إعداد الشخصية بالتربية

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/التربية الإسلامية تربية شاملة 2/التربية المادية لا تكفي في بناء الشخصية 3/تميُّز التربية الإسلامية في نظرتها للإنسان 4/المؤمن شخصية في غاية التوازن والاتساق 5/العلاقة بين سعادة الدنيا وسعادة الآخرة 6/الهدف الأسمى والأغلى للتربية.

اقتباس

يخطئ كثير من الناس عندما لا يربطون بين سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، إذ إن سعيد الدنيا هو سعيد الآخرة، وشقي الدنيا هو شقي الآخرة، غير أن السعادة في الجنة أبقى وأنقى، والتعاسة في الآخرة أشَقّ وأنكى. إن الهدف الأسمى والأغلى والأهم للتربية هو تحصيل السعادة الدائمة الخالدة في الجنة، وسعادة الدنيا هي مقدمة لسعادة تالية...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي أنزل الكتاب تبصرة وذكرى لأولي الألباب، والصلاة والسلام على نبي الرحمة الذي بُعث في الأميين ليعلمهم الحكمة والكتاب، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه خير الآل والأصحاب، ومن تبعهم واهتدى بهديهم إلى يوم المآب (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَئَابٍ) [الرعد: 29)].

 

عباد الله: إن من أهم أهداف التربية صياغة الفرد؛ بتهذيب روحه، وتنمية عقله، وتقوية بدنه، وتقويم سلوكه، وتنمية مهاراته، حتى يصبح الفرد عضواً متزناً عقلياً ونفسيَّاً وعاطفيَّاً، منتجاً نافعاً، راضِياً قانعاً, وإنك لن تجد لونا من ألوان التربية يحقق ذلك الهدف غير التربية الإسلامية.

 

لقد أسرفت التربية في بعض المجتمعات في التركيز على جانب دون آخر، فأخرجت أناساً غير مكتملي النضج، ولا أسوياء النفوس؛ فبعضها أسرف في التربية المادية، مُهْمِلا  قيمة الإنسان ككائن متميِّز، فيه نفخة علوية من ربه، لا يُدْرَى كنهها، ولا يُعرف كيف تعمل، فلم تجعل من الناس إلا آلات دائرة في عجلة الإنتاج الضخمة، لكن الآلة لا تحس ولا تفكر، أما نفس الإنسان فتعمِّرُ أو تُدَمِّر.

 

فالشيوعية -كمثال- فشلت في خلق مواطن صالح، أو مجتمع سعيد، إذ كيْف يسْعَدُ الإنسان وقد أُعْتَبَر أقل قيمة من بعض الآلات التي يديرها؟ و كيف يسْعَد وهو يرى القائمين على تربيته غارقين فيما ينهونه عنه من مادة؟ وكيف يعْمَل ولا منافُسَ يُشجِّعه؟ ولا مكافأة تُدَفِّعُه؟!.

 

ولهذا تعطَّل الإنتاج، وساد الفساد المادِّي، والمادة عندهم هي الحياة كلها، فلم يبقوا على قيمة الإنسان الروحية، ولم يصيبوا تقدماً مادياً، فانهاروا, وحتى في الدول الرأسمالية الغربية المادية، فإنك تجد أن معدلات الانتحار، وجرائم النهب والسلب، في ازدياد واضح، واحتداد فاضح، يعلن فشل ذلك اللون من التربية المادية.

 

ثم إن المجتمعات التي تعنى بالروح دون المادة فشلت أيضا في تحقيق الشخصية المتوازنة، والمجتمعِ المتوازن، فثِقْلَةُ الطين الذي خلق منه الإنسان، لا تنفك تلحُّ عليه لإشباع رغباتها، ولا يَبْرح الحنين يعاودها إلى أصلها، إذ ليس بمقدور الإنسان -ما زال في الدنيا- أن ينفكَّ عن الطين الذي خلق منه انفكاكا تاما، وأن يتحول إلى ملاكٍ طاهرٍ يحوِّم في أجواء الفضاء، ويحلِّق في أرجاء الملكوت أبداً، فهو يحتاج إلى الأرض ليعيش، والأرض محتاجة له لتعمر (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) [السجدة : 9].

 

إننا مهما قلَّبنا الفِكَر وأمْعنَّا النظر، فلن نجد تربية أكثر تكاملاً وشمولاُ في تنمية الشخصية، من التربية الإسلامية، التي هي تنزيل من خالق الإنسان، العليم الخبير تعالى وتقدس.

 

إن تميُّز التربية الإسلامية ناجمٌ عن نظرتها للإنسان، فالحكم على شخص بأنه مُربَّىً تربيةً حسَنةً، أو أنه مواطنٌ صالحٌ،  يختلف باختلاف نظَرات المجتمعات، فبعض المجتمعات يرى أن المواطن الصالح هو الأكثر حبا لوطنه، العاشق تراب أرضه, وبعضها يرى أنه الأكثر استبسالا ببدنه، الحامي حمى عرضه, وبعضها يرى أنه الأكثر استمساكاً بدينه، المطيع لربه, أما الإسلام فإن نظرته أشمل إذ تعني هذه المعاني كلها وأكثر.

 

إن الإسلام هو الذي اعتنَى بالإنسان كإنسان، يتركَّب من جسد وروح وعقل، كل منها يحتاج للتعهُّد والرعاية، والتهذيب والإصلاح، لذا فإنه توسع في مفهوم صلاح الإنسان، فالإنسان الصالح هو إنسان طيب المَخبر والمظهر، هو إنسان نظيف القلب، شفيف الروح، وافر العقل، مُهذَّب المنظر، طيِّب الكَسْب، القانع الرَّاضي.

 

إن الإنسان الصالح هو الأقرب للإنسان الكامل، الأقرب إلى الإنسان المثالي، الذي تتحدد من مدى الاقتراب منه أو الابتعاد عنه درجة الإنسان في الصلاح، حسب ما وهبه الله من فضائل، وما أذهبه عنه من رذائل, ولهذا قام منهج التربية الإسلامية لخَلْق الإنسان الصالح على الاقتداء بالمثال، وعلى حُسن الأفعال.

 

أيها المسلمون: إننا، اليوم لم نتمثَّل بكتاب ربنا ولا سنَّة نبينا كما ينبغي علينا أن نفعل، ولو فعلنا لدانت لنا الأرض، ولارتفعنا إلى المكان الذي ينبغي أن  نكون فيه، ولتحققت في كل منا الشخصية السوية المتوازنة، التي يدعو مظهرها ومخبرها للإسلام.

 

إنَّ مَنْ ساق نفسه لهداها  *** لَبَعِيدٌ حَقَّاً عن الشيطانِ

وسَيدْعو للدين منه سُلوكٌ *** ولئن لم يكن له من لسان

 

ولَعمري إن مثل ذلك الشخص لهو المؤمن الحق، قد أصاب وأنجز وأفلح.

 

يقول الله -سبحانه وتعالى- في وصف هذا الإنسان الصالح: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)  [المؤمنون1 : 11].

 

إن هذه الآيات الكريمات تبين شخصية المؤمن، شخصية في غاية التوازن والاتساق، ناضجة روحاً وعقْلاً وجسَداً وسلوكاً، فتأمَّل -رحمك الله- (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ)، إن الخشوع في الصلاة يعني أن الروح قد انتقلت إلى الآفاق السماوية العالية، تستأنس هناك، وتتزوَّد بالطاقة اللازمة لها، وهل يخشع في الصلاة إلا الشخص الذي يتمتع بروحٍ ساميةٍ شفافة طيِّبة.

 

(وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)، وهل يُعرض عن اللغو، من كلامٍ فارغ، وثرثرة، وجدال، إلا المرء التامُّ العقْل؟, (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ)، فهل يخرج الزكاة إلا الشخص المتكسِّب الذي يعطي بدنه حقه من العمل والارتزاق؟ ولهذا فإن القرآن الكريم دائماً ما يصف المؤمنين بأنهم يؤدون الزكاة، فكأن أمر عملهم وتكسبهم ونماء مالهم أمرٌ بيِّنٌ لا يحتاج لبيان، فهم يتكسَّبون المال، لكن ذلك التكسُّب مرتبط بمراقبة الله تعالى، وبالعمل على تطهير النفس وتزكيتها، وبالنظرة الإنسانية الرحيمة للمحتاجين، بإعطائهم مالا هو حقٌّ لهم معلوم، فالمال مال الله، تعالى، والمرء مستخلف فيه، قائم عليه بالقسط.

 

فما المال والأهلون إلا ودائعٌ  ***  ولا بُدَّ يوماً أن تُرَدَّ الودائع

 

(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)، أما بدن المؤمن فله حقه من الاستمتاع والتلذذ بالنساء، حتى إن المؤمن لَيُثابُ على ملاعبة امرأته ومضاجعتها وله على ذلك أجر، بعكس إذا وضعها في الحرام.

 

(وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)، وهنا يتجلى السلوك الأخلاقي في أداء الأمانة، والوفاء بالعهد. (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).

 

هكذا تبين فاتحة سورة في القرآن الكريم طريقا لتربية الشخصية المؤمنة روحاً وعقلاً وبدَناً وسلوكاً, فسيروا على صراط ربكم  المستقيم، الذي أضاءه الله لكم بنور وحيه القويم، تعيشوا بخير وتموتوا على خير -إن شاء الله-.

 

لقد سار الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- على هذا النهج فصاروا أمثلة يُحْتَذَى بها، وقدوات يُقتَدى بها، فالشخصية السليمة القويمة تحقَّقت بهم، وتمثَّلت فيهم؛ نشروا الحق والعدل في أرجاء الأرض، فأصابوا من النجاح أوفره، ومن الفلاح أكثره، لم تكن الدنيا أكبر همهم، ولا مبلغ علمهم، بل كانت شخصية الواحد منهم متكاملة متَّزنة، شفيفة الروح، وافرة العقل، قوية البدن، قويمة السلوك.

 

وبعد أن آتت ثمرة الإسلام أكلها بأيديهم، كان مَنْ بعدهم خير خَلَفٍ لخير سلف، فتعهَّدوا شجرة الإسلام، ورعوها حق رعايتها، حتى ارتفع الأذان في كل أرجاء الأرض، ولم يعرف التاريخ قط، ولن يعرف أبداً، دولة كان أساسها الحق، وأوتادها العدل، وأعمدتها العلم، وسقفها الرحمة، وأثاثها التقوى، ومتَاعها ما تشتهي الأنفس من زينة الحياة، غير دولة الإسلام؛ التي ظلت شجرتها تنمو وتزدهر.

 

حتى صارت بعد قرون مَحَطَّ الأنظار، ومُرْتَاد العلماء، ومَلاذ الفارِّين من الظلم، مَن سكَنها فهو آمِنٌ مطْمئنٌّ، آمن على دمه وماله وعرضه، يملأ ناظريه من مباهج حدائقها، التي يجري الماء بين جداولها كأنه سبائك اللجين، ويترقرق فيها عذباً سلسالا، وعلى بساطها نشر الربيع الحلل، وحاك الأزهار, يملأ عينيه من فخامة عمرانها، من مبانٍ هي آيةٌ في والجمال والإبداع، تزيِّنها الزخارف والنقوش، ومن بينها تعلو المآذن، رافعة أعناقها تطاول عنان السماء، في شموخ وأنفة وكبرياء، ينطلق منها صوت الأذان رخيماً مدوياً.

 

كل ذلك كان ثمرة الدولة التي غرسها الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- وتعهّدها ونماها، وسقاها، وأزال عنها الآفات، ووضع لها حصانة كاملة من الاجتثاث والزوال والفناء، فهي شجرة للبقاء، ولذلك آتت أكلها عند المسلمين الأولين، ولا تزال تنتج الأجيال الذين هم اللبنات التي يقوم عليها الدين الحق.

 

ألم يأمرنا  الله  -سبحانه  وتعالى- أمراً  لازماً،  بفعل  الخير  وإخراجه  من  دائرة  النظريات إلى دائرة الأفعال والواقع كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج : 77] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) [الصف 2: 3].

 

ولسنا مطالَبين بالإيمان بالخير وفعله فقط، بل نحن مطالبون بالاستباق لتحصيله وفعله، (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة : 148].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه المبين: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل : 97]. والصلاة والسلام على النبي المصطفى والرسول المجتبى وعلى آله وصحبه وسلم.

 

أما بعد:

 

عباد الله: إن الإيمان وعمل الصالحات يتم بالتربية الواعية الحقة، وجدير بمن يتحصل عليهما أن يحيا حياة طيبة في الدنيا، والحياة الطيبة هي حياة الهنأ والسعادة.

 

ثم إن من يتحصل على تلك السعادة الدنيوية فإنه ولا شك سيحصل على السعادة الأخروية؛ لأن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة، حيث النعيم المقيم، والسعادة الدائمة: (لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ) [الحجر : 48]، ويقول: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الأعراف : 43]، ويقول:(لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) [فاطر : 35].

 

يخطئ كثير من الناس عندما لا يربطون بين سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، إذ إن سعيد الدنيا هو سعيد الآخرة، وشقي الدنيا هو شقي الآخرة، غير أن السعادة في الجنة أبقى وأنقى، والتعاسة في الآخرة أشَقّ وأنكى.

 

إن الهدف الأسمى والأغلى والأهم للتربية هو تحصيل السعادة الدائمة الخالدة في الجنة، وسعادة الدنيا هي مقدمة لسعادة تالية، ومؤشِّر دالٌّ عليها، ونسمة لطيفة خفيفة عابرة تعلن عن مَقْدَمٍ لربيع، لكنه الربيع  الدائم، ثمرةَ تربيةٍ تعهدت بذرة الإيمان، وسقتها ونمَّتها، وحفظتها من الآفات، حتى اشتد منها الساق، واخضرت الأوراق، وأزهرت، وفاح منها الأريج والعبير، يشم ريحها كل مَن يمر بها.

 

إن هذا العطر الفوَّاح لَيفوح حتى من المنافق، إذا كان طيب الظاهر، لكنْ لا ثمرةَ تُنتظَر منه، ليُنتفع منها، ويُسْتَمْتَع بها، ويُسْتَلَذُّ بطعمها. يقول الرسول الكريم -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، مَثَلُ الْأُتْرُجَّةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ التَّمْرَةِ، لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ، لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ"[ البخاري (5427 ) مسلم (797)  ].

 

صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].

 

 

 

 

المرفقات

الشخصية بالتربية

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات