إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ

د عبدالعزيز التويجري

2025-01-03 - 1446/07/03 2025-01-14 - 1446/07/14
عناصر الخطبة
1/بعد كل شدة فرج ومخرج 2/لكل ظالم نهاية وزوال 3/دين الله منصور وغالب 4/من مجالات نصرة الدين 5/الفرح بنصرة المسلمين

اقتباس

فلا خوف على الإسلام، وإنما الخوف ألا يلحق المرء بركب الإيمان، فدين الله قويٌ متين، وحكمه عادل ورحمة للناس أجمعين، ومهما تآمرت قوى الكفر وأعوانهم على طمس الإسلام وإضعاف المسلمين، فإن أمرهم في سِفال، وكيدهم في تباب...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمد لله الذي لا يبلغُ مِدحَتَه القائلون، ولا يُحصِي نعماءَه العادُّون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عظيم في ربوبيته، عظيم في ألوهيته، عظيم في أسمائه وصفاته، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة: 119]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)[الطلاق: 4].   

 

إنْ طالَ بالظلمِ الغَسَق *** لاُبدَّ مْن نوِر الَفلَقْ

الحـــقُّ منتصرٌ ولـــــو *** طالَ المدى فالحقُّ حَقْ

نورُ الحقيقــةِ نافـــــذٌ *** لا يحجُبُ الغيمُ الشَّفَقْ

لنْ يُهملَ الظالمَ مهما *** طـــالَ بالظلْـــمِ الرمَــقْ

لن يتركَ المؤمـــنَ في *** هــــمًّ وغـــمٍ وأرقْ

جلَّ الحكيمُ بخلقِه *** في كــــلِّ ماجلَّ ودَقْ

فاللهُ يحفــظُ دينَـــه *** ويَخيبُ كـــــافرٌ أَبَقْ

 

إنّ معَ العُسرِ يُسراً، وإنّ مع الفجرِ نصرا ، ومهما طال البلاء فإنّ للكربِ انجلاء، وعند تناهي الشدة يكون الفرج، وعند تضايق البلاء يكون الرخاء، والظُلْمةُ تحملُ في أحشائِها الفجرَ المنتظرْ، فكان موعدهم الصبح  (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ)[هود: 81]، خرجوا من ديارهم حذر الموت، وتحقق وعد الله؛ (لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ)[إبراهيم: 13 - 14]، (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى)[الأعراف: 137]؛ فالحمد لله الذي طهر ديار الإسلام من الظلمة الأدناس، وأفرج للمظلومين من الأحباس، ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس.

 

هِيَ الأيّــــَامُ والغِيــــَرُ *** وَأَمْرُ اللَّهِ مُنْتَظَرُ

أَتَيْأَسُ أَنْ تَرَى فَرَجًا *** فَأَيْنَ اللَّهُ وَالقَدَرُ؟

 

(إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)[هود: 107] يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، سبحانك!؛ (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[آل عمران: 26]. 

 

رسالةٌ للناس أجمعين: أن دين الإسلام مهيمن على الأديان؛ "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الدِّينُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ".

 

فلا خوف على الإسلام، وإنما الخوف ألا يلحق المرء بركب الإيمان، فدين الله قويٌ متين، وحكمه عادل ورحمة للناس أجمعين، ومهما تآمرت قوى الكفر وأعوانهم على طمس الإسلام وإضعاف المسلمين، فإن أمرهم في سِفال، وكيدهم في تباب، (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[الصف: 8]، وما على المسلم إلا اليقين والعمل للدين.

 

لا يُرجِعُ الأَمجادَ إلا رجعة *** للهِ في سر وفي إعلانِ

فهو العزيزُ أَعزّنا بكتابِه *** لنقيمَ شرْعَ اللهِ في الأكوانِ

ويعمُّ نورُ اللهِ في أَرجائِها *** ويسودَ دينُ اللهِ في الأَديانِ

 

قال -عليه الصلاة والسلام-: "إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- زَوَى لِي الْأَرْضَ، حَتَّى رَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأَعْطَانِي الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ"، قَالَ تَمِيمٌ الداري: "قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بَيْتِي قَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمُ الْخَيْرُ، وَالشَّرَفُ، وَالْعِزُّ، وَأَصَابَ مَنْ ثَبَتَ مِنْهُمْ عَلَى الْكُفْرِ الذُّلُّ، وَالصَّغَارُ، وَالْجِزْيَةُ"، وصدق الله: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ)[الزمر: 22].

 

من شرح الله صدره للإسلام استيقن بوعد الله ونصره ولو بعد حين؛ (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)[غافر: 51]، من شرح الله صدره للإسلام اطمئن بأَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ.

 

من شرح الله صدره للإسلام علم أن ما يصيب المسلمين إنما هو ابتلاء وتمحيص؛ (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ)[آل عمران: 140 - 141].

 

من شرح الله صدره للإسلام لم يتكل على الأماني والتوقعات، ولم يتشاءم من الأحداث والتهويلات، بل عمل لدينه وما يفتح الله عليه، كلٌ بتخصصه، (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا)[الطلاق: 7]، نشراً للعلم والفضيلة، أمراً بالمعروفِ ونهيا عن المنكر، سعيا لقضاء حوائج المسلمين، تيسيرا على عباد الله في معاملاتهم وأرزاقهم، تربية للأسر وثباتاً على الدين، إماتةً للباطل.

 

أنفقَ رجلٌ من برهِ، من صاعِ تمرهِ من علمِه، من تعليمه، من تربيته، من رأيهِ، من دعائه ودعوته، من تعليمه من تربيته، المسلم مطالب بالعمل إلى آخر رمق، حتى لو قامت الساعة وفي يده فسيلة فليغرسها!.

 

فَلينطَلِقْ كُلُّ فَردٍ حَسْبَ طَاقَتِهِ *** يَدعُو إلَى اللهِ إخفَاءً وَإعلاناً

ولْنَترُك الَّلومَ لا نَجعلْهُ عُدَّتَنَا *** وَلْنَجعَل الفِعلَ بَعدَ اليَوم مِيزَانَا

 

(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)[الطلاق: 7]، أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات، فاستغفروه إن ربي رحيم ودود.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وآله وأصحابه.

 

أما بعد: قال ربنا -عز وجل-: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)[يوسف: 110]، عاش محمد -صلى الله عليه وسلم- ثلاثا وستين سنة، فلم يتم له النصر الأكبر والأكمل إلا قبل وفاته بعامين؛ (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)[النصر: 1 - 3].

 

والصبر مع الإيمان يعقبه الظفر؛ (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)[الأعراف: 128].

 

لا تيأسنَّ إذا الكروبُ ترادفت *** فلعلَّهــــا ولعلَّهــــا ولعلَّهــــــا

واصبر فإن الصبرَ يُبلغك المُنى *** حتى ترى قهرَ العدوِ أقلَّها

والزم تُقى اللهِ العظيمِ ففي التُقى *** عزُّ النفوسِ فلا يجامع ذلَّها

 

وإن من علامات الإيمان الفرح بما يناله المسلمون من النصر والعزة، والتمكين والفتح المبين، والفرج عن المأسورين، نعس النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر، ثم انتبه وقال: "أبشر يا أبا بكر، أتاك النصر، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده، على ثنايا النقع".

 

اللهم أتم على المسلمين النصر والفتح والتمكين والتأييد، اللهم من أراد بالمسلمين سوءً أو فتنةً أو فرقة فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واكف الإسلام والمسلمين شره، اللهم اكفنا والمسلمين شر الأعداء، وأعذنا وإياهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم آمنا في دورنا وبلادنا وأصلح ولاة أمورنا، اللهم انصر المرابطين في سبيلك على ثغور بلادنا وبلاد المسلمين.

 

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد.

المرفقات

إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ.doc

إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات