عناصر الخطبة
1/ شمولية وكُلِّيَّة علم الله تعالى 2/ إكثار القرآن الكريم من ذكر تلك الصفة 3/ آيات تشير لها 4/ دلالة إكثار القرآن من ذكر هذه الصفة 5/ أثر ذكر الله بصفة العلم على العبداقتباس
إن هذا الذكر لعلم الله بالكثرة في آيات القرآن الكريم لأدلُّ دليلٍ وأكبر برهان على أن الواجب على العبد المؤمن أن يكون دائمًا في أوقاته كلها وأحواله جميعها، وفي غيبه وشهادته وسرِّه وعلانيته، أن يكون على ذكرٍ لهذه الصفة العظيمة، مستحضرًا في عباداته وفي معاملاته، وفي بيعه وشرائه، وفي دخوله وخروجه، وفي بياته وتحركه، وفي سفره وحضره، وفي كل أحواله، يتذكر أنَّ الرب -جل وعلا- عليمٌ به، مطَّلع عليه، وأنه -سبحانه- لا تخفى عليه من العباد خافية.
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعه، ما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذرها منه؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله -تعالى-، وراقبوه -جل في علاه- مراقبة من يعلمُ أنَّ ربَّه يسمعُه ويراه.
أيها المؤمنون: كم في القرآن الكريم من آياتٍ عظيمة جاءت مشتملةً على بيان سعة عِلم الله -عز وجل- وإحاطته واطلاعه، وأنه -سبحانه- أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا، وأنه -عز وجل- يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن أن لو كان كيف يكون، وأنه -عز وجل- يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدر؛ يعلم -جل في علاه- الخوافي والمعلنات والغيب والشهادة لا تخفى عليه خافية؛ أحصى كل شيء عددا، وأحاط بكل شيء علما، فكم في كتاب الله -عز وجل- من آياتٍ جاءت ذاكرةً علم الله، مذكِّرةً بسعة اطلاعه -جل وعلا- وشمول علمه، وأنه -عز وجل- لا تخفى عليه من العباد خافية.
أيها المؤمنون: وقد ورد اسم الله -جل وعلا- «العليم» في كتاب الله -عز وجل- في أكثر من مائة وخمسين موضعا، أما صفة العلم -علم الله عز وجل واطلاعه- فإنك لا تكاد تقلب ورقةً من أوراق المصحف إلا وتجد فيها ذكرًا لعلم الله -عز وجل- وسعة اطلاعه -جل في علاه-، بل إن كثيرًا من الآيات في كتاب الله -عز وجل- سواءً في مقام الترغيب أو مقام الترهيب جاءت مختومةً بذكر علم الله -عز وجل- وسعة اطلاعه -جل في علاه-، فكم وكم في كتاب الله -عز وجل- من ذكرٍ لعلمه بكل شيء، واطلاعه على كل شيء، وأنه لا تخفى عليه خافية!.
قال الله -عز وجل-: (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [النور:64]، وقال: (وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:256]، وقال: (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [البقرة:283]، وقال: (فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) [آل عمران:63]، وقال: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) [آل عمران:115]، وقال: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) [البقرة:95]، وقال: (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [آل عمران:119]، وقال: (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) [يونس:36]، وقال: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) [يوسف:19]، وقال: (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [البقرة:283]، وقال: (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [فاطر:8]، وقال: (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) [يس:79]، وقال: (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المائدة:8]، وقال: (أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) [البقرة:77]، وقال: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [القرة:216]، وقال: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) [البقرة:220]، وقال: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر:19]، وقال: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) [البقرة:235]، وقال: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ) [المائدة:99]، وقال: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ) [النحل:19]، وقال: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45]، وقال: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ) [الأحزاب:51]، وقال: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) [محمد:19]، وقال: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) [محمد:30]، وقال: (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ) [الأنبياء:110].
والآيات -أيها العباد- في هذا المعنى كثيرة، بل -كما تقدم- لا تكاد تقلب ورقة من أوراق المصحف إلا وتجد فيها ذكرًا وتذكيرًا بعلم الله -عز وجل-، وأنه -جل في علاه- عليمٌ بكل شيء، أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا.
أيها المؤمنون: إن هذا الذكر لعلم الله بالكثرة في آيات القرآن الكريم لأدلُّ دليلٍ وأكبر برهان على أن الواجب على العبد المؤمن أن يكون دائمًا في أوقاته كلها وأحواله جميعها، وفي غيبه وشهادته وسرِّه وعلانيته، أن يكون على ذكرٍ لهذه الصفة العظيمة، مستحضرًا في عباداته وفي معاملاته، وفي بيعه وشرائه، وفي دخوله وخروجه، وفي بياته وتحركه، وفي سفره وحضره، وفي كل أحواله، يتذكر أنَّ الرب -جل وعلا- عليمٌ به، مطَّلع عليه، وأنه -سبحانه- لا تخفى عليه من العباد خافية.
أيها المؤمنون: وكم لهذا الذكر من أثرٍ عظيم على العبد في سلوكه وعبادته وأحواله كلها؛ فإذا حدَّثته نفسه بريبة أو معصية أو مخالفة لأمر الله تذكَّر أن ربَّه -جل في علاه- مطَّلع عليه، وأنه لا تخفى عليه من العباد خافية، فيستحي من ربه، ويحذر من الوقوع في مساخطه وما يغضبه -جل في علاه-.
وإذا كان في تعبُّد وتقرب لله يذكر أن ربه مطَّلعٌ عليه، عليمٌ بما في قلبه من إخلاصٍ أو عدمه أو وساوس أو غيرها، وعليمٌ بظاهر عمله لا تخفى عليه خافية؛ فيُحسِن من عمله حياءً من الله، ومراقبة لله، وطلبًا لعظيم موعوده -جل في علاه-، (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) [يونس:61]، أي: إن الله -عز وجل- مطلع عليك أيها العبد في عباداتك وأعمالك وطاعاتك وقرباتك، ومطَّلع عليك في أحوالك كلها.
فاتق الله يا عبد الله، واذكر علم الله بك، واطلاعه عليك، وأن أعمالك كلها محصاةٌ تُجزى عليها يوم القيامة، (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) [النجم:31].
أصلح الله لنا أجمعين شأننا كله، وهدانا إليه صراطًا مستقيما، أقولُ هذا القول وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله؛ فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه. وتقوى الله -جل وعلا-: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.
واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هُدى محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة. وعليكم بالجماعة فإنَّ يد الله على الجماعة.
وصَلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمَّد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد.
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كُن لهم ناصرًا ومُعينا وحافظًا ومؤيِّدا.
اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك، وأعِنه على طاعتك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم