إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم

عبدالله محمد الطوالة

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/فضائل القرآن الكريم 2/الاهتداء بالقرآن سبيل النجاة 3/أهم أسباب الثبات على الحق والاستقامة على الشرع.

اقتباس

القرآن المجيد: حبلٌ وثيقٌ عروته، ومعقِلٌ منيعٌ ذروته، وبرهانٌ دامغةٌ حُجته.. أبهر الحكماء، وتحدّى البلغاء، وأفحم الخطباء، وحير الشعراء، وأدهش الأذكياء، متانةُ بُنيان، وإشراقةُ بيان، وقوةُ برهان، وظهورُ سلطان، ومعانٍ حِسان، تلاوتهُ درجات، واتباعهُ نجاة،

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ الوليِّ الحميدِ، ذِيِ العرشِ المجيدِ، المبدئِ المعيدِ، الفعَّالِ لما يُريد، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ)، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ شهادةَ إخلاصٍ وتوحيدٍ، ألا إنَّ ربِّي قويٌّ مَجيـدُ، لطيفٌ جليلٌ غنـيٌّ حَميدُ، وكلُّ المُلوكَ وإن عظُمتْ، فإنَّ المُلـوكَ لرَبِّي عَبيـدُ، (اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ).

 

وأشهدُ أن محمداً عبدُ اللهِ ورسولهُ، ومصطفاهُ وخليلهُ، سلامٌ على ذاكَ النبيِّ فإنَّهُ، إليهِ العُلا والفضلُ والفخرُ يُنسبُ، نبيُّ رَضِيٌّ عظيمٌّ مُبجلٌ، كريمٌ جوادٌ صادقُ الوعدِ أَطيبُ، صفوهُ بما شئتمْ فواللهِ ما انطوى، على مثلهِ في الكونِ أمٌّ ولا أبُ، صلَّى الله وسلَّمَ وباركَ عليهِ وعلى آله وصحبهِ والتابعينَ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً.

 

أمَّا بعدُ: فأوصيكم عبادَ اللهِ ونفسي بتقوى اللهِ والعملَ بطاعته، والمجانبةَ لسخطهِ ومعصيتهِ، واعلموا يا عبادَ اللهِ أن تقوى اللهِ هي خيرُ ما تزودتم، وأحسنُ ما عمِلتُم، وأجملُ ما أظهَرتُم، وأكرَمُ ما أسررتُم، وهي وصيةُ اللهِ لكم ولمن كان قبلكم: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[النساء:131].

 

أيها الأحبة الكرام: اسمعوا لما يقوله ربكم -جل جلاله- عن كتابه العظيم: (وَإنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[فصلت:41-42]، ووالله -يا عباد الله- إن حياة المسلم، وانشراح صدره، وأنس قلبه، وصلاحَ أمرهِ لن تكون إلا بالقرآن، الذي ما إن تمسكنا به فلن نضل أبداً، (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[الزخرف:43].

 

القرآن الكريم مأرز الإيمان وبحبوحته، وبستان العلم وجنته، وميدان الحق وساحته، وعمود الإسلام وقاعدته، (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)[الأعراف:2].

 

القرآن المجيد: حبلٌ وثيقٌ عروته، ومعقِلٌ منيعٌ ذروته، وبرهانٌ دامغةٌ حُجته، (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا)[الفرقان:33].

 

أبهر الحكماء، وتحدّى البلغاء، وأفحم الخطباء، وحير الشعراء، وأدهش الأذكياء، متانةُ بُنيان، وإشراقةُ بيان، وقوةُ برهان، وظهورُ سلطان، ومعانٍ حِسان، (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)[فصلت:1].

 

تلاوتهُ درجات، واتباعهُ نجاة، ومطالعتهُ بركات، وتدبّرهُ فتوحات، وكل حرفٍ منه بعشر حسنات، مع حُسنُ نظام، وروعةُ إحكام، وشمولُ أحكام، ودقةٌ وانسجام، (وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[الأعراف:52].

 

القرآن العزيز: عزٌّ تليدٌ لمن تولاه، وسلمٌ رفيعٌ لمن ارتقاه، وهدىً مبينٌ لمن استهداه، (أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[العنكبوت:51].

 

القرآن الكريم: كتابُ الله الدالِ عليه، وطريقهُ الموصلةِ إليه، ونورهُ المبين الذي أشرقت له الظلمات، ورحمتهُ المهداة التي بها صلاح جميع المخلوقات، (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)[إبراهيم:1].

 

ألا وإن أهم وصفٍ للقرآن الكريم، وأكثره ورودًا وذكراً فيه، كونه هُدىً يهدي للتي هي أقوم، يهدي الأفراد والأمم لما يُصلحها في كل شؤونها، (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)[البقرة:185]، وفي أول سورة البقرة: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)[البقرة:1-2]، وقال -تعالى-: (وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[الأعراف:52]، وقال –تعالى-: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)[الإسراء:9].

 

وهداية القرآن جامعةٌ للمصالح العاجلة والآجلة، محققةٌ لمنافع الدنيا والآخرة، وما ترك القرآن العظيم شيئًا من أمور الدنيا والآخرة إلا وهدى المسلم إلى الحق والصواب فيه، قال -تعالى-: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[المائدة:15-16]، وقال -تعالى-: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)[النحل:89].

 

ولقد تكرر وصف القرآن بأنه هُدىً في آياتٍ كثيرةٍ: (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)، (هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)، (هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ)، (هُدًى وَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ)، (وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)، وأمثالها كثير، لكنّ الملاحظ فيها جميعًا أنّ وصف القرآن بالهداية لم يُحدّد في مجالٍ معينٍ، ولا بزمانٍ معينٍ، ولا بقيد معين، ليدل على أنه هُدىً في كلِّ شيءٍ، وأن من اهتدى بالقرآن فإنه يُهدى للأصوبِ والأقومِ والأحسنِ والأفضل.

 

والمتتبع لآيات الكتاب الحكيم، يجد أن هذا الوصف الجميل للقرآن الكريم، أعني وصفه بالهداية، أكثرُ ما خُصَ به المؤمنون أو المتقون أو المحسنون؛ لأنهم هم الذين قبلوا هُداهُ، وعملوا بمقتضاهُ، وإلا فالأصل أن القرآن هُدىً للناس أجمعين، لكنّ الكفار والمنافقين أعرضوا عن هداياته فلم ينتفعوا بها، قال تعالى: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى)[فصلت:44]، وقال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا)[النساء:61].

 

ولقد هَدى الله -تعالى- بالقرآن بشرًا كثيرًا، قديماً وحديثاً، ولا زلنا نسمع كل يومٍ قَصص المهتدين بالقرآن ممن سمعوه، أو وقع في أيديهم فقرؤوه، بل إن منهم من قصد قراءته لنقده والطعن فيه، فمن الله عليه واهتدى به، وللمستشرقين والمثقفين الغربيين أعاجيب في ذلك، وقبلهم اهتدى بالقرآن عددٌ هائلٌ من أئمة الكفر وصناديد الجاهلية حتى صاروا من أعلام الصحابة، وكبار سادة الأمة، وكم من عاصٍ لله عز وجل مُسرفٍ على نفسه بالعصيان، مؤذٍ لعباد الله، مُفسد في الأرض؛ هدته آيةٌ من كتاب الله، فكان بهداية القرآن إمامًا من أئمة المسلمين، كما وقع للفضيل بن عياضٍ -رحمه الله تعالى-؛ إذ كان قبل توبته يمتهن السرقة وقطع الطريق، وإيذاء المسافرين، وسبب توبته أنه سمع تاليًا يتلو: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ)[الحديد:16]، فقال: "بلى يا رب قد آن، اللهم إني قد تبت إليك وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام".

ولم يكن الاهتداء بالقرآن خاصًّا بالإنس فقط، وإنما اهتدى به الجن أيضًا؛ قال -تعالى- عنهم: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ)[الجن:1-2].

 

يقول الإمام ابن القيم: "ليس شيءٌ أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن وإطالة التأمل فيه، وجمع الفكر على معانيه،  فإنه يورث المحبة والخوف والرجاء، والإنابة والتوكل والرضا، وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله، وكذلك يزجره عن كل الصفات والأفعال المذمومة، التي بها فساد القلب وهلاكه، فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها، ولو أن قارئ القرآن إذا مرَّ بآية وهو محتاجٌ إليها في شفاء قلبه، وعلاج دائه، كررها ولو مائة مرة، ولو ليلة كاملة، فإن قراءةَ آيةٍ بتفكرٍ وتفهمٍ خيرٌ وأنفعُ للقلب من قراءةِ ختمةٍ كاملةٍ بغير تدبرٍ وتفهم".

 

إذن فلنهتدِ يا عباد الله بالقرآن العظيم، فقد قال الله -تعالى- عن كتابه الكريم: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)[إبراهيم:1]، وقال -تعالى-: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[الأنعام:155].

 

اللهم اجعلنا من أهل القرآن العظيم الذين هم اهلك وخاصتك.

اللهم ارفعنا وانفعنا وأسعدنا بالقرآن الكريم، واجعله حجة لنا لا علينا يا أكرم الأكرمين.

اللهم ذكرنا منه ما نسينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته وتدبره على أحب الوجوه التي ترضيك عنا يا أرحم الراحمين.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)[فاطر:29-30].

بارك الله،

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله وعظيم سلطانه ….

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وكونوا من الصادقين، وممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

 

معاشر المؤمنين الكرام: لقد أخبرنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بأنه سيكون بَعدهُ اختلافٌ كثير، ونصحنا -صلى الله عليه وسلم- نصيحة مودع، فقال: "عليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخُلفاء الراشدين المهديِّين من بعدي، عَضُّوا عليها بالنَّواجِذ، وإيَّاكُم ومُحْدثاتِ الأمور؛ فإنَّ كُلَّ بِدْعةٍ ضَلالةٌ"، وأخبرنا الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- بأن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريباً كما بدأ، وبشَّر الغرباء الثابتين، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "بدأ الإسلامَ غريبًا، وسيعودُ غريبًا كما بدأ، فَطُوبى للغُرباءِ"، وفي الحديث الصحيح: "خطَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- خَطًّا بيده، ثمَّ قال: هذا سَبِيلُ الله مُسْتقِيمًا، وخَطَّ عن يمينه وشِماله ثمَّ قال: وهذه السُّبُل، ليس منها سَبِيلٌ إلَّا عليه شيطان يدعُو إليه، ثمَّ قرأ: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)".

 

قال الفُضيل بن عياض -رحمه الله-: "عليك بطريق الهُدى وإنْ قلَّ السالكون، واجتنب طريق الرَّدى وإنْ كثُر الهالكون".

 

أُخيَ المسلم: اعلم وتيقن أن الله حين اختارك لطريق الهداية، فليس لخيريةٍ أو تميُزٍ خاصٍ فيك، وإنما هو محظُ رحمةٍ من الله وفضل، وقد ينزعِهُا منك في أي لحظة، فهو أعلم بمن اهتدى، تأمل جيداً كيف خاطب الله -تعالى- رسوله الكريم بقوله: (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا)، فإذا قيل هذا في حق أفضل الخلق، وأقواهم إيماناً، وأكثرهم هِداية وثباتاً فكيف بغيره؟!

 

ثم اعلموا يا عباد الله أن الثبات على الهداية له أسباب كثيرة من أهمها وأقواها: الإقبال على كتاب الله تلاوة وتعلماً وعملاً وتدبراً، قال -تعالى-: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)، وقال -تعالى-: (كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا)، فكتاب الله هو الحبل المتين والصراط المستقيم والعروة الوثقى لمن تمسك به، قال -تعالى-: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[الزخرف:43].

 

ومن أقوى أسباب الثبات على الهداية: العمل بالعلم والمواعظ، فالثبات على الهداية لا يكون بكثرة الاستماع للمواعظ ولا بكثرة قراءة كتب المتأخرين والمتقدمين، وإنما يكون بالعمل بهذه المواعظ، وتطبيق ما فيها من الهداية، قال الله -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا)[النساء:27].

 

ومن أقوى أسباب الثبات على الهداية: قراءة سير الصالحين، وقصص الأنبياء والمرسلين، قال -تعالى-: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ)، ومن أقوى أسباب الثبات على الهداية، الإلحاح على الله بالدعاء، قال الله -تعالى-: (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)[آل عمران:8]. وقال -تعالى-: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ)، وقد كان أكثر دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"، وما سمي القلب قلباً، إلا لكثرة تقلبه.

 

ومن أقوى أسباب الثبات على الهداية، نصرة الحق وأهله، قال -تعالى-: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)[محمد:7]، ومن أقوى أسباب الثبات على الهداية، ترك الظلم، قال -تعالى-: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)[إبراهيم:27].

 

ومن أقوى أسباب الثبات على الهداية: الصحبة الصالحة، قال -تعالى-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)[الكهف:28].

 

نَسْأَلُ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لِنَّا أجَمعين، الثَّبَاتُ على الحق والهدى والدين، وَالعَزِيمَةِ عَلَى الرُّشْدِ، ونَسْأَلُهُ تبارك وَتَعَالَى مُوجِبَات رَحْمَته وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِهِ، وَأَنْ يَقِينَا الفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بطَنَ …

 

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان.

 

اللهم صل ….

 

المرفقات

إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات