اتقوا الله في الأعراض

رشيد بن إبراهيم بو عافية

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ ابتلاء المجتمع بداء الغيبة 2/ كيفية انتشاره 3/ التحذير منه 4/ آثاره 5/ صفات المبتلين به 6/ كيفية محاربته

اقتباس

يقول الإمام ابن دقيق العيد -رحمه الله-: إن أعراض المسلمين حفرة من حفر النار؛ فإيّاك أن تقف على شفيرها! وقال الإمام أحمد: ما رأيت أحدًا تكلّم في الناس وعابَهم إلا... إنَّهُ مرضُ القيل والقال، وأَلَم تسمع ما يقولون؟! "انفلونْزَا ووباء" يُصيبُ القلبَ الفارغَ الأعمى، فتسري حُمَّاه على اللسان، فيتكلَّمُ بما لا يعلم، وتنتقلُ...

 

 

 

 

ثم أما بعد: معشر المؤمنين: من أعظم ما يُمتحنُ عليه دينُ المرء وتقواه تعظيمُ حقوق المسلمين، ومخافةُ الله في أعراض المؤمنين، هذه المخافةُ وذلك التعظيم دليلٌ على صدق الإيمان والتقوى، وفقدانه ذلك دليلٌ على خراب تقوى العبد وفساد دينه وأخلاقه.

 

هذا؛ وقد ابتُليت الأمَّةُ بمرض عضال، ووَرَم خبيث سَرَى في أخلاقها سريان النَّار في الهشيم؛ غيَّر القلوب، وأفسدَ العقول، وخرَّبَ الديار، وفرَّق الجماعات، وقَضى على العرض المصون، وهتكَ السُّمعةَ الكريمة زورًا وبُهتانًا، بلا بيّنة قاطعة، ولا حُجَّة ساطعة، ولا وازع من دين ولا ضمير، وإنَّما بمحض الزُّور والبهتان، والقيل والقال، ولعلَّ وأظُن، وأحسبُ ورُبَّما، وسمعتُ ويقولون، وألم تسمع ما قيل ويُقال؟!... في عرض مَصون، وذمَّة بريئة معصومة!.

 

إنَّهُ مرضُ القيل والقال، وأَلَم تسمع ما يقولون؟! "انفلونْزَا ووباء" يُصيبُ القلبَ الفارغَ الأعمى، فتسري حُمَّاه على اللسان، فيتكلَّمُ بما لا يعلم، وتنتقلُ العدوى مع الهواء لتصيبَ الآذانَ المريضة، وسرعانَ ما تنتقلُ العدوى إلى القلوب والألسنة الفارغة، فتُعيدُ الكلامَ منسوجًا على الجهل والهوى، وبالزيادة والإطناب.

 

ثمَّ في النهاية لا تجني منه إلا خراب الديار، وانقطاع العلاقات، والقضاء على الدماء والأعراض في لحظات.

 

 ألم تسمع ما يقولون؟! يا رجُل! أنت قديم ولا تعيش بين الناس!:  فلانٌ مالُهُ حرام، وفلانٌ أخذ مال الأيتام، من أين له هذا المسكن وتلكَ الأرض وهو موظّفٌ بسيطٌ وقد كان بالأمس فقيرًا؟! ألم تسمع؟! يقولون: عقدَ الصّفقةَ وقبضَ الرّشوة وسرَقَ مال الأمّة. وفلانةُ؛ ألم تسمع؟ ربّي يعافينا، يقولون: وجَدُوها ورأَوها وسمِعوها... وهكذا في سلسلةٍ لا تنتهي من القيل والقال ويقولون وألم تسمع!.

   

معشر المؤمنين:  هذا المرض الخبيث صنعةُ كلِّ أفّاكٍ أثيم، ولا يقع فيه إلا من كان فارغًا من التقوى، دينُهُ خراب، وما ذاقَ طعم الإيمان ولا عرف له سبيلاً!.

 

عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: "إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان ينهى عن قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال" رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.

 

وعن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغةَ الخبال حتى يخرُج مما قال، وليس بخارج" صححه الألباني. وردغة الخبال: عصارة أهل النار.

 

وعن أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه: لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته" صححه الألباني.

 

أيها الإخوةُ في الله: هذا المرض الأفاك الأثيم أخطرُ على الأمَّة من الجراثيم والأوبئة، فكم تجنّى على أبرياء! وأشعل نار الفتنة بين الأصفياء! وكم نال من عظماء! وكم هدّم من وشائج! وتسبّب في جرائم! وفكك من أواصر وعلاقات! ودمّر من أسر وبيوتات! والسبب:  قيل وقال، وألم تسمع إنهم يقولون كذا وكذا؟!.

 
 هذا الصنفُ من الناس -معشر المؤمنين- احذروهُ وتجنَّبُوهُ، وحاصروه في الحياة بإغلاق آذانكم، وإمساك ألسنتكم، وإحسان الظن بالناس.

 

اجتنبوهُ؛ لأنه دنيء الهمّة، مريض النفس، لئيم الطبع، منحرف التفكير، صفيق الوجه، عديم المروءة، ضعيف الديانة، قد ترسّب الغلّ في أحشائه، فلا يستريح ولا يهنأُ لهُ بالٌ ولا يستقرُّ له قرارٌ حتى يأكُلَ الأخضرَ واليابس، ويُفسدَ القلوب والعلاقات؛ ليستريحَ ضميرُهُ الميّت، وتهدأَ نفسُهُ المُشوَّشة. 

 

ألا فاتقوا الله معشر المؤمنين، اتقوا الله في أعراض المؤمنين، وأحسنوا الظنّ بالمؤمنين، واحذروا هذا الصنفَ الأفَّاك من الرجال والنساء، احذروهم واجتنبوهم، وأغلقوا دونهم الآذان؛ فإنهم مرضَى؛ تسلموا وتغنموا.

 
نسأل الله السلامة والعافية، ونسأله التوفيق إلى ما يحب ويرضى.

 

أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم  لي ولكم من كل ذنب؛ إنه غفور رحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أيها الإخوة في الله:  إن من أولى الخطوات في مواجهة مرض القيل والقال تربية النفوس على الخوف من الله، والتثبت في الأمور، فالمسلم لا ينبغي أن يكون أُذُنًا لكل ناعق، بل عليه حسن الظنّ أوّلاً، ثمَّ التحقق والتبيّن، وطلبُ البراهينِ القطعية، والأدلّةِ الموضوعية.

 

وبذلك يُسَدُّ الطريق أمام الأدعياء، الذين يعملون خلف الستور، ويلوكون بألسنتهم قولَ الزور؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) [الحجرات:6].

 

وقال تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا) [الإسراء:36].

 

قال قتادة: لا تقل رأيتُ ولم ترَ، وسمعتُ ولم تسمع، وعلمتُ ولم تعلم؛  فإن الله سائلُكَ عن ذلك كُلّه.

 

ثم- معشر المؤمنين-  لا ينبغي أن يُتركَ اليقينُ في الناس لمجرَّد قيل وقال، لا يجوز أن يُتركَ ما عُلِمَ من اليقين في صدق الناس وطهارتهم لمجرّد قول أفاك أثيم! أينَ حُسن الظن بالناس؟ وأين التثبُّتُ والتبيُّنُ والسترُ والنُّصحُ وبينك وبين أخيك ثلاثةُ أمتار؟.

 

هذه كلُّها أخلاقٌ كفيلةٌ بالإصلاح لو كان في القلوب إيمانٌ وإرادةٌ لله والدار الآخرة.

 

يقول الإمام ابن دقيق العيد -رحمه الله-: إن أعراض المسلمين حفرة من حفر النار؛ فإيّاك أن تقف على شفيرها!.

 

وقال الإمام أحمد: ما رأيت أحدًا تكلّم في الناس وعابَهم إلا سقط.

 

وروى ابن سعد في "الطبقات" عن العالم الجليل تلميذ الصحابة مُطرِّف بن عبد الله بن الشخِّير قال: لبِثتُ في فتنةِ ابن الزبير سبعَ سنين، ما خبَّرتُ ولا استخبَرتُ، ومع ذلكَ ما سلِمت.

 

فكيف بمن خاضَ مع الخائضين، وتناول أعراض المسلمين؟!.

 

نسأل الله التوفيق إلى حسن العلم وحسن العمل.

 

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

 

 

 

 

 

المرفقات

الله في الأعراض

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات