إيجابيات وسائل الإعلام:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد، وأما قبل، فللَّه الأمر من قبل ومن بعد.
فإنَّ وسائل الإعلام من أهمِّ نتاجات العقل البشري الذي سخَّر قريحتَه من أجل التوصُّل إلى جميع الوسائل التي تيسِّر حياة البشرية جَمعاء، وتتيح لهم أكبر مَجال لتحقيق المنافع وتبادُل المصالِح، وبلوغ درجاتٍ أكبر من التطوُّر الذي تفرضه أساليب الحياة الجديدة، ومتطلَّبات العصر التي تكبر وتنمو كلَّ يوم.
إذًا فما بعضُ إيجابيَّات وسائل الإعلام؟
لقد تعدَّدت إيجابيَّات الإعلام، وتضافرَت حسناتُه على الفرد والمجتمع والكون برمَّته، حتَّى أصبح من الصعب تحقيقُ المستوى المعيشيِّ والتواصلي المطلوب بِدُونه، بل وأضحى عنصرًا هامًّا من هذا الكون الذي نعيش فيه؛ وذلك لأنَّه يخدم مستوياتٍ كثيرةً من واقعهم ومجتمعهم.
وهَهُنَا ذِكْرٌ لبعض هذه المستوَيات: المستوى التَّواصلي - المستوى المعرِفي - المستوى الثقافي - المستوى الحقوقي.
1- المستوى التواصلي:
فَتح آفاق التَّواصُل: ويتجلَّى دَور الإعلام - في هذا المستوى - في ذلك التطوُّر المهول الذي عرفه مجال الاتِّصال في الجانب السَّمعي والبصري والمكتوب؛ إذْ لم يعُدْ هذا الاتِّصال مقتصِرًا على عنصرين متقاربَين فقط، بل أصبح بإمكان أيِّ شخص أن يَنفتح على العالَم بأكمله، دونَ حَواجِز أو مُثَبِّطاتٍ؛ لأن ما حدث اليوم من ثورة حَقيقيَّة في عالم الاتصال، وما ظهر فيه من تقنيات عالية متجدِّدة، جعل للاتِّصال وظائفَ جديدةً لم تكنْ في مُتناول الفكر الإعلامي من قبلُ؛ إذْ لم يعد يقتصر على نَقل الحدث فقط، بل تعدَّى ذلك إلى تفسيره وتحليل مضمونه ومُحتواه، وكذا صناعة الحدَث نفسه، بل وصياغة القَرَار، واقتراح الأوجه الممكنة في الخبر، حتَّى يَتَمَكَّن المتتبِّع من المشاركة والإدلاء برأيه ومَواقفِه، ولا أدلَّ على ذلك من بعض البرامج التي تُذاع على القنوات العالمية مثل: برنامج "مراسلون"، و"الحصاد المغاربي" الذي يُبثُّ على "قناة الجزيرة الإخبارية"؛ مما يؤكِّد الاتِّفاق على الدور المتعاظم والمتطوِّر الذي تحقِّقه العمليَّة الاتِّصالية في شكلها ونَمُوذجها الحديث، وفي تعاملها مع شعوب العالم ودُوَلِه وأحداثه.
وبذلك تطوَّرت وسائل الإعلام مِن دور التَّبليغ من شخصٍ إلى شخص آخر، إلى دور التبليغ بين جماعات منظَّمة، ثم إلى دور التبليغ الجماعيِّ بوساطة وسائل الإعلام الجماهيري، وشهد القرن العشرون تطوُّرًا هائلاً في وسائل الإعلام الجماهيريِّ؛ مثل: الكتاب، والصحافة، والإذاعة، والتِّلفاز، والحاسوب، ويعيش الناس منذ سبعينيَّات القرن العشرين ثورةَ الاتِّصال الجماهيري.
تيسير التواصل: أيْ: تيسير الوصول إلى الحدث في مدَّة وجيزة، والانفتاح على العالَم الخارجي - كما ذكر آنِفًا - بل ونَقْل ذلك العالَمِ بكل أحداثه المعقَّدة والمتلاطمة إليه، ويتجلَّى ذلك في قِصَر المدَّة التي يقطعها الفرد العاديُّ لِمُشاهدة الخبر في التلفاز، وبرامج الإذاعات العالميَّة، أو تصفُّح الجرائد والمجلاَّت، وبخاصَّة في أوقات الأزمات العالمية المتواصلة، ثم تقليب صفحات الإنترنت، وزيارة المواقع المختلفة على الشبكة الدَّولية؛ لمعرفة المزيد مِن أحوال العالَم الذي يعيش فيه، بعد أن كان ذلك يكلِّف الأيام الطوال.
2- المستوى المعرفي: حيث إنَّ الإعلام أصبح من الوسائل التي أجمع علماء التَّربية على نَجاعَتِها بالنِّسبة لِنقل المعارف للتلميذ في الوقت الحاضر، ويتجلَّى ذلك فيما يلي:
حِفظُ وَنَقْلُ المَعارف والعُلوم والمَفاهيم:
وذلك باستخدام وسائل الإعلام كأداةٍ لنقل المعارِف وتعميمها، وجَعْلِها في متناوَل التلاميذ يرجع إليها وقتَ ما شاء، وكيفما شاء.
ترسيخ هذه المعارف والقِيَم وبناؤها:
فقد أصبح الإعلام يمتلك قدرة على البناء وترسيخ القيم، كقدرته على الهدم وإبدال القِيَم؛ وذلك لما لهذه الوسائل الحديثة من تأثير على المجتمع المتلقِّي، مما دفع بأهل الاختصاص في مجال الدِّراسات الإعلامية إلى تناول وتصنيفِ هذا التَّأثير من خلال نظريَّات ودراسات علميَّة تؤكِّد على دور الإعلام في تحقيق أهداف تواصليَّة كثيرة.
كَثرةُ مَوارد الحُصولِ عَلى المعلومات، وتَوفُّرُها:
وذلك أنَّ المعرفة لم تعد تتوقَّف على مصدر واحد، أو مصدرين كما يحدث قديمًا (الكتاب والشيخ أو المعلِّم مثلاً)، ولم تعد حكرًا على جنس أو صنف دون آخر، بل وجدت هناك مصادر جديدة، وموارد متعدِّدة تُمَكِّن طالب العلم مِن الاطِّلاع على الموضوع الواحد انطِلاقًا مِن مصادر متَعدِّدة مختلفة.
3 - المسْتَوَى الثََّقَافِي: ويتجلَّى ذلك في كون وسائل الإعلام تقوم بدور حيوي في نشرِ ثقافة عامَّة موحَّدة بين فئات وشرائح المجتمع الواحد من ناحية، مثلما يعمل من الناحية الأخرى على التقريب بين الثقافات المختلفة، ويساعد بالتالي على نشر روح الاحترام مِن خلال التعرُّف على تلك الثقافات المغايرة، وعلى هذا الأساس يمكن اعتبارُ الإعلام جسرًا يربط بين حياة الأفراد الشخصيَّة الخاصَّة، والعالَم الكبير الذين يعيشون فيه؛ بحيث يستطيع الفردُ أن يَرى نفسه مِن خلال البرامج التي تبثُّها وسائلُ الإعلام المختلفة.
4- المسْتَوَى الحقوقي: إذْ إنَّ وسائل الإعلام من أهم الوسائل الَّتي تؤدِّي دور نشر ثقافة حقوق الإنسان، وقد أكَّدت على ذلك منظَّمة الأمم المتَّحدة للتربية والعلم والثَّقافة في مُؤتمرها العشرين، ونشرَت بيانًا تتحدَّث فيه عن: إسهام وسائل الإعلام في دَعم السَّلام والتفاهُم الدَّولي، وتعزيز حُقُوق الإنسان، ومُكافحة العُنصريَّة والفصل العنصري، والتَّحريض على الحرب.
وجاء في بعض توصياتِها:
إنَّ دعم السَّلام والتَّفاهُم الدولي، وتعزيز حقوق الإنسان، ومكافَحة العُنْصريَّة والفصل العنصري والتحريض على الحرب، يقتَضي تداوُلَ المعلومات بِحُرِّية، ونشْرَها على نحوٍ أوسع وأكثر توازنًا، وعلى وسائل إعلام الجماهير أن تقدِّم إسهامًا أساسيًّا في هذا المقام، وعلى قدر ما يعكس الإعلام شتَّى جوانب الموضوع المعالَج، يكون هذا الإسهام فعَّالاً.
- إنَّ مُمارسة حرية الرأي وحرية التعبير وحرِّية الإعلام، المعترَف بِها كجزء لا يتجزَّأ من حقوق الإنسان وحرياته الأساسيَّة، هي عامل جوهريٌّ في دعم السَّلام والتفاهم الدولي.
سلبيَّات الإعلام:
إن وسائل الإعلام من بركات العِلم، ومن أهم الوسائل الحديثة التي توصَّل إليها، وابتكرَها العقل البشريُّ الخلاَّق، نحن لا ننكر ذلك، ولا ندَّعي خلافَه، بل لا نُماري إذا قلنا: إنَّ هذه الوسائل من أهمِّ الأمور التي سهَّلَت التَّواصل بين بنِي الإنسان، فقرَّبت القاصِيَ وأدنت الدَّاني، حتَّى أصبح العالَمُ قريةً صغيرة يعلم كلُّ واحد منها كلَّ ما وقع فيها، بل ويقع في اللحظة ذاتِها، كما أنَّ هذه الوسائل يسَّرَت سبُلَ البحث العلميِّ، وجعلَتْه في متناول الجميع بأسهل الوسائل وأقرب الطُّرق.
نعم، نحن لا ننكر شيئًا من ذلك - حاشا وكلاَّ - ولا نقذف هذه الوسائل زعمًا وضربًا بالظَّن، ولكن مَخْبَر هذه الوسائل ينبئ عمَّا آلَت إليه من كساد وإفسادٍ للنَّاشئة والشباب على وجه الخصوص، وهذه سُنَّة الله في خلقه؛ لأنه أبى أن يكون الكمال إلاَّ له - سبحانه وتعالى - ولذلك فكلُّ عمل يقدِّمه العقل البشري لا بد له من سيِّئات ونقائص، إلى جانب الحسَنات الذي يقدِّمها ويتفَضَّل بِهَا، ولذلك قيل:
وَمَنْ ذَا الَّذِي تُرْضَى سَجَايَاهُ كُلُّهَا
كَفَى الْمَرْءَ نُبْلاً أَنْ تُعَدَّ مَعَايِبُهُ
أي: إنه لا أحَد ينجو من العَيْب والمنقصة، كائنًا مَن كان منَ البشَر، ووسائل الإعلام - كما هو معلوم - مِن وضع هذا البشر الناقص، الذي يشوبه النقص والخلل مهما حاول بلوغ درجة الدِّقة والكمال، وكل فرع يعود إلى أصله، وكل عمل يحمل سِمَة فاعله.
ومن أجل ذلك؛ فغرضنا أن نبيِّن الحقَّ بالحجة والدليل، وليس بالأهواء الباطلة، والشعارات الخدَّاعة، وليس هدفنا كذلك المراء والجدال المذموم الذي ذمَّه الله تعالى ورسوله، ونهى عنه العلماءُ، ونبَّه إليه العقلاء، وبناءً عليه فسننطلق في تدخلنا هذا بإثبات ما ذهبنا إليه، من كون وسائل الإعلام ذات سلبيات جمة، وأخطار جسيمة، فنقول - وبالله التوفيق -:
لقد تعدَّدت سلبيات وسائل الإعلام وتَشَعَّبَتْ، حَتَّى أصبحت طَافِحَةً على سطح المجتمع، ولامَسَتْ جوانب متعددة من حياتهم، سواء أكانت عقائدية أم اجتماعيَّة، أم تربوية أم غير ذلك، وها هنا ذكر لبعض تجلِّيات هذه السَّلبيات على هذه الجوانب حسب نوعها ويمكن أن نقسمها إلى خمسة جوانب:
الجانب العقدي - الجانب الاجتماعي الأخلاقي - الجانب التربوي - الجانب النفسي - الجانب الصحي.
الجانب العقدي:
- نشر المذاهب الفاسدة، والعقائد الباطلة، والتَّرويج لها عن طريق تلميع صورة معتنِقيها، وإبراز شعائرهم، وتخليد ذِكْرها، ولا أدَلَّ على ذلك من ذلك الزَّخم الإعلامي الذي يعرضون به الصَّليب والقِدِّيس مثلاً، وتبجيلهم لِمُختلف الآلِهة التي يعتقدون بوجودها، مثل آلهة الحبِّ والجمال، وآلهة الشَّر والخير.
- نشر الدَّجل والخُرافات والشَّعوذة والسِّحر، والكهانة المنافية للتَّوحيد.
- الإيحاء بقدرة بعض الخلق على مضاهاة الله في الخلق والإحياء والإماتة، وذلك بإظهاره في صورة ذلك البطَل الذي لا يُقهر، ولا يشقُّ له غبار، فهو القاهر القادر، وهو المقتدر الجبار!
الجانب الاجتماعي الأخلاقي:
- الدعوة إلى الجريمة بعرض مشاهد العنف والقتل، وظهور مُصيبة الاغتِصاب التي عمَّت بها البَلوى، وتأذَّى منها الصَّغير والكبير، والرجل والمرأة، بشهادة الواقع والغربيِّين أنفُسِهم، فقد أثبتَت دراسات أمريكيَّة أنَّ الأطفال الذين يشاهدون التِّلفاز وبخاصَّة الأفلام الإباحيَّة يقعون في زِنا المَحارِم، ويعتَدون عَلى أخَواتِهم الصِّغار جنسِيًّا، وقد وجدت وكالة الأنباء الأمريكية (fbi) بعد مقابلة 24 مجرمًا في السُّجون كلَّ واحد منهم متَّهمًا بجريمة اغتصاب، وقتل عددٍ كبير من البالغين والأطفال - أنَّ نسبة 81 % منهم كان يداوم على متابعة الأفلام الإباحيَّة والخليعة.
- السعي إلى خلع رداء الحياء، والترويج لذلك، وجعل العلاقة بين الجنسَيْن في قمة التحرُّر من كلِّ قيد ديني أو أخلاقي أو غيره، عن طريق تأسيس منتديات نسائيَّة، يتداول فيها ما قَبُح واسْتُهجِن من أَفانينِ القول القبيحة والمسْتَهْجَنة، فذُبِحت بذلك الفضيلةُ بسِكِّين الرذيلة، وطُعِن الصالحون في عُقورِ دِيارِهِم.
- انتشار العنف، وجعله أمرًا طبيعيًّا على أرض الواقع؛ حيث إنَّ المُجرم يُعرض في المسلسلات والأفلام كالبطل والنَّجم الساطع الذي لا يُبلَغ جنابه، فيكون ذلك سببٍا لمحبَّتِه من لدن المتابِعين، وتصبح الجريمة والقتل آنذاك أمرًا عاديًّا يوحي إلى البطولة والشموخ، وقد أثبتت الدِّراسات أن أمريكا وكندا قد ارتفعت فيهما نسبة الجريمة بين سنتي 1945 و 1974؛ أي: في الفترة التي ولج فيها التِّلفاز إلى هاتين الدَّولتين.
- فشُوُّ الفساد، وظهور الخيانة الزوجية من كلا الطَّرفين؛ فقد أصبح هذا أمرًا عاديًّا، ما دام البطل أو البطلة في الفيلم يصنع ذلك، وهذا من باب ضياع الْهُويَّة وطمس البصيرة، ولا أدَلَّ على ذلك من تلك السهرات الماجنة التي يُقام لها ولا يقعد، فهُتِكت الأعراض واستبيحت المنكرات، وذلك كله بسبب ما تروِّج له وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، فلا نجد في هذه المسلسلات التي تذاع بمرأًى ومسمع من الجنسين - والحالة هذه - إلا ما يزيد الطين بلَّةً، والأمور تفاقُمًا وتعقيدًا.
شهادة: "فهذه الدكتورة ليلى عبدالمجيد - وكيلة كلية الإعلام بجامعة القاهرة - تقول: إنَّ بعض ما يُقدَّم في وسائل الإعلام يقوم بعمل تنميطٍ للنَّماذج البشرية، أو لبعض السُّلوكيات الاجتماعية، أو لدور المرأة، فتأخذ الدراما مثلاً جزءًا من الواقع، وتقدِّمه على أنَّه كل الواقع، وهذا خطأ إعلامِيٌّ كبير؛ لأنَّ الدراما بصفة خاصَّة تَحظى بمشاهدة عالية، فيأخذ المُشاهد ما يُقدَّم فيها، ويختزنه، ويستدعيه في المواقف المشابهة، ويُحاول تقليده، أو الاقتداءَ به".
- ارتفاع نسبة السَّرقة، وجعلها فنًّا واحترافًا، بالإضافة إلى الاختلاس والتزوير، وقبض الرَّشاوي، فظهر ما يُسمَّى بالجريمة المنظَّمة، والعصابات مُحكَمة التَّنسيق؛ اقتداءً بِما يُعرض على شاشات العرض، وقاعات الأفلام.
- تشويه معنى القدوة والأسوة، التي تعتبر من أهمِّ مرتكزات إصلاح المجتمع؛ إذْ أصبحت تلك الراقصة التي تعرِّي عن جسدها، والمغنِّية التي تكشف عن مَحاسنها، والممثِّلة التي انسلخَتْ مِن كلِّ مبادئ الحشمة والحياء - أصبحَتْ هي القدوةَ المُثلى بالنِّسبة للفتيات، بل لا نبالغ إذا قلنا: إنَّ بعض الفتيات يَثُرن على أهل بيتهنَّ، ويُخاصِمن مجتمعاتِهنَّ؛ من أجل بلوغ مرتبة هذه المغنِّية أو الممثِّلة!
والشَّيء نفسه بالنسبة للشَّباب الذين يعتقدون أنَّ البطل الأسطوري هو ذلك الممثِّل الذي تحدَّى أُمَّه وأباه؛ من أجل إرضاء محبوبته، وأنَّ ذلك الشاب الذي تعدَّدت عشيقاته، وصادق هذه، وخان تلك، ووقع مع أخرى - هو الأسوةُ الذي تشرَئِبُّ له الأعناق، وتَرنو له القلوب والأبصار، ويجب عليهم اتِّباعه.
- زوال الشُّعور بالمسؤوليَّة اتِّجاه الأسرة، واللاَّمبالاة بحال الأبناء، والزَّوجة التي تَحتاج إلى من يقف بِجانبها؛ من أجل التخفيف عنها، ومواساتها في بعض ما تجد من أعباء المَنْزل، ومشاكل تربية الأبناء.
- شيوع الألفاظ البذيئة مما يستخدم في كثير من الأفلام والمُسلسلات، ودعوة المجتمع إلى الاستهتار، وعدم الحشمة في ارتداء لباسٍ معيَّن.
- انعدام المراقبة وعدم التوجيه للأبناء، وهذا له أثره السلبِيُّ على التحصيل الدِّراسي، ومتابعة الدُّروس، ولا يخفى الأثر السيِّئ للأفلام التي تقذف الأخلاق بسِهامها على شخصية الطفل وتَهْيئته للانحراف، مع وجود ما نعرفه من أنَّ بعض الأفلام تصوِّر الكذب والخداعَ والمُراوغة على أنَّها خِفَّةٌ ومهارةٌ وشَطارة، ومعها يُنْزَع الحياءُ نزعًا من قلوب أطفالنا، والآدابُ التربوية السامية في حياتنا.
وهذا غيضٌ من فيض مما ينتج عن وسائل الإعلام من سلبيَّات ونقائص في هذا الجانب.
الجانب التربوي: أمَّا بخصوص الجانب التربوي، فهناك أيضًا مجموعة من السَّلبيات، منها:
- تنمية الرُّوح السَّلبية لدى المتلقِّي، خصوصًا الأطفال الذين يتقبَّلون جميع الأفكار دون نقد، أو تفكير؛ حيث يتعوَّد المُشاهد عمومًا سهولةَ التَّحصيل دون بذْلِ أدنى مجهودٍ للحُصول على المعلومات، أو اكتساب المهارات والقدرات، مكتفيًا بما يقدِّمه الجهاز الإعلامي من حلولٍ أو نتائج.
- التأثير على حياة الأطفال الاجتماعيَّة وعلاقاتِهم بالأسرة، وبِهذا يَقِلُّ اكتسابهم للمعارف والخبرات من الأهل والأصدقاء، كما يصرفه أيضًا عن اللعب، ومتعته مع أقرانه.
- تمرُّد الأبناء على الآباء بفعل المَشاهد التي يرونها في وسائل الإعلام، والتي كان يشارك في مشاهدتِها الأبُ نفسُه، وهذه نتيجةٌ حتميَّة، على الأب أن يَجني ثِمارَها، شاء أم أبى؛ لأنَّه هو الذي ساعد ابنه على تطبيع هذه المشاهد، واعتبارها شيئًا عاديًّا، والابن على دين أبيه، كما جاء في المثَل، قال الشاعر:
مَشَى الطاوُسُ يَوْمًا بِاخْتِيَالِ
فَقَلَّدَ شَكْلَ مِشْيَتِهِ بَنُوهُ
فَقَالَ: عَلامَ تَخْتَالُونَ؟ قَالُوا:
بَدَأْتَ بِهِ وَنَحْنُ مُقَلِّدُوهُ
وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الفِتْيَانِ فِينَا
عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ
أي: إنَّ الابن لا يشيب إلاَّ على ما شبَّ عليه من قِبَلِ الأَب.
ومن أجل ذلك فإنَّ كثيرًا من الآباء يشتكون من عقوق أبنائِهم، ولا يدركون أنَّهم هم أنفسهم كانوا السَّببَ على زرع هذا الشُّذوذ الأخلاقيِّ في تربية أبنائهم؛ بواسطة ما يُدْخِلونه على أبنائهم من وسائل إعلام، دون مراقَبة أو تَقنين، فمَن زرع شيئًا جنَى ثِمارَه، فقد أضاعوا فرصةَ تربية أبنائهم تربيةً سليمة في الوقت المناسب، ثم ندموا، ولاتَ حين مندَمٍ، وصدق عليهم قولُ أحدهم:
وَعَاجِزُ الرَّأْيِ مِضْيَاعٌ لِفُرْصَتِهِ
حَتَّى إِذَا فَاتَهُ ذَا عَاتَبَ القَدَرَا
- التعوُّد على مظاهر العنف المادِّي والمعنوي، تبعًا لما يُعرض من مشاهد العنف والتدمير، حتَّى في بعض البرامج الموجَّهة للأطفال، مثل الرسوم المتحرِّكة، وقد فسَّر بعض علماء التربية سببَ ميول بعض الأطفال إلى التدمير والعنف بتأثُّرهم ببعض برامج الأطفال التي تَجنح إلى صُوَر العنف والانتقام، ولو كانتْ رُسُومًا متحرِّكة.
- ضياع الأوقات، وذهابُها هدرًا، بفِعل تلك الأوقات الطويلة التي يقضيها المتعلِّم أمام هذه الوسائل، وبالتالي غفلته عن واجباته المدرسية التي يجب عليه أن يُنجزها باهتمامٍ وعناية.
- دُخُول الأطفالِ عالَمَ الكبار قبل الأوان فيما يسمَّى بـ"اختراق المرحَلة العمريَّة"، دون أن تتوفَّر لديهم الخبرة اللاَّزمة لذلك؛ فقد أثبتت الدِّراسات أنَّ برامج التلفاز تتيح للأطفال أساليبَ للتَّعامل ما كانوا يُدركونها أو يُمارسونها؛ مثل عمليات الهروب خارج الحدود، وتعاطي المخدِّرات، والقَتْل والاعتداء، وأساليب التَّحايل والكذِب، فيعيش الطفل عالَمًا غير عالَمِه، وعمرًا غير عمره، فلا يُربَّى التربية السليمة، ولا ينشأ النشأة الطبيعية التي يجب أن ينشأها ويَشِبَّ عليها.
- ظهور المراهقة المتقدِّمة؛ بفعل التعوُّد على مَشاهد التي يكون أبطالُها مراهقين، وهذه النتيجة تابعة، وتاليةٌ لِما سبق من سلبيَّات.
- ضعف العلاقات مع كلٍّ من الأسرة والمدرسة، وظهور الانعزال عن المُجتمع، وانفصام الرَّوابط بين الأقارب بفِعل الانشغال بوسائل الإعلام، وحَصر المُشاهد مع واقعٍ جديد، مِمَّا يُضعف فُرَصَ التَّعامل الاجتماعي والأُسَري.
- تربية الطِّفل تربية مشوَّهة غير منتَظِمة، لا تُراعي البعد الحضاريَّ للطِّفل، ولا تعير اهتمامًا لمرجعيَّاته الدِّينية والأخلاقيَّة، ولا تحترم خصوصيَّات الوسط الذي يعيش فيه، فينشأ الطِّفل انطِلاقًا من أفكارٍ واردة خارج بيئته، ويتبنَّى عاداتٍ وتقاليدَ مُخالفةً لما عليه مجتمعُه وواقعه.
الجانب النفسي:
- إفساد واقعية الأطفال، وتشويه عالَمِهم الجميل البسيط الذي يؤمن في هذه المرحلة بالملموس الواقعيِّ، وذلك بعرض المَشاهد المنافية للواقع، والمخرِّبة للفطرة.
- تربية الطِّفل تربية مشوَّهة غير منتظمة، لا تراعي البُعد الحضاريَّ للطفل، ولا تعير اهتمامًا لمرجعيَّاته الدِّينية والأخلاقيَّة، ولا تحترم خصوصيَّات الوسط الذي يعيش فيه، فينشأ الطِّفل انطلاقًا من أفكارٍ واردة خارج بيئته، ويتبنَّى عاداتٍ وتقاليد مُخالفة لِما عليه مجتمعُه وواقعه.
- ضعف الشخصيَّة، وتردُّدها في كلِّ ما تُقْدِم عليه، وعدم الرُّسوخ على موقف معيَّن؛ بسبب الاستهلاك السَّلبِي لوسائل الإعلام، وعدم التَّمييز بين ما هو أصلٌ، ويجب التمسُّك به، وما هو طارئٌ لا يجب الالتفات إليه.
تضارب المواقف عند الجيل النَّاشئ بسبب التَّعارض الفكريِّ والثقافي الذي يَبْرز بشدَّة في وسائل الإعلام، حتَّى يُضْحي أحَدُهم لا ينكر منكَرًا، ولا يعرف معروفًا نتيجةً لهذا الذي ذكر، ولسان الحال يقول:
تَكَاثَرَثِ الظِّبَاءُ عَلَى خِدَاشٍ
فَمَا يَدْرِي خِدَاشٌ مَا يَصِيدُ
- زَرْع بذور الخوف والقلق في نفوس أطفالِنا بِما يعرف من أفلام مرعِبة، تخيف الكبيرَ قبل الصَّغير كأفلام الخيال، وغَزو الفضاء، ورجال الفضاء والقَصص التي تدور أحداثُها حول الجنِّ والشَّياطين والخيال، وكلُّها تُوقِع الفزع والخوفَ في نفوسهم، إلى جانب أنَّها لا تَحمل قيمًا أو فائدة علميَّة، وينعكس أثر ذلك على أمن الطِّفل وثقته بنفسه؛ مما يُشاهده من مناظر مفزعة، تَجعله يعيش في خوف وقلق، وأحلام مزعجة.
الجانب الصحي:
- ضعف البصَر؛ بسبب الإضرار به عن طريق كثرة تعريض العين للأشعَّة التي تبعثها وسائلُ الإعلام المرئية؛ مثل: الحاسوب والتلفاز؛ وذلك ما أكَّده الأطِبَّاءُ والواقع، إذْ إنَّ أغلب الذين يعانون من ضعف في البصر يحصل لهم ذلك بسبب كثرة الإدمان على مُشاهدة وسائل الإعلام المرئيَّة فتراتٍ طويلة، خصوصًا في الفترة اللَّيلية التي تحتاج فيها العين إلى جهد مضاعَف؛ من أجل النظر.
- الإصابة بالأَرَقِ وَالسُّهاد، والإحساس بأوجاع على مستوى الرأس؛ بسبب السَّهر، والمداومةِ على مشاهدة بعض هذه الوسائل خلال ساعات متأخِّرة من الليل.
- كثرة النِّسيان وعدم التركيز أثناء حضور حصة أو مناقشة؛ بسبب الإعياء الشديد الذي تُسبِّبه قلة النَّوم، وعدم تمكين الجسم من حقِّه الطبيعي من هذا النوم.
- تأخُّر الطفل في النوم، والجلوس أمام التلفاز لساعاتٍ طويلة؛ مما يؤدِّي إلى اعتلال صحة الجسم، ويتسبَّب أيضًا في الخمول الذهني، وتعطيل ذكاء الطفل.
- الانصراف عن مُمارسة الرِّياضة البدنيَّة، والإصابة بالكسل والخمول والسِّمنة؛ لقلَّة الحركة، واكتساب العادات السيِّئة، وتدهور الصحة العامة.
خلاصة وخاتمة:
يمكن أن نخلص بعد هذه اللَّمحة البسيطة في هذا الموضوع أنَّ وسائل الإعلام بجميع أشكالِها وألوانها تلعب دورًا سلبيًّا خطيرًا، يجب الاحتياطُ منه، وتلعب في الآنِ نفسه دورًا إيجابيًّا عظيمًا لا يمكن إغفاله أو التنكُّر له؛ أيْ: إن هذه الوسائل باختصارٍ سلاحٌ ذو حدَّين، ومن أجل ذلك فالسُّؤال الذي يُطْرَحُ بشدة هو: كيف يمكن أن نستفيد منها والحالة هذه، دون أن نُصاب من الاقتراب منها بأيِّ أذى؟
وهذا ما سنلخصه في النقاط التالية:
1- البحث عن الوجه المشْرِق في هذه الوسائل من حيث الاستخدامُ؛ أيْ: نوظِّفها فيما يعود على الشخص والأُمَّة بالنَّفع في جميع الجوانب، فقد أثبت علماء التَّربية مثَلاً من الناحية التربوية أنَّ بعض وسائل الإعلام تؤدِّي إلى رفْعِ قُدرة الطفل على القراءة والكتابة، والتعبير الشَّفوي، والقدرة على الاستماع والتركيز، وتعلُّمِ الثقافة العامة، والعلوم واللُّغات الأجنبية، والتربية الفنِّية والرياضيات، كما أنَّها تقوِّي المقدرة على حلِّ المشكلات التي تُواجهه، وتُساعده على التوافُق الاجتماعي، وتطوير هواياته ومواهبه، واستغلال وقت فراغه.
2- أن يكون الشخص ذا حِسٍّ نَقْدي، يُميِّز بين الصَّالح والطالح؛ حتَّى ينخل الأفكار التي يتلقَّاها ويمحِّصها، ولا يكون عبدًا لها للمعرفة، دون تمييز، بل يجب عليه أن يتمعَّن، ويتدبَّر، ويُحِسَّ؛ حتَّى يأخذ ما هو أهلٌ للأخذ، ويطرح ما هو أهل للنُّفور والاشمئزاز.
3- الاهتمام بالتربية الدِّينية التي ترسِّخ في الإنسان مبادئه الأخلاقيَّة، وعقائدَه الإسلامية، وتوجهه الأخلاقي؛ حتَّى يُصان من كل انحراف، أو زيغ عقائديٍّ، أو ديني.
4- مراقبة الأبناء، وتوجيههم الوجهة الصحيحة أثناء استهلاك واستقبال ما تُنتجه هذه الوسائل.
5- تنمية الإحساس بالدِّين والوطن والانتماء؛ حتَّى يكون المتلقِّي ذا منَاعة قويةٍ أمام كلِّ ما من شأنه أن يجرِّده من انتمائه وأصوله، أو يخدش في عقيدته ودينه.
6- التَّقنين وتنظيم الوقت، وحُسْن توزيعه دون أن يغلب الوقت الذي يخصَّص لاستهلاكِ ما تطرحه هذه الوسائلُ على حساب الواجبات والالتزامات الأخرى.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم