إلى كل غيور على سيدنا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-

أحمد شريف النعسان

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ أهمية الغيرة 2/ حادثة سب الأقباط لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورد فعل المؤمنين على ذلك 3/ الغيرة المطلوبة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- 4/ نصائح مهمة للغيورين على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

اقتباس

إنَّ هذهِ الغِيرةَ مطلوبةٌ من الأمَّةِ شرعاً من قَضِّها إلى قَضيضِها بدونِ استثناءٍ, وإنَّ من تمامِ الغِيرةِ أن يكونَ هذا الحَدَثُ سبباً لمزيدٍ من الالتزامِ بدِينِ الله -عزَّ وجلَّ-, وأن يكونَ سبباً لمزيدِ المعرفةِ بشخصيَّةِ سيِّدِنا رسولِ الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, وأن يكونَ سبباً...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله: إنَّ الإيمانَ بالله -تعالى- لا يكمُلُ إلا بالإيمانِ بسيِّدِنا رسولِ الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, وإنَّ الإيمانَ بالله -تعالى-، والإيمانَ بسيِّدِنا رسولِ الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- لا يكمُلُ إلا بالغِيرَةِ على سيِّدِنا رسولِ الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, والغيورُ بحقٍّ على سيِّدِنا رسولِ الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- هوَ الذي لا يكونُ سُلوكُهُ سبباً في الطَّعنِ في دِينِ الله -عزَّ وجلَّ-, وفي هَدْيِ سيِّدِنا رسولِ الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-؛ كما جاء في الحديث الذي رواه محمد بن نصر المروزي في "كتاب السنة": أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- قال: "كلُّ رجلٍ منَ المسلمينَ على ثَغرٍ مِن ثُغُورِ الإسلامِ, اللهَ اللهَ أن يُؤتَى الإسلامُ من قِبَلِكَ".

 

يا عباد الله: لقد سَمِعنا وشاهَدْنا كيفَ تَحَرَّكتِ الغِيرةُ في قُلوبِ المؤمنينَ في مَشارِقِ الأرضِ ومَغارِبِها على سيِّدِنا رسولِ الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- بما فَعَلَتْهُ هذهِ الشِّرذمةُ القَذِرَةُ الحقيرةُ التَّافهةُ من الأقباطِ التي عَبَّرَت عن حِقدِها على سيِّدِنا رسولِ الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-؟ رسولِ البشريَّةِ جمعاءَ, رسولِ الرَّحمةِ والهِدايةِ, رسولِ الدِّينِ والقِيَمِ والأخلاقِ الإنسانيَّةِ قاطبةً, وهذهِ الغِيرةُ ما جاءت من فراغٍ, إنَّما جاءت من قُلوبٍ صادقةٍ آمَنَت بسيِّدِنا رسولِ الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, ونِعْمَتْ هذهِ الغِيرةُ التي أسألُ اللهَ -تعالى- أن يُنمِّيَها في قُلوبِنا جميعاً.

 

يا عباد الله: إنَّ هذهِ الغِيرةَ مطلوبةٌ من الأمَّةِ شرعاً من قَضِّها إلى قَضيضِها بدونِ استثناءٍ, وإنَّ من تمامِ الغِيرةِ أن يكونَ هذا الحَدَثُ سبباً لمزيدٍ من الالتزامِ بدِينِ الله -عزَّ وجلَّ-, وأن يكونَ سبباً لمزيدِ المعرفةِ بشخصيَّةِ سيِّدِنا رسولِ الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, وأن يكونَ سبباً للتَّآلُفِ والتَّكاتُفِ بينَ المسلمينَ جميعاً, وإلا فستكونُ هذهِ الغِيرةُ حُجَّةً علينا يومَ القيامةِ لا لنا -لا قدَّرَ اللهُ تعالى-.

 

يا عباد الله: إنِّي أتوجَّهُ إلى نفسي أولاً, ثمَّ إلى كلِّ غيورٍ على سيِّدِنا رسولِ الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, لأقول:

 

أولاً -أيُّها المؤمنونَ-: أنتم إخوةٌ في الله، تذكَّروا -يا عباد الله- قول الله -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات: 10]، فحقِّقُوا هذهِ الأخُوَّةَ بينكم, وأصلحوا فيما بينكم حتَّى تكونوا كالجَسَدِ الواحدِ؛ كما قال سيِّدُنا رسولُ الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ, إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى" [رواه الإمام مسلم عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-].

 

وكما قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ, إِنْ اشْتَكَى عَيْنُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ, وَإِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ" [رواه الإمام مسلم عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-].

 

يا عباد الله: إنَّهُ لمنَ العجيبِ أن ترى من بعضِ المؤمنينَ من يُؤجِّجُ نارَ العداوةِ والبغضاءِ في صُفوفِ المؤمنينَ, حتَّى يجعلَهُم مُتحاسِدِينَ مُتباغِضِينَ مُتدابِرِينَ, فهل سمعتَ هذا يا أيُّها الغيورُ على سيِّدِنا رسولِ الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-؟

 

ثانياً -أيُّها المؤمنونَ-: لا يضرب بعضُكُم رِقابَ بعضٍ؛ تذكَّروا -يا عباد الله- قول الله -تعالى-: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].

 

وتذكَّروا قول سيِّدِنا رسولِ الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "مَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ" [رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-].

 

وتذكَّروا قول سيِّدِنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ" [رواه الإمام البخاري عَنْ جَرِيرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-].

 

يا عباد الله: ضَرْبُ رِقابِ المؤمنينَ بعضِهِم بعضاً واللهِ يُسخِطُ اللهَ -تعالى-, ويُرضي شياطينَ الإنسِ والجِنِّ, ويشفي صُدورَ الحاقدينَ على دِينِ الله -عزَّ وجلَّ-, حيثُ يستغلُّوا ذلك لِيَعرِضُوا صُوَرَ هذا القتالِ على أُمَمِهِم, ويقولوا لهم: هذا هوَ الإسلامُ الذي يدعونَكُم إليه المسلمونَ, فهل سمعتَ هذا يا أيُّها الغيورُ على سيِّدِنا رسولِ الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-؟

 

ثالثاً -أيُّها المؤمنونَ-: لا يُكفِّر بعضُكُم بعضاً، تذكَّروا -يا عباد الله- حديثَ سيِّدِنا رسولِ الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- قَالَ: "إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ, فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا".

 

وقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "مَنْ كَفَّرَ أَخَاهُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا" [رواه الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُما-].

 

يا عباد الله: لا يجوزُ للمؤمنِ أن يتعجَّلَ في تكفيرِ أهلِ القبلةِ الذين يصلُّونَ ويصومونَ ويحجُّونَ بسببِ خلافٍ في مسألةٍ من مسائِلِ الفُروعِ, روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا, وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا, وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا, فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ الله وَذِمَّةُ رَسُولِهِ, فَلَا تُخْفِرُوا اللهَ فِي ذِمَّتِهِ".

 

لأنَّ هذا التَّكفيرَ يُدخِلُ الفرحةَ والسُّرورَ إلى قُلوبِ أعداءِ هذهِ الأمَّةِ, فهل سمعتَ هذا يا أيُّها الغيورُ على سيِّدِنا رسولِ الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-؟

 

رابعاً -أيُّها المؤمنونَ-: لا تتَّخِذوا أعداءَ الله -تعالى- أولياءَ لكم، تذكَّروا -يا عباد الله- قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ) [الممتحنة: 1].

 

واللهِ إنَّهُ لمنَ العجيبِ أن يتَّخِذَ المؤمنُ عدوَّ الله وليَّاً لهُ, ويَضَعَ يَدَهُ في يَدِهِ ضِدَّ أخيهِ المؤمنِ, تذكَّروا قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) [المائدة: 51 - 52].

 

وتذكَّروا قول الله -تعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ) [المائدة: 82].

 

واحذَروا من الاعتقادِ بأنَّ هناكَ أحداً أشدَّ عداوةً للذين آمنوا من اليهودِ ومن الذين أشركوا؛ لأنَّ اللهَ -تعالى- قرَّرَ في كتابه العظيم بأنَّ اليهودَ والذين أشركوا هم أشدُّ الناسِ عداوةً للذين آمنوا.

 

فهل سمعتَ هذا يا أيُّها الغيورُ على سيِّدِنا رسولِ الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-؟

 

يا عباد الله: من كان غيوراً بحقٍّ على سيِّدِنا رسولِ الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- فلا يَسَعُهُ إلا الاتِّباعُ لأخلاقِ سيِّدِنا رسولِ الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, وليتذكَّرْ قول سيِّدِنا رسولِ الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- لسيِّدِنا عمرَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-, عندما أرادَ أن يقتلَ رأسَ النِّفاقِ والمنافقينَ: "دَعْهُ, لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّداً يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ" [رواه الإمام البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-].

 

أسألُ اللهَ -تعالى- أن يرُدَّنا إلى دِينِهِ ردَّاً جميلاً, وأن يجعَلَنا كالجَسَدِ الواحدِ, إذا اشتكى منه عُضوٌ تداعى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى، آمين.

 

أقول هذا القول, وأستغفر الله لي ولكم, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

المرفقات

كل غيور على سيدنا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات