عناصر الخطبة
1/ آثار الإعصار 2/ محطات تأمل واعتبار مع الإعصار 3/ دفاع عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 4/ أسباب التعامل البغيض من بعض الكتاب تجاه الهيئة 5/ من إنجازات الهيئةاقتباس
رياح ما رأينا مثلها، وأمطار شديدة، الماء يدخل من النوافذ، والمنطقة التي بجانبنا غرقت بمعنى الكلمة، الماء وصل ربع البيوت، والوديان تسيل والأشجار تساقطت والأمر مخيف جدا.. وفي بعض البيوت وصل الماء إلى الطابق الثاني والناس تستغيث.. البيوت والسيارات أصبحت كاللعب في الوديان.. وفي بعض المناطق الساحلية وصل الماء إلى اليابسة ودخل البيوت، وارتفعت الأمواج بارتفاع أعمدة الكهرباء، ..
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله هو وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، لا راد لقضائه ولا مبدل لحكمه، وهو على كل شيء قدير.. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الرحمة المهداة البشري والنذير والسراج المنير صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: لا زلنا نتابع بخوف وترقب، ما تناقلته وسائل الإعلام عن الإعصار الهائل المسمى (إعصار جونو) الذي طاف ببعض دول الخليج مبتدئا بسلطنة عمان، ولا يزال هذا الإعصار حتى الآن يسير إلى جيرانها، الذين هم ليسوا منا ببعيد.
إعصار وعواصف، ورياح شديدة، مصحوبة بغيوم كثيفة، وأمطار غزيرة، سالت بها الأرض بشعابها ووديانها وشوارعها.. سيول جارفة ورياح هادرة، سحقت كل من في طريقها، وعطلت حركة الشوارع، وحاصرت السكان في منازلهم.
شُلت حركة النقل، فأُغلقت المواني والمطارات، وغَمرت المياه الطرقات، وسددتها الأشجار المتساقطة، وتهاوت كثير من أعمدة الكهرباء، وفي عمان أُعلن يوم أمس عن وفاة اثني عشر، فضلاً عن المفقودين والمصابين.
يقول أحد الأخوة العمانيين: رياح ما رأينا مثلها، وأمطار شديدة، الماء يدخل من النوافذ، والمنطقة التي بجانبنا غرقت بمعنى الكلمة، الماء وصل ربع البيوت، والوديان تسيل والأشجار تساقطت والأمر مخيف جدا.. وفي بعض البيوت وصل الماء إلى الطابق الثاني والناس تستغيث.. البيوت والسيارات أصبحت كاللعب في الوديان.. وفي بعض المناطق الساحلية وصل الماء إلى اليابسة ودخل البيوت، وارتفعت الأمواج بارتفاع أعمدة الكهرباء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولنا -يا عباد الله- مع هذا الحادث محطات تأمل واعتبار، ووقفات تفكر وادكار:
الوقفة الأولى: بيان عجز الإنسان وضعفه، وتمام قوة الله وقدرته؛ فإن الله سبحانه عزيز ذو انتقام، قوي عزيز، شديد المحال، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.. وهذه الرياح جند من جنود الله تعالى، فإذا خرجت عن سرعتها المعتادة -بإذن ربها-، دمرت المدن وهدمت المباني، واقتلعت الأشجار، وصارت عذابا على من حلت بدارهم.
الوقفة الثانية: إن مما ينبغي الحذر منه: نسبة هذه الظواهر إلى الطبيعة! كما يسميها بعضهم: (غضب الطبيعة)!! حتى صار الناس لا يخافون عند حدوثها، ولا يعتبرون بها. قال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- : "ونحن لا ننكر أن يكون لها أسباب حسية، ولكن: من الذي أوجد هذه الأسباب الحسية؟؟ إن الأسباب الحسية لا تكون إلا بأمر الله عز وجل". انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
الوقفة الثالثة: إن في هذا الإعصار موعظة وعبرة، تستوجب الخوف من غضب الله وفجاءة سخطه، (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) [الاسراء: 59]..
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الريح والغيم؛ عرف ذلك في وجهه، وأقبل وأدبر. فإذا مطرت، سر به، وذهب عنه ذلك. قالت عائشة: فسألته، فقال: (إني خشيت أن يكون عذابا سلط على أمتي ) رواه مسلم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: ( اللهم! إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به ) رواه مسلم.
إنها النذر، ولكن أين المعتبرون؟، إنها الآيات، ولكن أين المؤمنون؟
(فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَاكَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
الوقفة الرابعة: كيف السبيل إلى النجاة؟
إنه لا سبيل إلى النجاة من هذه الكوارث والقوارع، إلى باللجوء إلى الله، وتجديد التوبة والاستغفار، وسلوك سبيل الإصلاح بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فقد أخبر الله تعالى أنّ البلادَ الّتي يؤمر فيها بالمعروف وينهى فيها عن الفساد، بلادٌ محميّة من عذاب الله،ومأمونةٌ بفضل الله، (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ اْلقُرُوْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوْا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ اْلفَسَادِ فِيْ اْلأَرْضِ إِلاَّ قَلِيْلاً مِمَّنْ أنَجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِيْنَ ظَلَمُوْا مَا أُتْرِفُوْا فِيْهِ وَكَانُوْا مُجْرِمِيْنَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ اْلقُرَىْ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُوْنَ).
وروى الإمام أحمد وابن ماجه وصححه الألباني عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابِهِ".
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صمام الأمان، والقائمون به يدفعون الكوارث والعقوبات العامة عن الأمة.
وإن من فضل الله علينا وعلى ولاة أمرنا وفقهم الله، اهتمامَهم بهذه الشعيرة العظيمة، فخصصوا لها جهازاً حكومياً يقوم بها نيابة عن المسلمين، وهو جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وإذا كان الأمر كذلك، فإنه قد ساءنا وكدر خواطرنا، ما يكتبه بعض كتاب الصحف والانترنت من تصيد أخطاء رجال الحسبة، ثم تضخيم هذه الأخطاء، وتحويل الخطأ إلى قصة، والقصة إلى رأي عام.
وإنك والله لتعجب من تضخيمهم لقضية فردية مات فيها أحد مروجي المخدرات في الرياض بعد مداهمته من إحدى فرق الهيئة، وقضية أخرى في تبوك.. فطاروا بها منذ أول وقوعها، وضخموها مع أن لم ينته التحقيق فيها، كما بين ذلك ولاة الأمر وفقهم الله.
وللحقيقة نقول: ليست هذه بأول مرة.. فإن العاقل المنصف يدرك ما يتعرض له جهاز الهيئة من تعدي وظلم من بعض الكتاب ورؤساء تحرير بعض الصحف، من مُطالبٍ بإلغاء الهيئة، أو التضييق عليها، وغيرها من المطالبات التي لو قالها أحد في جهاز حكومي آخر لعده الناس ضرباً من الجنون.
وينسى أو يتناسى هذا الصنف من الكتاب إنجازات الهيئة، وجهودها العظام، مع قلة الإمكانيات، وصعوبة العمل، وضعف المحفزات.
يقول الدكتور الحارثي عضو مجلس الشورى : التقارير مليئة بالإنجازات التي يقوم بها رجال الهيئة وذلك على مستوى محاربة الكثير من ظواهر الفساد، ابتداءً من المخدرات مروراً بالدعارة والخمور وعدداً آخر من الموبقات.. وأحيانا نقول في المجلس ونحن نناقش تقاريرهم لو لم يكن هؤلاء موجودين إذن كيف يكون حال البلد؟. ا.هـ.
وإذا كنا نتساءل لماذا يتعامل بعض الكتاب مع جهاز الهيئة بهذا التناقض والتعسف؟
فإني بكل صراحة أقول: إن من أهم أسباب تخبط هؤلاء سببين:
السبب الأول : الانحراف الفكري؛ فإن بعض أهل العلمنة لديه شبهات أصلاً في شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنها تخلف ورجعية تصادم حرية الرأي، فيجد هؤلاء في أخطاء الهيئة سبيلاً للنيل من هذه الشعيرة والقائمين بها.
وربما تأثر بعض هؤلاء المنحرفين بالتقارير المشبوهة لبعض اللجان والمؤسسات الدولية المغرضة كتقرير (راند) الأخير الذي يدعو إلى إلغاء الشرطة الدينية في المملكة (أي الهيئة)؛ لأنها تقف حجر عثرة لمشاريعهم الإفسادية في المنطقة.. وكم هو محزن أن يتلقى هذه الدعوة بعض من يعيش بيننا ويتكلم بألسنتنا ويكتب في صحفنا، ويُثير الدهماء والسذج من خلال البحث عن الأخطاء وتكبيرها وتضخيمها.
السبب الثاني: الانحراف الأخلاقي؛ فإنه من المعلوم أن جهاز الهيئة يقف في وجه شهوات بعض الناس، ويحول دون عبثهم ومجونهم، فلا غرابة أن يهيج هؤلاء ويثوروا ضد من يحول بينهم وبين شهواتهم.. وهؤلاء لا يرجى منهم أن يحبوا الهيئة، أو يرحبوا بعملها، كما أنه لا يرجى من اللص أن يشكر الشرطة، أو يحب القاضي، أو يمدح السجان.
كنت بالأمس مع أحد المشائخ الفضلاء، وهو حالياً رئيس لأحد مراكز الهيئة، وكان يخبرني أن رجلاً قبضت عليه إحدى فرق الهيئة في قضية سيئة، وكان يقول: أقبل رجليك يا شيخ واستروا علي.
لم أعجب أن الشيخ وفقه الله لم يخبرني باسم الرجل لأني أعرف حرص رجال الحسبة الشديد على الستر وسرية العمل، لكن عجبي لم ينقطع عندما قال لي إن هذا الرجل يعمل الآن رئيساً لتحرير إحدى الصحف التي تنشر بعض المقالات ضد الهيئة.
نسأل الله أن يهدي ضالنا، وأن يكفينا شر شرارنا، إنه على كل شيء قدير.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى... والصلاة والسلام...
عباد الله: نحن ندرك تماماً إن هذا الأمن والنقاء الذي تعيشه بلادنا، ونتفيأ ضلاله، ونتمتع به - يقف خلفه جهد وإخلاص من رجال الأمن البواسل، ورجال الهيئة الفواضل.
وإننا -والله- لنشعر بالأمن حينما ندخل نحن وأهلنا السوق، أو نوصل بناتنا إلى المدارس، فنجد حماة الفضيلة في هذه الأماكن، يحفظون الأعراض، ويصونون الحرمات عن عبث السفهاء، وتطاول الأشقياء.
فلله درهم.. كم فوتوا الفرصة على ذئاب يريدون اغتيال عفة الفتاة.. وكم من قضايا أخلاقية عالجوها بالحكمة والستر على الأعراض والعورات، فحُفظت بيوت كادت أن تنهار.
ولله درهم.. كم من ليلة ننامها نحن ملء جفوننا ورجال الهيئة يسهرون الليالي يراقبون أوكار الجريمة والفساد.
قبل ثلاثة أيام دخلت مركز هيئة العليا، فإذا بهم -وفقهم الله- قد ضبطوا مصنعاً للخمر فيه كميات هائلة من الخمور التي يستهدف بها شبابنا وبيوتنا.. فكان أحد أعضاء المركز يقول لي: إن بعض الأعضاء الميدانيين لا يعرف النوم في الليل منذ زمن، بسبب سهر الليالي.
ومع هذا فإننا نعلم أن العاملين في أي جهة حكومية ليسوا معصومين من الأخطاء.. وهذه الأخطاء التي تقع من منسوبي الهيئة أو الشرطة أو المرور أو الدفاع المدني أو الإسعاف أوغيرها يجب أن نتعامل معها بموضوعية وعدل، بأن نتثبت أولاً من وقوع الخطأ، فإن ثبت فإنه ينسب لصاحبه، ويعاقب بقدر خطئه، ولا يكون هذا الخطأ ذريعة لتضخيم الأخطاء، أو الطعن في الجهاز الحكومي، أو الاستهانة به وتهميشه، كما وقع من بعض الناس.
فليتّق الله عزّ وجلّ كل من زلت به القدم، وليعلم أن الكلمة أمانة، وأنّه سيقف بين يدي الله تعالى ليحاسبه على ما تكلم به لسانه أو كتبت يداه، (فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) [البقرة: 79].
وما مـن كاتب إلا سيفنى *** ويبقي الله ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء *** يسرك في القيامة أن تراه
اللهم صل على محمد...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم