قال: إني كنت تكهنت في الجاهلية، ولم أكن أحسن الكهانة، فأصبت مالاً، وإنَّ هذا الطعام من بقايا ذلك المال، فقام أبو بكر -رضي الله عنه- فأدخل يده في فمهفقاء، ما في بطنه كله، مخافة أن يدخل جوفه حرام".
وذكر أهل السير: أن امرأة كانت تغزل للناس، فجاءت إلى الإمام أحمد ابن حنبل -رحمه الله- فسألته، فقالت: يا أبا عبد الله، إني امرأة أغزلُ للناس، وأنسج لهم، وإني أغزل في الليل على ضوء السراج، فينطفئ أحياناً، فأغزل على ضوء القمر، فهل يلزمني أن أبين للناس ما غزلته على ضوء السراج، وما غزلته على ضوء القمر؟!فبكى الإمام أحمد من ورعِ المرأة، ثم سألها عن أهلها، فذكرت أنها أخت بشر الحافي -رحمة الله على الجميع-.
بمثل هذه النماذج الرائعة في الورع والتقوى، وتحقيق الخشية لله -تعالى- وفق ما أمر به سبحانه ساد السلف على العالم، يوم أن حققوا التقوى واقعاً ملموساً في حياتهم، رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، حتى ليصدق فيهم قول القائل:
كنا جبالاً في الجبال وربما *** سرنا على موج البحار بحاراً
بمعابد الإفرنج كان أذاننا *** قبل الكتائب يفتح الأمصارا
لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها *** سجداتنا والحرب تقدف ناراً
كنا نرى الأصنام من ذهبٍ *** فنحطمها ونحطم فوقها الكفارا
فاتقوا الله -عباد الله- واقتفوا آثار سلفكم الصالح: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر: 18].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد:
اتقوا الله واشكروه، وأطيعوه وراقبوه، واعلموا أنكم ملاقوه، فكونوا مع المتقين.
عباد الله: المتقون، ذوو نفوس تقية، وقلوب زكية، تتوقى الضلالة، وتجتنب سبل الغواية، يعظمون شعائر الله، فيأتون الحلال تقرباً إلى الله، وحباً في الخير، ويبتعدون عن الحرام امتثالا لأمر الله، وبغضاً لما حرم الله: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحـج: 32].
المتقون، أبعد الناس عن الانخداع بنزغات الشيطان وتوهيمه، فإذا مسهم طائف منه تذكروا فإذا هم مبصرون، قال معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: "ينادى يوم القيامة: أين المتقون؟ فيقومون في كنف الرحمن، لا يحتجب منهم ولا يستتر، قالوا: ومن المتقون؟ قال: قوم اتقوا الشرك، وعبادة الأوثان، وأخلصوا لله العبادة".
وقال ابن عباس -رضي الله عنه-: "المتقون هم الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من السيئات والهوى، يرجون رحمته بالتصديق بما جاء به من البينات والهدى".
المتقون -يا عباد الله- قوم تنزهوا عن أشياء من الحلال المباح مخافة أن يقعوا في الحرام، فسماهم الله متقين، ولقد قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين، حتى يدع ما لا بأس به حذراً لما بهبأس".
وأصل التقوى: أن يعلم الإنسانُ ما يتقى ثم يتقيه، وفي صفات أهل الإيمان والتقوى، يقول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "هم أهل الفضل، منطقهم الصواب، وملبسهم في اقتصاد، ومشيهم في تواضع، غضوا عن الحرام أبصارهم، ووقفوا على ما يستفاد أسماعهم، نزلت أنفسهم من هم في البلاء، كما نزلت في الرخاء، عظم الخالق في نفوسهم، فصغر ما دونه في عيونهم، قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، مطالبهم في الدنيا خفية، وأنفسهم عماً فيها عفيفة، صبروا أياماً قصيرة، فأعقبهم راحة طويلة، يصفون أمام ربهم، جاثون على الركب، يطلبون النجاة من العطب، لا يرضون من الأعمال الصالحة بالقليل، ولا يستكثرون منها الكثير، من ربهم وجلون، ومن أعمالهم مشفقون، يتحملون في الفاقة، ويصبرون في الشدة، ويشكرون على النعمة، قريب أملهم، قليل زللهم، الخير فيهم مأمول، والشر منهم مأمون".
أيها المسلمون: قد يرى المتقي في هذه الحياة رث الثياب، خشن المنظر، ضعيفاً متضعفاً، فتزدريه العيون، وتحتقره النفوس، وهو من (أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ) [يونس: 63-62].
ورب أشعث أغبر ذي طمرين باليين لايؤبه له، مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله -تعالى- لأبر الله قسمه.
المتقون، رضوا بالله -تعالى- رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبياً ورسولاً، لا يأكلون الربا، ولا يستمعون الغناء، ولا يستحلون الرشا، يطعمون الطعام، ويفشون السلام، ويصلون بالليل والناس نيام، ويصلون الأرحام طمعاً في دخول الجنة دار السلام، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويخلصون النصيحة للمسلمين، يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، لا يستهينون بصغيرة من الذنوب، ولا يتجترؤون على كبيرة، ولا يصرون على خطيئة وهم يعلمون.
عباد الله: وإذا تحلى العبد بالتقوى اتصف بالإخلاص لله في كل عمل، وصدق الاتباع للرسول -صلى الله عليه وسلم-، فصار جميل الخلق، طيب القول، منافساً في الخير، سباقاً إلى كل فضيلة، يعبد ربه عبادة من يوقن بالوقوف بين يديه، والعرض عليه، ويخشاه خشية من يعلم أن الله مطلع عليه ويراه أينما كان، وأنه سبحانه وتعالى يجزي الذين أساءوا بما عملوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.
وهناك جانب مهم يغفل عنه فئام من الناس، وهو أن كثيراً منهم يظن أن التقوى هي القيام بحقوق الله -تعالى-، والابتعاد عن معصيته فقط، ويُفرطوا في حقوق الناس، وهذا جميل وحسن، ولكن التقوى الكاملة هي القيام بحقوق الله -تعالى-، وحقوق الناس جميعاً.
يقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "وكثير ما يغلب على من يعتني بالقيام بحقوق الله، والانعكاف على محبته وخشيته وطاعته؛ إهمال حقوق العباد بالكلية، أو التقصير فيها، والجمع بين القيام بحقوق الله، وحقوق عباده، عزيز جداً، لا يقوى عليه إلا الكمل من الأنبياء والأتقياء".
فاتقوا الله -تعالى- حق التقوى، حققوا التقوى واقعاً ملموساً في حياتكم، قوموا بحقوق الله -تعالى- وحقوق عباده على الوجه الذي يُرضي الله عنكم.
ثم صلوا -رحمكم الله- على المبعوث رحمة للعالمين، محمد بن عبد الله -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم