عناصر الخطبة
1/ الدنيا دار ابتلاء وهموم 2/ موقف المسلم عند تسلط الهموم والأحزان 3/ الثقة واليقين والأمل في الله رب العالمين 4/ التحذير من اليأس والقنوط.اقتباس
أخي المكروبُ .. الدنيا مليئةٌ بالمصائبِ والابتلاءاتِ، فمن مِنَّا لم يخالجُه همٌّ ولا حُزنٌ، فلا مَفرَ من الهمومِ والغمومِ، ولكن لا تنسَ أن ما أصابَك هو تكفيرٌ لذنوبِك ورفعٌ لدرجاتِك، فربُّنا عزَّ وجلَّ إذا أحبَّ عبداً ابتلاه، وما ابتلاهُ إلا ليسمعَ تضرعَه وشَكواه، فيا من تقطعتْ به الأسبابُ، وأُغلقتْ في وجهِه الأبوابُ، اقرعْ أبوابَ السَّماءِ، وألحَّ على اللهِ بالدُّعاءِ، بُثَّ إليه شكواكَ، وأحسنْ الظنَّ بمولاك، فما خابَ من رجاهُ، ولا رُدَّ من دعاهُ، فمَنْ لنا غيرَ اللهِ جلَّ جلالُه نستأنسُ بنجواه، فناجِ ربَّك في الأسحارِ، وانكسرْ بين يدي العزيزِ الغفارِ، وأبشر بانفراجِ الهمِّ والخيرِ المدرارِ.
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ مُغيثِ المستغيثينَ، ومجيبِ دعوةِ المضطرينِ، ومسبلِ النِّعمِ على الخلقِ أجمعينَ، عظُمَ حلمُه فسترَ، وبسطَ يدَه بالعطاءِ فأكثرَ، من أناخَ ببابِ كرمِه ظفرَ، وأزالَ عنه الضَّررَ، وجبرَ ما انكسرَ، نعمُه تترى، وفضله لا يُحصى، إليه وحدَه تُرفعُ الشكوى، وهو المقصودُ في السرِ والنجوى، يجودُ بأعظمِ مطلوبٍ، ويعُم بفضلِه وإحسانِه كلَّ مرغوبٍ، سبحانَه أنشأَ السحابَ فأهطل دَيمَها، وبلَّ الأرضَ بعد جفافِها، وأخرج نبتَها بعد جُدوبِها، سبحانَه وَسِعَ سمعُه ضجيجَ الأصواتِ، باختلافِ اللغاتِ، وتنوعِ الحاجاتِ.
فأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، مجيبُ الدعواتِ، وفارجُ الكُرباتِ، ومجبلُ النعمِ على جميعِ البرياتِ، وأشهدُ أن سيدَنا ونبيَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، أصدقُ العبادِ قَصدًا، وأكثرُهم لربه ذِكرًا، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه، وعلى آلِه وصحبِه ومن سارَ على نهجِه واقتفى أثرَه إلى يومِ الدينِ..
أما بعد: فعليكَ بتقوى اللهِ تعالى أيُّها المهمومُ، يُيَسُّرَ لكَ الأمرَ الحيُّ القيومُ، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق: 4]، فتقوى اللهِ سبحانَه سبباً للسَّعادةِ والسُّرورِ العميقِ، وطريقاً للخروجِ من الهمِّ والضِّيقِ، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) [الطلاق: 2].
يا شاكياً هَمَّ الحياةِ وضيقَها *** أبشِرْ فربُّك قد أبانَ المنهجَا
مَن يتَّقِ الرحمنَ جلَّ جلالُهُ *** يجعلْ له مِن كلِّ ضِيقٍ مُخرجَا
يقول الشيخ علي الطنطاوي -رحمَه اللهُ تعالى-: "دهمني مَرةً همٌّ مُقيمٌ مُقعِدٌ، وجعلتُ أُفكرُ في طَريقِ الخلاصِ، وأَضربُ الأخماسَ بالأسداسِ، ولا أزالُ مع ذلكَ مشفقاً مما يأتي به الغدُ.. ثم قلتُ: ما أجهَلَني إذ أَحسبُ أني أنا المُدبِّرُ لأمري وأحملُ همَّ غَدي على ظَهري، ومن كانَ يُدبِّرُ أمري لما كنتُ طِفلاً رَضيعاً مُلقىً على الأرضِ كالوِسادةِ لا أعي ولا أَنطقُ ولا أستطيعُ أن أحمي نفسي من العقربِ إن دبَّتْ إليَّ، والنَّارُ إن شَبَّتْ إلى جنبي، أو البعوضةُ إن طَنَّتْ حولي؟، ومن رعاني قبلَ ذلك جَنيناً، و بعدَ ذلك صَبيَّاً؟، أفيتَخلى اللهُ الآنَ عني؟، ورأيتُ كأنَّ الهمَّ الذي كانَ على كتفي قد أُلقيَ عني، ونمتُ مطمئناً".
وصدقَ رحمَه الله، فكيفَ يهتمُّ من له ربٌّ (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) [يونس: 3]، وكيفَ يهتمُّ من له ربٌّ (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ) [آل عمران: 109]، وكيفَ يهتمُّ من يتلو قولَه تعالى: (إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق: 3]، وكيفَ يهتمُّ من يؤمنُ بقولِه سبحانَه: (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً)، وصدقَ القائلُ:
سيفتحُ اللهُ باباً كُنتَ تَحسبُهُ *** من شِدةِ اليأسِ لم يُخلقْ بمفتاحِ
هل تعلم أيُّها المهمومُ أنَّه ليسَ بينَكَ وبينَ ذهابِ همِّكَ إلا كلماتٍ مُباركاتٍ، ودَعواتٍ عَظيماتٍ .. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ الله عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ، اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ؟، قَالَ: "أَجَلْ يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ".
فإن كانَ اللهُ سبحانَه معكَ، كانَ معكَ القويُ القَديرُ: (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ في السَّمَاوَاتِ ولا فِي الأرْض) [فاطر: 44]، وإن كانَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- معكَ، فمعكَ العليمُ الحكيمُ: (فمَا ظَنكُم بِرَبِّ العَالَمِينَ) [الصافات: 87]، وإن كانَ اللهُ تعالى معكَ، كانَ معكَ الرَّؤوفُ الرَّحيمُ: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) [الطلاق: 7].
عَسَى مَا تَرَى أَنْ لَا يَدُومَ وَأَنْ *** تَرَى لَهُ فَرَجًا مِمَّا أَلَحَّ بِهِ الدَّهْرُ
عَسَى فَرَجٌ يَأْتِي بِهِ اللهُ إِنَّهُ *** لَهُ كُلَّ يَوْمٍ فِي خَلِيقَتِهِ أَمْرُ
إذَا اشْتَدَّ عُسْرٌ فَارْجُ يُسْرًا فَإِنَّهُ *** قَضَى اللَّهُ إنَّ الْعُسْرَ يَتْبَعُهُ الْيُسْرُ
فيا من أُبتليَ بغَمٍّ، كيفَ تَغفلُ عن قولِ: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء: 87]، واللهُ سبحانَه بعدَها يقولُ: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ) [الأنبياء: 88]، ويا من أُبتليَ بِضُرٍّ، كيفَ تغفلُ عن قولِ: (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [الأنبياء: 83]، واللهُ تعالى بعدَها يقولُ: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ) [الأنبياء: 84]، ويا من ابتُليَ بخوفٍ، كيفَ تَغفلُ عن قولِ: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، واللهُ عزَّ وجلَّ بعدَها يقولُ: (فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ)، ويا من ابتُليَ بمكرِ النَّاسِ، كيفَ تغفلُ عن قولِ: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) [غافر: 44]، واللهُ تعالى بعدَها يقولُ: (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا) [غافر: 45].
فمِنْ حُسنِ ظَنِّكَ بربِّكَ، أن ترى جميعَ المؤشراتِ في نزولٍ، وشمسَ الأملِ في أُفولٍ، وأبوابِ الرجاءِ أُغلقتِ بالقُفولِ، وأطَلَّ اليأسُ من فوقِ التُّلولِ، وأنتَ لا زِلتَ تُردَّدُ (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) [الزمر: 36]، فلا مكانَ لليأسِ، ومعكَ الحيُّ القيومُ (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) فها هو موسى قد سَدَّ عليه البحرُ المسيرَ، وحاصرَه الجيشُ الكثيرُ، (قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)، فأجابَهم العارفُ بربِّه، الواثقُ بعهدِه، المؤمنُ بوعدِه: (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء: 62- 63].
فيا من ضاقتْ عليه الدُّنيا بما رَحُبتْ، قل: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي)، ويا من أنوارُ الحياةِ في عينِه أظلمتْ، قل: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي)، ويا من ظُلِمَ ولم يجدْ له ناصراً، قل: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي)، ويا من تراكمتْ عليه الدُّيونُ، قل: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي)، ويا من فقدَ الأحبابَ، قل: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي)، ويا من أُوصدتْ في وجهِه الأبوابُ، قل: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي).
فإذا اشتدَّ الخَطبُ، وعظُمَ الكربُ، وكثُرَ الصَّخبُ، فتذكَّرْ ما قالَه الربُّ: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى).
ولقد ذكرتُكَ والخطوبُ كوالحٌ *** سُودٌ ووجهُ الدَّهْرِ أغبرُ قاتِمُ
فهتفتُ في الأسحارِ باسمِكَ صَارخاً *** فإذا محيَّا كُلِّ فجرٍ باسمُ
فإذا أحاطتْ بكَ الغُمومُ، وأصبحتَ من الحزنِ مكظومٌ، وأحسستَ بغَلَبَةِ المظلومِ، فمنْ تُنادي؟ .. فليسَ كلُ من تُناديه يسمعُ، وليسَ كلُ من يسمعُ يقدرُ، ولكن اقتدِ بالأنبياءِ الذينَ يعرفونَ منْ يُنادونَ: (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ)، فإذا حقَّقَ لكَ المستحيلَ في نظرِك، وأصابَك ما أصابَ زكريا عليه السَّلامُ حينَ قالَ: (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) [مريم: 8]، فتذكَّرْ الجوابَ: (قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ).
يا عبدَ اللهِ .. للهمِّ ساعاتٌ، وللضِّيقِ أوقاتٌ، وللمرضِ لحظاتٌ، فلا تأسرُكَ الحسراتُ، واسمعْ لأجملِ الكلماتِ: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) [الأنعام: 17]، واعلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبرِ، وأنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وأنَّ معَ العُسْرِ يُسراً، زارَ ابنُ عيينةَ -رحمَه اللهُ- رجلاً مريضاً، فقالَ: يا أبا محمدٍ ادعُ اللهَ لي، فقالَ: دعاؤك لنفسِك خيرٌ من دعائي لكَ، ألمْ تقرأ قولَه: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ)؟
دعِ المقاديرَ تجري في أَعنَّتِها *** ولا تبيتنَّ إلا خاليَ البالِ
ما بينَ غمضةِ عَينٍ وانتباهتِها *** يُبدِّلُ اللهُ من حالٍ إلى حالِ
ولا تنسَ أيُّها المهمومُ ما أنتَ فيه من النِّعمَ، واعلمْ ما دفعَه اللهُ تعالى عنكَ من النِّقمَ، قالَ صالحُ الدِّمشقيُّ لابنِه: "يا بُنيَ، إذا مرَّ بك يومٌ وليلةٌ قد سَلِمَ فيهما دينُك، وجسمُك، ومالُك، وعيالُك فأكثِرْ الشُّكرَ للَّهِ تعالى، فكمْ من مَسلوبٌ دينُه، ومنزوعٌ مُلكُه، ومهتوكٌ سترُه، ومقصومٌ ظهرُه في ذلك اليومِ، وأنتِ في عافيةٍ".
أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كل ِّذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ فارجِ الهمِّ، وكاشفِ الغمِّ، مجيبِ دعوةِ المضطرِ، فما سألَه سائلٌ فخابَ، يسمعُ جهرَ القولِ وخفيَ الخطابِ، أخذَ بنواصي جميعِ الدوابِ، فسبحانَه من إلهٍ عظيمٍ، لا يُرامُ له جَنابٌ، هو ربُّنا لا إلهَ إلا هو، عليه توكلنا، وإليه المرجعُ والمتابُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له الواحدُ القهارُ، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه النبيَّ المختارَ، الرسولَ المبعوثَ بالتبشيرِ والإنذارِ صلى اللهُ عليه وسلمَ، صلاةً تتجددُ بركاتُها بالعشيِّ والأبكارِ..
أما بعد: يا من أصابَه همٌّ عظيمٌ، اعلم أن لكَ ربَّاً أعظمَ، وصدقَ سبحانَه: (فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء: 19]، فليسَ خيراً فقط، بل قد يكونُ فيما تكرَهه خيراً كثيراً كثيراً كثيراً.
يقولُ ابنُ القيمُ -رحمَه اللهُ-: "لو كَشفَ اللهُ الغطَاءَ لِعبدِه، وأظهرَ له كيفَ يُدبِّرُ له أمورَه، وكيفَ أن اللهَ أكثرُ حِرصاً على مصلحةِ العبدِ من نفسِه، وأنَّه أرحمُ به من أمِّه، لَذابَ قلبُ العبدِ محبةً للهِ، ولتقطَّعَ قلبُه شُكراً للهِ".
أخي المكروبُ .. الدنيا مليئةٌ بالمصائبِ والابتلاءاتِ، فمن مِنَّا لم يخالجُه همٌّ ولا حُزنٌ، فلا مَفرَ من الهمومِ والغمومِ، ولكن لا تنسَ أن ما أصابَك هو تكفيرٌ لذنوبِك ورفعٌ لدرجاتِك، فربُّنا عزَّ وجلَّ إذا أحبَّ عبداً ابتلاه، وما ابتلاهُ إلا ليسمعَ تضرعَه وشَكواه، فيا من تقطعتْ به الأسبابُ، وأُغلقتْ في وجهِه الأبوابُ، اقرعْ أبوابَ السَّماءِ، وألحَّ على اللهِ بالدُّعاءِ، بُثَّ إليه شكواكَ، وأحسنْ الظنَّ بمولاك، فما خابَ من رجاهُ، ولا رُدَّ من دعاهُ، فمَنْ لنا غيرَ اللهِ جلَّ جلالُه نستأنسُ بنجواه، فناجِ ربَّك في الأسحارِ، وانكسرْ بين يدي العزيزِ الغفارِ، وأبشر بانفراجِ الهمِّ والخيرِ المدرارِ.
يا صاحبَ الهمِّ إن الهمَّ مُنفرجٌ *** أبشرْ بخيرٍ فإنَّ الفارِجَ اللهُ
اليأسُ يَقْطَعُ أحياناً بصاحِبِه *** لا تيأسَنَّ فإن الكافيَ اللهُ
اللهُ يُحدثُ بعدَ العُسْرِ مَيسرةً *** لا تجزعنَّ فإن الصَّانِعَ اللهُ
وإذا بُلِيتَ فَثِقْ باللهِ وارضَ به *** إن الذي يَكْشِفُ البلوى هو اللهُ
اللهمَّ فرجْ همَّ المهمومينَ، ونفسْ كربَ المكروبين، وأقضِ الدينَ عن المدينينَ، ويسرْ أمورَ المسلمينَ، اللهم اجعلْ لنا من كل همٍّ فرجاً، ومن كلِّ ضيقٍ مخرجاً، ومن كلِّ بلاءٍ عافيةً، ومن كلِّ مرضٍ شفاءً، ومن كلِّ دينٍ وفاءً، ومن كلِّ حاجةٍ قضاءً، ومن كلِّ ذنبٍ مغفرةً ورحمةً، اللهم انصرْ دينَك وكتابَك وسنةَ نبيكَ محمدٍ وعبادكَ الصالحينَ.
اللهم أبرمْ لهذه الأمةِ أمرَ رشدٍ، أللهم أقلْ عثراتِ المسلمينَ، اللهم ارحمْ المنكوبينَ والجوعى والخائفينَ والمظلومينَ، اللهم ثبتْ قلوبَنا على الإيمانِ، ربنا هبْ لنا من أزواجِنا قرةَ أعينٍ، واجعلنا للمتقينَ إماماً.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم